- لا بد من العودة لذلك أتيت ....
- أهلاً يا صديقتي ...
- أعود ليس لأنني أرحّب بصداقة طبيب نفسي ولكن فقط لأثبت لك أنني سليمة ...
- ومن قال أنك مريضة ؟
- كثيرون ....
- لا بد أنهم لا يمتلكون القدرة على سماع هموم الغير لذلك ينصحونك بالتوجه إلى عيادة نفسية ...
- لا أستبعد هذا ....
- والآن .... بماذا توديّن أن نبدأ ..؟
- أريد أن اتحدث ... منذ زمن لم أتحدّث مع انسان كبير ...
- ألا تتحدّثين مع والديك ...؟!
- لا أقصد الكبر بالعمر ....أقصد انساناً أقدر على التواصل معه وتطوير أفكاري به ...
- ولا تجدين هذا الانسان ...!!
- إنه مفقود ....
- تأكدي ستجدينه ...
- لا لن أجده ...
- وما الذي جعلك واثقة بل وجازمة ؟!
- مذ كنت صغيرة وأنا أجد نفسي مع من هم أكبر مني سناً ...كنت أوعى من عمري .... وكنت أجد نفسي أتطور والجميع لا يبرحون أماكنهم ...
- هذا شيء جيد .
- بالعكس إنه في غاية السوء فكنت في دهشة من أمرهم .... و أتساءل هل أنا كبيرة بما فيه الكفاية لأجالسهم ..!! أم هم أصحاب العقول الصغيرة ..!!
وكنت في حديثي معهم أشعر بالحيرة والخوف والثقة بالنفس ....
- طبيعي .
- وما الطبيعي في الموضوع ؟!
- عليك ألاّ تنسي أنك كنت صغيرة وكبيرة في آن واحد .... فعقلك يطالب بشيء ... و جسدك يطالب بشيء آخر .... فمن الطبيعي أن يولد في داخلك صراعٌ يجعلك تشعرين بالحيرة والخوف والثقة ...
- أفضّل العزلة في كثير من الأحيان ...
- لماذا ؟
- لأنني أشعر بأن الجميع يشفقون علي وأن تكون مشفوق عليه أمر صعبٌ جداً ....
- كيف يتولّد لديك هذا الشعور ومن أين ...؟
- لا أدري .... جميع من أعرفهم يقولون لي إن حياتي عذاب ولا أستحق الحياة لشدة أحزاني وينصحوني بالانتحار ....ولعلّ أغلبهم يدعون ربّهم لكي أموت شفقةً علي ...
- ما الشيء الذي يجعلك لا تحبين الحياة .... أكثر شيء ؟
- أشعر بأنني مختلفة عن جميع البشر ...
- كيف ...!!؟
- جميع الناس قلبهم ينبض إلاّ أنا رأسي هو الذي ينبض ...
- تفكرين كثيراً ...!؟
- لا أستطيع أن أنام من شدة التفكير ....
- إذن أنت من الجماعة التي تحمل سلّمها بالعرض ...!!
- نعم .
- شيء آخر يجعلك تحسّين بشفقة الآخرين عليك ...!!
- العائلة .
- ما بها ؟
- كنا كلما اجتمعنا أجد الجميع يتبرعون لي بالنقود .
أشعر وكأنهم يشفقون علي أو أنهم أخطاؤا بحقي في يومٍ من الأيام ويعتقدون أن المال سيعوّض ...
- لماذا تأخذينها من هذا المنظار ...!! لعلّهم يريدون أن تعرفي قيمة المال وأن تحسني انفاقه ففي هذا مسؤولية وثقة في آن واحد .
- هذا المال آذاني أكثر ما أفادني وهم لم يحسبوا حساباً للجانب السيء من الموضوع .... صحيحٌ أن هذا جعلني قنوعةً ولا أطلب الكثير من هذه الحياة ولا أتمنى ما ليس عندي ولكن كان له آثارٌ سيئة علي ...
- قولي لي كيف آذاك ...؟
- أبسط حالة عندما كنت أخرج مع أصدقائي ... كنت دائماً أدفع عن الجميع وكنت أعطي ولا أنتظر مقابلاً ...ولكن مرّت الأيام وأتت علي أيام سوداء من الناحية المالية لأنني أصبحت بعيدة عن عائلتي .... في ذلك الوقت اكتشفت أنني جمعية خيريّة لأناس بلا خير ...
- أكنت تدفعين عن الشبان أيضاً ...!!
- في البداية نعم ....فعندما نجلس في أحد المقاهي كان يقول أحدهم **أنا فري ولا تفرق إن دفع الشاب أو الفتاة ** وأكثرهم يقول هذا وأنا أكره حركة تحرر المرأة إن كانت تجعل الرجل امرأة والامرأة رجل ...
- والأن ..؟!
- الآن لا أصدقاء ولا هم يحزنون وأضف على ذلك أنني بعيدة كل البعد عن عائلتي .... منعزلة عن الجميع ...
- الأصدقاء فهمنا ... ولكن العائلة لماذا ؟
- في حياتي حققت الكثير من النجاحات على الصعيد العلمي والأدبي وحتّى نجاحات رياضيّة ولا يستطيع أحدٌ أن يتكلم عني بالسوء ومع هذا لا أجد أحداً يفخر بي .... وعندما أبدأ بالتأفؤف من طريقتهم في تحطيم المعنويات يدّعون أنهم يفعلون هذا لكي تتولد لدي ردة فعل إيجابية لكي أتطور وأصبح أفضل وأفضل ... وهذا الأسلوب يقتلني ويجرّنب إلى الخلف لا إلى الأمام .
- تحبّين أن يمدحك أحد ؟!
- ليس هكذا ... لأنني لو لوجدت أحداً يمدحني لأصابني الغرور وعدت إلى الخلف أيضاً ...
- ماذا تريدين إذن ؟!
- تناسبني عادةً الحلول الوسطى ... ولكنهم لا يعلمون أن أقصى اليسار هو ذاته أقصى اليمين ... للحديث بقية ولكنني مضطرة للذهاب الآن ....
- إلى اللقاء .... على فكرة .... من الجيد أن يكون لدي زائرة مثلك ...
- على الرحب والسعة ....
- أشعر بأنك ستصبحين طبيبتي النفسية بعد عدّة جلسات ...
- ألم أقل لك أنني لست مريضة ..!!
- والله شكلي أنا المريض ...
- هذا موضوع شائك وتلزمك عدّة جلسات يا دكتور ....
- حسناً ..... نلتقي لأنني أرحب بصداقة طبيبتي النفسية ...
يتبع ....
03:16 a.m
05/08/2008
لطالما بحثنا في أعماقني عن إلحاد يحررنا من ظل وضعتنا فيه القبيلة ....!!
|