وهنا نقول عن جريمة الزنا وعقوبة الرجم عليها بالحجارة على شرط أن يكون المجرم قد تزوج قبل ارتكاب هذه الفاحشة وأن يشهد على حقيقة العمل الجنسي أربعة شهود معروفين بالصدق والأمانة وأن يروا ذلك العمل بشكل لاشك فيه ولا يكتفي فيه برؤية المتهمين عاريين وملتصقين
وهنا أيضا نشارك من قال في قساوة هذه العقوبة غير أن الاسلام لم يعاقب عليها الا بعد ثبوت ارنكابها بأربعة شهود عدول وأعتبر الشاهد الواحد غير كاف وحمله على الستر على المجرمين حينئذ وأنزل فيه عقوبة الجلد فيما لو جاء يعلن ذلك وحده وكذلك فعل مع الشاهدين والثلاثة شهود وأعتبر أقل شرط الثبوت أربعة شهود صادقين غير متهمين وأعتبر المجرم عندئذ اذا شهد عليه أربعة شهود أنه اعتدى على النظام العام وأن ممارسة العمل الجنسي سواء كان مشروعا أو غير مشروع هو عمل لا يليق به العلنية ولذلك لم يشتد الاسلام مثل اشتداده في العدوان على النظام العام والآداب العامة ونعتقد أن ارتكاب مثل هذا العمل الجنسي على الطريق العام لو وقع في أحد المدن الكبرى المتحضرة التي لا تعاقب على حرية ممارسة العمل الجنسي لقتلهم الناس في الشارع قبل أن يرفع أمرهم للقضاء ولأعتبروهم من الحيوانات التي لا تحترم دماؤها .
ومما يجب أن يعلم في هذا المقام أن الاسلام حينما شرع هذه العقوبة القاسية في عهد بدء الرسالة الاسلامية لينتقل بالمجتمع من عهد حرية ممارسة الجنس واختلاط الأنساب لدى الكثير من الناس الى عهد تقنين هذه الممارسة بالصور المشروعة فقط ولم يحصل أن ثبت هذا الجرم بالشهادة من قبل أربعة شهود في حالة من الأحوال طوال عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما ثبت من ذلك انما هو بالاعتراف الحر من قبل المجرم رغبة في التطهير من دنس هذا الجرم في الدنيا قبل الآخرة ومع ذلك فلما جاء المجرم الى رسول الله يطلب انزال العقوبة فيه صرف وجهه عنه لا يريد السماع منه لأنه عمل جرى في السر ولم يخرق به النظام العام ولا اعتدى فيه على الآداب العامة وان مثل ذلك متروك الى المجرم نفسه ليستغفر الله فيما بينه وبين ربه
وهكذا أيها السادة فانه لم يثبت جرم الزنا بالشهادة المشروطة ولا مرة طوال عهد الرسول على الرغم من أنه فترة انتقال من حرية الممارسة للعمل الجنسي في كثير من الأحوال الى عهد الممارسة المشروطة فقط واننا لنقول بكل قوة وتأكيد وقد مضى على تشريع هذه العقوبة القاسية في الاسلام أربعة عشر قرنا أنه من الصعب أن نثبت أربعة عشر حادثة رجم في طول هذا التاريخ وهكذا أصبحت عقوبة الرجم باقية في قسوة حكمها ولكنها نادرة في وقائعها وقد صان الاسلام بقساوة حكم العقوبة الأسرة من الانهيار والأنساب من الاختلاط وان كنا نعتقد أن البشر بشر في كل مكان غير أن فقدان هذه العقوبة الدينية القاسية في القوانين البشرية جعل الزوجين في تلك البلاد أبعد عن الخوف من الله وأقرب الى الوقوع في الجريمة مما أدى بصورة عامة الى انحلال روابط الأسرة في غير بلاد الاسلام والى فقدان السعادة الزوجية التي يتمتع بها الزوجان المسلمان المخلصان لبعضهما ولدينهما ولربهما .
|