كانت عبارات التهنئه هذه المره أكثر قوة, و باقات الورود أكبر حجما’ و أكثر حمرة أما الشخصيات التي أرسلتها فكانت من الوزن الثقيل,أعضاء "دائمون و راسخون" في مجلس الشعب, وزراء عتاة سابقون, ووزراء أباة حاليون , رؤساء المنظمات الشعبية , و النقابات, محافظون , ضباط عسكريون بمناصب رفيعة,و حتى العميد قائد فوج إطفاء العاصمة أرسل لي هدية سيارة أطفاء حمراء صغيرة ,كما تلقيت من معظم مرسلي التهاني مكالمات هاتفيه, أو زيارات شخصية , القاسم المشترك بينهم جميعا كان الضحك بأشداق مفتوحة على الآخر كان أحدهم يهنئني و يفقعها ضحكة مدوية مجلجلة و كأنها أحدى لوازم التهاني.لم أكن متضايقا من الضحكات المهنئة و لكني أستغربت من مدى السعادة التي نشعر بها و السعادة كما هو معلوم تتناسب "طردا" مع مساحة الفم المفتوح, و عليك أن تكون وزيرا لترى الجانب المشرق المستبشر لهذا الشعب العظيم.
قررت أن أكون وزيرا مختلفا بحيث اذا عقدت اي مقارنة بيني و بين الوزير السابق ان يقال فورا "شو جاب الطظ لمرحبا",الأختلاف قررته لمجرد الإختلاف و ذلك أن "الطظ" و "المرحبا" وجهان "لآفاق" واحد , أو ربما كان تغييرا لأرسم صورة مميزة يكون لها أثرها فيمن يجلس في الأعلى, أصدرت منذ اليوم الأول لي كوزير قرارا يمنع القهوة و الشاي و أي نوع من الشروبات في الوزراة أو مديرياتها في المحافظات, و أوعزت لمن صادر كل سخانات الكهرباء و أباريق الشاي و أواني القهوة,اصدرت في اليوم التالي قرارا بمنع الزيارات الخاصة و كل من يضبط و لديه زائر خاص يعقب اشد العقوبات,في اليوم الثالث اصدرت قرارا برفع دفتر التوقيع في الساعة الثامنة ألا خمس دقائق و لا يفتح ثانية ألا في الثاتية و النصف.في اليوم الرابع منعت الخروج من الوزارة ألا بإذن رسمي مني شخصيا.و هكذا يوميا كنت أقتحم موظفي الوزارة بقرارات إدارية تكتم الأنفاس و تضيق باستمرار كالملابس المغسولة. هذه التغييرات كانت ضرورية ليحس الموظف بوجود سلطة أعلى منه تراقب تحركاته و تحصي أنفاسة, أرفقت كل تلك القرارات بجولات شبه يومية مفاجئة لمكاتب الوزارة أو أحدى مديرياتها , أتقصد أن اصيح عاليا ليسمع الجميع صوتي ملعلعا في جنبات الوزارة. كنت أعاقب على أتفه الإسباب و لا أتوانى عن تحويل اي موظف الى التحقيق الإداري أو حتى الجنائي أذا دعت الضرورة أو لم تدع حتى اصبح وجودي كابوسا يخيم على الجميع.و قد أعطت هذه السياسة ثمارا أنخفظت فاتورة الكهرباء الشهرية في مبنى الوازرة بنسبة ثلاثين بالمائة و فاتورة الماء بنسبة مماثلة.و لكن طلبات الإجازة ازدادت رغم أن الوقت ليس مناسبا للإجازات ,كرهني معظم موظفي الوزارة و تحاشوا أن ألتقي بهم وجها لوجه لأنني كنت أصرخ على كل من أواجه بحجة تركه لمكتبه.و عرفت فيما بعد أن موظفي الوزارة أطلقوا علي لقب "الإنكشاري".
