توثيق النص القرآني أرجو التثبيييييت لأهمية الموضوع لو سمحتم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا وشفيعنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين
أما بعد:
لقد قرأت استفسارات من الإخوة النصارى عن قصة إحراق عثمان بن عفان رضي الله عنه لمصاحف بعض الصحابة في أكثر من موضوع فكتبت ما أعلمه عن الموضوع ولكنني وعدت بالاطلاع على تفصيل لهذه الشبهة لأضعها بين أيديكم علها تكون الكافية بإذن الله تعالى
ولكن لكثرة مشاغلي وضرورة البحث تأخرت في الرد فأرجو أن تقبلوا عذري
بدأت البحث في كتاب توثيق النص القرآني لخالد عبد الرحمن العك ثم عرجت على كتاب مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني ولكني وجدت نفسي قد اتسعت في الموضوع كثيرا ويجب علي أن أنقل إليكم المختصر المفيد مع أنني استفدت كثيرا من البحث وتقبلوا شكري العميق لما تحثونني عليه من الاطلاع على أمور كثيرة في ديني ربما لم تكن تخطر في بالي من قبل بل حتى وزادت في إيماني فلله الحمد والمنة
وأنا على هذه الحال وقد وجدت صعوبة في الاختصار قالت لي ابنتي : لماذا تتعبين نفسك وتوسعين عليك في الجهد كل ما تطلبين ندرسه الآن في كتاب تاريخ التشريع الإسلامي ( هي طالبة في الصف الأول الثانوي في الثانوية الشرعية ) فاطلعت عليه وبالفعل وجدت فيه بغيتي وشعرت أن الله يريد منا فقط بذل الجهد والصبر في سبيل ما يرضيه ثم هو الميسر لما بعدها جل وعلا
1- القرآن الكريم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم :
من المجمع عليه أن القرآن الكريم نزل مفرقا في حوالي ثلاث وعشرين سنة على حسب الحاجات والوقائع وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في حفظه ويطلب من أصحابه أن يحفظوه ثم طلب من بعض الصحابة الذين يكتبون أن يكتبوا القرآن الكريم على ما تيسر من أدوات الكتابة في زمانهم ثم يوضع المكتوب في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من كتاب الوحي الخلفاء الراشدين وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وكان كثيرا من الصحابة يحفظون القرآن الكريم في صدورهم منهم معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وعبد الله ابن مسعود بالإضافة إلى كتاب الوحي رضي الله عنهم جميعا ولقد ذكرت هؤلاء ليس للحصر بل كان غيرهم الكثير من الحفاظ منهم من حفظه كله ومنهم من حفظ بعضه
وبهذا يكون القرآن الكريم محفوظا في الصدور ومكتوبا في الرقاع واللخاف إلا أنه لم يكن مجموعا في مصحف واحد
2- القرآن الكريم في عصر أبو بكر الصديق رضي الله عنه :
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبو بكر الصديق قتل في معركة اليمامة تقريبا سبعين صحابي كلهم من الحفاظ فظهرت الحاجة لجمع القرآن الكريم وترتيبه في مصحف واحد خشية الضياع روى البخاري في صحيحه : ( أن زيد بن ثابت قال : أرسل إلي أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي الله عنه : إن عمر أتاني فقال : إن القتل استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب قرآن كثير وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر : هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه والله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهم جميعا ) وبهذا يكونون قد استوثقوا بكل ما هو مكتوب بإقرار من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعتمدوا على الحفظ فقط
ولقد اختار أبو بكر الصديق رضي الله عنه زيد بن ثابت لعدة أسباب :
- أنه كان من كتاب الوحي يسمعون من فيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدونون ما يسمعون أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم
- أنه كان أيضا من حفاظ القرآن الكريم كاملا وبالقراءة التي كان يقرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
