عزيزتي إيمان
منذ تلك الرّسالة التي وصلتني وأنا أتابعُ "اللعنة" وأقرأها وأقلّبها، وبعدَ ذلك وجدتُك أديبةً تخزنُ في صندوق ذخيرتها تلكَ الموهبة القادرة على أن تُخرجَ إلى النّور ما يُسعفُ قارئ اليوم بشتّى ألوان الفِكرِ والإبداع!
تدورُ أحداثُ القصّة التي سكبتْها إيمانُ في قريةٍ مصريّة فقيرة تعتاشُ من منتوج الرّيف بأرضِه وحيوانِه، وتسودُها الأعرافُ الدينيّة، بشكلٍ يأبى الرّحيل، فتصلَ حدَّ الإيمان بالخرافة تلك المقولة التي تصدرُ عن جهلٍ وخوفٍ من تابو يفوقُ إدراك العامّة ويبتعد ليبقى منعزلاً ضمنَ هالةٍ مقدَّسة منفصلة عن كلّ بشرٍ وحيّ.
الطّمغة الدينيّة تبرزُ بوجودِ مقامِ الشّيخِ العيسويّ والحدثُ اللاحق يعودُ ليؤكّد هذه النّزعة وخفاياها في قلبِ المجتمع الرّيفيّ المصريّ! والغريبُ إبراهيمُ أرادَ أن يحملَ رسالةً إلى هذه القرية الوادعة الفقيرة توجَزُ في أنَّ الحياةَ أسمى بكثيرٍ من معتقدٍ لا يثبتُ على أسسٍ عقليّة أو دينيّة سليمة متينة. وهذه الرّسالة القصيرة التي قامَ بإيصالِها في حماية مصدرين من أهمّ مصادر العيشِ الريفيّ، عندَ حماية الأرض ومنتوجها من الطيورِ الطفيليّة، ودارِ الأبقار من نوازل الطّبيعة؛ لقيتْ صداً عنيفاً أوصلَ صاحبَها إلى الموت حرقاً، نتيجةً لخوفِ الأهالي من لعنة المقامِ وصاحبه العيسويّ.
فكرةُ القصّة مطروقة في السّابق بأشكالٍ مختلفة، لكنّها وبرغم ذلك، خرجتْ من بين أصابع صديقتنا إيمان جديدةً، حملتْ من عناصر الرمزيّة ما يجعل القارئ يتخطّى الحروف والسّطور ليقرأ في صفحات كاتبها المخفيّة!
تمتازُ بتعابيرَ جديدة وبأفكارٍ حسنة إلا أنَّ سرعة الأحداث واختصارها الشّديد أفقدَها بعضاً من جاذبيّتها. وإذا ما انتقلنا من حيّز المعنى إلى حيّز المبنى، وجدنا أنَّ اللغةَ لم تُسعف الكاتبَ في الوصول إلى الأهداف المنشودة من عملٍ أدبيٍّ كهذا! إذ حملت بعضُ التراكيبِ من الغرابة على غير عادة العربيّة وآدابِها على مرّ العصور، بالإضافة إلى أخطاءٍ نحويّة وإملائيّة لا يُمكن لقصصيّ أن يقعَ في مهاويها.
ومحبّةً فيكِ يا ابنةَ النيلِ والأهرام، اسمحي لي بالإشارة إلى بضعِ هفواتٍ وقعتْ هنا وهناك:
تُعتبر الهمزة عنصراً أساسيّاً من عناصر الإملاء والنّحو، به نميّز بين الألف المهموزة وتلك المعتلّة، وهذا يصبُّ فيما بعد في مصبّ "الصّرف"! ومن الملاحظ أنّك أهملتِها إلى حدٍّ كبير جعلك تسقطينها من كلماتٍ من مثل "إلى" و"إنَّ" و"أَنْ"... إلخ.
من غرابة التركيبِ ما جاءَ في "كانَ الضّريحُ مهتمّاً بهِ... "، "كشبحٍ من بخار اضطرَّ إلى النّدى"... إلخ. فالجملةُ الأولى كان من الممكن سبكُها على غير هذه الصّورة، فكنتِ تستطيعين القولَ على سبيلِ المثال: "كانَ أهلُ القريةِ يعتنونَ بالضّريح (أو بضريحهم) برغمِ فقرهم المُدقَع (أو الواضح كما اخترتِ أنتِ)! فأمّا الجملة الثّانية فقد غابَ المعنى فيها وسطَ ضعف المبنى! فإنْ كنتِ تعنين أنَّ البخارَ يتحوّل إلى ندىً، فقد أخطأتِ في استعمالِ الفعل "اُضطرَّ".
إسقاطُك للنّصب يخلطُ بين الفاعلِ ومفعولِه وبين المرفوعِ والمنصوبِ:
- تقولين "فالقيامة ليست سحر" والصّحيحُ "سحراً" .
- "وأرادَ أَن يخلقَ إعجاز" والصّحيح "إعجازاً".
وغيرهما الكثير.
بالنّسبة للتعليقات التي وردتْ فقد أخطأ صديقُنا verocchio عندما شبّه القصّة بما وردَ في "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ! إذ إنَّ الكاتبَ المصريّ المذكور آنفاً اتّبعَ سياسةَ الكشفِ عن سير الأنبياء واحداً تلو الآخر ابتداءً بجبل وانتهاءً بعرفة السّاحر، وأشارَ من خلال الأحداث بشكلٍ مباشر إلى الأديان السماويّة حتّى عصر العلم المتجسّد في "عرفة". بينما لا يوجد رابطٌ واحد بين سيرة النبيّ إبراهيم وبطل القصّة سوى الاسم. فلا البيئة بيئته ولا الأحداث أحداثه، والطابع الدينيّ بين الاثنين لا يجعل من البطل رمزاً للنبيّ الخليل، وإلا لربطنا بين مئات القصص والروايات الأدبيّة وبين السّير النبويّة أو الدينيّة.
وبينما يشيد الصديق verocchio بلغةِ القصّة ويطعنُ بفكرتها، نرى ممّا تبيّن العكسَ إذ تفوّقت الفكرة والقدرة على عرضِها اللغة التي أضعفتْ كثيراً من جمالِها بما وردَ فيها من غرابة وأخطاء.
أخيراً وبرغمِ ما قلناه، تبقى "اللعنة" رائعةً أدبيّة تفخرُ بصاحبتها السّمراء.
مع كامل المودّة والتشجيع المتواصل .
Mors ultima ratio
.
www.tuesillevir.blogspot.com
|