الآب والابن والروح القدس.
الآب و الإبن و الروح القدس
إن التثليث ليست فكرة مسيحية أساسا، وإنما جاءت من الأديان الوثنية القديمة، وما يهمنا هنا هو أن أفكار التثليث كانت تنبع من لا وعي الناس إلا في آسيا الصغرى وحدها)، وكانت هذه الأفكار تبرز هنا وهناك في أماكن مختلفة من الأرض. إن آباء الكنيسة لم يشعروا بالراحة إلى أن أعادوا بناء عمارة التثليث على غرار نموذجها المصري الأصيل.
وهذا ما تم نقله أيضآ لمريم العذراء عندما أعلن مجمع أفسوس في عام 431 ميلادي أن مريم العذراء " ولدت الإلة". وقد تم إعلان ذلك في المكان الذي كان يشهد ترانيم المجد للمعبودة المتعددة الأثداء " ديانا". وهنا لا بد من ذكر الأساطير التي شاعت بعد المسيح، والتي كانت تقول أن مريم لجأت مع الحواري يوحنا إلى أفسوس حيث ماتت هناك. وأفسوس كانت تعبد ديانا.
ويروي لنا الكاتب المسيحي أيبيفانيوس أن نحلة دينية جديدة ظهرت في تلك الفترة وراحت تعبد مريم على غرار عبادة الآلهة الوثنية القديمة، وكانت هذه النحلة تدعى الكولليديين. وأنتشرت عبادة مريم في بعض المناطق المعينة مثل الجزيرة العربية وتراقيا وسيثيا Scythia وكان معظم أتباع هذه النحلة من النساء. وهاجم الكاتب ايبيفانيوس أتباع هذه النحلة، ووجه لومه إلى النساء بخاصة فاتهمهن بأنهن " صغيرات العقول".
ثم قال ايبيفانيوس في كتابه " نقض مبادىء الفكر الثمانية": أنه كانت هناك معابد خاصة شيدت لمريم، كما كان لها كاهنات يحتفلن في أيام معلومة، فيزيّن العربات بالقطن ويضعن على مقاعد العربة لحماً مشويا يقدم لمريم، وبعد ذلك يتناولن الطعام معها. وكانت هذه الاحتفالات تشبه القرابين ويقدم فيها اللحم والخبز أيضاً.
وهاجم ايبيفانيوس عبادة مريم بعنف وكتب قائلًا: " أكرموا مريم ودعوها لشأنها ولا تعبدوا إلا الأب والابن والروح القدس. أما مريم فلا تدعوا أحدا يعبدها". لقد رافقت عقيدة التثليث الفكر الإنساني وصارت جزءا منه. صحيح أنها تختفي فترة لكنها ما تلبث أن تظهر هنا حيناً وهنالك أحياناً بأشكال مختلفة.
وأن علينا هنا أن نوضح أن التثليث المسيحي ليس نقلا عن الفلسفة اليونانية أو عن أفلاطون بخاصة. إن الصيغة الأفلاطونية للتثليث تتناقض مع التثليث المسيحي... الصيغة الأفلاطونية تقدم الخلفية الفكرية لمدلولات جاءت من مصادر مختلفة تمامآ.
كانت صورة التثليث المسيحي أفلاطونية أما المحتوى فيعتمد تماماً على عوامل نفسية ومعلومات لا واعية. لهذا فإنه ينبغي علينا أن نميز بين منطقية التثليث وبين واقعه النفسي. هذا الواقع النفسي للتثليث هو بدون شك واقع مصر وبابل وآشور القديمة. ونجد في هذا التثليث آثاراَ واضحة عن رفض أن تكون المرآة عنصرا فيه.
وكما كان ايبيفانيوس يدعو إلى طرد مريم من ملكوت التثليث وحصره بالآب والابن والروح القدس فإننا نجد في الأناجيل مثل هذا الموقف الذي وجدناه في أديان مصر القديمة: طرد الأمهات والأخوات والبنات من مملكة التثليث.
وهذا يذكرنا بالرفض الفظ المفاجىء الذي واجه المسيح أمه مريم في عرس قانا حين قال لها: " ما لي ولكِ يا امرأة " (يوحنا 4/2).
بل إنه قبل ذلك حين جاءته إلى المعبد وهو في الثانية عشرة من عمره قال لها وليوسف معها: " لماذا كنتما تطلباني. الم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي" (لوقا 49/2). وإننا لا نخطىء أبدأ حين نقول أن المسيحية في هذا الموقف الخاص إنما تقلد الوثنيات القديمة التي كانت تقيم شعائر ذكرية خاصة.
هكذا نجد أيضاً بعض القبائل في إِفريقيا وأستراليا ما تزال إلى اليوم تمنع النساء من مشاهدة احتضار الرجال كي لا يشاهدن آلام الموت. والمسيحية لا تختلف في موقفها عن هذه الأسرار الوثنية.
هنالك عنصر آخر من التثليث مستوحى من الأديان الوثنية القديمة ويمثل التناقض بين الآب المضيء والابن المظلم. إن العالم السفلي الذي ينزل إليه الابن هو عالم مدنس وشرير، عالم الإنسان الذي لم ينضج بعد. ووظيفة الابن (الإلة المتجسد) هو أن يقدم نفسه ضحية من أجل أن يخلص العالم من الأذى.
وهذه النظرية موجودة في التصور الفارسي القديم للإنسان الأول الملقب جيومارت. فجيومارت هذا هو ابن إلة النور. إنه يسقط في الظلمات، ويجب أن يخرج منها كي ينقذ العالم. مثل هذا الإله كان النموذج الأصلي للمخلص الذي تبنته المسيحية.
تحياتي
|