مابين الليل الدمشقي وأبو حيدر
عندما تنام دمشق . تبدأ حياة ويوم جديد لأشخاص كثر . كتب لهم أن يكون الليل غطاء لهم ولعملهم ونشاطهم . فتستمر الحياة في مدينة الياسمين ليل نهار . في توازن وديناميكية غريبة . وتطور بطيء . يعكس خاصية الشام وأن ليس لها مثيل في العالم
أبو حيدر هو بطل ما سأرويه عليكم اليوم من مشاهداتي الخاصة لمدينة الياسمين وخفاياها
ابو حيدر . رجل بمنتصف الاربعينيات من العمر . متوسط القامة . اصلع . بشارب مميز . وابتسامة لا تفارق وجهه أبدا
تربطني بأبو حيدر علاقة من نوع خاص . وهذه العلاقة جعلتني مقربا منه بشكل جيد . وهذه العلاقة جعلته أحد الابطال بنظري وربما بنظر غيري ( كل واحد بطريقته )
يوم أبو حيدر يبدأ معكوسا . فهو يبدأ بحوالي الحادية عشرة ليلا . وربما أكثر قليلا . حيث يقوم أبو حيدر بفرد بسطته الغريبة الشكل ( تصميمها يمنع الرياح من أطفاء الغاز . وبحيث تكون كالسلاح الفردي . سهلة الفك والتركيب . ويمكن ركنها وربطها بسهولة وبأي مكان ) . فتبدو كمحل متنقل صغير جدا . أو كمملكة لصاحبها يعمل فيها كل يوم . ليبيع عليها المشروبات الساخنة من شاي وقهوة وغيره
مع بداية العمل عند أبو حيدر يبدأ فصل جديد لكثير من الأشخاص ( من بينهم أنا لفترة طويلة ) . حيث يبدأ تجمع العديد من سائقي التاكسي ( الزبائن المفضلين ) . رغبة في أحتساء الشاي والقهوة تارة . وتارة لأصطياد الركاب دون التعب في البحث عنهم في الشوارع الليلية المنهكة وشبه الفارغة . ولأجتذاب أطراف الحديث والكلام عن كل ماحدث طوال النهار من قصص وحكايات ومشاكل طورا أخرى
طبعا مع العديد من ساهري دمشق ومرتادي طرقاتها . الذين يأخذون استراحة صغيرة في مملكته . فيأخذون مشروبهم ويمضون بعد ذلك
وكم من ساهر او عامل يكدح ليلا . أو عاشق أدمن الليل والمشي في الشوارع . فيكون فنجان القهوة مع مكالمة الهاتف الجوال بطعم خاص لأن الحبيبة تشترك فيه بشكل ما . فيسمعها ويناقشها ويضايقها ويراضيها ويغازلها وهو يرتشف القهوة من فنجانه . دون أن يهتم حتى لكمية السكر . وكأن أبو حيدر أصبح عندهم أحد الطقوس الخاصة . يشترون ويستمرون
أبو حيدر لم تنل هموم ومشاغل الحياة منه . فهو يملأ ليل من يسهر معه أو يصادفه ضحك وسخرية غريبة جدا لمن يعلم أحواله عن قرب . وأبتسامته اللطيفة وحركته النشطة الدائمة أستطاعت حقا أن تخفي ورائها هموما كبيرة تثقل كاهل أي أنسان
يستمر الليل عند ابو حيدر . ويستمر العمل حتى ساعات الصباح الاولى . حيث يبدأ شروق الشمس فوق دمشق العظيمة . وحين يبدأ نهار جديد . يكون على ابو حيدر متابعة نهاره الذي أبتدأ قبل حوالي الثمان ساعات . فهو موظف !!! . نعم موظف . ومكان عمله يبتعد عن مكان سكنه وعمله الليلي حوالي الساعة في باصين مختلفين . ليتابع يومه بعمل أخر كي يستطيع مواجهة الحياة ومصاعبها ومتطلباتها . ويستطيع تامين حياة عادية لعائلته
في داخل مدينتي أختصرنا الحياة على صنفين من البشر ( أغنياء وفقراء ) . وحاربنا الطبقى الوسطى بكل ما أوتينا من شعارات براقة وقوانيين تكرس الطبقية والفساد وكل أمراض الامم
تدق الساعة الثالثة . لينتهي الأن عمل أبو حيدر . الذي أستمر لحوالي الستة عشر ساعة فقط لاغير .
يعود أبو حيدر لبيته ليتناول طعام الغداء . ليسألهم عن دراستهم ويلاعبهم ويسليهم
ورغم محاولات اقناعي له بأن النوم أهم بالنسبة له ولصحته كي يستمر في هذا الجهاد اليومي . إلا أنه لا ينفك يذكرني بأنهم أبنائه وأنه يحبهم . وهذا هو الوقت الوحيد الذي يراهم فيه . وأنه يشعر حين يلاعبهم بمتعة غريبة وفرح كبير ( ربما لا يشعرها الكثير من الأباء ) . فيكون حقا نعم الأب ونعم الرفيق
ثم ينام لبضعة ساعات لاتتجاوز في احسن حالاتها الخمس . ليعود مرة أخرى ويكرر يومه من جديد
أبو حيدر بطل حقيقي من وجهة نظري . فرغم كل صعوبات الحياة ورغم قساوتها . الا أنه يواجهها دون كلل أو ملل . ولا تفارق أبتسامته وجهه أبدا
لطالما وقفت قربا منه . أتأمله وأتأمل حركاته . وأتسائل كيف يستطيع !!؟ . وكيف يضحك . وكيف وكيف
ولطالما كان بالنسبة لي . في سهرات الصيف . وفي الشتاء القارص . طعمة الليل الدمشقي . الذي يحمل في ثناياه . كل أشكال الحياة وكل أشكال المحاربيين المجهوليين
الفهيم بيريح
لك تاري الحمار لو شو ماسلموه بيصدق حالو وبدك تناديلو سيد حمار
|