حوار الإمام علي -ع- مع الخوارج و ردّه عليهم
- وأما قولكم: اجبتكم عند رفع المصاحف الى ان حكمتم في دين الله الرجال وكنت الحاكم، فماذا تقولون ايها الخوارج في ألف رجل من المسلمين قاتلهم ألفا رجل من المشركين فولوهم الأدبار فما هم ؟ قالوا كفار بالله لأن المسلمين ألف رجل على التمام، والمشركون ألفا رجل لا يزيدون، وقد قال الله تعالى: (وان يكن منكم ألف يغلبوا الفين) فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): فان نقص من عدد الألف رجل من المسلمين، والكفار على التمام ما هم عندكم ؟ قالوا المسلمون معذورون في ذلك، فضحك امير المؤمنين حتى بدت نواجذه ثم قال: يحكم يا معاشر الخوارج تعذرون تسعمائة وتسعة وتسعين رجلا في قتال ألفي رجل، ولا تعذرونني، وقد التقاني رجال ابن هند في مائة وعشرين الفا ما جمع حكم حاكم، وقد دعوناهم الى كتاب الله فقالوا: دعنا نحكم عليك من نشاء، والا اخرجنا انفسنا من الفريقين وأبطلنا الحكمين وارتدونا عن الدين وقعدنا عن نصرة المسلمين، فقال لي عبد الله بن العباس: حكم من هو منك وأنت منه فقلت لكم: اختاروا من شئتم من بني هاشم، فقلتم: لا يحكم فينا مضري ولا هاشمي، فاعرضتم عن المهاجرين والانصار وأظهرتم مخالفتكم لي، وكتبتم الى عبد الله بن قيس، وقد قعد عن نصرتنا وهو فدم حمار فحكمتموه وانا انصح لكم، وأقول لكم اتقوا الله ولا تحكموا علي احدا. واني الحاكم عليكم، واخبرتكم انها خديعة من معاوية، فقلتم أسكت والا قتلناك وسلمنا هذا الأمر الى عبد اسود وجعلناها بردة عن الإسلام، فمن هو أولى بالعذر ؟ فقالوا: أنت فوالله لقد أصبت وصدقت وأخطأنا والحق معك والحجة لك. قال لهم:
4 - وأما قولكم اني كتبت كتابا الى معاوية بن صخر فيه بسم الله الرحمن الرحيم من علي امير المؤمنين الى معاوية بن صخر فأيكم يا معاشر الخوارج شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزاة الحديبية وقد امرني ان اكتب بين يديه كتابا الى صخر بن حرب بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين) فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى صخر بن حرب بن امية الى آخر الكتاب فأجابوه، وقالوا: نعم حضرنا ذلك الكتاب وانت تكتبه لأبي سفيان صخر بن حرب، قال أليس علمتم ان صخر بن حرب رده الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتب إليه: اما الرحمن الرحيم فاسمان نعرفهما بالتوراة والانجيل، واما انت يا محمد فانا لو أقررنا أنك رسول الله وقاتلناك فقد ظلمناك فاكتب باسمك واسم ابيك حتى نجيبك فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي اكتب بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله الى صخر بن حرب، ثم قال لمن حوله، ان محوت اسمي ليرد علي الجواب فاسمي لا يمحى في السماء ولا في الأرض، ولا في الدنيا ولا في الآخرة، وانما اراد صخر بن حرب ان لا يجيب عن الكتاب وكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله الطاهرين) الى الآباء وكتبت انا الى الابناء تأسيا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) قالوا: صدقت وأصبت وأخطأنا والحق والحجة لك.
