الموضوع: على حدود الوطن
عرض مشاركة واحدة
قديم 17/03/2009   #19
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


على حدود الوطن / 6 /


- صالح -


كان الصباح صحواً مشمسً أو ربما غائما بليداً لست أدري! كئيباً كان أم لم يكن ، فهذا ليس بالأمر المهم لشخصٍ لا يعرف إلا أن يحصي عدد الساعات المتبقية قبل خلوده إلى النوم، ليدخل إلى عالمه الآخر، عالم الأحلام والأوهام، فهذا جلّ ما يعيش من أجله ، الأحلام فقط... فالأحلام الآن لا زالت تحتضر منذ عدّة عقود ، تودّع آخر سماتها الجمالية، تودّع كونها لازالت مجانيّة ، إذن فليحلم طالما الأحلام بالمجّان شرط أن لا يتعدى حدوده ويسعى إلى تحقيقها ، وجعلها واقعاً.
لكن هذا كان محال فواقعه الأسود الذي كان يعيشه لم يتح له الاهتمام بتلك الأمور التافهة المتعلقة بالطقس الصحو والغائم ونشرات الأخبار المملة حتى تلك التي كانت تتعلّق بأكثر الأمور أهميةً لديه، التي تبناها بذات نفسه وبكامل قواه العقلية، ربما أنا مخطئ فيما يتعلق بالقوى العقلية، أشكّ بأن هذا شكل من أشكال الجنون، أثق تماماً بأنه تبنى قضيّة ما كي يزيل من مخيّلته أطياف أشباح الملل النهاري، ولسوء حظه فقد تبنى أكثر القضايا خسارةً، لم يكن بها أي عنصر من مقوّمات النجاح، فماذا تحتاج أيّ قضية إنسانية إلى أكثر من كونها عربيّة وفي أيدي حكام العرب لتثبّت قضبان خسارتها في مؤخرات ضمائر الشعوب الصاحية.
هنا بعد هذه السطور ، وللمرة الأولى سأعلن شذوذي
شذوذي عن قواعد رواية القصة الطويلة أو القصيرة ، متمنعاً عن ذكر جملة معظم الروائيين التي حالما يشرعون بكتابة شيء ما يدرجونها قبل اسمهم حتى، " أحداث هذه القصة لا تمت للواقع بصلة".
ولكن للأسف هنا قصتي هذه تلامس الواقع من كافة صلاته، وكافة جوانبه، القصة هذه هي الواقع بذات عينه، بكل تفاصيله السوداء.
الساعة الآن الرابعة صباحاً صالح يهبّ مستيقظاً ومودّعا عالمه المخمليّ ، عالم أحلامه ، ويعود إلى واقعيّته
صالح كعادته دوماً وعند انسدال آخر ستائر الظلام، ومع أول شعاع محجوب للشمس.. يشارك نفسه حماقاته وحماقاتي أيضاً / ربما / : فأنا لا أشبه أحداً ...وهو أيضاً
تسخر منه الأوراق والأقلام وكافة الصحف حتى صفحات الأبراج والكلمات المتقاطعة، لم تخذله، إلا صفحات الوفيات .. فإنها بانتظاره ، مضغت أوردته الطرقات و أردته قتيلاً على قارعة الطريق
حتى تلك القارعة أيضاً لم توفّره ، مضغت عروقه ومصتها.. ولم ترتوي !!
صالح ، ليس أكثر من مجرّد رقم في هذا العالم المليء بالمعادلات الصعبة من الدرجة الخامسة ومافوق، لا يؤثر في تعداد السكان ، أو في حالة الطرقات، أو على المسافات بين المجرّات ، او في تسعيرة ليالي العاهرات.
إنه رقم، يضاجع حياته التي سلبته إياها الحكومة بحجّة الإسراف والتبذير مقتنعاً تماماً بأن أحلامه البيضاء أنفع له بكثير من واقعه الأسود.
يجتاز أحلامه جاثياً على ركبتيه، وفي معظم الأحيان زاحفا على بطنه ، فهو أجبن وأضعف من أن يعبرها واقفاً،
صالح ليس سوى رقم، يجتاز الهوامش ماخراً غبابها من أدناها إلى أقصاها آلاف المرّات، فهي المستنقع الوحيد الذي استطاع احتضان حماقاته، وهي مملكته الوحيدة وهو فيها الملك والوزراء والشعب والمقابر والملاهي الليلية.
تقرع الساعة السادسة أبوابه صباح اليوم ، استيقظ على أغنية وطنية جداً ، وطنية حتى الخيانة ، كانت أغنية جميلة جداً ، لكن مؤديها كان شعبياً أكثر من المعتاد ، حباله الصوتية تملأ أذني صالح بمازوخيتها، وقمائة إحساسه تؤذيه أكتر ، وأما تلك الحمقاء أذن صالح فقد أعلنت ساديّتها لتستمتع بلذة ممزوجة بألم الرضوخ لما يتم بثّه.
6 ساعات أخرى غير جديرةٍ بالتفاصيل وها هي الساعة الثانية عشر ظهر يوم الجمعة وكما هو متعارف عليه، على صالح أن يؤدي بروتوكوله الأسبوع ، والذهاب إلى خطبة الجمعة.
