عرض مشاركة واحدة
قديم 12/12/2008   #2
شب و شيخ الشباب سيكيولار
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ سيكيولار
سيكيولار is offline
 
نورنا ب:
Nov 2008
المطرح:
ركام في بلاد التعب
مشاركات:
126

افتراضي


دعيني أقول إننا ندفع باتجاه خلق كمونات اجتماعية حاملة لخطابنا السياسي بوسائل واعية ومدروسة يمكنها أن تحقق لا أقول للحزب بل لمشروعه القبول والانتشار أو الإمكانية على ذلك، ربما تتساءلين أين يكمن البعد التنظيمي في هكذا فلسفة أجيبك أنه طالما تراكم هذه الصيغة بصورة متدرجة تحولات وتبدلات معينة أيا يكن تواضعها في المجتمع والبيئة السورية بشكل متحكم به من قبلها ومضبوطة بواسطتها.
وطالما أن هذه المقاربة هي التي تؤسس بشكل فعلي لانتشار أفكار الحزب و خطابه ومشروعه السياسي، وهي التي تسيطر وتوجه وتضبط فعاليات وتعبيرات هذا القبول والانتشار وتنظم إيقاعاته وتحولاته، فهذا يعني أنها ذات بعد تنظيمي أكيد.
آفاق: هل قمتم بنشاطات سياسية داخل سورية لتحسيس المواطنين بخطورة الوضع مثلا؟
فراس قصاص: سؤالك هذا استكمال ومتابعة لسؤالك السابق وحسنا فعلت إذ أرى أنه لابد من أن استكمل إجابتي السابقة أيضا بالقول إننا لم نكن لنلجأ لهذه الرؤية الجديدة للعمل التنظيمي داخل سورية لولا القمع والملاحقة والتصفية التي قد نتعرض لها على نحو صارخ وعار من قبل الأجهزة الأمنية القمعية المشرفة على ترسيخ نفوذ الاستبداد السياسي وحماية مصالحه وضرب معارضيه الأحرار والمناضلين، بل وتقويض وإجهاض كل ما قد يفيد في تقليص نفوذ التسلط والاستبداد.
طبعا هذا يؤشر لاستحالة القيام بأي نشاط علني من جانبنا داخل سورية، أما عن المواطنين وإحساسهم بخطورة الوضع، فأرجح أنك تعرفين من خلال مراقبتك للشأن السوري ومتابعة ما يصدر عن المعارضة السورية أن السوريين لا يحسون فقط بخطورة الوضع بل يعيشونه، وقد يكون التعبير موفقا أكثر حينما نقول إن وضعهم المعاشي وخوفهم من الكلمة واستغراقهم في الصمت وانكفاءهم عن الحياة العامة وقلقهم من المستقبل الغامض وغير الآمن لوضعهم الشخصي ولمصير البلاد بشكل عام هي المؤشرات على خطورة ما وصل إليه الحال في البلاد وعلى ضرورة الانتقال إلى واقع جديد.
آفاق: كما تعلمون، أصدر القضاء السوري قبل فترة أحكاما قاسية على معتقلي إعلان دمشق، كيف ترون هذه الأحكام؟
فراس قصاص: لا يشك أحد على الإطلاق من أن الحكم بالسجن سنتين ونصف على مناضلي إعلان دمشق وتجريمهم بجناية إضعاف الشعور القومي ونقل أنباء كاذبة توهن عزيمة الأمة (كما هو وارد في المادة 286 من قانون العقوبات) هو حكم سياسي جائر، أقول سياسي لأنه جاء لتنفيذ رغبة السلطة ولمبررات سياسية قمعية.
ربما تعلمين أن القضاء السوري منذ عقود طويلة ليس قضاء مستقلا وطبيعي لذلك أن يكون غير عادل، إذ كيف يكون القضاء مستقلا وعادلا في الوقت الذي تشهد السلطة القضائية تغولا وتعديا من قبل السلطة التنفيذية، حيث ليس هناك ثمة فصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية لا في الدستور السوري ولا في الواقع العملي.
