اليوم الثاني
اليوم الثاني
(1)
في الصَّباح الباكر، جاءَ رجلٌ آخر، فتحَ بابَ الزنزانة وبدأ يلقي شتائم لَم أفهَم معظمها، كنتُ ما أزالُ في حالة من التيه وشيء من الضياع، كانت ليلةً مِن كابوس.. وإن غفلت عيني فيها قليلاً فهي لم تغفل إلا على حلمٍ واحِد.. أن كلَّ ما يجري مجرد خطأ وسيتم تصليحه في أقرب وقت، مع مرور الوقت كان يتضحُ لي تماماً مدى الوهم الذي أنا فيه، كانَ هذا الرجل أشدّ غلاظةً ووحشيةً مِن رجل الأمس.
تقدّم إلى داخل الزنزانة، كانت حركة يده ونظرات عينيه توضحان تماماً بأنه ينوي ضربي، لَم أفهم ما المشكلة، حتى أمرني بالوقوف وبدأ يهذي “مرة تانيي بتقوم توقف على حيلك بس فوت ولا، ماتشوف حالك عليْنا، فهمان ولا”.. قمتُ بالتحديق في عينيه بهدوء، وقلت له: “طول بالك، ما كنت منتبه، بعدين أنا أول مرة بفوت هيك مكان وما بعرف قوانين التعامل فيه”..، ثم بدأ بإلقاء شتائم متواصِلة، بلعتها بصَمت، أعطاني رغيفين وبيضتين وقال لي إنه فطور لي ولزميلي في الغرفة، وزميل الزنزانة هذا كان مزوّر رخصة سيارة شحن كان قد اقتيد إلى التحقيق، عندما عادَ هذا الرجل لاحقاً أعطيته الرغيفين والبيضتين. كنت عاجزاً تماماً عن إدخال لقمة واحدة في جوفي، وكان جسدي غاضباً وروحي في حالة هيجان ومشاعري في قلق وهوس..
بعد لحظات، عادَ ذلك الغليظ الوقح، فتحَ الزنزانة واقتادني إلى الخارج، وضعني في غرفة التحقيق وأمرني بالبصم على أوراق لم يُسمح لي بقراءتها (وأنا لا أعرف مضمونها إلى الآن).. ثمَّ قادني خارجاً وبدأ بتوجيه ضربات خفيفة بكفه على قفا رأسي بنوع من الإذلال، ومرّة أخرى اجتاحني شعورٌ بغيض تجاهَ هؤلاء القردة الذين لا يعرفون مِن الحياةِ إلاّ أكثرَ تفاصيلها وساخة، كنت مشتعلاً ومصاباً بإحباطٍ شديد، كانَ بجانبي مجموعة أولاد أعمارهم بين 18 وال 20 اقتادوهم إلى المكان لنفس السبب (تخلّف عن الخدمة).. بعضهم لم يكن يعرف أنه متخلّف أصلاً لأنه لم يصله أي تبليغ من شعبة تجنيده وهذا سينطبق على معظم الشباب الصغار الذين سأقابلهم فيما سيأتي من سجون وأقبية و”مشخات” (عافاكم الله) مسخرة ومذلة وغباء..، أيُّ عالمٍ هذا الذي نعيشُ فيه.. أيُّ عالم ؟!..
لحظات.. حتى دخل أحدَ هؤلاء الكلاب وهوَ يقتاد (طفلاً) آخر.. كان ذلِك (الطفل الشاب) مرعوباً بدرجات عندما نطق بكلمات قليلة مفادها أنه لم يكن يعرف أنه متخلف حتى انهارَ عليه ذلك الغليظ الوقح بصفعاتٍ متتاليةٍ على وجهه، الشباب الصغار بجانبي بدؤوا يبكون، لأنهم خافوا من تلقي نفس المصير، فقمت بتهدئتهم وأخبرتهم أن لا أحد سيقترب منهم إن فعلوا ما يُطلب منهم، ولكن ذلك النذل عادَ ليوجه صفعات إلى قفا رأسي مجدداً وهوَ يعرفُ تهمتي (تخلف عن الخدمة) وعمري ومهنتي، لكنهُ مريض..
هؤلاء البهائم.. يفرغون نقصهم عندَ أول فرصةٍ تسنحُ أمامهم في الأطفال والمثقفين، كانت هذه اللحظات الأخيرة عصيبة جداً، وكنتُ أرجو أن أنتهي منها دون أن أبدي أي ردة فعلٍ قاسية قد تزيد الأمور سوءاً وفي نفس الوقت وجدتني مضطراً لتهدئة الشبان الصغار الذين رافقوني رحلةً بدأت بعدَ لحظات.
زُرني هــنــــــــــــا
http://NJ180degree.com
|