قال لهم:
5 - واما قولكم: اني قلت هذا كتاب الله فاحكموا به اتلوه من فاتحته إلى خاتمته، فإن وجدتموني اثبت بكتاب الله من معاوية فاثبتوني وان وجدتم معاوية اثبت مني فاثبتوه فوالله يا معاشر الخوارج ما قلت لكم هذا الا بعد ان تيقنت ان الرين استولى على قلوبكم والشيطان قد استحوذ عليكم وانكم قد نسيتم الله ورسوله، ونسيتم حقي وخلا بعضكم الى بعض، وقلتم ما لنا الا ان ننظر في كتاب الله في علي ومعاوية، فمن قرب الى الحق كان اولى به وكنا معه فوالله يا معاشر الخوارج، ان لم يكن في كتاب الله عز وجل الا قوله: (قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى) وقد علمتم انه لم يكن اقرب الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مني ومن ابنته فاطمة ومن ابني الحسن والحسين، لكان هذا حسبي بهذه الآية فضلا عند الله ورسوله في كتاب الله عز وجل في ان لم أسألكم اجرا على ما هداكم الله وانقذكم من شفا حفرة من النار، وجعلكم خير أمة، وجعل الشفاعة والحوض لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكم الا مودتنا لكان في ذلك فضل عظيم، هذا وقد علمتم ان الله تبارك وتعالى قد انزل في حقي (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وما احد من المؤمنين زكى في ركوعه غيري فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاءني بخاتم انزله جبريل (عليه السلام) من الله عز وجل ولم يصغه صائغ عليه ياقوتة مكتوب عليها (لله الملك) فتختمت به وخرجت الى مسجد رسول الله فصليت ركعتين شكرا لله على تلك الموهبة فأتاني آت من عند الله فسلم علي في الصلاة في الركعة الثانية وقال: هل من زكاة يا رسول الله توصلها الي يشكرها الله لك ويجازيك عنها فوهبت ذلك الخاتم له وما كان في الدنيا احب الي من ذلك الخاتم والناس ينظرون واتممت صلاتي وجلست اسبح الله واحمده واشكره حتى دخلنا الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فضمني إليه وقبلني على بلجة وجهي، وقال: هنأك الله يا ابا الحسن وهنأني كرامة لي فيك وعيناه تهملان بالدموع، ثم قرأ هذه الآية وما يليها وقال لهم ولي آية الخمس في كتاب الله على سائر المسلمين، وهي قول الله عز وجل: (واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) وقد علمتم ان الله (لن ينال لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) فما هو الله من خمس الغنائم الى من يرد ؟ قالوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال فما هو لله وللرسول إذا قبض الرسول الى من يرد ؟ قالوا الى اولي القربى من الرسول واليتامى والمساكين وابن السبيل قال: واليتيم إذا بلغ اشده والمساكين إذا استغنوا وابن السبيل إذا لم يحتج، الى من يرد مالهم ؟ قالوا الى ذوي القربى من الرسول، قال: فقد علمتم معاشر الخوارج أن ما غنمتم من غنيمة من جهاد أو في احتراف أو في مكسب أو مقرض الخياط أو من غنم يكسب فهو لي، والحكم لي فيه وليس لأحد من المسلمين علي حق، وانا شريك كل من آمن بالله ورسوله في كل ما اكتسبه فان وفاني حق الله الذي فرضه الله عليه كان متمثلا لأمر الله وما انزله على رسوله ومن بخسني حقي كانت ظلامتي عنده الى ان يحكم الله لي وهو خير الحاكمين.
قالوا: صدقت وبررت واصبت واخطأنا والحق والحجة لك. قال هذا هو الجواب عن آخر سؤالكم قالوا: صدقت، وانحرفت إليه طائفة كانت استجابت الا الأربعة آلاف الذين مرقوا، فقالوا: يا أمير المؤمنين نقاتلهم معك فقال: لا، قفوا لا معنا ولا علينا، وانظروا الى نفوذ حكم الله فيهم. ثم صاح بهم ثلاثا، فسمع جميعهم: هل أنتم منيبون ؟ هل أنتم راجعون ؟ فقالوا بأجمعهم: عن قتالك، لا. فقال لأصحابه: والله لولا أني اكره ان تتركوا العمل وتتكلوا علي بالفضل لمن قاتل لما قاتل هؤلاء غيري، وكان لي من الله الفضل عنده في الدنيا والآخرة فشدوا عليهم فإني شاد فكانوا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف أو كيوم قال لهم الله موتوا فماتوا. فلما أخذوا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من قتل منكم ؟ فلن يقتل الا تسعة، ولم يسلم منهم الا تسعة، فقدوا من قتل منهم ونجا فلم ينج الا تسعة، وعدوا اصحاب امير المؤمنين المقتولين فوجدوهم تسعة. */
ســــــــــــــــــوريا قلعة الصمود العربي
|