4- هدف نجاد من تصريحاته ، هو استرجاع شعبيته التي فقدها بسبب فشله في تحقيق وعوده الانتخابية التي قطعها على نفسه . فما يقصده في حقيقة الأمر منها ليس محو إسرائيل من الوجود ، وإنما إفساح المجال لقيام دولة جديدة تضم العرب واليهود معا .
5- تصريحات نجاد تعود لأسباب دينية وأيديولوجية بحتة ، فهو يرى أن مشكلة إسرائيل تكمن في أنها زرعت في محيط إسلامي لا يؤمّن لها السلامة ، لذا فإن على الإسرائيليين - في نظره - أن يبحثوا عن ارض أخرى يرحلون إليها ، متجاهلاً بذلك حقيقة مؤداها أن إسرائيل باتت من أقوى دول المنطقة عسكرياً ، ومن ثم فإن الحديث عن إزالتها من الوجود يعتبر جهلاً بالواقع ومجافياً له .
6- تُعدّ تصريحات نجاد فرصة ذهبية لاستثمارها في إثارة القضية الفلسطينية عالمياً والبحث في جذورها ونشأتها من جديد ، حتى تخرج من الوضع المتردي الذي آلت إليه الآن ، وبخاصة أنها تعبر عن رأي الغالبية العظمى من المسلمين .
7- رأي يصف كلمة نجاد بأنها عاصفة ديبلوماسية تهدد بزيادة عزل إيران عن المجتمع الدولي ، كما يرى أن رفض إيران الاعتراف رسمياً بإسرائيل يشكّل عائقا يحول دون تحسين العلاقات بين طهران والغرب ويزيد من مخاوف الغربيين وإسرائيل بشأن قيام إيران بتصنيع قنابل ذرية .
من هذه الآراء يخلص المراقب إلى أن هناك نوعين رئيسين من الآراء حول هذا الموضوع : الأول يرى أن ما قاله نجاد حق وعدل ويعبر عن آلام العرب والمسلمين وأحلامهم في التخلص من الكيان العبري الغريب الذي زرع في قلب أوطانهم على حساب الشعب الفلسطيني المسلم ، والثاني يرى أن هذه التصريحات ليست حكيمة ولا مسئولة ولا تتفق مع المعطيات الموضوعية ، لأنها تؤلب أمريكا والغرب على إيران وتوجد المبرر الكافي لقيام أمريكا وإسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لطهران ، إن لم يكن اجتياحها وإسقاط النظام الإسلامي الحاكم فيها .
ولم يغادروها حتى خلال الغزوات العديدة التي تعرضوا لها ، بدئاً بغزوات قبائل العبرانيين وقبائل الـبالستيا (الفلسطينيون الذين قدموا من جزيرة كريت في بحر إيجه واحتلوا الساحل الفلسطيني) ، ومروراً بالحروب الصليبية ، وانتهاء بالغزوة الصهيونية الاستيطانية المعاصرة .
ولا يغير من هذه الحقيقة دعاوى الصهيونية العالمية ووسائل الإعلام الأمريكية والعالمية التي تأتمر بأمرها والتي درجت على تشويه الحقائق وتزويرها ، ولا تلك الآراء المتشنجة التي تصدر عن قطيع "المستثقفين" والسياسيين في المنطقة العربية الذين باتوا يخشون قولة الحق في قيام الكيان العبري استرضاءً لسيد البيت الأبيض أو تحسباً من غضبه .
لقد أصبح من المألوف أن نسمع الأمريكيين والإسرائيليين بخاصة والغرب بعامة ، وهم يصفون مقاومة الاحتلال الأجنبي التي شرّعتها الأديان السماوية وأقرتها القوانين الوضعية بالإرهاب .. ويصفون الدفاع عن الشرف والعرض والنفس بالإرهاب ، ويصفون الدفاع عن الاستقلال وحماية الثروات والدفاع عن الأرض بالإرهاب .. ويصفون معارضة الظلم والاستبداد الذي يوقعونه في غيرهم من الشعوب بالإرهاب .. فهل هؤلاء الأمريكيون والإسرائيليون - والحال هذه - بحاجة إلى تصريحات نجاد ليدللوا بها على صحة مواقفهم الظالمة من الإسلام والعرب والمسلمين بعامة ، ومن إيران وسوريا باعتبارهما الهدف التالي للحرب التي يشنونها على ما يسمونه بالإرهاب ؟!!!.