طبعا قمت بتغيير جميع موظفي مكتب الوزير السكرتير و مدير المكتب و حتى المستخدم و السائق. أحضرت رجلي الأمين أبو قادر و استخدمت نفوذي فقد اصبح لدي نفوذ لكي اعين بدر السنجري معاونا للوزير لبي طلبي فأزاد السنجري خضوعا و أخلاصا و أزادات زوجته جمالا و ألقا.كنت أزوره كثيرا في بيته . عندما أحضر كان يتذرع باشياء كثيرة نسيها في الخارج و يرجوني أن لا أؤاخذه لأنه سينصرف ليتركني وحدي و كان يقسم أنه سيعود سريعا و لكنه كان يغيب ساعتين وثلاثة كانت تكفي لأجتاح جسد زوجته كما أريد و لكن الأمر تطور فيما بعد فعندما كنت أحضر كان ينصرف فورا دون أن يعتذر وفي بعض الأحيان كان يختفي في أحدى غرف المنزل و لا يعود ألا بعد أنتهاء الجولة كان السنجري رجلا متعاونا بحق.
كنت أحضر أجتماعات الوزارة الأسبوعية و أحرص على أن أكون ثقيلا حاضرا اتكلم بهدوء و أيقاع منتظم و لكن حضور وزير الدفاع كان ينغص وقاري, كان منظر هذا الرجل يثير في الضحك فقد كان يحرص على حضور إجتماعات الوزارة بكلما قيافته " العسكرية " , و قد كان ينوء تحت اثقال عشرات الأوسمة المعدنية التي يلصقها على صدرة من الجهتين و كان في كل أجتماع يذكرنا بأنتصارات جيشنا الباسل المقدام و استعداده الدائم.كنت أحرص أن لا أنظر الى وزير الدفاع أثناء كلامي كي لا تخونني نفسي و ابدأ بالقهقهة.وزير الخارجية كان رجلا في منتهى اللؤم و يحرص على أظهار لؤمه علنا كان ينادينا باسمائنا الأولى رغم عدم المعرفة السابقة و لا يتوانى عن شتم رؤساء الدول الكبرى و أعضاء مجلس الأمن امامنا, كان وزير الخارجية المسئول الأول عن الدبلوماسية رجل يخلو من الدبلوماسية.
لم يمنعني منظر وزير الدفاع المثير للضحك و لا لؤم و حقارة وزير الخارجية من الإقتراب منهما كنت أريد أن أوطد صداقات وصيدة من وزراء " مشرشون" من فصيلة الدفاع و الخارجية لم أجد صعوبة جدا في كسب ثقة وزير الدفاع كان يكفي أن تسأله عن قصة حصوله على هذا الوسام أو ذاك ليتنحى بك جانبا و يقص عليك الحكاية منذ داحس و الغبراء و حتى الساعة و لا يتركك حتى يسمعك شعرا و نثرا و نصوصا أخرى لا تنتمي الى أي منهما, كان وزير الدفاع من ذلك النوع المدع العالم بمعرفة كل شيء و كل ما يملكة من معرفة مجموعة محفوظات لعدة عناوين براقه أو اسماء أعلام.الطريف في هذا الرجل غير منظره أنه يتكلم في كل شيء ألا في الدفاع الذي هو وزيره.وزير الخارجيه كان صورة معكوسه , شخص غير ودود لا تكاد تلمحه باسما , مقتضب العبارة حادا تعتقد أنه أنهى كلامه ليعاود الحديث , مراوغ لا تفهم ماذا يريد,في أحدى المرات كان يقدم تقريرا عن زيارته الى إيطاليا, فجأة توقف و بدأ حديثا عن دراجة أبنه التي سرقت من أمام المبنى و توجه بالحديث الى وزير الداخليه,و هذا ايضا كان ككيس ملىء بالحقارة فأجابه بحقد و هل تريدني أن أضع شرطي لكل دراجة من درجات أبنائك.أجابه وزير الخارجية : لا ولكن أريدك أن تعين شرطيا لكل سارق,في أيطاليا عدد الشرطة أكبر من عدد اللصوص ولكن عندك عدد اللصوص بعدد موظفي وزارتك.هذا النوع من المواجهات كان كثيرا في مجلس الوزراء و في معظمها كان وزير الخارجية طرفا فيها,طبعا هذا لا يعني أنه كان رجلا مستقيما لأن الجميع يعرف أن في كل سفارة من سفاراتنا في جميع أنحاء العالم أحد العاملين الرئيسيين ينحدر من منطقة الوزير و هو يفاخر بذلك و لا يخجل منه بالإضافة الى أنه منذ أن اصبح وزيرا للخارجية تدهورت سمعتنا في الخارج الى أسوأ درجة و أقتصرت علاقاتنا القوية على دولة أو اتنتين و مر عام كامل لم يزر الدولة رئيس واحد أو وزير خارجية واحد و هو كذلك يفاخر بوقاحة و تحد بهذا الوضع لأنه يدلل على مدى صمودنا و قوتنا.و كان هذا المدخل الذي ولجت منه لأتقرب من وزير الخارجية فكنت أدعمه اثناء الحوارات الوزارية و اساند موقفه و أشيد بحكمته و خبرته الى أن تبين أن الرجل مجرد طاووس آخر يغريه المديح و تطربه الكلمات.
