إن القراءة السطحية وليست العميقة لهذا الحوار في حال صحته وثبت بالبصمة الصوتية يعتبر بان إسقاط الحكومة اللبنانية برئاسة الحريري يتطلب وجود قضايا مطلبيه للعمال والتظاهر ضد الحكومة تمهيدا لإسقاطها .
فهل من حق السيد ميليس أن يتغاضى عن هذا الحق أو يغفله قصدا إذا كان لا يؤدي إلى المشاركة أو المساهمة في عملية الاغتيال .
وإذا كانت طريقة تغيير رئيس الحكومة بالطرق والوسائل السلمية ، لماذا يفترض السيد ميليس افتراضات أخرى خارجة عن السياق الحقيقي للحوار ، إن قراءة أي نص أو حوار تفترض قراءات متعددة مع اختلاف القراء وزاوية الرؤية لكل قارئ ، ولا يحق للسيد ميليس أن يقوم بإكراه النص لقراءة واحدة هي قراءته الشخصية بعيدا عن السياقات الأخرى .
تعدد المتهمين :
إذا كانت سورية والأجهزة الأمنية اللبنانية والأحباش والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة وإشارات أخرى لمتهمين آخرين هي المسؤولة عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كما جاء في تقرير ميليس ، فهل كانت مهمة التحقيق توسيع دائرة المتهمين ونسج خيوط جديدة في التحقيق ، أم غايته الوصول للحقيقة والتي تسعى سورية ولبنان والعالم لمعرفتها ؟!
ويبدو ان السيد ميليس سعى لتوسيع دائرة الاتهام لأسباب واعتبارات تجد ضرورتها وأسبابها في الاستعجال في نشر التقرير وقبل اكتمال التحقيقات فما غاية ومبرر ذلك لدى السيد ميليس ؟!
سرية التحقيق :
تتفق جميع تشريعات العالم على مبدأ سرية التحقيق ولا يجوز كشف أسماء الشهود وأقوالهم والأدلة المقدمة ووسائل الإثبات الأخرى إلا بعد الانتهاء من أعمال التحقيق وصدور القرار النهائي فهل السيد ميليس جاهل بالقانون وأصول المحاكمات الجزائية المعمول فيها في لبنان وبقية دول العالم ، أم أن السيد ميليس سعى من خلال نشر التقرير وقبل اكتمال إجراءات التحقيق لأغراض أخرى خارجة عن مقتضيات التحقيق وأصوله وطرقه المعروفة ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تفترض عدة قراءات وعدة إجابات ومنها أن السيد ميليس قام فعلا بتسييس التقرير وأراد المساومة على نتائجه ، لأن المبادئ العامة في القانون لا تجيز نشر أسماء الشهود والأدلة إلا بعد اكتمال جميع التحقيقات مهما كانت ظروف التحقيق صعبة وقاسية وعلى درجة كبيرة من الدقة ، ولكن السيد ميليس قرر الاستعجال في نشر نتائج التحقيق ، لأسباب وغايات أرادها ميليس أو أطراف أخرى تسعى ومن خلال هذا التقرير غير المكتمل للوصول لاغراض سياسية محددة ولا أريد الخوض في هذه الأغراض لأنها أصبحت معروفة جيدا ، وهي تدجين سورية وإعادتها للحظيرة الأمريكية .
بما يتفق مع مشروع الشرق الأوسط الكبير والتسليم بالسيطرة الصهيونية الجديدة على العالم .
الشك والشبهة والظن والاتهام :
إن المبادئ العامة في القانون في جميع دول العالم تؤكد بان الشك والشبهة والظن لا تصلح مستندا للإدانة والاتهام والمراجعة البسيطة لتقرير ميليس تدل دلالة واضحة إن الأساس الذي بني عليه قائمة على الشك والشبهة والظن ، ولذلك جاءت عبارات (يظن ويتوقع ويفترض ومن غير المحتمل وغيرها ) لتكون أساس التقرير ولغة خطابه وهذه اللغة الاحتمالية المتعددة الوجوه والافتراضات والاحتمالات لا تشكل الأساس القانوني للتحقيق فهل أراد السيد ميليس هذه اللغة وقصدها لأسباب واعتبارات أخرى أم أن السيد ميليس يجهل ابسط المبادئ في القانون ؟!!
مسؤولية ميليس الجزائية :
إن القانون في جميع دول العالم يعاقب على نشر التحقيقات الأولية وقبل صدور القرار النهائي ، وإذا كان السيد ميليس قد سرب نتائج التحقيق لوسائل الإعلام المختلفة وقبل صدور التقرير ، فان السيد ميليس يتحمل المسؤولية الجزائية بسبب أعمال النشر التي سبقت صدور التقرير ، وإذا كان السيد ميليس عادلا ونزيها في أعمال التحقيق إذا كان يدعي بأنه قد فوجئ بنشر أجزاء من التقرير وقبل صدوره فإن ذلك يتطلب منه واحتراما لشخصه ومكانته العلمية التنحي عن متابعة أعمال التحقيق ، مع الأخذ بعين الاعتبار حق الأطراف المتضررة من النشر في مقاضاة السيد ميليس .
قصص وروايات :
يبدو أن السيد ميليس مغرم بالقصص والروايات ولذلك يصدق الراوي مهما كانت القصة أو الرواية تحمل من وهم أو تخيل أو مفارقة عن الواقع ولقد استمع السيد ميليس إلى مجموعة من القصص والروايات البعض منها تناولته وسائل الإعلام قبل البدء في التحقيق ثم أصبح هذا الوهم حقيقة في تقرير ميليس وذلك بناء على أقوال مجموعة من الشهود، فإن مناقشة هذه الشهادات لا ينتقص من شخصياتهم أو ينال منها وغايته كشف الحقيقة ومعرفة الفاعلين الحقيقيين في جريمة الاغتيال .