(4)
أما دمشق التي أعلنت على الملأ وقوفها بجانب العراق أثناء تعرضه للغزو الأنجلو أمريكي ، والتي لم تتخذ هذا الموقف بقرار من حكامها فحسب وإنما بدافع وطني جبل عليه السوريون أياً كان حكامهم ، تواجه الآن موقفاً صعباً قد تدفع بموجبه ثمناً غالياً .
فليس من شك أن السياسة التي تتبعها الإدارة الأمريكية حاليا تجاه سوريا ، تقوم على استثمار قضية اغتيال رفيق الحريري في التشكيك بالنظام السوري وزيادة الضغوط عليه حتى يصل إلى النقطة التي توجب عليه اتخاذ قرار بعينه بالنسبة للمطلب الأمريكي الغائي ، وهو وجود حكومة طيعة في دمشق لا تخالف للبيت الأبيض والبنتاجون رأياً ولا تعصى له أمراً ، تماماً مثلما تفعل حكومة قرضاي في أفغانستان وحكومة الجعفري في العراق وحكومات عربية وإسلامية أخرى الآن .
فليس من هموم البيت الأبيض أن يُغتال الحريري أو غيره من الرجالات العربية المخلصة لبلادهم ، وإنما الهم الوحيد الذي يشغل أمريكا هو مصالحها في المنطقة ، ومصلحتها الآنية هي إيجاد حكومة طيًعة في دمشق على ما ذكرنا . وما واقعة اغتيال المرحوم الحريري بالنسبة للأمريكيين سوى حادث جلل بالنسبة لسوريا ولبنان والعرب ، أما بالنسبة لهم فلا يهمهم منه سوى استغلالــه في تركيع النظام السوري وإسقاطه إذا لم يستجب لمطالبهم .
وليس من شك أيضاً أن واشنطن منذ تفردت بقيادة العالم ، أخذت تنتهج سياسة خارجية تستهدف تصفية الحسابات مع الأنظمة والحكومات وحتى الأفراد الذين شكلوا في الماضي عوائق أمام تنفيذ خططها الاستراتيجية ، وبخاصة في المنطقة العربية والدول الإسلامية الأخرى . فلا غرابة إذن أن نراها اليوم وهي تسخّر هيمنتها على مجلس الأمن الدولي لتحقيق هذا الغرض ، فتدفعه لإصدار القرار تلو الآخر للضغط على سوريا ، بدعوى أن مسئولين سوريين كباراً هم ضالعون في قضية اغتيال الحريري ، وأن الأمر يتطلب من المجتمع الدولي التدخل لمنع سوريا استضافة المنظمات الفلسطينية في أراضيها والاستمرار في دعمها للإرهاب ، ووقف مساندتها لحزب الله اللبناني ، ومنع تسلل الإرهابيين للعراق عبر حدودها .. وما إلى ذلك من دعاوى وحجج واتهامات لا نهاية لها ، حتى تدفع مجلس الأمن - في نهاية المطاف - لإصدار قرار يسمح باستخدام الباب السابع من الميثاق الأممي ضد سوريا الذي يبيح استخدام القوة ضدها ، إذا لم تخضع لتلك القرارات وتصبح من الدول الطيعة للسياسات الأمريكية في المنطقة .
والواقع أنه لو كان الهدف الحقيقي من إثارة هذه القضية على المستوى الدولي هو فقط معرفة الجناة الذين ارتكبوا هذه الجريمة التي تعتبر عملاً إرهابياً بكل المقاييس ومعاقبتهم ، لهان الأمر كثيراً ، لكن التصريحات التي يلقي بها المسئولون الأمريكيون تباعاً والتهديدات المستمرة التي تصدر عن الرئيس الأمريكي ووزيرة الخارجية باستخدام القوة العسكرية ضد سوريا إذا هي لم ترضخ للمطالب الأمريكية والقرارات الدولية ، تنبئ بشيء آخر تماما .
فمنذ بدأت القوات الأمريكية تواجه مأزقاً حقيقياً في العراق ، أخذ البنتاجون يخطط للخروج منه بالهروب إلى الأمام . فعقب سقوط بغداد دعا العديد من صقوره إلى مواصلة الزحف نحو دمشق لإسقاط نظام الحكم فيها بسبب انحيازه منذ البداية للعراق ضد الغزو الأنجلو أمريكي . لكن الصعوبات التي واجهتها القوات الأمريكية أثناء غزوها آنذاك حالت دون موافقة القادة الميدانيين على مواصلة الزحف نحو دمشق ، تحسباً من مخاطر لم يحسبوا حسابها جيداً .
