عرض مشاركة واحدة
قديم 11/08/2009   #2
شب و شيخ الشباب المحارب العتيق
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ المحارب العتيق
المحارب العتيق is offline
 
نورنا ب:
Nov 2007
المطرح:
جرح الياسمين
مشاركات:
3,677

افتراضي مابين الليل الدمشقي وأبو حيدر


عندما تنام دمشق . تبدأ حياة ويوم جديد لأشخاص كثر . كتب لهم أن يكون الليل غطاء لهم ولعملهم ونشاطهم . فتستمر الحياة في مدينة الياسمين ليل نهار . في توازن وديناميكية غريبة . وتطور بطيء . يعكس خاصية الشام وأن ليس لها مثيل في العالم
أبو حيدر هو بطل ما سأرويه عليكم اليوم من مشاهداتي الخاصة لمدينة الياسمين وخفاياها
ابو حيدر . رجل بمنتصف الاربعينيات من العمر . متوسط القامة . اصلع . بشارب مميز . وابتسامة لا تفارق وجهه أبدا
تربطني بأبو حيدر علاقة من نوع خاص . وهذه العلاقة جعلتني مقربا منه بشكل جيد . وهذه العلاقة جعلته أحد الابطال بنظري وربما بنظر غيري ( كل واحد بطريقته )
يوم أبو حيدر يبدأ معكوسا . فهو يبدأ بحوالي الحادية عشرة ليلا . وربما أكثر قليلا . حيث يقوم أبو حيدر بفرد بسطته الغريبة الشكل ( تصميمها يمنع الرياح من أطفاء الغاز . وبحيث تكون كالسلاح الفردي . سهلة الفك والتركيب . ويمكن ركنها وربطها بسهولة وبأي مكان ) . فتبدو كمحل متنقل صغير جدا . أو كمملكة لصاحبها يعمل فيها كل يوم . ليبيع عليها المشروبات الساخنة من شاي وقهوة وغيره
مع بداية العمل عند أبو حيدر يبدأ فصل جديد لكثير من الأشخاص ( من بينهم أنا لفترة طويلة ) . حيث يبدأ تجمع العديد من سائقي التاكسي ( الزبائن المفضلين ) . رغبة في أحتساء الشاي والقهوة تارة . وتارة لأصطياد الركاب دون التعب في البحث عنهم في الشوارع الليلية المنهكة وشبه الفارغة . ولأجتذاب أطراف الحديث والكلام عن كل ماحدث طوال النهار من قصص وحكايات ومشاكل طورا أخرى
طبعا مع العديد من ساهري دمشق ومرتادي طرقاتها . الذين يأخذون استراحة صغيرة في مملكته . فيأخذون مشروبهم ويمضون بعد ذلك
وكم من ساهر او عامل يكدح ليلا . أو عاشق أدمن الليل والمشي في الشوارع . فيكون فنجان القهوة مع مكالمة الهاتف الجوال بطعم خاص لأن الحبيبة تشترك فيه بشكل ما . فيسمعها ويناقشها ويضايقها ويراضيها ويغازلها وهو يرتشف القهوة من فنجانه . دون أن يهتم حتى لكمية السكر . وكأن أبو حيدر أصبح عندهم أحد الطقوس الخاصة . يشترون ويستمرون
أبو حيدر لم تنل هموم ومشاغل الحياة منه . فهو يملأ ليل من يسهر معه أو يصادفه ضحك وسخرية غريبة جدا لمن يعلم أحواله عن قرب . وأبتسامته اللطيفة وحركته النشطة الدائمة أستطاعت حقا أن تخفي ورائها هموما كبيرة تثقل كاهل أي أنسان
يستمر الليل عند ابو حيدر . ويستمر العمل حتى ساعات الصباح الاولى . حيث يبدأ شروق الشمس فوق دمشق العظيمة . وحين يبدأ نهار جديد . يكون على ابو حيدر متابعة نهاره الذي أبتدأ قبل حوالي الثمان ساعات . فهو موظف !!! . نعم موظف . ومكان عمله يبتعد عن مكان سكنه وعمله الليلي حوالي الساعة في باصين مختلفين . ليتابع يومه بعمل أخر كي يستطيع مواجهة الحياة ومصاعبها ومتطلباتها . ويستطيع تامين حياة عادية لعائلته
في داخل مدينتي أختصرنا الحياة على صنفين من البشر ( أغنياء وفقراء ) . وحاربنا الطبقى الوسطى بكل ما أوتينا من شعارات براقة وقوانيين تكرس الطبقية والفساد وكل أمراض الامم
تدق الساعة الثالثة . لينتهي الأن عمل أبو حيدر . الذي أستمر لحوالي الستة عشر ساعة فقط لاغير .
يعود أبو حيدر لبيته ليتناول طعام الغداء . ليسألهم عن دراستهم ويلاعبهم ويسليهم
ورغم محاولات اقناعي له بأن النوم أهم بالنسبة له ولصحته كي يستمر في هذا الجهاد اليومي . إلا أنه لا ينفك يذكرني بأنهم أبنائه وأنه يحبهم . وهذا هو الوقت الوحيد الذي يراهم فيه . وأنه يشعر حين يلاعبهم بمتعة غريبة وفرح كبير ( ربما لا يشعرها الكثير من الأباء ) . فيكون حقا نعم الأب ونعم الرفيق
ثم ينام لبضعة ساعات لاتتجاوز في احسن حالاتها الخمس . ليعود مرة أخرى ويكرر يومه من جديد
أبو حيدر بطل حقيقي من وجهة نظري . فرغم كل صعوبات الحياة ورغم قساوتها . الا أنه يواجهها دون كلل أو ملل . ولا تفارق أبتسامته وجهه أبدا
لطالما وقفت قربا منه . أتأمله وأتأمل حركاته . وأتسائل كيف يستطيع !!؟ . وكيف يضحك . وكيف وكيف
ولطالما كان بالنسبة لي . في سهرات الصيف . وفي الشتاء القارص . طعمة الليل الدمشقي . الذي يحمل في ثناياه . كل أشكال الحياة وكل أشكال المحاربيين المجهوليين

الفهيم بيريح

لك تاري الحمار لو شو ماسلموه بيصدق حالو وبدك تناديلو سيد حمار
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03697 seconds with 10 queries