10 نيسان

إن كل إنسان يتمتع ، في مراحل الحياة كافة ، ولو ببعض من رؤية أو ما يشبه ذلك ، إذ أن ذلك يشكل نتيجة حتمية لدينامية العقل البشري . فالحواس تدرك وقائع محسوسة ، ترى ، تشم ، تذوق ، تسمع وتشعر ببعض الأحاسيس كل ذلك ينقل إلى العقل وهو أيضا ً يبدأ عملية تقويم لكل تلك المعطيات . فالعقل يحلل كل ما تلتقطه الحواس وينظم تلك الوقائع مقسما ً إياها إلى نماذج يستطيع إدراكها . إن هذه العملية لأشبه بترتيب قطع فسيفساء . فالفسيفساء هو واقعنا وهي لا تأتي دفعة واحدة بل قطعة قطعة . معلبة في أيام . وكل يوم يأتي بقطع جديدة وكل قطعة تأتي بجديد يساهم في فهم أوضح لصورة الواقع بكاملها . كلنا يرتب القطع بصورة مختلفة لأن كلا منا يرى الواقع من وجهة نظر خاصة . فالخصائص التي لا غنى للمرء عنها في تكوين رؤية شاملة وواضحة إنما هي الانفتاح والمرونة . والفخ الذي يتحتم تفاديه هو التصلب . الإنسان المتصلب لا يمكنه أن يتعايش مع الشك ، فهو يريد دائما ً أن يوضح الصورة بكاملها في أسرع وقت ممكن . لذا فهو يجمع معا ً بعض القطع فقط في نموذج ضيق وغير منسجم ، من حاجة إلى أكثر من ذلك . وإذا ما اجتمعت لديه مزيد من القطع فسوف يتخبط فيها ، وإذا ما أصغيت إلى هؤلاء الناس وجدتهم وكأنهم يمتلكون حقائق أكثر من أي إنسان آخر ، اما الإنسان المرن المفنتح فباستطاعته أن يتقبل باستمرار قطعا ً جديدة يجهد في ترتيبها مبدلا ً بعض النماذج عنده . إنه على استعداد دائم لإعادة النظر في الأمور وإحداث ما يستوجب ذلك من تغيير ، فالحقائق الثابتة التي يمتلك تبدو أقل عددا ً مما يملك الإنسان المتصلب ، واستنتاجاته تبقى عرضة للتغيير .
|