عرض مشاركة واحدة
قديم 21/11/2008   #1
شب و شيخ الشباب أحمد الخميسي
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ أحمد الخميسي
أحمد الخميسي is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
مشاركات:
34

افتراضي منع النشر علينا !


منع النشر علينا !
د. أحمد الخميسي

نشرت صحيفة الأهرام ووسائل الإعلام الأخرى في يوم السبت 17 نوفمبر أن المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام حظر النشر في القضية المتهم فيها كل من محسن السكري‏‏ وهشام طلعت مصطفي‏ بالقتل والتحريض علي قتل المطربة سوزان تميم‏ . وشدد بيان النائب العام علي أن الحظر يشمل جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، ويتعرض من يخالف الحظر لطائلة أحكام المادة 189 من قانون العقوبات. لهذا كله لن أكتب في هذا الموضوع ، أعني موضوع مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم ، والظروف التي أحاطت بمصرعها ، والتشابك المذهل بين المال والقوة والقانون الذي جسدته تلك القصة . لن أتساءل من أين يمكن لمواطن ما أن يعطي مواطنا ما آخر ملايين الدولارات ( لم أحدد كميتها ) لقتل مواطنة ما ؟ لن أسأل ، فهناك قضايا أخرى لا تحصي ولا تعد يمكن للصحفي أن يتناولها شرط أن تكون قضايا أنيقة ، ومهذبة . فإذا أردت أن تكتب في شئون الصحة فلا تكتب عن الوزارة وسياستها ، اكتب عن فوائد التمر المنقوع ، وإذا أردت أن تكتب في السياسة فاكتب عن ذنوب الخديو إسماعيل ، وإذا أردت أن تكتب عن العلم فاكتب ما تشاء لأن كل ما ستكتبه هو في كل الأحوال عديم الجدوى ، أما في الثقافة فإن بوسعك أن تتخير موضوعا مثل " التنوير عهد رفاعة الطهطاوي " على ألا يتجاوز الموضوع عشرين سطرا بخط رقعة . أقول ذلك لأن المادة 189 المذكورة في الدستور ضمن الباب الرابع عشر المعنون ب " الجرائم التي تقع بواسطة الصحف وغيرها " مكتوبة بلغة مطاطة تسمح بتوقيع العقوبة على الصحفي في كل الأحوال . وفيها أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر " ماجرى في الدعاوى المدنية أو الجنائية التي قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية " . ما الذي دفع المحكمة لحظر النشر في قضية جنائية كتلك التي أشار إليها المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام ؟ . الباب نفسه في الدستور يشير إلي العقاب ذاته لكل من يوزع أو يعرض ملصقات أو مطبوعات " إذا كانت منافية للآداب العامة " فما هي الآداب العامة ؟ . الباب نفسه يشير في مادة أخرى من مواده إلي العقاب بالحبس لكل من صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو اللصق أو العرض صورا " من شأنها الإساءة إلي سمعة البلاد " . فما هي سمعة البلاد ؟ . ويشير الباب 14 الخاص بجرائم الصحف وغيرها في مادة أخرى إلي العقاب بالحبس والغرامة لكل من " أهان أو سب " مجلس الشعب أو مجلس الشوري أو غيره من الهيئات النظامية . فما هي الإهانة ؟ وما هو تعريفها القانوني؟ . والسؤال الآن هو : لماذا يمنع النشر حينما يتعلق الأمر بقضية يكون المتهم فيها شخصية سياسية ذات شأن ؟ بينما يصبح النشر مباحا إلي أقصى درجة حين يكون المتهم في قضية مماثلة شخصا من البسطاء ؟ . أذكر أنه في عام 2002 عندما ارتكبت إسرائيل مجزرة مخيم جنين خرج العديدون في مظاهرات احتجاجا على المجزرة ، وتم اعتقال بعضهم وكان من بينهم طبيب معروف صاحب صيدلية ، فلفقت له كبريات الصحف تهمة أنه مروج مخدرات ! في حينه كان النشر بل والتلفيق مباحا ؟! أما الآن عندما يتعلق الأمر بهشام طلعت فإنه يصبح محظورا؟ . والواضح أن " التمييز " وليس القيام بدور الحكم الموضوعي هو جوهر القانون !
والقانون الذي يدعي المساواة السياسية والقضائية بين أفراد المجتمع كافة ، لا يستطيع عمليا القيام بهذا الدور في ظل اللامساواة الفعلية الاقتصادية والاجتماعية. ويظل التحامل على الصحفيين أسهل بكثير من التحامل على أعمدة الثراء غير المشروع في المجتمع ، ويظل منع الصحفيين من النشر أسهل من منع رجال الأعمال من القتل ! القانون الذي يدعي الحياد إزاء الجميع ليس محايدا كما يبدو ، فمن حيث الشكل القانوني يتمتع الفقراء وأيضا رجال الأعمال الأثرياء بالحق ذاته في إصدار صحيفة يتكلف إصدارها ملايين الجنيهات ، وفي الترشح لعضوية البرلمان بكل ما يتكلفه ذلك من نفقات ، أما في الواقع فإن من يملك المال والثروات هو وحده من يتمتع بالحقوق القانونية . إن وهم " القوانين القضائية والسياسية المحايدة " هو جزء من وهم أكبر بنظام " ديمقراطي " فوق الجميع ، تكون الديمقراطية فيه حكما " محايدا " بين مصالح مختلفة لكتل متعارضة . لهذا كله لن أكتب في هذا الموضوع ، أعني موضوع مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم ، والظروف التي أحاطت بمصرعها ، وقصة التشابك المذهل العنيف بين المال والقوة والقانون .
...
أحمد الخميسي . كاتب مصري
Ahmad_alkhamisi@yahoo.com

آخر تعديل black_iris يوم 21/11/2008 في 21:56.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04069 seconds with 11 queries