نتابع القصة
أمسية شعرية ....
اتركوه .. فهو شاعر ..
لا تهتمّوا بمظهره الذي تأنف منه الهوام و الدواب .. فهو ليس من عالمكم هذا ..
لا تبالوا بقميصه المتسخ .. و لا بذقنه الشئزة .. و لا بوجهه الذي لم يعرف الماء منذ دهور
أتحسبوه مثلكم يهتم بهذه الصغائر و السفائف ..؟؟
إنه يُحلق في عوالم أخرى .. ملاك أهدته السماء إلى هذه الأرض يغني لها أفراح الملكوت الأعلى ..
ألقى علينا نظرة ذابلة متكاسلة من عينين منتفختين حمراوين كعيني عاشق بليد .. مسح مخاط أنفه بكم قميصه الكالح .. و خطر بهدوء العباقرة .. و أناة الملهمين .. تحمله نظرات المعجبين و آهات المعجبات .. إلى حيث استقر أمام الميكروفون :
الليل ..
الليل السواد ..
الليل السواد القتام ..
الليل السواد القتام يأخذني …
الليل السواد القتام يأخذني ينبشني ..
الليل السواد القتام يأخذني ينبشني من فغر قبر ..
الليل السواد القتام يأخذني ينبشني من فغر قبر يسفحني ..
الليل السواد القتام يأخذني ينبشني هباء الريح ..
الليل السواد القتام يأخذني هباء الريح ..
الليل السواد القتام هباء الريح ..
الليل السواد هباء الريح ..
الليل هباء الريح ..
هباء الريح ..
الريح ..
الريح ..
و تبقى الريح ..
داعرون قوادون ..
تفو .. نقطة …….
قفزت من مقعدي كمن لسعه عقرب .. فالشتيمة واضحة لا لبس فيها .. و إن كنت مصراً على أن أصبح مثقفاً فهذا لا يعني على الإطلاق أن يسبني الرائح و الغادي بدون أن أطبق على زمارة رقبته و أفهمه أن في الدنيا رجال .
انتابني شعور بالفرح عندما وجدت معظم الحاضرين قد قفزوا معي متراكضين نحو المنصة .. و رثيت لحال هذا الشاعر الذي سوف يأكل علقة لم يأكلها حرامي في مولد .. لكنه تمادى و سبنا جميعاً .. و ذنبه على جنبه .
إلا أن فرحتي لم تدم .. فقد حُمل الشاعر على الأكتاف .. و تعالى الهتاف .. و تحول الجمع إلى زفة بهيجة تنادي بحياة هذا الشاعر الذي قلب نواميس الشعر و كاد أعداء الحداثة فأصابهم في مقتل .
استدرت إلى صديقي مستنجداً أن يفهمني ما يحدث .. فوجدته يمسح دموع التأثر و الانفعال .. و هو يهمس :
- روعة .. مذهل ..
- ما هو المذهل ؟؟
- القصيدة يا أخي .. ألم تسمعها ؟؟
- نعم .. و سمعت الشتيمة أيضاً ..
- أي شتيمة هذه ..؟؟ يا صديقي هذه قصيدة سريالية ..
- لكني لم أفهم منها حرفاً ..
- و لا أنا .. ليس من الضروري أن تفهم .. و هنا تكمن العبقرية . هذا الشاعر أسس الآن لنمط جديد من الشعر هو القصيدة المثلثية ..
- مثلثية ..؟؟؟
- نعم .. فلم يعد من المقبول الآن أن تنشد القصائد العمودية .. لتكن أفقية .. أو متزوية .. لكن هذه القصيدة المثلثية جديدة تماماً . يا للإعجاز .. يا للروعة .. اتبعني ..
سرت وراء صديقي مطرقاً و أنا أتخيل كيف ستكون القصيدة اللولبية أو الحلزونية أو الاسطوانية .. نعم .. لمَ لا .. هذا أمر في غاية السهولة .. سأصبح عبقرياً مغرقاً في الحداثة ذات يوم .. انتظروني أيها المثقفون ..
إلى أين الآن ....؟؟
إلى المسرح ..
اللي بيتو من قزاز .....يبيعو فوراً ...أريحلو
.........
غيبة السبع ...خلّت للندل هيبة
.....
يعني ان لم تكن زئباً....ضروري تكون خروف..!!!!
|