إذا فالمعنى المألوف لاصطلاح الوفاة في أغلبية النصوص القرآنية والأحاديث، إلا ما اقتضت به القرينة، هو الموت. ولا جدوى من السفسطة الكلامية التي من شأنها أن تولد بلبلة في عقول الناس وتنأى بهم عن الحقيقة. والواقع لو كان المقصود من لفظة "متوفيك" هو إنهاء مدة إقامة المسيح على الأرض برفعه لما كان هناك حاجة إلى القول "إني متوفيك" إذ يمكن أن ترد العبارة، بكل بساطة "إني رافعك إليّ" من غير متوفيك.
ولكن قد يتساءل البعض ويقول:كيف يمكن أن توفق بين ما ذكرته آنفاً وبين الآية الواردة في سورة النساء 4: 157:
"وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَاً".
لكي نجيب عن هذا السؤال لا بد أن نلقي بعض الأضواء على طائفة من الحقائق التي من شأنها أن تبدد بعض ما يكتنف هذه الآية من غموض ما برح مفسرو المسلمين يتخبطون في متاهاته. وأهم هذه الحقائق هي:
إن الآية تقول: "َمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ..." وكل ذلك لا ينفي إطلاقاً موته ولو موتاً طبيعياً. قد تنفي موته قتلاً أو صلباً إن أخذناها على ظاهر النص. ولكنها لا تستبعد الموت الطبيعي. وأرى أن هذا الاعتبار يتفق تمام الاتفاق مع ما ألمحنا إليه سابقاً بما يختص بلفظة متوفيك، ولا سيما إذا تحررنا من سفسطات المفسرين الذين رأوا في وقوع الموت على عيسى تهديداً لكل ما أشاعوه من تفسيرات تهرباً من تاريخية موت المسيح. فموت المسيح معناه تفنيد الادعاء بموت مستقبلي عند رجوعه في آخر الزمان وبالتالي تثبت الآيات القرآنية صحة دعوى المسيحيين عن موت المسيح ، وهذا أمر يأباه المسلمون. ثم إن كان المسيح قد مات حقاً فلا يجوز حكماً أن يموت ثانية، لأن موت المسيح كان من أجل فداء الإنسان، وقد دفع الثمن غالياً مرة وإلى الأبد. وفي هذه الحالة لم يكن موت المسيح كموت أي إنسان عادي لارتباطه الوثيق بخلاص الجنس البشري وفقاً للخطة الإلهية المباركة.
ورد في رسائل إخوان الصفاء - وهي حركة دينية سياسية علمية ظهرت في العصر العباسي - ما نصه:
ولما أراد الله تعالى أن يتوفاه (المسيح) ويرفعه إليه، اجتمع معه حواريوه في بيت المقدس، في غرفة واحدة مع أصحابه وقال: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم. وأنا أوصيكم بوصية قبل مفارقة لاهوتي. وآخذ عليكم عهداً وميثاقاً. فمن قبل وصيتي وأوفى بعهدي كان معي غداً ومن لم يقبل وصيتي فلست منه في شيء ولا هو مني في شيء.
... وخرج من الغد وظهر للناس، وجعل يدعوهم ويذكرهم ويعظهم، حتى أُخذ وحمل إلى ملك بني إسرائيل، فأمر بصلبه. فصُلب ناسوته، وسُمِّرت يداه على خشبتي الصليب، وبقي مصلوباً من صحوة النهار إلى العصر. وطلب الماء فسقي الخل، وطُعن بالحربة، ثم دُفن مكان الخشبة. ووُكِّل بالقبر أربعون نفراً. وهذا كله بحضرة أصحابه وحوارييه[7] .
هذا الشاهد وإن ورد في وثيقة متأخرة قليلاً عن عصر محمد فإنه ينطوي على حقيقة هامة، وهي أن بعضاً من المفكرين المسلمين في ذلك العهد قد فهموا النصوص القرآنية فهماً مخالفاً للتأويلات الإسلامية التقليدية، واستطاعوا بتجرد موضوعي أن يتحرروا من طغيان المفسرين المشوّه.
ونجد في عبارة "وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَاً" المبتورة تأكيداً غير مباشر على موت المسيح قتلاً أو صلباً، لأنها تتبع حكماً ما سبق من قوله: "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ". فما هو مصدر هذا اليقين؟ لقد أثبتنا بالأدلة المفحمة أن المسيح قد مات مصلوباً، ولكن عملية الصلب هذه كانت المرحلة الأولى في درب الفداء. أما المرحلة الثانية فقد تكللت بالقيامة، أي إن مصدر اليقين هو القيامة التي أحبطت مؤامرات أعداء المسيح، فكان المسيح في قيامته وكأنه لم يُصلب أو يُقتل لأنه خرج من المعركة حياً ظافراً.
انسان بلا حدود
CHEGUEVARA
انني احس على وجهي بألم كل صفعة توجه الى مظلوم في هذه الدنيا ، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني.
EYE IN EYE MAKE THE WORLD EVIL
"أما أنا فقد تعلمت أن أنسى كثيرًا، وأطلب العفو كثيرًا"
الأنسان والأنسانية
|