العطلة في حياتها - 12 قصيدة
العطلة في حياتها - 12 قصيدة
•1- طائرٌ من قمح
أنظرُ إليهِ
وأنا في قفص المدينة
أنظرُ إليه
وهو في قفص السماء
انظر إليه
وهو قريب منّي
أصغيتُ لنظرته
أصغيت للمسة الجناح
أصيغت لرائحة الريش
واصطحبتهُ في الطريق
إلى قفص في البيت
أنظر إليه
وهو يمشي جنبي
ندخل قفصاً من ذهب
نحكي عن العطلة في حياتها
أوسعُ من هذا العالم
أنظرُ إليه في القفص
وهو يحرثُ حديقته
يسقيها
يزرعُها
بقمحٍ كالجمراتْ
أنظرُ إليه
وهو بعيد عني
أطلقُ عصافيري إليه
إلى كفيّه
انظرُ إليه وانتظر
في كلّ مساء
أتذكر حمامة نوح
فيعود طائري معهُ
القمحُ والعصافير
يدخلُ قفصي لأقفلَهُ
على طائر ٍمن قمح
طائري صقرٌ
يكتب قصيدة لا تنام.
2-عالم واحد
خيالك أصابني بصوره
زخاتك اجتاحت دمي
غيومك تطوف في رأسي
في الطريق، وفي البيت
أمام النوافذ، وأمام الأبواب
في السماء، وعلى الأرض
عالمك الذي تراه، هو عالمي أيضا
الطيور الزرقاء التي تراها، أراها
هكذا بقينا أنا وأنت بعينين
نبصر عالما واحدا
أنا نفيت وحدتي بك
امسك حياتك، وأرتب أوراقك
وأنت مع القارات وحيد.
أنا وأنت نكتظ بعالم خفي
لا نبصره عن قرب
شعاعه ضوء نجمة بعيد.
أنا وأنت يكتظ بنا عالم واحد،
مثل حلم يشعّ وفي يده وردة بيضاء.
3-قوس واحد
حدثني الشاعر في الليل
عن الكلمات،
حدثني عن الحياة.
وكيف أصغي لها
كيف تتحول
الكلمة الى امرأة
يبتسم لها الهلال.
حدثني عن الموت
وكيف أصغي
للعناق مختلطا ً بالدموع
كيف تتحول
التفاحة الى كلمة.
حدثني كيف
تتحول العين الى صور
والنظرة الى خيال.
وكيف لو راقبت ُ
تحولات الشجرة الى قيثارات
رأيت طبيعة الإصغاء
وعلاقة الصوت بالطبيعة
أصغيت للسماء
أصغيت للكلمات
فرأيتني صرت أنا الشجرة
والطيور تصغي لقيثارتي.
حدثني عن نهر الغرّاف
و كيف يتحول الى غابة كبيرة
في قلب المدينة
التي تشبه القفص.
حدثني عن العطلة في حياتها
عن باخ
وبتهوفن
عن كابولا
حدثني عن قلبه
الذي يتحول في كل ليلة
الى صياد يحمل على كتفه
قوسا واحدا
للموت والحياة.
تاريخُ قبلاتٍ
وخرائط دموع.
حدثني كيف يتحكم بالعالم
من أمام نافذته
ما دام معه في السرير
امرأة وقوس.
حدثني في الليل
وعندما أصبحت
لم أعد أتذكر
أكان معي
ملاك الموت
أم ملاك الحياة.
أكان معي
هما معاً
بدفء عناق طويل؟
4- فراشة الحياة
في جنوب البلاد
عندما هبطتُ نحو النهر
لأعبرهُ
نسيتُ الضوء، فعبرتُ روحي
ناعمة ً كالحرير
كنتَ انتَ قميصي
كنتَ العالم الذي مشيته
ولم أنس انك كنتَ تسمّيني
فراشة الحياة التي ترفرف في عطلتها
رأيتك، وسمعتك، و لمستك
فصرتَ حامل المصباح لي
أطوفُ حولكَ
كنتَ أنت نفسي،
عالمكَ يحيطـُني
أنتَ متاهتي
كلما أعبركَ
أجدكَ أمامي وخلفي
كنتَ شكّي كلهُ ويقيني
فمشيتكَ وحدي
أطوف حول نورك
كفراشة الحياة.
5- انتقاء
العاشق المضئ
الذي تجاهله الرواة
في بغداد
وحده
ينتقي منـّا
في ظلمة الخوف
اثنين، اثنين متعانقين
للسفينة في وطنِ الطوفان.
6- هنا بغداد
هنا تسطع الظلمة
تشير إلى الضحايا
هنا يتحطّم القلب
تسقط الأشجار
ترتفع الفأس
وينهض التابوت
إحساسي بالفقدان يربـّي الألم
ويبقى لي ارث عالم
يحمل نعشه النادبون.
حياتنا عاطلة
كساعة بلا رقاص
يتشابك فيها الموجود بالعدم
هنا جمر الإرهاق كله
هنا المعاناة كلها
هنا رماد أشخاص احترقوا
هنا سلالة تشظت
هنا عجائب تاريخ
تبخرت في الأرض الحرام
هنا آثار أرواح عتيقة
تلبس جلودا جديدة
هنا مدينة نابضة بموتها
والأشباح تلوك،
تلوك،
هنا بغداد.
7- كريـّةُ نهارٍ في دمي
ما دمتَ كريـّةُ نهارٍ في دمي
لا آكلي اللحومِ، لا خدمَ الليلِ،
ولا الخفافيشَ تقتربُ مني.
الحيواناتُ السودُ على دشاديشِها البيضِ القصار،
أرى نثارَ اللحمِ وبقعاً حمراء.
