أبشر من عيوني الثنتين:
أولا:
هذا النقاش الذي بيني وبين محبة منذ مدة، وقد وعدني إن كان الحق معي يقول: " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، وقد وعدته إن كان الحق معه أن أتنصر وأكون من ضمن النصارى.
ثانيا:
كان المقصود من جهتي أنا هو: محمد صلى الله عليه وسلم، وكان المقصود من جهة محبة هو: روح القدس، أي: روح الله التي نزلت على عيسى ثم صعدت ثم عادة وحلت في قلوب المؤمنين بالمسيح.
أما عن تفسيرها:
بسم الله يسر وأعن:
أما قول المسيح:
" إن المسيح قال للحواريين: إني ذاهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق لا يتكلم من قبل نفسه إنما هو كما يقال له، وهو يشهد علي وأنتم تشهدون، لأنكم معي من قبل الناس، وكل شيء أعده الله لكم يخبركم به ".
أخبرهم المسيح عليه السلام وبشرهم بأنه سيأتيهم الفارقليط الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم، ومحبة يقول: هو روح القدس أي: روح الله، وهذا لا يستقيم، لأن المسيح أخبر أنه لا يتكلم من قبل نفسه وإنما هو كما يقال له، وهذا لا يكون إلا لبشر، وليس لإله، لأنه لو كان المقصود هو روح القدس لتكلم من قبل نفسه، ولا يحتاج إلى غيره، وهذا أمر واضح ولله الحمد، ثم أخبر أنه سيشهد له، وأنا أطلب من جميع النصارى بل جميع العالم: من شهد لعيسى عليه السلام أنه نبي وأنه ليس كما افتراه عليه اليهود من أن نسبوه للزنى، وأنه نبي الله وليس ابن الله كما تقوله النصارى، غير محمد صلوات الله عليه وسلامه، ثم أخبر أن كل شيء أعده الله لكم يخبركم به، وأنا أسأل:
من أخبر أن لعباد الله المؤمنين في الجنة نعيما، ووصف النعيم كأنك تراه، ومن الذي أخبر أن الله أعد لعباده الكافرين من عذاب جهنم وحميمها وزقومها وحرارتها ووصف العذاب كأنك تراه.
وأما قوله:
وفي إنجيل يوحنا: " الفارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب، وإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه، ولكنه مما يسمع به، ويكلمكم ويسوسكم بالحق، ويخبركم بالحوادث والغيوب ".
وفي موضع آخر: " إن الفارقليط روح الحق الذي يرسله أبي باسمي، هو يعلمكم كل شيء".
وفي موضع آخر: " ابن البشر ذاهب والفارقليط من بعده يجيء لكم بالأسرار ويفسر لكم كل شيء، وهو يشهد لي كما شهدت له، فإني أجيئكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل ".
أخبرهم المسيح عليه السلام بأن الفارقليط يأتي بعد ذهابه، وبخ العالم على الخطيئة، وبدوري أسأل:
من الذي وبخ العالم على الخطايا من الشرك والذنوب والمعاصي، ومن الذي توعدهم بأن أصحاب الخطايا سيتحقون العقوبة عليها؟؟
ثم اخبر هنا أيضا أنه يتكلم بما يسمع، أي بالوحي، وهنا أيضا نقطة هامة وهي:
لو كان المقصود هو روح القدس، أي: روح الله، فما هو هذا الشيء التي يكلمه حتى يسمع منه، وهل هو يحتاج لأحد حتى يسمع من غيره، لا سيما هي روح الله ـ كما تقولون ـ، وأخبر أيضا أنه يسوسهم بالحق، وطابق بين هذا وبين قوله تعالى: " وما ينطق عن الهوى إن هو إلى وحي يوحى "، ومن الذي أخبر العالم بالحق بعد انتشار الوثنية وبعد انتشار المعاصي وتشتت الأديان وبعد انتشار الظلم والطغيان والفجور والفواحش غير محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أخبر أنه يخبرهم بالحوادث والغيوب، ومن الذي أخبر بالحوادث التي حصلت من أخبار الرسل وما جرى مع أقوامهم وما جرى للعاصين منهم من تدمير لقراهم، كما قال تعالى: " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد "، وبالغيوب التي ستحصل من افتراق امة محمد صلى الله عليه وسلم وانها تتبع سنن الذي من قبلهم وانها لا تزال طائفة منها ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة، ومن تغير الزمان من تطاول في البنيان وحفر الجبال في مكة ( الأنفاق ) ومن أشراط الساعة وعلاماتها وعلى من تقوم وكيف حال من تقوم عليهم، ومن أخبار نعيم أهل الجنة، ومن أخبار عذاب أهل النار، وغيرها الكثير الذي لا يمكن حصره هنا.
والمتأمل في الكتب السابقة يجد أن صفات الجنة والنار ليس فيها إلا مجملا، وأن الذي يشاهد القرآن والسنة الصحيحة يجد ذلك مفصلا حتى كأنك تراه، وصدق المسيح عليه السلام في قوله: " فإني أجيئكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل ".
وأما قول المسيح:
وفي موضع آخر: " إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فارقليطا آخر يثبت معكم إلى الابد، ويتكلم بروح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه، لأنهم لم يعرفوه، ولست أدعكم أيتاماً، إني سآتيكم عن قريب ".
