أوشو
لهذا "الحكيم" (كما يسمونه) الكثير من المقالات والكتب المؤلَّفة، وقد عُرِفَ عنه إصرارُه على عدم رغبته في أن يُطلَقَ عليه اسمٌ أو توصيفٌ فكري معين، انطلاقًا من إيمانه بأنه لا توجد فلسفة تصف الحقيقة وصفًا مطلقًا. ففي إحدى محاضراته تحدث عن نفسه قائلاً:
أنا أساعدك في إدراك السكينة في روحك. هذه ليست تعاليم ولا عقيدة، ولا حتى قانونًا دينيًّا محددًا. لهذا أستطيع أن أقول أيَّ شيء، أستطيع أن أناقض نفسي في الليلة الواحدة مئات المرات.
إنني في حالة صعبة جدًّا. فمنذ اليوم الذي دخل حبُّ الله فيَّ اختفت الكراهيةُ من داخلي. لذلك حتى لو أردتُ أن أكره فلن أستطيع؛ حتى لو أتى الشيطان أمامي لا يسعني إلا أن أحبَّه! ليس لدي أي خيار آخر، لأنني قبل أن أستطيع أن أكره أحتاج إلى وجود الكراهية في داخلي، وبغير ذلك لا أستطيع.
من المستحيل أن يتعايش الحب مع الكراهية في القلب نفسه. إنهما متناقضان تمامًا تناقُضَ الحياة والموت. الحب والكراهية لا يمكن لهما أن يوجدا في القلب نفسه أبدًا.
يمثل أوشو ظاهرةً فريدةً من حيث مرجعيته الروحية. إذ على الرغم من نشأته في مجتمع يدين بمختلف الأديان إلا أنه جمع في تعاليمه الخلاصة الروحية للأديان والمعتقدات كلِّها: لا تخلو نصوصُه من الرجوع إلى إرث الصوفيين، بمَن فيهم كبير وجلال الدين الرومي وابن عربي؛ كما يعود إلى روحانيات السيد المسيح والبوذا وكرشنا وفلسفة الڤيدنتيين الموحِّدين.
ولد أوشو في ولاية مادهيا پرديش في الهند. ومنذ بداية شبابه، راح يبحث عن الحقيقة انطلاقًا من تجاربه واختباراته
تدعو أفكار أوشو الإنسان إلى التجذُّر في الوجود وفتح النوافذ عليه، بأن يذهب الإنسان إلى الله لا نتيجة للخوف، وإنما من خلال الحب. "المحبة" ليست مسيحية، ولا إسلامية، ولا هندوسية. وإذا كان القديس يوحنا يرى أن "الله محبة"، وإذا كان "نبي" جبران يعكس المقولةَ نفسَها في قوله: "لا تقل: الله في قلبي، ولكن قُلْ: أنا في قلب الله"، فإن أوشو يقول: "الحب هو الله." وفي هذا اقتراب من مفهوم ابن عربي لـ"دين الحب": "الحب ديني وإيماني".
نحن في الواقع لدينا نظريات عن الحياة، لكننا لا نعيش عمق الحياة الحقيقية. رؤوسنا مليئة بأفكار نعتقد أنها الحقيقة المطلقة، لكننا لا نفهم أن الحقائق نسبية. إن إنسان اليوم في حالة نفسية بائسة حقًّا: معظم حواسه معطل، يعيش في حالة جمود، متشبثًا بعقائد جامدة تعيقه عن التواصل الحقيقي مع الناس، عقائد جامدة، فارغة من الروح والحب. حتى حديث الناس بعضهم مع بعض فارغ: إذ إننا نستمع إلى بعضنا بعضًا بدافع اللياقة؛ وبالتالي، فإصغاؤنا ليس إصغاءً حقيقيًّا، إصغاء عقل لعقل وقلب لقلب.
يحث أوشو من خلال تجربته التي دونها في عدة كتب على أن نترك أفكارنا البالية تتساقط كما يتساقط الورق اليابس عن أغصان الأشجار؛ يزيل "الصدأ" عن أفكارنا ومشاعرنا ويفتح مسامنا لنور الحقيقة. أوشو يدلنا على الأصالة الحقيقية الكامنة في نفوسنا التي ضيعناها بسبب ضغوط هذا الزمن الهائلة وبسبب خوفنا من الحياة. لذا نحتاج إلى ترميم قوانا المُخدَّرة بالخوف والقلق، المشلولة بالإحباط؛ نحتاج إلى فلسفة صادقة وعميقة، مثل فلسفة أوشو، تعيننا حقًّا على التصدِّي للزمن المشحون بشتى أنواع المشكلات والإحباط، وعلى خلق الفرح والأمل عنوة – إذ لا معنى للحياة من دونهما.
وهنا سأحاول إنزال مختارات من أقوال هذا الإنسان الكوني