عرض مشاركة واحدة
قديم 13/11/2005   #1
شب و شيخ الشباب السيد المكاوي
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ السيد المكاوي
السيد المكاوي is offline
 
نورنا ب:
Oct 2005
مشاركات:
964

افتراضي تكفير العالم والناس


هل نستطيع فتح ملفات اللاهوت الإسلامي في ظلِّ ثقافة أحادية قمعية؟! إن هذه المغامرة جديرة بالنقاش، مادام الإنسان، في المآل الأخير، هو مجرَّد سؤال!
فلو استطعنا، جدلاً، تفنيد المقولات الأساسية في اللاهوت الإسلامي – وهذا احتمال قائم على كلِّ حال – لا يمكن لنا التنبؤ بالحدود التي قد تصل إليها المغامرةُ باستخدام العقل! وعلى الرغم من ذلك كلِّه، سيبقى الدين ذا حضور مجتمعي لافت، مادام الإنسان عاجزًا عن حلِّ ألغاز الحياة والموت والماورائيات.
سيردُّ علينا كثيرٌ من رجال الدين قائلين بأفضلية القرآن على العقل، وبأن الإسلام لا يحتاج إلى التطوير: فهو، كمنظومة أيقونية نهائية، غير قابل للبحث – أي لإعمال العقل – باعتباره صالحًا لكلِّ زمان ومكان، وبأن «الدين عند الله الإسلام» (آل عمران 19). فالإسلام كائن مكتفٍ بذاته، ويستطيع إيجاد الحلول للناس والمجتمعات والعقول، في حين أنه غنيٌّ عنها – وهذا لأن الإسلام، من وجهة نظرهم، «أيقونة» هائلة منجزة، ذات مصدر إلهي؛ وقد تكفَّل الله باستمرارية انتصاره وضمانه حتى النهاية: «إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون» (الحجر 9)، «لا غالب إلا الله»، «فإن حزب الله هم الغالبون» (المائدة 56).
نزع القداسة وضرورته
إن نقطة البدء الحاسمة في تطوير اللاهوت الإسلامي تكمن في نَزْع القداسة، وإقناع المسلمين بضرورة طَرْحٍ كهذا وفائدته. غير أن مصطلح «نزع القداسة»désacralisation سيء السمعة لدى المتلقِّي في المجتمعات العربية والإسلامية؛ وهو يستفز المسلمين، ويدفعهم إلى التشكيك به، بل وإلى اتهام القائلين به بأنهم يسعون إلى ربط الإسلام بـ«دوائر الضلال»، معتبرين إياه، من منظورهم، «مؤامرة» مفضوحة على الإسلام: فالمسلم الپاكستاني سيعتبرها مؤامرةً هندوسية؛ والمسلم التايلندي سيعتبرها مؤامرةً بوذية؛ والمسلم العربي سيعتبرها مؤامرةً يهودية؛ والمسلم النيجري سيعتبرها مؤامرةً مسيحية – وهذا لأن مصطلح "نزع القداسة" يُفهَم فهمًا شعبويًّا؛ وفي مجتمعات رجال الدين، يُفهَم بوصفه يهدف إلى تدمير المقدَّس الإسلامي لصالح مقدَّس «الأعداء»!
وفي ظلِّ السيطرة المطلقة لهذا «المقدَّس» على عقول المسلمين وضمائرهم، يتعذر طرحُ أية تساؤلات جوهرية. وبذا سيكتفي رجال الدين باجترار مقولات المتأخرين، وبالعمل على توسيع مساحة التقديس، لتشمل شخوصَهم وآراءهم؛ في حين أن نزع القداسة ضرورة مرحلية تُمليها ظروفُ البحث العلمي الجادِّ في أية ظاهرة. وعندما تكون هذه الظاهرة دينية، تغدو الحاجةُ إلى نزع القداسة أكثر إلحاحًا، لأن البحث العلمي إنما ينطلق من الشكِّ بغية الوصول إلى الحقيقة، أو الحقائق، بينما المقدَّس يتأسَّس على مسلَّمات لا يَطالها الشك.
وقد يقول قائل: إن نزع القداسة عن فكرة الألوهية، مثلاً، يهدم الدين من أسُسه. ونقول: إن نزع القداسة ضرورة مرحلية، وليس هدفًا في ذاته. فمن خلال البحث في مفهوم الألوهية يمكن تبنِّي خيار الإيمان القائم على الحرية. ونزع القداسة لا يقتضي الإلحادَ أو الثنوية، بل البحث في ماهية مفهوم الإله، وفي ماهية العلاقة التي تربط بين الإله والإنسان؛ الأمر الذي سوف يؤكد على احتمالات متعددة، ذات طبيعة صراعية غير قابلة للحسم دون تدخُّل من سلطة زمنية ما. وإن استثمار هذه الحالة التعددية في المجتمع سيفسح المجال لمناخ تَداوُلي، عقلاني، يحلُّ محلَّ المناخ الأحادي القمعي الذي ينظر إلى الدين وكأنه طائفة أو عصبية.

آخر تعديل السيد المكاوي يوم 13/11/2005 في 22:46.
 
 
Page generated in 0.03646 seconds with 10 queries