الخطيئة الأصلية
أرجو عدم المقاطعة حتى الأنتهاء
1ـ ليست خطيئة فرد بل خطيئة الإنسانية:
ليست الخطيئة الجـدّية خطيئة إنسان فـرد انتقلت فى ما بعـد إلى ذريته...
إنما هى خطيئـة الإنسانية كلهـا فى تاريخهـا الراهـن...
فإن " آدم" ( ومعنـى هـذ العبارة : التـرابـى )...
قد خُلِق كحالـة وسطى بين العالم الطبيعى والعالم الروحى, خلق من نفس وجسد...
فهـو من ناحيـة يرتبط بالعالم الطبيعى من جهـة الجسد التـرابى, ومن جهـة أخـرى ينتسب إلى العالم الروحـى من جهة بدئـه الروحى...
فالإنسان خُلـق مغـايرًا لجميع المخلوقات الأخـرى...
فبينمـا أن جميع الحيوانات خُلقت نفسًا وجسدًا من عناصر أرضيـة, وبأمـر إلهـى...
فبالنسبة للإنسان: فقد خلق الله آدم كما جاء فى سفر التكوين
[ وَجَبَلَ اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ آدَمَ تُرَاباً مِنَ اَلأَرْضِ وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً ] [ تكوين 2:7]...
وخُـلقت المـرأة من ضلعٍ من أضلاعـه:
[ فَأَوْقَعَ اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ سُبَاتاً عَلَى آدَمَ فَنَامَ فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأ مَكَانَهَا لَحْماً. وَبَنَى اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ اَلضِّلْعَ اَلَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ اِمْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. فَقَالَ آدَمُ: { هَذِهِ اَلآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ تُدْعَى اِمْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ اِمْرِءٍ أُخِذَتْ} ] [ تكوين 2 : 21 ـ 23]...
وهكـذا تتبـدى لنـا العلاقة الوثيقـة التى تربط الإنسان بالأرض وبالله...
وما تميزت به طبيعته الجسدية والروحية...
والمفهـوم المسيحى السليم للإنسان, أنـه يتكون من الروح والجسد معـًا, فى وحـدة وتنسيق وانسجام وترابط وثيق...
ومن العقائـد الأساسية فى الكنيسة المسيحية أن الجنس البشرى يـُرد فى أصـله إلى " آدم وحـواء" فهـما يمثـلان الإنسانية كلهـا( وقد كـان من عادات الشرق القـديم أن تسمّى الذريـة بـاسم الشخص الـذى كان يُعتقد أنهـا تحـدّرت منه: فمثـلاً: كلمـة " إسرائيـل", وهـى لقـب أُعـطى ليعـقـوب, أصبحـت تشير إلى ذريتـه كلهـا, إلى الشعـب الإسرائيـلى عبـر التاريخ, الذى ينتسب إلى يعـقـوب كما إلى أصـله)...
وهـذه العقيـدة يشهـد بهـا الكتاب المقدس, وهـى أصـل لازم وسابق للخلاص:
[ َدَعَا آدَمُ اِسْمَ اِمْرَأَتِهِ « حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ ] [ تكوين 3: 20 ]...,
[ وَجَبَلَ اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ آدَمَ تُرَاباً مِنَ اَلأَرْضِ وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً.. فَأَوْقَعَ اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ سُبَاتاً عَلَى آدَمَ فَنَامَ فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأ مَكَانَهَا لَحْماً ] [ تكوين 2: 7, 21 ]...,
[ وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ اَلنَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ اَلأَرْضِ وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ اَلْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ ] [ أعمال الرسل 17: 26]...,
[ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اِجْتَازَ اَلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ اَلنَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ اَلْجَمِيعُ. فَإِنَّهُ حَتَّى النَّامُوسِ كَانَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْعَالَمِ. عَلَى أَنَّ الْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ. لَكِنْ قَدْ مَلَكَ اَلْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى وَذَلِكَ عَلَى اَلَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ اَلَّذِي هُوَ مِثَالُ اَلآتِي. وَلَكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيَّةِ هَكَذَا أَيْضاً اَلْهِبَةُ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ اَلْكَثِيرُونَ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً نِعْمَةُ اَللهِ وَاَلْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ اَلَّتِي بِالإِنْسَانِ اَلْوَاحِدِ يَسُوعَ اَلْمَسِيحِ قَدِ اِزْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ. وَلَيْسَ كَمَا بِوَاحِدٍ قَدْ أَخْطَأَ هَكَذَا اَلْعَطِيَّةُ. لأَنَّ اَلْحُكْمَ مِنْ وَاحِدٍ لِلدَّيْنُونَةِ وَأَمَّا اَلْهِبَةُ فَمِنْ جَرَّى خَطَايَا كَثِيرَةٍ لِلتَّبْرِيرِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ اَلْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ اَلْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ اَلْبِرِّ سَيَمْلِكُونَ فِي اَلْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ اَلْمَسِيحِ. فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ اَلْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ اَلنَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ هَكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ] [ رومية 5: 12ـ 18]...
[أَلَيْسَ أَبٌ وَاحِدٌ لِكُلِّنَا؟ أَلَيْسَ إِلَهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا؟] [ ملاخى 2: 10]...
فحسب الكتاب المقدس , فإن حالة الإنسان الأصلية كمـا يتبين لنـا مما قاله سفر التكوين فى:
[رَأَى اَللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً... َكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ آدَمُ وَآمْرَأَتُهُ وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ ] [ تكوين 31:3, 2: 5]...,
لا يمكننا أن نستنتج أن آدم خُـلق فى حـالة مطلقـة من الكمـال الأخلاقى والفكـرى...