أما الآن وقد تفاقم التورط الأمريكي في العراق ، وبدت معالم فشل الغزو في تحقيق أهدافه أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي ، أخذت واشنطن تبحث عن مخرج لها عن طريق الضغط على إيران تارة وعلى سوريا تارة أخرى ، ليساعدانها في التخلص من هذا المأزق دون أن تتنازل عن أهدافها الرئيسة من هذا الغزو ، وهي السيطرة على منابع النفط العراقية ، وإيجاد حكومة موالية في بغداد ، وإقامة قواعد ثابتة لها في بلاد الرافدين . فأخذت توزع الاتهامات على هذين البلدين ، حيث تدّعي تارة أنهما يسمحان للعناصر المسلحة بالتسلل إلى العراق عبر حدودهما ، وتصف تارة أخرى نظام الحكم فيهما بالدكتاتورية والتخلف ، وتتهمهما تارة ثالثة باحتضان المنظمات الإرهابية ومدها بالسلاح والعتاد والمال ، ومحاولة تصنيعهما لأسلحة الدمار الشامل .
ثم تأتي أخيراً جريمة اغتيال الحريري لتكثف أمريكا من ضغوطها على دمشق ، بدعوى أن مسئولين سوريين مقربين من النظام الحاكم ومن الرئيس السوري بشار الأسد بالذات ضالعون فيها . ولأن ضرب إيران في هذا التوقيت لن يأتي - في نظر البنتاجون - بالفائدة المرجوة منه بسبب وجود حكومة متشددة في طهران ، وتصاعد المقاومة العراقية لقوات الاحتلال ، وتدني نسبة تأييد الشعب الأمريكي لسياسة بوش الخارجية ، فإن الأمريكيين قد قرروا - على ما يبدو - بتأجيل ضرب إيران الآن ، والتوجه نحو توظيف مجلس الأمن الدولي لتكثيف الضغوط على دمشق بهدف إيجاد حكومة طيعة في دمشق تستجيب لطلبات واشنطن حتى لو تطلب الأمر توجيه ضربة عسكرية لسوريا .
خاتمة وتعليق :
والواقع أنه لا تصريح نجاد حول إزالة إسرائيل من خريطة العالم ولا اغتيال الحريري ، يغيران من جوهر الموقف الأمريكي من هذين البلدين ، فكل ما في الأمر أن أمريكا تلقفت هذين الحدثين وخرجت بهما عن سياقهما ، لتحشد المجتمع الدولي ضد طهران وسوريا ، ولتضمن وقوفه بجانب الأمريكيين حين يقررون توجيه ضربة استباقية لهما على نحو ما فصلنا .
والدليل على ذلك أن تصريحات نجاد لم تقتصر على دعوته بإزالة إسرائيل وحدها من خريطة العالم وإنما شملت أيضاً أمريكا . لكن واشنطن تغاضت عما قيل بحقها في هذه التصريحات وألقت بكل ثقلها باتجاه إقناع العالم بأن النظام في إيران بات يشكل خطراً حقيقياً على وجود إسرائيل ، كما يؤيد الشكوك الأمريكية في أن طهران تسعى لصنع أسلحة نووية بعد ما تمكنت من صنع صاروخ بلاستي (شهاب 3) يستطيع أن يطال إسرائيل ودول جنوب أوروبا .
أما سوريا التي يبدو أن سياساتها التي توصف بـ "باللينة" حيال المطالب الأمريكية غير العادلة ، فلا تجد في المقابل إلا تزايداً في التعسف الأمريكي حيالها . ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى أن واشنطون استطاعت - بطريقة أو بأخرى - إقناع دمشق بخطورة النتائج والاستنتاجات التي ضمنها المحقق الألماني "ميهلس" في تقريره على مستقبل النظام الحاكم في دمشق واستمراره ، وبخاصة أن ثمة اتهامات مباشرة تضمنها التقرير حول تورط مسئولين مقربين من الرئيس السوري حافظ الأسد في هذه الجريمة .
لكن الحقيقة التي ينبغي أن تظل بادية للعيان أمام المسئولين في سوريا قبل إيران ، هي أن : لا تصريحات نجاد ولا اغتيال الحريري يشكّلان عاملاً حاسماً في تشكيل قرار أمريكا إذا ما واتتها الظروف المناسبة لتوجيه ضربة عسكرية جزئية أو شاملة لأي منهما .
إحساس لا يوصف
أن تقف فوق قبر إنسان تحبه كثيراً وقد كان يعني لك كل شئ يعني لك الكثير ثم تحدثه ، تحاوره ، تصف له طعم الحياة في غيابه ولون الأيام بعد رحيله .. وتجهش في البكاء كطفل رضيع بكاء مرير من أعماق أعماقك حين تتذكر إنه ما عاد هنا .... بيننا ....
|