لم أفاجىء عندما رحب بي ابو مكنى قائلا: أهلا بالإنكشاري...و أطلق ضحكته الساخرة المستخفة.المفاجىء كان الإستهانة الشديدة بشخصية الواوي الجديدة التي رسمتها لنفسي و كنت أظنني سأحظى أخيرا بقبول لديه بثوب المسيطر القابض على الأشياء,لا يرضي هذا الرجل شيئا على الأطلاق.أستمع بإهتمام الى تعليقاتي حول وزراء الدولة لم يشتمهم كعادته و لكنه هز رأسة كناية عن الإمتعاض و عدم الرضا,و عنما أخبرته أن وزير الخارجية يشتم رؤساء الدول الكبرى قال :
- ليك الشخاخ ليك....وعم يضرط من طيز وسيعة...دخلك و أبو وشين "ويقصد رئيس الوزراء" شو بيقلو؟؟!!
أجبت :
- أبو وشين مطبل بالدنيا مزمر بالآخرة...يكتفي بمراقبة وزير الدفاع أثناء وصلة وزير الخارجية فإذا كان غائبا فيراقب ردود وزير الإعلام و إذا كان غائبا هذا الآخر يكتفي بمداعبة مسبحته القصيرة.كانت فرصة أبو مكنى التي لا يمكن أن يفلتها أبدا أمسك عبارتي الأخيرة و بدأ منولوجه المفضل:
- يا عيني ملا وزارة....كس أمك..... على أم أبو وشين تبعك مقعدينو على كرسي بتطلع قد طيز أمو حتى يلعب بالمسبحة و الحقير أذن أستيراد واحد ما بيرضى يوقع الشعب عم بيموت من الجوع و هو مسكر الحدود ما بيخلي دبانه تمرق.بدي أفهم كيف عم يدير هالدولة و ليش لهلق "المعلم" مطول بالو....
أستمعت الى وصلة أبو مكنى و قد علمت ان لديه الكثير من المشاكل مع رئيس الوزراء فقلت له و قد تقمصت دور الوزير الحقيقي:
- بس بتعرفو وقف الإستيراد هاي سياسة دولة, و الإعتماد على الذات شعار مرفوع من مستويات أعلى بكتير من رئيس الوزراء..هب أبو مكنى في وجهي كالملسوع..:
- ولا أنت جحش أما عم تتجحشن..وقف الإستيراد...و أعتماد على الذات شو مفكر عندي هون إذاعة ولا الجريدة الرسمية..فتحلي هالطاسة الي فوق كتافك و أفهم..هلق أنت وزير بيجوز بكرة تكون ببيت خالتك....
كانت أول مرة يتحدث ألي أبو مكنى بمثل هذه الصراحة, أراد مني أن نكون فريقا يهتم هو" بالتغطية" و أهتم أنا" بالتمرير" لقد ذكر المصطلحات السابقة عينها و كأنه مدرب فريق كرة قدم.كنت أعرف أن لا خيار لدي و قد وصلت الى هذه المرحلة و في الواقغ لم أفكر في خيارات أخرى, و كنت متأكدا أنه ليس لي ألا هذا الطريق الذي يفتحه أبو مكنى و كانت المرة الأولى التي أغوص فيها في مقعدي مفكرا و في مكتب أبو مكنى بالذات.لم يطل التفكير كثيرا فالمرمى مفتوح و يبدو أبو مكنى مدرب كرة قدم جدير.
يتبع...
عـــــــــــــــــــــــــــــبـــــــــــــــايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
زورو موقع الدومري :
http://aldomari.blogspot.com
|