فرئيس السلطة التنفيذية، رئيس الدولة هو نفسه رئيس مجلس القضاء الأعلى ينوب عنه وزير العدل وهو أيضا جزءا من السلطة التنفيذية ناهيك أن المجلس هذا بل وجميع العاملين في السلك القضائي يجري انتقاءهم وفقا لمعايير سياسية وأمنية في جو من الفساد الذي تمدد على هذه الخلفية لينخر السلك القضائي برمته، كل هذا يعني أن القضاء بخلاف الفساد يعاني من تبعية مطلقة للسلطة السياسية المستبدة وهي الجهة الحقيقية التي تصدر الأحكام في حالة المعتقلين السياسيين.
هناك جانب آخر يوضح عدم عدالة هذه المحكمة وما يشبهها، وهو الجانب الذي يوضح الكيفية التي يجري تأويل إن لم نقل الإيعاز للقضاء بتأويل مواد قانون العقوبات ذات الصلة بقضايا الاعتقال السياسي عموما، ألا تتفقين معي أن ذلك يجري بوضوح فاضح وفقا لتحديد السلطة، إن لم يكن استبدادها، فوفقا لموقفها السياسي هي فقط، إن القياس على تلك القوانين إنما يجري في تلك المهازل/المحاكم من الزاوية التي تحددها السلطة لإرادة الأمة وهيبتها.
وليس خافيا أبدا أنه لا يمكن لمعايير تستند إليها فئة ذات توجه ورأي سياسي ظفرت بالسلطة في انقلاب عسكري أن تحدد إرادة الأمة وما الذي يضعف عزيمتها وهي الطرف الذي انتهك إرادتها أصلا حين احتل موقع السلطة عنوة، هل كل من يحوز السلطة غلبة كما هو حال السلطة الحالية يضع تصوره للأمة وإرادتها ويحاكم من يخالفه الرأي في كونه يهدد أهداف الأمة ويوهن عزيمتها، إنها الديكتاتورية بعينها وهذا هو القمع والاستبداد في ذاته، وليس مثل هذا حين يتم بإشراف القضاء وباسمه من القضاء العادل في شيء.
آفاق: هل مثل هذا الحكم سيجعل المعارضة الداخلية تتراجع في مطالبها التغيرية؟
فراس قصاص: بكل جزم وتأكيد لا، إذا كان الرئيس الراحل حافظ الأسد بالرغم من كل القتل والتصفيات والمجازر والاعتقالات السياسية التي أنزلها بالمجتمع، ورغم أنه روع الناس وأغرق البلاد في جو من الهلع والصمت لم ينجح في تحقيق ذلك، فهل تنجح هذه الأحكام على جورها والعديد غيرها في تغيير موقف المعارضة ومطالبها العادلة، بالتأكيد لا، هذه المعارضة تنافح الاستبداد وتتصدى له متسلحة بحلم السوريين و تطلعهم إلى حياة أفضل.
آفاق: ثمة من قال إنه كان في يد النظام السوري فرصة للمصالحة مع المعارضة لكن ضيعتها، هل هذا صحيح؟ و كيف؟
فراس قصاص: النظام لم يدعو يوما للمصالحة مع المعارضة وأرجح أنه لم يفكر في إجرائها أبدا، النظام لا يعتبر ولم يعتبر يوما أن المصالحة مع المعارضة فرصة، المعارضة كانت دائما مستعدة للمصالحة وتدعو لها، لكنه هو الذي يرفض حتى مجرد الاستماع لها.
الفرصة التي فوتها النظام في عدم مصالحته المعارضة والسماع لها ولمطالبها، إنما فوتها على البلاد، منعها من أن تتعافى لمصلحة الإنسان فيها ولمصلحة الدولة، فلو قدر له أن يتعاطى مع المعارضة بكافة طيفها وألوانها ومكوناتها السياسية وتبنى مطالبها في إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية وطي ملف الاعتقال السياسي والاعتراف بالآخر القومي وإزالة التمييز الحاصل بحقه والعمل على احترام حقوق الإنسان والتأسيس لثقافة هذه الحقوق وترسيخها في الوعي والقيم الجمعية، والتحول التدريجي صوب الديمقراطية وتداول السلطة السلمي.
