المجتمع المدني
إن كل مفهوم مرتبط بتاريخ نشأته، وبعبارة أخرى، مرتبط ببيئة تاريخية اجتماعية محددة. ومن الجدير بالقول أن المجتمع المدني كمفهوم ارتبط مع مفهوم المجتمع البرجوازي، الذي بدوره أعطى طابعاً اجتماعياً للعلاقات، بعدما كانت عائلية داخل مشاغل المدن الحرفية، وبطريركية داخل الإقطاعات الريفية....
وهذا ما تداولته الأدبيات على أنه الفعل الثوري للبرجوازية.
نتج عن ذلك "مدْيَنَةُ" السياسة بتعميمها، لتأخذ أيضاً طابعاً اجتماعياً.
في هذه الفترةلم يكن ثمة تمايزٌ بين مفهوم المجتمع المدني كقانون، ومفهوم الدولة كعقد اجتماعي، وتعبير عن هذا القانون. بين المجتمع المدني المحدد بالرابطة الاجتماعية العادية، والدولة بصفتها المؤسَّسَة التي يقترن مفهومها بملامح لا يمكن تجاهلها، من موضوعية في اتخاذ قراراتٍ ذات طابع جماعي لا يمكن شخصنَتُهُ، توثِّقُ لنشاط تعددي قيمته العملية أساس العلاقات المبنية على حرية تداول المعلومات.
ثم بدأ الانشقاق بين الدولة التي أمست أداة للسيطرة، والمجتمع المدني بصفته حامياً للفرد من تدخل الدولة وتجاوزاتها.
عندها تحدد مفهوم المجتمع المدني بثلاث دلالات:
1- باعتباره البديل لهيمنة الأسرة والعائلة على الفرد.
2- باعتباره البديل لسلطة الكنسي على المدني، لسلطة الديني على الدنيوي. 3- باعتباره البديل لسيطرة الدولة التسلطية، ونشاطاً دنيوياً محكوماً بالعقل والقانون.
المؤسسة وُلِدت في مجتمع عرف قيمة الفرد ككيان إنساني مستقل، وكقيمة فلسفية يعبر فيها عن وجوده بقدرته على العمل الحر. لم يولد الفرد المستقل في مجتمعاتنا العربية.
هذا الفرد المستقل الذي يعتبر المكون البنيوي الأول، والمحرك الوظيفي الأساسي لنشوء مجتمع مدني بوصفه كياناً معنوياً جمعياً.
إن الروابط العشائرية، والتشكيلات العائلية والطائفية، أو ما نسميها "المجتمع الأهلي" هي العقبات البنيوية الداخلية التي كانت وما زالت سبباً أساسياً في إضعاف المجتمع المدني وربما.. غيابه وغياب مفهوم الدولة الحديثة.
كما أن الحماية التي توفرها علاقات المجتمع الأهلي، تمنح قدرةً أكبر على تجاوز الدولة بكل معانيها، والتأثير على مؤسساتها التقليدية عبر الضغط أو التحالف مع بعض أجهزتها، لكنها تأتي على حساب فقدان الفرد لشخصيته الإعتبارية والقانونية.
تفريغ الفرد من معناه الوظيفي يعني تفريغ المؤسسة من معناها المدني.
أمام ما تقدم.. لنتساءل عن مسألة طرح مفهوم المجتمع المدني العربي!.
ميزة المجتمع العربي أنه موسوم بطابع أهلي فهل كان هدف الطرح رغبة؟ أم فعلاً إرادياً. هل كان تعويضاً يحتاجه الساسة، لتبرير مرحلة عمل سياسي معين؟ أم كان بسبب عجز الدولة التقليدية "المعبرة عن المجتمع الأهلي" وفقدانها لأي دور مركزي في بناء أمة؟!
غالبية الأحزاب السياسية في المجتمع الأهلي هي أحزاب طائفية أو مذهبية أو عرقية، وهي تعبير ثقافي لحالة اجتماعية متخلفة، وتعبير حقيقي لطغيان الأهلي على المدني.
لقد عجزت الدول التقليدية في منطقتنا العربية عن مديَنَة الدولة التي هي البناء الأساسي نحو مديَنَة السياسة. السياسة الحديثة هي سياسة مدنية منها تتطور مفاهيم المواطنية و"الديمقراطية" انتهاءً بالدولة القانونية. النخبوية الثقافية العربية طورت مفاهيم المواطنية و"الديمقراطية" بدون وجود سياسة مدنية لغياب الدولة المدنية بسبب غياب المجتمع المدني.
لقد أنتجت مشروعاً نظرياً "سياسياً" كان عبارة عن عملية نقل "مجانية" لتجارب غربية عظيمة "مدفوعة الثمن
عن مجلة الحال الاقتصادية
ل طالب ابراهيم
طائر واحد يكفي لكي لا تسقط السماء
فرج بيرقدار
|