عرض مشاركة واحدة
قديم 03/12/2005   #2
شب و شيخ الشباب أمير المحبين
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ أمير المحبين
أمير المحبين is offline
 
نورنا ب:
Jul 2005
المطرح:
في أقصى مجاهل الكون
مشاركات:
320

افتراضي


عفو الظاهر في لغط شوية بالموضوع خلينا اعيده بشكل مرتب
مع التغيير الكبير الحاصل في دمشق اليوم .. لابد وأن نسجل حقيقة دمشق كما عرفناها وعشنا فيها .. والتي لم نعد نعرفها اليوم .. ؟

وهذا الموضوع هو سرد سيأخذني بالتتابع .. من فكرة الى التي تليها ..وقد أعود الى سابقتها .. وأمضي في السرد بشكل يرتبط مع ما تبقى في الذاكرة .. عندي وعند من أعرفهم ..

ولندخل معاً الى حارات الشام ..

أول ما يلفت النظر في حياة الأحياء القديمة في دمشق أن هذه الأحياء كانت شبه مغلقة على أهلها .. فالناس تعرف بعضها بعضاً .. ويعرفون الولد والصهر والحفيد والنسيب والغريب المار بالصدفة .. والدكاكين التي كانت على الأغلب في ( مصلبة ) الحي وكان أصحابها يعرفون الناس ومن مر منهم ومن تخلف عن الخروج .. ويستثنى من ذلك ما كان شارعاً عاماً و ( زقاقاً ) يوصل الى حي آخر ..

كانت بعض الطرقات الصغيرة التي لا منفذ لها تسمى ( الدخلة ) ولها باب ضخم من الخارج ويغلق ( الدخلة ) بكاملها .. وهذا الباب الكبير أو ( الرتاج ) لغة ويسمى ( باب خوخة ) في اصطلاح الدماشقة .. مصنوع من الخشب وفي وسطه باب صغير يدخل منه الناس إذا كان الكبير مغلقاً لأمر ما .. وهذا ما استدعاه انعدام الأمن في عهود ماضية طويلة .. وما يزال بعض هذه الأبواب موجوداً حتى الآن كما في دخلة المفتي المتفرعة من سوق ساروجة

صورة باب خوخة
[/c]

شيئ آخر يلفت النظر في الأحياء القديمة وهو تعرج الأزقة وضيقها أحياناً وهو ما يستغربه المرء لاسيما أن أهل دمشق يملكون الفكر الهندسي ملكاً تاماً بدليل أن نظام المياه في دمشق عجيب و ( مدوزن ) بحيث تنساب المياه بسلاسة من بيت الى بيت ولولا ذلك لاختل التوزيع .. كما أن توجيه البيوت نحو القبلة كان يسمح للشمس بأن تدخل الى صدر الغرف شتاءً وذلك لأن مدارها في بلادنا يكون قريباً من الافق في الشتاء .. أما في الصيف فلا تدخل الغرف مطلقاً لأن مدارها يكون في سمت السماء وقلبها .. فمن يحسن توجيه البيوت ودوزنة المياه لا يعسر عليه أن يجعل الأزقة مستقيمة لو شاء ..

صورة تعرج الأزقة
[/c]

لكنني عرفت السر من حديثي مع كبار السن في دمشق الذين قالوا لي : إن هذا أفضل لسببين ..
- الأول أمني .. فبذلك يسهل الدفاع عن الأزقة إذا هوجمت ولا يرى المهاجم الطريق حتى آخره ولا من يكمن له في المنعطف ..
- الثاني اجتماعي .. لأن النساء يخرجن في النهار من بيت الى بيت مجاور أو مقابل .. دون أن يراهنّ أحد لأن الأزقة متعرجة تحجب الرؤية من بعيد .. وكان من عادة أهل دمشق أن السائر في زقاق ضيق أو حارة يجب أن يعلن عن قدومه بأن يظل يقول بصوت عال : يا الله .. يا ستار .. فتحس به سيدات البيوت ويغلقن الأبواب ..

البيوت القديمة في دمشق تتعانق من الأعلى .. واذا اتصل بيت ببيت أو كاد بنوع من الشرفة التي تلاصق الشرفة المقابلة فإن ما تحتهما يكون مغطى ويسمى في دمشق ( السيباط ) وهي مأخوذة من كلمة ( ساباط ) الفصيحة





صورة السيباط
[/c]

وقد جاء تفسير ذلك التزاحم واستغلال الطرقات في كتاب تاريخ الصالحية ( ابن طولون ) حيث قال أن غارات ( الهمج ) الصليبيين التي كانت في القرن السادس الهجري حملت سكان القرى والأرباض حول دمشق على الخوف والهرب الى داخل سور دمشق فصار عدد سكانها أضعاف ما كانوا عليه .. فضاقت الأزقة واختفت الرحبات وبرزت الغرف على الطرقات .. فلما جاء السلطان محمود بن زنكي الشهير بنور الدين الشهيد في عام 549 هجري الموافق 1387 ميلادي تقريبا .. فقد تنفس الناس ارتياحاً وانفرجوا وعادوا يؤسسون خارج السور أحياء جديدة أولها على الاطلاق .. حي العقيبة .. وعاد الناس الى سكنى ( بيت لهيا ) و ( مقرى ) و ( النيرب ) و ( الربوة ) .. ثم تأسست الصالحية ..

ولذلك نرى أن البيوت الكبيرة داخل سور دمشق قليلة جداً وأكثر البيوت صغيرة جداً أيضاً ومتلاصقة مما أظهر كل حارة أو حي كأن لها سقفاً واحداً .. مما أعطى دمشق القديمة طابعاً متميزاً فريداً للتعايش بين البشر في مساحة صغيرة وبتقاليد تحتم عليهم جميعاً استمرار ذلك التعايش الذي فرض نفسه قانوناً صارماً غير مكتوب ..

أما نتائج ذلك التقارب بين البيوت فكان منها تسهيل أعمال الثوار أيام الاحتلال الهمجي الفرنسي .. إذ أن الأسطحة المتلاصقة كانت تسمح بإختفاء المطلوبين من قبل همج فرنسا .. وكلما بلغ المطلوب سطحاً صاح ( يا الله ) حتى تخلي النساء له الطريق ..... أما في غير ذلك من الأوقات فلا يصعد رجل الى الاسطوح الا لعمل ضروري وبعد التنبيه المسبق بـ ( ياالله ويا ستار ) .. أما لفظ ( دستور ) فهو دخيل على مجتمعنا اريد به السخرية والخلط ..

قال المعتمد بن عباد أمير اشبيليا بعد نفيه الى أغمات سنة488 هج
غــريب بــأرض المغـربين أسـير= ســيبكي عليــه منــبر وســرير
وتندبــه البيــض الصـوارم والقنـا= وينهـــل دمــع بينهــن غزيــر
بــرأي مـن الدهـر المضلـل فاسـد =متــى صلحـت للصـالحين دهـور?
فيـا ليـت شـعري هـل أبيتـن ليلـة= أمــامي وخــلفي روضـة وغديـر
قضـى اللـه في (حمص) الحمام وبعثرت=هنـــالك منــاللنشــور قبــور

آخر تعديل أمير المحبين يوم 03/12/2005 في 22:11.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05796 seconds with 11 queries