لو حصل كل ذلك لنجحت البلاد في تجاوز واقع الفساد وهدر الأموال العامة ربما كأول أثر مباشر، ولشرعت في فتح نقاش عام حول مختلف القضايا والمشاكل التي تعاني منها، ولتمكنت من إطلاق العنان لحراك مدروس وممنهج وذو زخم يعبر بها إلى جو طبيعي تتفاعل فيها الأفكار والأصوات وتتصارع سلميا بإدارة الدولة ليكون المستقبل الذي ننشده حتما أفضل من الحاضر الذي نعيش ومن الماضي بكل تأكيد، بل ولتجنبت البلاد العاصفة الإقليمية والدولية التي لا تزال تعاني من آثارها دون أن تتنازل عن أي من حقوقها أو أراضيها المحتلة ودون أن يتهدد أمنها الوطني ولا أي من مجالاتها الحيوية ومصالحها في المنطقة والعالم.
آفاق: هل يمكن الحديث فعلا عن إمكانية إقامة مصالحة بين المعارضة والنظام السوري؟
فراس قصاص: لا أشك أبدا في أن المصالحة ممكنة، طبعا المصالحة على أساس الاستجابة لمتطلبات احترام إرادة المجتمع، وإلغاء كافة أشكال الاستبداد والاعتراف بالآخر السياسي وبطبيعة المكون التعددي لسورية، لكن وأظنك توافقينني أن الكرة في ما يخص ذلك لا تزال في ملعب النظام ، فليس للمعارضة ما تتنازل عنه، هي أصلا لا تمللك إلا مطالبها آنفة الذكر، لم تتخلى ولن تتخلى عنها، النظام هو الذي يعتدي على الحقوق والحريات العامة ويمنع البلاد من التطور وتجاوز واقعها القروسطي والاستبداد و الفساد الذين يمعنا في إعاقتها.
ما تطلبه المعارضة متلخص في الكف عن ذلك وفي العمل من أجل مصلحة الوطن والإنسان وليس من أجل مصلحة السلطة وشبكات المصالح المرتبطة بها، وهي مصالح على الأغلب ليست مشروعة لأنها مبنية أساسا على التمييز بالنظر إلى الموقف من السلطة أولا و دائما، لكني لا أخفيك أستبعد إلى حد بعيد إصغاء السلطة المستبدة إلى متطلبات المصالحة و تلبيتها.
آفاق: دعني أسألك سؤالا صريحا: كيف تقيمون الوضع في سورية على كل المستويات؟
فراس قصاص: لا يخفى على أحد أن الوضع السوري من كافة جوانبه منهار حد الكارثة، لقد توفر لهذا النظام الوقت والفرصة لكي ينهض بالمجتمع السوري إلا أنه تركه مُفوّتا ودعم الشروط التي تبقيه مجتمعا قروسطيا غير مدني الوعي منقسم حول رؤية حدية للنجاة والحقيقة، مجتمع قبائل تغيب فيه قيمة الإنسان وحريته لمصلحة قيم القبيلة، مجتمع ذكور، تنحط فيه الأنوثة ويجري تغييبها وقمعها، مجتمعا شموليا يبتلع الفرد ولا يعترف له بحق أن تكون له فرديته ورؤاه يعبر عنها بحرية ويتفاعل مع قيم الجماعة فينهضان معا.
لقد حافظت هذه السلطة على الغالبية الساحقة من المجتمع السوري مجتمعا ماضويا لا يتخذ من العقلانية الحديثة منهجا محددا لموقفه من ذاته ومن العالم، لقد تركت السلطة البلاد وإنسانها يواجه الأزمات حيثما يلتفت المرء، فالأزمات في كل مكان، والمعاناة عامة إلى حد بعيد.
