إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ
ص 22 - 25
الدر المنثور في التفسير المأثور تأليف أبو بكر السيوطي. ط.1. بيروت لبنان دار الكتب العلمية، 1990
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. أن داود عليه السلام حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم، فقيل له إنك ستبتلى وستعلم اليوم الذي تبتلى فيه، فخذ حذرك فقيل له: هذا اليوم الذي تبتلى فيه، فأخذ الزبور، ودخل المحراب، وأغلق باب المحراب، وأدخل الزبور في حجره، وأقعد منصفا على الباب، وقال لا تأذن لأحد علي اليوم. فبينما هو يقرأ الزببور إذ جاء طائر مذهب كأحسن ما يكون للطير، فيه من كل لون، فجعل يدرج بين يديه، فدنا منه، فأمكن أن يأخذه، فتناوله بيده ليأخذه، فطار فوقه على كوة المحراب، فدنا منه ليأخذه، فطار فأشرف عليه لينظر أين وقع،فإذا هو بامرأة عند بركتها تغتسل من الحيض، فلما رأت ظله حركت رأسها، فغطت جسدها أجمع بشعرها، وكان زوجها غازيا في سبيل الله، فكتب داود عليه السلام إلى رأس الغزاة. انظر فاجعله في حملة التابوت، أما أن يفتح عليهم، وإما أن يقتلوا. فقدمه في حملة التابوت فقتل.
فلما انقضت عدتها خطبها داود عليه السلام، فاشترطت عليه إن ولدت غلاما أن يكون الخليفة من بعده، وأشهدت عليه خمسا من بني إسرائيل، وكتبت عليه بذلك كتابا، فأشعر بنفسه أنه كتب حتى ولدت سليمان عليه الصلاة والسلام وشب، فتسور عليه الملكان المحراب، فكان شأنهما ما قص الله تعالى في كتابه، وخر داود عليه السلام ساجدا، فغفر الله له، وتاب عليه.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن أبي حاتم بسند ضعيف عن أنس رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن داود عليه السلام حين نظر إلى المرأة قطع على بني إسرائيل، وأوصى صاحب الجيش فقال: إذا حضر العدو تضرب فلانا بين يدي التابوت، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به، من قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل، أو ينهزم منه الجيش. فقتل وتزوج المرأة، ونزل الملكان على داود عليه السلام، فسجد فمكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، فأكلت الأرض جبينه وهو يقول في سجوده: رب زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب. رب إن لم ترحم ضعف داود، وتغفر ذنوبه جعلت ذنبه حديثا في المخلوق من بعده.