الموضوع: إنجيل برنابا (1)
عرض مشاركة واحدة
قديم 02/02/2004   #1
شب و شيخ الشباب Fares
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ Fares
Fares is offline
 
نورنا ب:
Oct 2003
المطرح:
ألمانيا
مشاركات:
1,346

إرسال خطاب MSN إلى Fares
افتراضي إنجيل برنابا (1)


مقدمة :

عندما بدأت بهذا البحث بطلب من الأب أسعد نايف –المرشد الروحي لأخوية سيدة السلام– والأخ زياد كاسوحة –المنسق العام في الأخوية ذاتها- لم أكن أعتقد أنني سأصل إلى هذه النتيجة.
جلّ ما كنت أطمح إليه هو أن أبيّن الترابط الوثيق بين (إنجيل برنابا) و (القرآن)، كذلك تناقضه مع الإنجيل والمسيحية...
ولكن.. كلما كنت أغوص في صفحات هذا الكتاب المزعوم، كنت أكتشف مناقضته لكل ما هو منطقي، ولجميع القيم والمبادئ الإنسانية والعقائدية، سواء من وجهة النظر المسيحية أو الإسلامية أو حتى التاريخية والجغرافية والثقافية...
من هذا المنطلق وضعتُ ما يسمّى بـ (إنجيل برنابا) في قفص الاتهام..
وحرصاً على الموضوعية والأمانة العلمية في البحث، سيتم إجراء محاكمة لهذا الكتاب، وفي كل جلسة من جلساتها سيكون معنا (شهودٌ) ليدلوا بدلوهم أمام هيئة المحكمة. والتي سيكون القارئ –بالطبع- هو القاضي فيها، وهو وحده الذي سيصدر القرار النهائي بإدانة أو تبرئة ما يسمّى (إنجيل برنابا)...

ولكن دعونا أولاً نبدأ بالحديث –ولو بلمحة موجزة- عن (الكتاب المقدس بعهده الجديد)، ثمّ ننتقل إلى (الأناجيل والكتب المنحولة)، لنصل بعدها إلى ما يسمّى (إنجيل يرنابا) لنتحدث عن تاريخ ظهوره وأقسامه وكاتبه..
بعد ذلك تبدأ المحاكمة بجلساتها المتتابعة والتي سيكون معنا للشهادة فيها كلٌ من:
-التاريخ
-الجغرافيا
-الثقافة والأدب
-القرآن والإسلام
فهيّا بنا أيها القضاة، نبدأ من النقطة الأولى...


الإنجيل لغةً واصطلاحاً
إن كلمة "إنجيل" تعريب للكلمة اليونانية "افنجليون"، التي كانت تعني أولاً المكافأة المقدمة لحامل بشرى ما، ثم أصبحت تعني البشرى نفسها.
وقد استخدم هذا الاصطلاح في المسيحية منذ نشأتها، فأريد به بشرى الخلاص الذي أتى به يسوع المسيح الناس أجمعين. فعنى أولاً تعاليم يسوع المسيح، من حيث أنها تنطوي على حقائق تلك البشرى، وعنى ثانياً سيرة يسوع المسيح، من حيث أنها التجسيد الأكمل لتلك البشرى.
وقد أطلق على تلك البشرى تسميات كثيرة، منها "إنجيل الله" (رومية 1/1) و"إنجيل المسيح" (رومية 15/19) و "إنجيل الملكوت" (متى 4/34) و"إنجيل الخلاص" (أف 1/12) و"إنجيل السلام (أف 6/15) و "إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله"
(2 كو 4/4).
أما في العربية، فهي تعني الكتاب المتضمن سيرة يسوع المسيح وتعاليمه، وأنها لقديمة الاستعمال، وقد وردت مراراً في القرآن بحرفها وبمعناها.
على أنها متفاوتة الشمول في معناها. فهي تطلق أولاً عل الأسفار المعروفة بالأناجيل الأربعة، تلك التي تحتوي على سيرة يسوع المسيح وتعليمه فقط، وتطلق كذلك على مجموع الأسفار المعروفة بالعهد الجديد، تلك التي تحتوي أيضاً على تعاليم الرسل الحواريين وسيرة بعضهم.


