فاروق حسني : على مشارف «الأونيسكو»
إنّه الوزير الأكثر إثارة للجدل في تاريخ مصر. ورحلته إلى رئاسة المنظمة الدولية كانت مزروعة بالألغام، وقيل ما قيل عن الكلفة العالية التي تجشّمتها بلاده مقابل المنصب الدولي. لكنّه سيكون أيضاً أوّل عربي في هذا الموقع الحيوي، وسيجد نفسه أمام تحديات كثيرة
القاهرة ــ محمد شعير
لم تكن لدى وزير الثقافة المصري فاروق حسني ( 1938 ) أية أحلام بالوصول إلى رئاسة منظمة دولية مثل الأونيسكو. كان يتوقع أن يترك الوزارة ويصبح مديراً لمكتبة الإسكندرية بديلاً لإسماعيل سراج الدين. هذا المنصب كان سيعيده إلى مدينته. لكنّ فاروق حسني لم يذهب إلى الإسكندرية، بل إلى باريس التي قضى فيها سبع سنوات في بداية حياته المهنية ( 1971 ـــــ 1978 ) هنا عمل ملحقاً ثقافياً في السفارة المصرية. تلك كانت مهمته المعلنة، لكن يقال إنّه شُغل خصوصاً في كتابة تقارير في الطلبة المصريين الذين يدرسون في عاصمة الأنوار. وهو الأمر الذي كشفه يحيى الجمل في مذكراته، فأثار جدلاً كبيراً وأخرج فاروق حسني عن صمته ليعلن أن مهمته كانت «حماية الطلبة المصريين حتى لا يجنّدهم الموساد الإسرائيلي الناشط في تلك الفترة». في باريس، تنوّعت نشاطات الوزير المصري. هناك، تعرّف إلى عاطف صدقي رئيس وزراء مصر، وتشاركا «لعب الطاولة». وحين أصبح صدقي رئيساً لوزراء مصر بعد سنوات، لم ينس صديق «النرد»، فجاء به وزيراً لثقافة مصر.
هكذا عُيّن حسني وزيراًَ للثقافة عام 1987، ما مثّل مفاجأة للمثقفين، إذ كتب الراحل عبد الرحمن الشرقاوي مستهجناً تسليم هذه المسؤولية لشخص لا علاقة له بالثقافة ولا المثقفين. كتب: «كل مؤهلاته تتعلق بالديكور»، في إشارة إلى تخرّج حسني من قسم الديكور في كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية عام 1964. لم تكن تلك المعركة الأخيرة لحسني، بل تبعتها مئات المعارك التي أطالت طابور المعارضين لسياسة الوزير القائمة على «البهرجة» الثقافية. وتمحورت انتقادات المثقفين لسياسته حول مسائل عدّة، أبرزها الرقابة والآثار والفساد الثقافي. والمفارقة أنّ كلمة الوزير أمام المجلس التنفيذي لمنظمة الأونيسكو، التي قدم فيها رؤيته لإدارة المنظمة وتطويرها في حال انتخابه، انصبّت على هذه القضايا الثلاث، إذ تحدث عن خبرته في ترميم الآثار المصرية، وصندوق التنمية الثقافية الذي أسسه منذ سنوات ليصبح بمثابة وزارة مال، واهتمامه بقضايا حرية الرأي والتعبير.
لكنّ الوزير الفنان تعامل مع الآثار المصرية باعتبارها «البقرة الحلوب»، وعمل على تسليعها، وتحويل عدد من أجمل الآثار الإسلامية إلى فنادق مثل «باب العزب». وكانت الخلافات هائلة على ترميم الآثار الذي جرى بطرق بدائية على أيدي شركات مقاولات لا بإشراف اختصاصيين. كذلك أثير الجدل عينه بشأن معبد الكرنك الذي استخدم الأسمنت لترميم أعمدته الشهيرة، ولم يسدل الستار بعد على قضية قلعة صلاح الدين الأيوبي المهددة بالانهيار، بعدما سمحت الوزارة لأحد رجال الأعمال المتنفذين بإقامة عدد من الأبراج و«المولات» إلى جوار القلعة، ما يهددها بالانهيار في خلال 50 عاماً. لم يكن الترميم الخاطئ وحده ما أثار الجدل بشأن الآثار المصرية. بعضهم يلخّص زمن فاروق حسني بأنه عهد «الحرائق الكبرى»، لعلّ أبرزها كان حريق «قصر ثقافة بني سويف» الذي ذهب ضحيته نحو 50 مبدعاً وناقداً مسرحياً.
