الموضوع: القلق.....لماذا؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 10/09/2005   #2
شب و شيخ الشباب gabo
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ gabo
gabo is offline
 
نورنا ب:
Aug 2005
المطرح:
سارح بين الغيوم
مشاركات:
876

إرسال خطاب MSN إلى gabo
افتراضي


القسم الثاني للموضوع
2- القلق في الإنجيل:

نجد في الأناجيل حالات كثيرة من الشعور بالقلق، يحمل بعضها معانٍ جديدة، والبعض الآخر يعمِّق الاختبارات السابقة.

ها هي عذراء الناصرة تقلق من تدخل الله المفاجئ في تاريخها، ليغير مسار حياتها. فتكون مباركة بين النساء، ممتلئة من النعمة. تقلق من هذه البشارة فتسأل: "ما عسى أن يكون هذا..؟" (لو1/26-3، وتستفهم عن أمر المولود القدوس، فتهدأ بسلام حين تدرك أنه ليس أمر غير مستطاع لدى الله. ويتواتر القلق في حياتها، وهي تهتم لكي ينمى ويترعرع في حياتها وحياة الإنسانية حضور الله القدوس في شخص يسوع المسيح، إلى أن يبلغ أوجه حين يجوز سيف في قلبها ساعة موته على الصليب.

ويعيش يوسف البار خبرة مشابهة من الاضطراب. فيصوره التقليد الايقونغرافي في حالة مستديمة من القلق. فإن كان السلام قد تغلغل إلى العذراء إذ تحرَّكت أحشاؤها بالمولود من الله، يعيش يوسف في حالة قلق مغبوط طيلة حياته عن سر هذا المولود متكلاً فقط على كلمة الله. ونشاهد على الصفحات ذاتها قلقاً مختلفاً تجاه الأحداث ذاتها. فهيرودس، هو الآخر يتفاجئ من حضور ملكوت الله. ولكنه يرفض أن يكون من مواطنيه بل على العكس يسعى لتدميره. فيقلق ويُقلق معه كل أورشليم (مت2/3).

إنَّ حضور الله في حياة الإنسان، يسبب القلق. إنه دعوة اختيار وحرية. يحترم الله عواطف الإنسان، لا بل يقدسها لتكون وسيلة للنمو في الحياة معه. أمام مبادرة الله نحو الإنسان لا بد من القلق. فإما أن يكون إيجابياً، ينمي فينا حياة القداسة، أو سلبياً، حين يكون ضد الله، نخسر فرصة تغلغل السلام الحق.

نشاهد أيضاً في الإنجيل قلق بطرس والتلاميذ على حياتهم بعد أن تركوا كل شيءٍ وتبعوا المسيح: "ماذا يكون لنا؟" يقولون (مت19/27). والرب بدوره يعدهم بفرح في هذه الحياة وفي الحياة الأخرى.

المرضى وأقربائهم يقلقون. فالمرأة الكنعانية تتخلى عن كرامتها بسبب قلقها على ابنها لتشحذ له الشفاء (مت15/21-2، وقائد المائة يسعى جاهداً ليزيل قلقه على ابنه المريض (يو4/46)، ويشتد قلق يائيروس خوفاً من موت ابنته (مر5/21-42)، وأعمى أريحا يصرخ طالباً الرحمة (مر10/46-52)، ومخلّع بيت ذاتا لا يعرف ماذا يريد (يو5/1-14)، ويقلق التلاميذ لأنهم لم يتمكنوا من شفاء الممسوس (مر10/46-56)، ولو كان يسوع حين مات لعازر لما مات تقول للرب أخت الميت القلقة (يو11/1-45). إن معظم معجزات يسوع هي علامات تؤكد حب الله لإنسان وسعيه لتخفيف آلامه وقلقه سعياً نحو سلامه الكامل والنهائي.

نرى في الإنجيل أيضاً نماذج حية حول قلق المستقبل. الشاب الغني يسعى إلى السلام في مستقبله، وكأنه يريد أن يقول حين جاء إلى يسوع: ماذا أعمل لأكون في مأمن من القلق في مستقبلي، والمستقبل عنده هو أيضاً الحياة الأبدية (مر10/17-27). ويأخذ ابني زبدى الموقف ذاته، كذلك بقية التلاميذ ومعاصري يسوع، حين يرغبوا في المجد (مت20/21-00). والمجد عندهم هو الخلاص من القلق. ويُصدموا جميعاً، كتلميذي عماوس (لو24/13-00)، من عدم تحقيق "المسيح" المنتظر لرغباتهم. لكي يُبقي لهم السلام، ولكن من نوعٍ آخر (أنظر: يو14/2.