الإنجيل وحياً وكتاباً
من الثابت أن يسوع المسيح لم يكتب شيئاً، فهو لم يترك للناس من بعده كتاباً أوحي به إليه من السماء، بل ترك ذاته بين الناس – سيرة وتعليماً وحياة – بشرى محبة الله للناس، وقدوة في محبة الناس لله وللناس.
إن غاية المسيح لم تكن تزويد العالم بعقيدة وحسب، بل زرع ذاته، في صلب كل إنسان، عبر كل زمان ومكان، انطلاقاً من زمان ومكان معينين في التاريخ والمجتمع البشري. وفي هذا المجتمع المعروف، اختار المسيح فئة من الناس، وفي ذاك الزمان المحدد، أطلقهم في البشرية يحملون بشرى الخلاص، آمراً إياهم بحضوره معهم، إذ قال لهم: "اذهبوا وتلمذوا كل الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنذا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر". (متى 28/19 -20)
وحمل الرسل الحواريون رسالة تبليغ "البشرى جميع الأمم". حملوها كما تلقوها وشهدوا لها كما شاهدوها..
" كلمة حياة، سمعوها بآذانهم، ورأوها بأعينهم، وتأملوها، ولمسوها بأيديهم"
(1 يو 1/1).
وقد نقلوا إيمانهم بالمسيح بأمانة. ذلك بأنهم كانوا يملكون من المحبة والجرأة والحرية ما استطاعوا أن يتجاوزوا به كل الصعاب الذاتية والخارجية. فاجتاحوا العالم المعروف آنذاك، على قلة عدد مذهلة، ولما يمض على تحميلهم الأمانة عشرون عاماً.
وما كانوا بحاجة على سجلات تذكرهم يسوع المسيح وسيرته وتعاليمه، إذ كانوا ما زالوا مغمورين بحضوره وصورته، بصوته وكلامه، بأعماله وخوارقه. فلم يدوّنوا شيئاً، لقد كانوا هم الإنجيل المقول.
وهنا وهناك زرع الرسل جماعات من المسيحيين: في القدس، في نابلس، في حيفا، في دمشق، في انطاكية، في روما، في أثينا، في قبرص، الخ .. وائتمنوا على هذه الجماعات مسؤولاً أسموه الشيخ أو الكاهن، وقد منحوه سلطاتهم، فيما ظلوا هم على تجوالهم يجوبون أرض الامبراطورية الرومانية، يستنبتونها جماعات مسيحية جديدة، ما عتمت أن نمت وعرفت باسم كنائس القدس ودمشق وأنطاكية واللاذقية وكورنتس وأثينا وحيفا والناصرة وروما ..
عند ذاك برزت ضرورة تدوين البشرى بشكل ثابت، لا يطاله شك أو تحريف، ولا ينال منه الزمن. فجوع هذه الجماعات المسيحية الناشئة على معرفة المزيد عن سيرة المسيح وتعاليمه، أمر طبيعي ومعقول. وهو دلالة حياة ونور. لا سيما وأن الاضطهاد أولاً، وتقدم السن بالرسل الأولين ثانياً، أخذا ينذران بغيابهم السريع عن مسرح الحياة. كما ان نشوء انحرافات عقائدية بشتى التأثيرات الدينية الوثنية، أو الحزبية الإقليمية أو العصبية اليهودية، أمر ليس فقط لم يكن بعيد الاحتمال، بل كان آخذاً بالانتشار، بصورة تثير القلق وتدعو إلى الحذر الشديد.
فكان لا بد، وشهود البشرى الإنجيلية على قيد الحياة، من أن تدوّن، أقلّه في خطوطها الأساسية، بكل أمانة ودقة، في ضوء معاناة الرسل وخبرتهم في خدمة الرسالة، ووفق ما يلائم المعطيات الذهنية والدينية والفكرية والاجتماعية، لمختلف البيئات المعروفة آنذاك، من يهودية ويونانية ورومانية وعربية..
من هنا يفهم ظهور الإنجيل المكتوب، واحداً في أصله وحقيقته، متعدداً في ترجمته ونقله. "فالإنجيل – المسيح" واحداً.. ومترجموه وناقلوه كثيرون. البشرى واحدة أما المبشرون فكثيرون.
وقد نقل التاريخ عبر الجماعات المسيحية الأولى، أسماء الذين دوّنوا البشرى الإنجيلية وإذا بهم أربعة. فكان لنا منهم الإنجيل بحسب كلّ من متى ومرقس ولوقا ويوحنا.
فلنستنطق إذن التاريخ، فلديه، ولا شك، الجواب الثابت على ما أُثير ويثار من تساؤلات حول وحدة الإنجيل في "كنيسة اليوم" و "كنيسة أول يوم".
فهنا يكمن سر حقيقة الإنجيل أو زيف انتحاله.
 
 
Page generated in 0.04091 seconds with 10 queries