كان صوت الإمام كـ كل جمعةٍ يصدح بالأدعية أو الدعاوي "اللهم انصر الإسلام والمسلمين وازرع مذلّتك في الإشراك والمشركين ... الخ.
لكن صالح هذه المرة كان قد وصل قبل الموعد بنصف ساعة من انتهاء الخطاب، أقصد الخطبة، وكان صوت الإمام يدعو الى الابتعاد عن الأمور الوطنية، فما هي إلا من عمل الشيطان وأن المؤمن الصحيح ليس المطلوب منه النظر إلى الأمور المتعلقة بالوطن والأمة ، بل عليه بالعبادة ، والعبادة فقط.
أراد أن يسأل الإمام كيف يأمرهم بالابتعاد عن الوطن وما يتعلق بالوطن، وفي نفس الوقت الوطن الوطنيات والمواطنون رفيعو المستوى ذور الكراسي المطرّزة بالذهب ودماء شعبها هي وحدها والقرارات المفعمة بالخطابة الوطنية هي التي جعلته الآن في مكانه هذا.
لكنه تذكر بأنه في خطبة الجمعة وليس في لقاءٍ صحفي مع سيادة الإمام.
ثم يردف خطبته بأن الوطنيات قد أوصلت الأمر إلى حد أن يدخل المؤمن التلفاز بحجة متابعة أخبار العالم وطرائفهم، وفي الليل المظلم حيث يكون الشيطان في صحوته كاملةً ، يلج إلى البرامج الوطنية والحوارات واللقائات الساخنة على قنوات الأخبار، وأوضح الإمام بأن هذا عيب وغلط وإهانة بحقّ كلّ مؤمنٍ صحيح.
أراد صالح أن يصفق له أيضاً لكنه تذكر بأنه في المسجد في خطبة الجمعة، وليس في خطابٍ جمهوري لسيادة الرئيس.
ثم يعود الإمام ليتابع دعائه "اللهم انصر الإسلام والمسلمين وأذلّ الإشراك والمشركين ولا تنسى أعداء الدين ، من النصارى واليهوديين ، ومثلهم من أتباعهم العلمانيين ، الذين يدعون لفصل الدنيا عن الدين ، اللهم اجمعهم عدداً ودمرهم بدداً.
هذه المرة، وكانت المرّة الوحيدة، والوحيد بين كل الجالسين تجاهل صالح بأنه في خطبة الجمعة الدينية، وصفق للإمام، لكن للأسف تذكر صالح متأخراً بأن حذائه قد خلعه خارج المسجد. !
وتقرع الساعة الثامنة مساءً أبواب وحدة صالح، أفكار وحماقات وأوهام وهتافات وشعارات وأكاذيب وهمس وكلام كثير يملأ رأسه محاولاً ترقيق قلبه وإقناعه بأن الوطن يعاني من صداع شديد والأفكار ذاتها والحماقات والأوهام والهتافات والشعارات و و و ذاتها ، والرب بذاته لا يستطيع إقناعهم بأن الله خلق صالح إنسانا ، بني آدم يعني، وليس بذي معجزاتٍ ، أو نبياً ،حتى الأنبياء نفسهم لم يملكو معجزةً تخوّلهم بالتحول إلى " حبة بانادول". وعلى الرغم من ذلك ، لا زال صالح يسمع أصواتاً تشتمنه بالـ / خائن / .
والساعةالتاسعة مساءً فنجان قهوةٍ بارد، قذر.. ويتيم ، مثل واقع صالح تماماً، وموعد ملخّص نشرة الأخبار ، هذه المرة كان ملخّصا خاصاً ، خاصاً بصالح وحده لتخبره المذيعة بأن عدة أرقامٍ تشبهه / قليلاً / قد أعفيت من الخدمة ، ويعتبر القرار نافذ المفعول بعد الانتهاء من تشييع بضعة مرتزقة كانو يحلمون بـ مستنقعٍ يُسمى وطن وكان عددهم بنفس عدد الأرقام الذي تم الاستغناء عنهم.
وابتسامة أخرى تتلوها دعابةٌ مقيتة من المذيعة مثل وجهها تماماً وتسلم دفّة قيادة النشرة إلى شريكها المذيع ، ليخبرنا فرحاً بأن الوزير أعلن بعدم وجود زيادةٍ للرواتب ، والزيادة ستشمل فقط الضرائب.
يطفئ صالح التلفاز ليتحدث مع أصدقائي عن أمورٍ أكثر أهمية الشعر وبرنامج المسابقات وعن تشكيلة المنتخب المتوقّعة والجولان ،
وفي نهاية الحديث يختمها بالحديث عن القمامة المتراكمة أمام باب منزله والحرية والوطنية.
وأخيرا تقرع الساعة الثانية عشر مساءً ، يقرر صالح بأنه يجب أن يخلد إلى النوم والاكتفاء الذاتي من أحلامٍ لن تأتي

يتبع ..



- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


آخر تعديل abosleman يوم 18/03/2009 في 00:57.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05256 seconds with 11 queries