قلق الخاطئين نموذجٌ آخر من الشعور بالقلق يقدمه لنا الإنجيل. فها هي المرأة التي سقطت في خطايا كثيرة تبكي على قدمي يسوع وقد فاض القلق من عينيها توبة وندامة (لو7/36-..). وتلك الأخرى التي أُمسكت بالجرم المشهود تنتظر حكم المعلم الذي يحررها من قلقها وحسب بل من خطاياها أيضاً: "اذهبي ولا تعودي للخطيئة" (يو 8/1-11). وما أشد قلق الابن الضال حين اشتد عليه العوز وقست عليه نتائج الخطيئة (لو 15/11-00). ويقلق أخوه أيضاً بفعل عدم شعوره بالبنوَّه. وكأن الإنجيل يريد أن يكشف عن أن الشريعة مهما كانت مريحة لابد وأن تُقلق، البنوَّة وحدها مدخل إلى السلام الحق.

الأحبار ورؤساء اليهود يقلقون، كهيرودس، خائفين على سلطانهم من الملكوت الجديد فيشكون يسوع على أنه مقلق للشعب (لو 23/6).

وأخيراً لا نستطيع فهم القلق في الكتاب المقدَّس ما نتعرَّف على قلق يسوع. فهو ككل البشر يجوع ويعطش، وتدمع عيناه أمام موت صديقه العازر (يو 11/1-00)، ويتحنن على أرملة نائين (لو7/11-17). ويتحسر قلقاً على استبداد الخطيئة والشر بالبشر (مت24/37، لو23/27-31). ويقلق مصلياً من أجل ثبات تلاميذه في فترة المحنة (يو17/1-00) ويأسف على مصير يهوذا (مر14/49).

إنَّ أشد قلق يعانيه يسوع هو في بستان الزيتون حين أخذ يعرق دماً (لو22/39-00): "إن نفسي حزينة حتى الموت!.. يا أبت، إن شئت فأصرف عني هذه الكأس ولكن مشيئتك لا مشيئتي". ربما قلق يسوع من الموت خبرة قوية جعلته يعي أكثر فأكثر معنى بنوته لله في عمق واقعه الإنساني. لعل ذلك يكون نهجاً لكل من أراد أن يتبعه (مر8/34).

نستخلص إذا ما تتبعنا الأناجيل الأربعة في روايتها لآلام الرب وموته، إن يسوع، على غرار كل إنسان، اكتشف محدوديته الإنسان: إنه يتألم ويموت. لقد أراد يسوع أن يشاركنا مغامرتنا البشرية: خوف وقلق وحزن وعزلة، ليمنحها المعنى الجديد بقيامته المجيدة . فيرفق كل قلق في الإنسان برجاء انتصاره على كل قلق.

إن قيامة المسيح هي حدث منفتح على واقع الإنسان (كلّ إنسان وكلّ الإنسان)، فهي لا تمنح قراءة جديدة للماضي والحاضر وحسب ، بل للمستقبل أيضاً، فموضوع رجاءنا هو استمرار الحياة بالله حيث الحق والعدالة وفيض الحب. يقول يسوع: "لقد أتيت لكي تكون لهم الحياة وتكون وافرة" (يو10/10). إن من يتبع الله يدخل حضور القيامة. والقيامة هي وفرة الحياة. فحقيقة الإيمان المسيحي تتلخّص بقول يسوع: "من أراد أن يتبعني، فليحمل صليبه، ويتبعني". لم يقل يسوع في هذه الدعوة: "فليحمل صليبي"، وقد عانى ما عاناه في صلبه ككل إنسان وأكثر، لأن الصليب هو واقع على كلّ إنسان، بل قال: "ليحمل صليبه”، ليقول مباشرة: "ويتبعني". أي يتبعني إلى القيامة، هذا هو تماماً معنى اتِّباعه. "عندما يشهد جميع المسيحيين بحياتهم للقيامة ينقلب العالم بأسره نحو الفرح والمشاركة والسلام والرجاء والإيمان ". فإن كنا نشترك مع كل البشر في واقع الصليب، علينا في اتّباع يسوع أن نشركهم في رجاء القيامة، في "وفرة الحياة". إذ لا يمكن فصل حقيقة الصليب عن سرِّ القيامة وإلاّ أصبحت الأمانة لله بؤساً والحياة معه جحيماً والموت نهاية.. وما عاد "الله محبة".

العبور من السؤال : القلق لماذا.. إلى السؤال : الرجاء كيف..