وهنا أيضا بين لهم أنهم لو كانوا يحبونه أن يحفظوا وصاياه التي أوصاهم بها، ووعدهم بأن يطلب من الأب، أي: يدعوا الله أن يعطيهم هذا النبي المبشر، بل يثبت معهم إلى الأبد، ومن الذي بقيت شريعته 1426سنة، غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، بل ستبقى معهم حتى يأتي أمر الله، تأمل قول المسيح: " يثبت معكم إلى الأبد "، وقول أخيه محمد صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله "، كيف تجد التوافق بين الرسولين الكريمين صلوات الله وسلامه عليهما، وتأمل قوله عليه السلام: " ويتكلم بروح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه "، وبما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم من صفات الله التي هو متصف بها ومن صفات الملائكة وعما أعده الله في الجنة لأوليائه وفي النار لأعدائه أمر لا تحتمله عقول أكثر الناس معرفته على التفصيل، حتى قال علي رضي الله عنه: " حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله"، وقد وجدنا في هذا المنتدى من يستهزيء بصفات الله ويقول أنها تسع وتسعين اسما، بل بضعهم يستهزيء بما في الجنة والنار، تأمل هذا وقارن بينه وبين قول المسيح عليه السلام، وأيضا أخبرهم بأنه لن يتركهم بل سيأتيهم، فتأمل وطابق بين قول المسيح " إني سأتيكم عن قريب "، وقول محمد صلى الله عليه وسلم: " ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلا وإماما مقسطا، فيحكم بكتاب ربكم "، طابق بينهم كيف تجد أن بينهم من التشابه الذي لا اختلاف فيه.
وأما قول المسيح:
وفي موضع آخر: " إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم، ولكنكم لا تستطيعون حمله، لكن إذا جاء روح الحق ذاك يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بما يسمع، ويخبركم بكل ما يأتي، ويعرفكم جميع ما للأب ".
فقط أخبرهم أن عنده كلاما كثيرا ولكن لا يريد أن يقوله، وبين السبب بقوله: لكنكم لا تستطيعون حمله، وأخبرهم بأن المبشر هو الذي يخبرهم، وأخبرهم أنه يخبرهم بجميع الحق، وبين السبب بقوله: لأنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بما يسمع، وهنا أيضا أخبر أنه يسمع، أي: يحتاج إلى غيره، ويستحيل بأن يكون المقصود هو روح القدس، أي: روح الله، وأخبرهم أنه يخبرهم بكل ما يأتي من حوادث ومن فتن ومن مصائب، ومن افتراق هذه الأمة، ومن أنه سبتقى فئة منها على الحق ظاهرين، ومن أشراط الساعة وأحوال الساعة والقيامة وما يكون فيها من الأمور التي قال الله سبحانه عنها: " فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا "، بل أخبر بأصحاب الجنة وأصحاب النار وما أعده الله لهما وأخبر ما يأتي من أشراط الساعة من خروج الدجال، وظهور الدابة، وطلوع الشمس من مغربها ، وخروج يأجوج ومأجوج، ونزل المسيح عليه السلام، وظهور النار التي تحشر الناس، وغيرها الكثير والتي تحصل قبل القيامة، والحساب والصراط ووزن الأعمال ، وأيضا أخبرهم بجميع ما للرب، من الأسماء والصفات، وما له من الحقوق، وما يجب من الإيمان به وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وأن الأمور بيده وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وما مسه من لغوب، ومن نصره للؤمنين الموحدين ومن خذلانه للكافرين والمشركين، وأخبر بأن له تسع وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة وغيرها الكثير.
وتأمل قول المسيح عليه السلام:
وقال متى: " قال المسيح: ألم تروا أن الحجر الذي أخره البناءون صار أسا للزاوية من عند الله، كان هذا وهو عجيب في أعيننا، ومن أجل ذلك أقول لكم: إن ملكوت الله سيأخذ منكم، ويدفع إلى أمة أخرى تعطى ثماره، ومن سقط على هذا الحجر ينشدخ، وكل من سقط هو عليه يمحقه ".
وقول محمد صلى الله عليه وسلم: " ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأتمها إلى موضع لبنة منها، فجعل الناس يطوفون بها، ويعجبون منها، ويقولون: هلا وضعت تلك اللبنة، فكنت أنا تلك اللبنة "، طابق بين قولهما تجد التشابه الكثير الذي لا اختلاف فيه لأنه خرج من مشكاة واحدة وهو مشكاة النبوة، وأخبرهم أن ملكوت الله سيأخذ منكم، ويدفع إلى أمة أخرى تعطى ثماره، فبالله عليك من هذه الأمة الأخرى، هل يا ترى هي بنوا إسرائيل، أم اخوتهم من بني إسماعيل؟!!
وأخبر أنها تعطى ثماره، ومن الذي جاهد في الله ونشر الرسالة حتى وصلت مشارق الأرض ومغاربها، بل أخبر محمد صلى الله عليه وسلم بأنه سيدخل هذا الإسلام في كل بيت بعز عزيز أو بذل ذليل، وهذا واقع لا محاله، لانه لا ينطق من عنده كما أخبر بذلك المسيح عليه السلام، بل كما قال تعالى: " إن هو إلا وحي يوحى ".
وختاما:
والله لا أريد الشتيمة بأي أحد كائنا من كان ولكن علينا أن نمشي على بصيرة وعلى حق حتى يصل الواحد منا إلى ربه وهو مطمئن سالم من كل المعاصي، كما قال ربنا تبارك وتعالى: " يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم ".
|