«صندوق التنمية الثقافية» قصة أخرى. أسّسه فاروق حسني لدعم الثقافة في مصر، وقد قام الصندوق بإقامة المكتبات العامة في القرى وإنشاء المسارح، كما تولى مسؤولية تنظيم الأنشطة الثقافية التي تقام في البيوت الأثرية وتمويل، ودعم أنشطة فنية عديدة. لكن في الوقت عينه، ارتبط المشروع بشخصيات أثير بشأنها العديد من علامات الاستفهام، مثل أيمن عبد المنعم السكرتير الشخصي لفاروق حسني الذي أدخل السجن خلال إدارته الصندوق، فضلاً عن تولّي صهر حسني (زوج شقيقته) إدارة الصندوق لسنوات طويلة.
وأخيراً قضية حرية التعبير في مصر. حوادث القمع في السنوات الأخيرة لم تطل فقط المبدعين بل أيضاً الصحافيين والمدونين. وربما هذا ما التفت إليه نقّاد الوزير في أوروبا الذين رأوا أنّ مصر واحدة من البلدان الأكثر نشاطاً في مسألة تقييد حرية التعبير باسم رفض «الإساءة إلى الأديان»!. ليست الصورة مظلمة ظلاماً تاماً كما قد نتصور، لأننا لا نستطيع أن نحمّل وزارة واحدة مسؤولية «مصادرة» مجتمع بأكمله.
يُحسب لحسني مشروع مهم مثل «المشروع القومي للترجمة» الذي أنجز ما يقرب من 2000 كتاب مترجم عن لغاتها الأصلية. كذلك فإنّ حسني يفخر بتأسيسه عشرات المتاحف. وهو بالطبع ليس مسؤولاً عن امتناع المصريين عنها، فالأمر متعلّق بأجهزة إعلام ووزارة تعليم وبنية اجتماعية كاملة... ولا يمكن أن نلقي بكل المسؤولية على عاتقه!ويحسب لحسني أنّ مؤسسات الثقافة المنهارة في عهده، صنعت «ثقافة» بديلة. هرب عشرات المبدعين من النشر في سلاسل هيئات الوزارة إلى المبادرات ودور النشر الخاصة، وهربوا من عزلة حفلات الأوبرا الأنيقة إلى المسارح المفتوحة بلا شروط مسبقة مثل «مسرح الجنينة» و«ساقية الصاوي». وبدلاً من أن تغلق المكتبات كما كان يحدث سابقاً، تفتتح كل يوم مكتبة في القاهرة. لكن كل ذلك بعيد عن سلطة الوزارة أو حتى دعمها. بالتأكيد يمكننا أيضاً أن نرى الجانب الإيجابي للأمور... أخيراً سيصل إلى قيادة هذه المنظمة الدوليّة عربي من مصر... وهو محمّل بالنيّات الطيّبة، لكن هل تكفي دوماً النيّات الطيبة؟
برنامج بأربعة محاور
تحديات كثيرة تنتظر فاروق حسني على رأس «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة»... وقد لخّص برنامجه في أربعة محاور رئيسة. أوّلاً: تقديم رؤية عامة لعملية تعليمية شاملة، وصياغة سياسات علمية ترتكز على احتياجات التنمية ومكافحة الفقر. ثانياً: القيام بمبادرة عالمية لمصلحة تعزيز حقوق الشباب ودعم المرأة. ويتمثل المحور الثالث في اعتزامه بدء مشاورات على أوسع نطاق ممكن مع المحافل الدولية بهدف وضع أسس مبادرة كبرى في مجال دعم الحوار بين الثقافات. وقد أشار حسني إلى أنّه ينوي إطلاق مبادرة تسمى «الانتقال الثقافي والفني للقارات»، بغية تنظيم أحداث ثقافية على مستوى القارات. أمّا المحور الرابع فهو دعم حرية التعبير والإعلام الحر والمستقل والحقّ في الحصول على المعلومات.
www.faroukhosny.com
----------------------------------------------
جريدة الأخبار
عدد السبت ١٩ أيلول ٢٠٠٩
http://www.al-akhbar.com/ar/node/157483
ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين. (جبران النبي)