ربما استنتجنا ببساطة تحويل الإنجيل للسؤال: "القلق لماذا".. إلى السؤال: "القلق كيف".. وإليكم مثالاً إنجيلياً يعبر جلياً عن هذا التحويل: يسأل التلاميذ يسوع عن سبب عمى الأعمى بقولهم: "من خطئ أهذا أم والداه حتى ولد أعمى؟" (يو 9/1-00) كانوا يريدون أن يقولوا: لماذا ولد أعمى؟ لماذا هو قلق طيلة حياته بسبب عمى في ميلاده؟ وربما كانوا يتوقعون إجابة منهجية عن الشر والأسباب التي يأتي منها وعلاقته بالخطيئة ونتائج القلق فيه، كما فعل الكاتب في الصفحات الأولى للعهد القديم. أو ربما كانوا ينتظرون عظة عن حكمة الله وعدم استطاعة الإنسان فهم تلك الحكمة لكونه محدود والله مطلق، كما رأينا في قصة أيوب البار.. إلى ما لا نهاية له من تفسيرات متوقعة تدخل إطار الطريقة الشرائعية في العلاقة مع الله. لقد جاء الجواب غير ما يتوقع، وهذه هي دائماً منهجية الله، فطرقه التي ليست كطرقنا ومنهجياتنا، كما يقول أشعيا. يأخذ يسوع طيناً، يصنعه من تفتله، كأنه ينفخ، كالخالق، في التراب، ويطلى عيني الأعمى ويدعوه ليغتسل فيذهب ويغتسل فيعود بصيراً . نحن أمام واقع جديد. هناك حركة "إعادة خلق"، ترميم على مستوى الإنسان بكامله، لا فقط على مستوى تفكيره، أو إيمانه، بل الإنسان كاملاً سيظهر جديداً . لقد تحول السؤال هنا من لماذا؟ إلى كيف؟ ليأتي الجواب مؤكداً على منهجية العلاقة الوجودية مع يسوع المسيح نفسه، المصلوب والقائم والحي الحاضر أبداً. هذا الذي قلق في أبعاد القلق كاملةً، كما رأينا، يعرف كيف يمنح السلام لكل القلقين. إنها دعوة الرجاء التي قد تكون "شكاً" لمن لم يختبر حقاً المعنى الحقيقي لعلاقة الله بالإنسان . و"جهلاً" لمن لم يتمكن من اختبار المعنى الحقيقي للإنسان، وقيمة ارتباطه وجودياً بالله.

الرجاء نافذة الأبدية في الآن..

إن قلق التلاميذ بعد موت يسوع يشبه قلقهم حين كانوا في السفينة وحدهم حيث الأمواج تتلاطمهم إذ الريح مخالفة (متى 14/22..) ، يشبه كل مظاهر القلق التي يعيشها الإنسان. إن يسوع الذي يمشي فوق الأمواج، ولو كانت الريح مخالفة، هو نفسه يدخل القلوب وأبواب الأمل مغلقة ويدعوها إلى الرجاء، إن هذا الذي يأتي من الحياة الأبدية يطعم حياتنا بالرجاء الأكيد. لا يمكن أن نعيش الرجاء إلا بالاستجابة لدعوة القائم والحي. يقول بطرس: "يا رب، إن كنت إياه فمرني أن أذهب إليك على الماء"، كأنه يقول يا رب إن كنت أنت حي ومخلص أعطني أنا أيضاً أن أعيش بسلام فوق قلقي واضطراباتي. يستطيع بطرس أن يمشي على أمواجه طالما ينظر إلى يسوع، ولكنه يأخذ في الغرق حين ينظر الريح المخالفة. هناك علاقة جدلية بين السلام والنظر إلى يسوع. تماماً كما حدث لبطرس أيضاً حين نكر يسوع، وإذ بدأ ينظر إليه مجدد غرق بدموع توبته (لو22/61). لن يترك المسيح إنسانه يغرق طالما يهتف إليه : "يا رب، نجني..." إن الحقيقة هنا ليست مسألة تطرح على العقل بقدر ما تدعو الإنسان بكامله إلى الاختبار.

خاتمة

إن كنا نختبر القلق في حياتنا فلأنه واقع الإنسان، فهل نعيش الرجاء الحق ليكون واقعنا هو من إطلالات ملكوت الله في زمننا؟ إن واقع القلق هو محتوم لكل البشر، فهل نشاركهم في واقع الرجاء؟ هل نكون دعوة رجاء؟ إنها دعوة الحياة بالمسيح، التي يدعونا إليها "ذاك الذي في أيام حياته البشرية، رفع الدعاء والابتهال بصراخ شديد ودموع ذوارف، إلى الذي بوسعه أن يخلص من الموت، فاستجيب طلبه لتقواه. وتعلَّم الطاعة، وهو الابن، بما لقي من الألم. ولما جُعل كاملاً صار لجميع الذين يطيعونه علة خلاص أبدي" (عب5/6-10).

الأب بسام آشجي

******غابت شمس الحق وصار الفجر غروب وصدر الشرق انشق وتسكرت الدروب منرفض نحنا نموت قولون رح نبقا أرضك والبيوت والشعب اللي عم يشقا هو إلنا ياجنوب يا حبيبي ياجنوب ******
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04631 seconds with 10 queries