غالبية السوريين يعانون في لقمة عيشهم في مسكنهم في صحتهم، يعانون أزمة مياه وتلوث وفوضى عمرانية، يخافون من غدهم، مروعون ومقموعون يخشون من الكلمة، لقد انكفؤوا إلى وجودهم البيولوجي إلى درجة كبيرة، لم تفعل هذه السلطة ما يستحق الذكر كي تؤسس لعلاقة ثقة بين المواطن ودولته، بل لعلها ومن خلال العقائد السياسية التي روجت لها تلك السلطة وللسياسة العامة التي تبنتها أسست للخلل الذي ينتاب السوريين في تحديد هويتهم وفي إيمانهم بوطنهم بالمعنى السياسي والمباشر للكلمة.
فالكثير من السوريين لا يؤمن بسورية وطنا شرعيا ينغرس في وجدانهم، لقد تأكدت في وعيهم بوصفها صنيعة للتجزئة وسايكس بيكو، والغالبية منهم، يعيش أشكالا من التضامنات التقليدية والعلاقات السابقة على الدولة الحديثة، فيحتمي بسقف قبيلته أو طائفته ويثق بما رسخه كليهما في وعيه وخياله ووجدانه.
أيضا فشلت السلطة المستبدة في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجزء عزيز من سورية طوال أربعة عقود ولا نتيجة تذكر على هذا الصعيد، رغم أنها أعلنت أن استرداد الجولان السوري المحتل وإنهاء الصراع مع إسرائيل لمصلحة سورية والمنطقة العربية هو الهدف الأسمى والاستراتيجي الذي عطلت لأجله الحريات وأعلنت على خلفيته حالة الطوارئ لتصبح أطول حالة طوارئ تعيشها دولة في التاريخ.
لقد أمست المعاناة جزءا من هويتنا، فلأنك سوري إذن أنت في أزمة، الوضع كارثي دون أدنى تضخيم أو مبالغة.
آفاق: هنالك من يرى أن انحياز سورية لإيران و لحزب الله ورطها في رهانات خاسرة، كيف ترون هذه الإشكالية؟
فراس قصاص: دعينا نفرق بداية بين سورية ونظام حكمها، أرى خلطا محكما بين سورية الدولة والوطن وبين نظام حكمها ليس في سؤالك وحسب بل لدى كل من يود الحديث عن سورية وعلاقتها بالشأن الإقليمي والدولي.
لقد جهد هذا النظام عبر استمراره في السلطة كل هذه السنين متجاهلا إرادة المجتمع وخياراته ومن خلال تحكمه بصناعة القرار السياسي وابتلاعه للدولة ومؤسساتها وإعادة بناءها وفقا لقده السياسي والمصالحي، في أن يحدث عند السوريين وربما لدى العالم حالة من الخلط بين سوريا الدولة والمجتمع وبين نظامها وقوى السلطة فيها، لعله نجح في ذلك، لكنني سأميز هنا وسأتجاوز هذا الخلط وأقول بالعودة إلى سؤالك إن من انحاز لإيران ولحزب الله ليس سورية بل نظامها السياسي الذي لا يمثل مواطنيها ديمقراطيا، وأن الرهانات المرتبطة بهذا الانحياز هي رهاناته هو وهي عمقيا تتوخى مصلحته وليس مصلحة سوريا الدولة ومجتمعها أبدا.
طبعا هذا لا يعني أنه ورط نفسه في رهانات خاسرة خصوصا بعد الانفتاح النسبي الدولي عليه، ولا يعني أيضا أن السوريين جميعا أو غالبيتهم لم يشاركوه الموقف نفسه من إيران و حزب الله، في ظل الخوف وانتهاك الحريات والحقوق الأساسية وغياب الإعلام المستقل و في غياب صناديق الاقتراع التي تفرز من يمثل السوريين ديمقراطيا يصعب تحديد موقف سورية المجتمع من أي موضوع أو موقف.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05744 seconds with 10 queries