في "موقع ثرى" كتب الأستاذ مالك أبو الخير مادة حول مسألة التحرش الجنسي بالمرأة العاملة، ومع الشكر الجزيل لما قدمه وضرورة وجود قوانين صارمة بهذا الخصوص، لكنني أرغب من واقع كوني أنثى أن أتحدث ولو بأسطر قليلة عن هذا الموضوع، ليس لحساسيته، بل لأن المعالجة لا تكتمل ما لم تفصح عنها النساء.
تاريخ الانثى لم يخرج عن "موقع التحرش" فالمسألة مرتبطة بالتراكم النفسي، وربما لو استطعنا قلب المواقع لوجدنا تحرشا بالذكر، ولكن الصورة التي نملكها تمنح إمكانية للرجل وتحرمها من الأنثى، وهذه قاعدة عامة لا علاقة لها فقط بمسألة التحرش. المشكلة أن العلاقات كما أريد أن أفهمها تبادلية لأبعد الحدود، فالتحرش لا يمكن أن يحدث بشكل تلقائي، ولا يمكن للمراة العاملة أن تقبل التحرش لمجرد حاجتها للعمل، لأن هذه القاعدة ستقلب الصورة، وسيصبح العمل له اسم آخر....
والمشكلة أيضا أن الثقافة التي تنهال علينا على الأخص في الفضائيات تكرس صورة الأنثى "العارضة" أو "التوب موديل" وبكلمات أخرى الراغبة في كونها "حاجة" خاصة" بالذكور. وهذه الصورة تنتقل إلى الإناث أنفسهم، وربما تدخل في نطاق التربية، لتصبح الأنثى "مكشوفة" لنفسها قبل أن تصبح مادة للتحرش.
غالبا ما تحاول الأنثى نسيان "التحرش"، أو ربما تعتبره جزء من ضريبة كونها أنثى، وهي أيضا لا تغتاظ من كونها مثار اعجاب، بينما محرم عليها إبداء الإعجاب بالرجل، كل هذه الصور تشكل خلفية التحرش الذي يصبح عادة لا بد أن يمارسها الذكور ليس لاختبار "الأنثى" بل لأنها حق لهم يكرسه "التاريخ النفسي" والثقافة التي تشكلهم مع الإناث كحالة خاصة للعلاقات باتجاه واحد... باتجاه الأنثى فقط التي تعتبر أن "عادات" القنص تم تشذيبها لتصبح كلمات غزل أو تحرش أو نظرات شهوانية....
ربما يستطيع القانون فرض عقوبات على مسائل التحرش، ولكن مثل هذه القوانين لا يمكن أن تصبح نافذة مع محاصرة الثقافة الحالية لجسد المرأة الذي يصبح "حراما" أو مُلكية" خاصة... فمن يجرؤ من الإناث على الوقوف على منصة المحكمة للحديث عن "التحرش"؟! وهل يسامح المجتمع المرأة التي تتجرأ على مقاضة الذكور في التعامل معها كـ"حق عام" طالما أنها تركت "أخلاق الحرائر" وقررت اعتبار نفسها جزء من الحياة!!!
أسئلة صعبة يفتحها التحرش تبدأ بحق المرأة في جسدها وتنتهي بحريتها في العمل وفي التفكير وفي البحث عن شؤونها الصغيرة، وهو جزء من واقع متشابك جدد نفسه بأشكال مختلفة لكنه في العمق مازال مرتبطا مع عقلية مكسرة ما بين اعتقادات الماضي ورغبات الحاضر.
ما للعروبـةِ تبدو مثلَ أرملةٍ؟ أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ؟