- كان آخر من عرض القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضوان الله عليهم جميعا وأقره عليه
وهكذا تم جمع القرآن الكريم ولم يمض على وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة مع ما اعتمد من توثيق الكتابة بالحفظ وتوثيق الحفظ بالكتابة ولم يكتفوا بواحدة منهما مع أنهم اشترطوا على كل من أدلى بشيء من القرآن الكريم سواء كان محفوظا أو مكتوبا أن يأتي بشاهدين يشهدان أنه قد فعل ذلك بإقرار من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعتمدوا على حفظهم الفردي أو كتابتهم الفردية ولقد أقر جميع الصحابة في ذاك الزمن على هذا المصحف فكان إجماعا قويا ومؤيدا بالتواتر
3- القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان
هنا طرأ أمر جديد على القرآن الكريم وهو نسخ النسخة الأصلية في عدة مصاحف وتوزيعها على الأمصار الإسلامية وذلك لاختلاف المسلمين في القراءة ولوجود بعض الآيات المنسوخة أو بعض التعليقات في مصاحف بعض الصحابة فلزم تعميم النسخة الأصلية من المصحف حتى لا يختلط كلام البشر بكلام الله عز وجل مع أن هذا الفعل قد أغضب بعضا من أصحاب هذه المصاحف لأنه قد أودع بعضا مما قد ألهمه الله من شروح وتوضيحات وهذه الأمور تكون غالية بالنسبة لأصحابها ولكن في مثل هذه الأمور ترجح المصلحة العامة على المصالح الشخصية
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينيا وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة رضي الله عنها أن أرسلي إلينا بالمصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان رضي الله عنه الصحف إلى حفصة فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق )
والآفاق التي وزعت عليها المصاحف هي : مكة – الشام – البصرة – الكوفة – المدينة وأبقى عثمان رضي الله عنه لنفسه مصحفا عرف بالمصحف الإمام ووضعت هذه المصاحف في جوامع الأمصار يقرأ منها القراء ويرجع إليها الحفاظ وينقلون عنها بلا تغيير ولا تبديل حتى مصحف سيدنا عثمان رضي الله عنه وأرضاه لا يزال حتى يومنا هذا في متحف تركيا
ويلاحظ في عملية النسخ في عصر سيدنا عثمان رضي الله عنه :
1- إن هذه العملية هي نقل عن المصحف الذي كتب في عصر أبي بكر الصديق رضي الله عنه
2- إنها كانت على وفق لغة قريش وبهذا وحدت لهجات العرب في لهجة قريش
3- إن هذه المصاحف قد وافق عليها الصحابة وأجمعوا أن ما فيها هو القرآن الكريم من غير زيادة أو نقصان
4- إن هذه المصاحف عنها كتب العالم الإسلامي المصاحف التي بين أيديهم فلذلك لا نرى مصحفا يختلف عن مصحف حتى يومنا هذا
وكما رأيتم فإن تدوين القرآن قد تم في زمن الصحابة الذين عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم وحفظوه من فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن المستحيل اجتماع أمة بكاملها إلا على حق
حتى في العصور التي تلت عصر الصحابة كان لا يعتمد على حافظ القرآن حتى يسمع له حافظ متقن مجاز في القرآن الكريم ويجيزه في حفظه ولا يزال هذا الأمر – أمر الإجازة – حتى يومنا هذا ولله الحمد
وأخيرا لا يمكننا إلا أن نقول كما قال الله في كتابه العزيز : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
فمهما فعل أعداء الإسلام وتآمروا على أن يحرفوا هذا الكتاب فلن يستطيعوا حتى ولو أحرقوا كل النسخ الموجودة من القرآن الكريم لأن الله تكفل بحفظه ولأن كثيرا من المسلمين يحفظونه في صدورهم عن ظهر قلب
فالحمد لله على نعمة الإسلام
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله
قال تعالى : (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )
إلى كل حر يضع عقيدته من وراء عقله...
ويطلق عقله من أسر إرادته ....
يفكر .... ليختار الذي يريد ...
ولا يريد ليفرض على عقله كيف يفكر ....
أهدي كلماتي
|