أن الآية الأولى لا تتحدث عن الكمـال الأخلاقى والفكـرى للإنسان, بل تشير إلى أن حالة الإنسان الأولى قد صيغت وشُكّـلَت بحيث تلائم الغـاية التى خـلق من أجلهـا الإنسان...
والآية الثانية, أيضـًا, لا تشير إلى الكمـال المطلق للإنسان الأول ( آدم ) بل إلى حـالة البـر التى خُـلق عليهـا الإنسان قبـل التفتـح الخلاقى لقـواه...
ثم أن بولس الرسول يقول:
[ وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ اَلْجَدِيدَ اَلْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اَللهِ فِي اَلْبِرِّ وَقَدَاسَةِ اَلْحَقِّ ] [ أفسس 4: 24 ]
لا يشير على آدم الأول, بل إلى الإنسان الجديد كمـا يتضح من:
[ هَكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضاً: { صَارَ آدَمُ الإِنْسَانُ الأَوَّلُ نَفْساً حَيَّةً وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحاً مُحْيِياً }. لَكِنْ لَيْسَ الرُّوحَانِيُّ أَوَّلاً بَلِ الْحَيَوَانِيُّ وَبَعْدَ ذَلِكَ الرُّوحَانِيُّ. الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هَكَذَا التُّرَابِيُّونَ أَيْضاً وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هَكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضاً. وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ سَنَلْبَسُ أَيْضاً صُورَةَ السَّمَاوِيِّ.] [ ا كورونثوس 15: 45 ـ 49]...
هنـا يميـز الرسول بولس بين الإنسان الأول ـ كإنسان ترابى ـ تقوم حياته على أسس طبيعية, وبين آدم الثانى الذى منـه يبدأ ملكـوت الروح...
وهـو أمـر لم يكن من الممكن أن يحققه بسبب الخطيئـة...
ولكنـه يتحقق فى المسيح يسوع...
ومن أجـل ذلك فإن الآبـاء يؤكـدون بكـل قوة نسبية الكمـال الذى خُـلق عليه الإنسان الأول, ويقارنون فى تعاليمهـم بين الحياة على مستوى آدم الأول, وبين الحياة فى الرب يسوع المسيح...
كذلك يميزون بين " حسب الصورة" و " حسب الشبه"...
وهـذه العـلاقة يصيغهـا القديس باسيليوس الكبير صياغة فلسفية, فيلاحظ أن الصـورة ليست شيئًا آخر غير الشبه بالقـوة [ Dunamei ], وأمـا الشبه فهـو الصـورة بالفعل [ Energeia ]...
وعندما يقارن الآباء بين الخلقة والفـداء, فإنهم يرون بوجـه عـام أن الفـداء بالمسيح يسوع هـو استحضـار وإعـادة بنـاء صورة الله فى الإنسان..
فالقديس غريغوريوس النيصى يقول: " أن نعمة القيامة ليست إلا إعـادة الإنسان إلى حالته الأصليـة" [ Apokatastasis ]...
فإنهـم يشددون على القـول بأن حـالة الإنسان الأول فى الفـردوس لم تكـن كاملـة...
ولكـن كان ينقصهـا هبـة البنـوة والحيـاة الروحيـة فى المسيح والتى صـارت لنـا فيمـا بعـد بالفـداء...
وعلى ذلك فإن آدم خُلق لكى ينمـو فى الحياة الروحيـة ويصير قديسـًا وبارًا متشبهـًا بالله...
وفى هـذا يتعارض الفكـر الأرثوذكسى مع الفـكر البروستانتى الذى يرى أن الإنسان خُـلق كامـلاً جسدًا وعقلاً...
ولو أن الإنسان ـ كما يقـول البروستانت ـ خُـلق كامـلاً, فكيف نفسر سقوط الإنسان وهـو كلى القداسة؟...
ويذهب الكاثوليك إلى القول: بان البر الذى كان لآدم الأول, هو هبة فوق الطبيعة, بينما يذهب البروستانت إلى القـول بأنه بأنه كائن فى التكوين الطبيعى للإنسان...
وكـلا الرأيين يجانبان الصـواب...
فالكاثوليـك يربطـون البر بجوهـر الإنسان رباطـًا خارجيـًا ميكانيكيـًا...
وهتذا يقتود إلى البيلاجية, والتى بحسبهـا لا تفترق حالة الإنسان قبل وبعد السقوط...
ومن ناحية أخـرى, يجعـل الخطيئـة الأصليـة مجـرد فقدان للهبـات المضـافة, ويؤدى إلى القـول, بانـه منذ البداية, لا يوجـد تناسق وتناغم بين الجسد والروح, أو أن الجسد والروح يوجـدان من البداية فى حالة صراع ...
وأمـا البروستانت, فإذا كان من الصـواب أنهـم وضعـوا البر الأصـلى فى الطبيعـة, فإنهـم أخطـأوا فى إبعـادهـم النعمـة الإلهيـة التى بهـا تتقـوى الطبيعة البشريـة...
ولا يمكن القـول بأن الإنسان فى الفـردوس, من حيث هـو تام الصلاح والبر, ليس فى حاجـة إلى نعمـة الله...
إن مـا يُـروى فى سفـر التكـوين على أنه حصـل لآدم, إنمـا يمثّـل لما تعيشه الإنسانية التاريخيـة كلهـا...
بعبـارة أخـرى ليس آدم سببـًا لمأساة البشرية, إنمـا هو صورة لهـذه المأساة...
واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم.باركوا لاعنيكم.احسنوا الى مبغضيكم.وصلّوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم.
فماذا نقول لهذا.ان كان الله معنا فمن علينا.
ياأبتي أغفر لهم فإنهم لا يعلمون ماذا يفعلون
|