إن الجميع يعرف بأن الخلافات مابين الشهود المذكورين والسلطة السورية بسبب ممارسات خاطئة لبعض المسؤولين في لبنان وهذا ما أكده الرئيس السوري في لقاءات وحوارات سابقة، ولكن نحن أمام جريمة قتل مروعة وعلى الجميع أن يضع الحقيقة التي ندافع ويدافع السيد سعد الحريري وبقية الشهود عنها ، والحقيقة في شهادة الشهود يجب أن تكون بعيدة عن العداوات والخلافات السابقة مع السلطة السورية ، لأنه من الشروط الواجب توفرها في الشاهد الحياد والموضوعية والنزاهة وعدم وجود عداوة سابقة مع أحد أطراف القضية ، ولا يجوز سماع الشاهد إذا كانت العداوة شديدة ووصلت لمرحلة من تبادل التهم وتجييش الشارع اللبناني ضد سورية ، ولا أريد الدخول في مناقشة مدى مشروعية أو عدم مشروعية ما يفعله الشهود المذكورون بسبب الخلاف مع السلطة السورية وانعكاس ذلك على علاقة الشعبين بعد الاغتيالات وأعمال القتل لعدد من العمال السوريين ، وإنما نسعى للوصول إلى الحقيقة التي يسعى إليها السيد سعد الحريري ويسعى إليها جميع الشرفاء المدافعين عن الحقيقة في العالم .
فإذا كانت هذه الخلافات ما بين الشهود والسلطة السورية قد وصلت إلى درجة من العداوة المانعة من الشهادة هل يحق للسيد ميليس أن يبني تقريره على شهادة الشهود المذكورين وما هي أهمية التقرير إذا شابته عيوب قانونية وأخطاء في الإجراءات لان جميع قوانين أصول المحاكمات الجزائية في لبنان وألمانيا وفرنسا والعالم تمنع شهادة الشاهد إذا كانت بينه وبين أحد المتهمين عداوة وخلافات ، ولا يستطيع أحد من الشهود المذكورين أن ينفي ذلك ، لأن أقوالهم وتصريحاتهم في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة تؤكد ذلك ، وفي حال أهدر السيد ميليس من تقريره شهادة الشهود المذكورين ماذا يبقى في تقريره من أدلة ووسائل إثبات ضد سورية .
قصة الصديق :
تطرق التقرير من الفقرة /104/ وحتى الفقرة /116/ إلى الحديث عن زهير بن محمد سعيد الصديق ، وهذا الشاهد المحكوم والملاحق قضائيا في سورية من أجل عدد من الجرائم ، حاول التقرير أن يعطيه دور الشاهد) السوبر مان( الذي يعرف كل شئ )أعطى تفاصيل ومعلومات عن المهمة المتعلقة بالجريمة وتفاصيل كل واحد (وهذا يفترض حسب لغة التقرير أن يكون الصديق هو المنسق العام لعملية الاغتيال ، وهو الذي قام بتوزيع الأدوار والمهمات ، كما أن الشاهد الصديق كما جاء في التقرير كلي القدرة والمعرفة وحيث ورد في الفقرة( /106/ السيد صديق صرح أن قرار اغتيال السيد الحريري اتخذ في سورية بعد اجتماع سري في لبنان بين مسؤولين لبنانيين كبار وضباط سوريين ...(
ولقد استخدم التقرير كلمة )صرح(بدلا من عبارة )اعترف( والصديق أبلغ أن الـTNTوبعض المتفجرات الخاصة استخدمت بهدف توجيه الشبهة نحو مجموعات إسلامية ... ويبدو أن مسرحية الصديق تنتهي في الفقرة /115/من التقرير حيث جاء فيها ) حقيقة أن السيد صديق ورط نفسه في الاغتيال ما أدى في النهاية إلى توقيفه ، وأضف مصداقيته )يبدو أن زهير الصديق الذي ارتكب عدة جرائم في سورية ووجد في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري فرصة للثراء فتقدم إلى لجنة التحقيق بهذه القصة ليقبض ثمنها إلا أن أمر توقيفه في /16/ تشرين الأول إما أن يكون أحد ضرورات الحبكة في هذه القصة أو مشهدا من مشاهد هذه المسرحية اللامعقولة التي لا يمكن للعقل أو المنطق أن يصدقها إلا إذا كان مغرما بمسرحيات العبث أو اللامعقول .
وإذا كان الصديق مجرما وفارا وأراد النيل من سورية لأسباب ذاتية وشخصية فهل تقبل شهادته في وقت تعد الجرائم التي ارتكبها جرائم تمنعه من الشهادة ؟!
مقدمات / نتائج :
إذا كانت جميع المقدمات الخاطئة في تقرير السيد ميليس تنال منه من حيث تعدد الأطراف المشتبه في تورطها واللغة الافتراضية العائمة التي تستند للشك والشبهة والظن في كتابة التقرير ، وافتراض جهات مجهولة أخرى لم يكشف التحقيق عنها وترك الباب مفتوحا للتأويل والافتراض وإعادة استمرار التحقيق وتسريب التحقيقات لوسائل الإعلام ونتائجها وقبل صدور التقرير ونشره والمسؤولية الجزائية الشخصية التي يمكن أن يتحملها السيد ميليس بسبب ذلك.
وهل استطاع السيد ميليس كشف الجناة الحقيقيين ونأمل أن تساهم إعادة القراءة لتقرير ميليس في كشف الجريمة الجديدة في هذا التقرير وهي تضليل العدالة .
بقلم : المحامي أحمد مشوّل ( تشرين )
ســــــــــــــــــوريا قلعة الصمود العربي
|