ولأنـَّها لا تعرفُ ما تريد
وما لا تريد
ولأنـَّها لا تنطقُ لاءَها الوحيدة
اجعلها لعبةً بين أصابعي
اجعلـُها ثعالبَ تتوجعُ بلحظتها الناقصة
كأنها جاءتْ في الظلام من الصحراء
خرجتْ من أوجارها
من تحت ركامِ العواصف والخرائب
جرذان نسيتْ عيونـَها في مدفنِ النفايات
تحت جسر المدينة الذي أعبرُه كلَّ يومٍ لأحبـّكَ
يلفـُّني لكَ حنينٌ يرفرفُ بصمت،
يتحطّمُ الجسرُ من الألم.
ما دمتَ كريـّة َ نهارٍ في دمي،
مرمرُكَ مصقولٌ،
ويداكَ مبسوطتان،
ورأسكَ منذورٌ لحياتي،
لاؤكَ نعمٌ معي
اذ تنطقـُها أعرفُ القصد.
ما دمتَ كريـّة َ نهارٍ في دمي
انتَ شعاعي
أخبئُكَ في عظامي،
أرحلُ فترحلُ معي،
أضفرُكَ في عروقي،
وأغطيكَ بحريري المرفرفِ بصمتٍ.
أسمعُكَ تتحرك صاعداً للنسغِ
حيثما أمضي تمضي معي
ما دمتَ كريـّة َ نهارٍ في دمي
تنتحرُ الخفافيشُ السودُ
وخدمُ الليلِ
تحترقُ النفاياتُ
ويختنقُ آكلو اللحومِ
كلَّ يومٍ في جسدِ بغداد
ليتأكد قولي:
ما دمتَ كريـّة َ نهارٍ في دمي
المعجزةُ أكيدةٌ معكَ.
8- حياة على ورق
على الطرق
في اصطحابك لي
تخط لي تفاصيل
حياة عاطلة على الورق.
أراك تنظر للهمرات
للكلاب السائبة
للنائمين على الرصيف
يحمر وجهك
وينزّ من أصابعك الأرق.
من على الهواء
تلتقط الدمعة
تلتمع عينك
تفر منها حمامة بيضاء.
ينهمر من قلبك مطر
فتسمي الموت
عطلة البلاد.
أهذه هي الحياة
في ارض السواد ؟
التقط قلبك
من تحت العجلات
امسحه جرحا
واستعين به
أسأله لماذا أحبه
بكل هذا العمق
وهو هائم معي
يخط لي حياة عاطلة على الورق ؟
9- أسمال لامعة
بأمل طريّ
أخرج من البيت كل صباح
عمال ينظرون اليّ وينتظرون.
أسمال لامعة في الطريق
شيخ نائم على الرصيف
لم أر الصورة،
جثث لمجهولين
شبح نائم،
عالم من حديد
علم تكنسه الريح
أكياس ترفرف على الأسلاك
لم أبصر،
لم اتصل،
لم اسمع
لا شئ،
لا أحد،
لا صخب
لم أجد ما يقال
الموت عطلة الحياة
عمال ينتظرون، وأشباح للتفخيخ
لا عالم في بغداد
سوى أسمال لامعة
بأمل يابس
أرجع إلى البيت كل مساء.
10- دم بارد
أميركا
صدمتي بك عميقة
عاداتك قديمة
تصنعين القاتل
وتأتين لقتله
بدم بارد تحوكين الالتباس
ولا تفكرين بالإجابة
في بغداد صممتِ لباس الموت
وفخخّـتِ البلاد.
صدمتي بك عميقة
تكنسين الناس
كما تكنس العاصفة الريش
تمثالك جثث،
قمامتك عالية
وحبل غسيلك طويل
حياتك ملتبسة،
فلمك ملتبس
فالتبستْ علينا البلاد
صدمتي بك عميقة
تهمسين بنعم
وتذبحين بلا
تجعلين نفسك أعلى من السماء.
في جوف تمثالك
نام الأذلاء
أموات ولصوص
هذا عالم بلا التباس.
11- أنت بلادي
أنا أحبّك بكل هذا الخوف
احرس كتبك،
وامسح الغبار عنها
اجمع أوراقك،
وأعيد ترتيبها
احرس أقلامك،
وأعلقها على الجدار
أفحص حبرها.
ارتجف عند خروجك الى الطريق
ارتجف من شدة التفخيخ
أخاف عليك من الموت
أنت بلادي، أخبئ صورتك
ألهث عند الظهيرة
واترك روحي تسيل في صحن قلبك
اصدق أوهامك واحرسها
أنا أعلم انك بلا بلاد
وتقول: بلادي وان جارت عليّ
هي أحجاري الكريمة.
أحبك بكل هذا الخوف
أنت بلادي، أربيك على أ وهامك
أقول لك: انك لن تموت
جسمك من الماء،
وروحك من الضوء
لا أظنك تتشظى.
أحبك بكل هذا الخوف
اتشظى خوفا،
وأنتظر تحت نوافذك
اترك روحي تسيل في صحنك
أنسى العالم .
في المساء
الناسف يسقط قرب النافذة
فأنتظر نزولك من السماء
حضورك انفجار في قلبي.
احبك بكل هذا الخوف
لامتثل لرهافة أوهامك
ان بلادك أحجار كريمة
ولم يفتتها التفخيخ.
12- الطب العدلي
في بغداد
دائرة فيها جثث كثيرة
جماجم
وعظام
أقدامُ
وأسنان
شظايا بشر
يا للرماد
المقابر في بغداد
تحيطـُنا كالأقفاص.
لستُ بجسدٍ تسكنه روح.
بل
ثلاثة أرواحٍ
و عقولٍ
و قلوب
جزئها المرئيُّ الصغيرُ
جسدْ.
http://evandarraji.blogspot.com/
|