بالطبع الحديث عن قناة الدراما جاء أيضاً بعد انتظار ومطالبات طالت سنوات، وجاءت في لحظة حرجة إذ أنّ الموسم الدرامي على الباب. وبالتالي أجد من المبكر الحديث عنها قبل نهاية الموسم الدرامي الرمضاني، باعتبارها فترة اختبارية ضرورية. وإن كان لذلك الحديث شؤون وشجون تتعدى مساحة قناة الدراما إلى قضايا الإنتاج الدرامي وإلى قضايا التوزيع التي تشكل كعب أخيل بالنسبة للدراما السورية. نعود لقضية تحرير الإعلام بعدما يئسنا من محاولات تنظيمه على طريقة التعيينات الإدارية التي تشبه لعبة الكراسي وتبادل المواقع ليس أكثر. لنكتشف أنّ الحكومة التي عملت على ترخيص وسائل إعلام خاصة إثر صدور المرسوم رقم (50) لعام 2001 ما تزال مترددة بخصوص الإعلام المرئي والمسموع. فإذا كانت وزارة الإعلام قد رخصت لأكثر من مئتي مطبوعة ألغيت تراخيص (55) منها لأسباب شتى أغلبها يتعلق بمسألة الحريات وحرية التعبير بشكل خاص، فإنّ الإذاعات التي تكاثرت في الآونة الأخيرة ما زالت إذاعات أغان ومنوعات مع شيء من البرامج الترفيهية. من جهة ثانية يبدو أنّ الفضائيات التلفزيونية أمرها أعقد من ذلك بكثير، إذ سمح بإطلاق فضائية باسم 'الشام' لصاحبها أكرم الجندي، ولعبت دوراً ملحقاً بالتلفزيون السوري بكل معنى الكلمة بدءاً من التجهيزات وانتهاءً بالفنانين والفنيين الذين تمت استعارتهم بالجملة من مبنى الهيئة العامة، مع ذلك أغلقت هذه الفضائية أبوابها المنفتحة حديثاً تحت يافطة مخالفة شروط الترخيص، وشرّد أكثر من مئتي عامل فيها مابين موظف ومحرر وفني. فيما انتقل السيد الجندي مع فضائيته إلى مصر حيث ما زالت تبث تحت ذات الاسم، وبفنيين مصريين، وهي تبث الأغاني السورية والدراما السورية آملة ً أن تحظى بفرصة ثانية في العودة إلى أرض المن والسلوى.
فضائية 'الدنيا' التي تبث من المنطقة الحرة بدمشق استطاعت أن ترسخ أقدامها في أقل من عامين، مع ملاحظة أنها نجحت في تشكيل تغطية ثقافية مستقلة إلى حد كبير عن الإعلام الرسمي في سورية كما حصل في مناسبة وفاة الشاعر الكبير محمود درويش، لكنها فشلت في خلق تغطية سياسية مستقلة للأحداث. وبشكل خاص ما يتعلق منها بسورية، وكان هذا واضحاً في مؤتمر القمة العربية التي عقدت في دمشق على سبيل المثال لا الحصر، وهذه إحدى إشكاليات الإعلام الخاص إذ أنّ أغلب المطبوعات التي تحدثنا عنها تنوس ما بين الإعلامي والمنوعات وصولاً إلى الثقافة والاقتصاد، فيما يبدأ الحذر مع التفكير بإصدار مطبوعة سياسية مستقلة، والتي لم نسمع بأي ترخيص لها خارج مجلة 'أبيض واسود' لنجل وزير الدفاع إضافة لصحف أحزاب الجبهة، وأغلب هذه الصحف يعاني من إشكاليات في استقلاليته عن الإعلام الرسمي، أو في قدرته على التعبير ضمن الهوامش المتاحة والمحجوبة.
الفضائية الثالثة في سورية كانت قناة 'الرأي' لمشعان الجبوري، وهو عراقي مقيم في سورية، وبالتالي هي لم تحسم خياراتها في أن تكون فضائية عراقية أم سورية؟ ولم تحسم خياراتها باتجاه سياسي ومهني واضح حتى الآن.
أمّا الفضائية السورية الرابعة والتي أعلن عنها باسم قناة تلفزيون 'أوربت- الشرق'، فهي تطمح لأنّ تكون قناة عامة اجتماعية وسياسية كما أنها تسعى إلى سد فجوات الإعلام السوري كما يقول مؤسسها غسان عبود، إلا أنها نالت الترخيص من دولة الإمارات العربية المتحدة، ويذكر أنها مع شركة الإنتاج الخاصة التي أطلقها غسان عبود 'لايف بيونت
للإنتاج الفني' بتكلفة إجمالية تصل إلى (25) مليون دولار، ما زالت في خطواتها الأولى من البث التجريبي، وكانت تنوي الانطلاق في برامجها ضمن مروحة شهري تموز (يوليو) أو آب (اغسطس) على أبعد تقدير، لكن حسابات الحقل لم تنطبق مع حسابات البيدر، ويبدو أنها ستخسر فرصة الانطلاق مع الموسم الدرامي الرمضاني القادم بعد أيام. وبالتالي تكون قد خسرت فرصة لتوسيع دائرة الإعلام السوري الخارجي في الإطار العربي بأقل تقدير، ونكون قد خسرنا فرصة تشغيل مئات الفنيين السوريين وضرائب الأرباح والإعلان التي كان يمكن حينها لو كان الترخيص في سورية.
تحرير الإعلام السوري لا يتناسب و(تطفيش) الإعلاميين والمستثمرين في حقل الإعلام، خاصة وأنّ المناطق الحرة في القاهرة أو دبي جاهزة لاستقبال من يشاء وبتسهيلات مغرية، فلماذا نصر على طمر رؤوسنا في الرمال؟ تلك الفضائيات ستبث إرسالها إلى المتلقي العربي أينما كان، ونحن في سورية ضمن دائرة هذا الإرسال، وفضائية 'الشام' أو قناة 'الشرق' ستشكلان مستقبلاً خياراً للمشاهد السوري، فلماذا نخسر فرصة انطلاقتهما من سورية، ومن المستفيد من سياسة (التطفيش) هذه، ولماذا تمنح مشعان الجبوري هذه الفرصة ونحجبها عن أكرم الجندي أو غسان عبود؟ المواطنون السوريون وأنا واحد منهم نسأل لأننا لا نعرف حقاً، والإعلام السوري لا ينبئنا عن الجواب، بل تبقى هذه المسائل وكأنها أسرار أمنية لا يجوز الإطلاع عليها، فإلى متى نستمر بسياسة تجريع الإعلام حقن التنظيم فاقدة الفاعلية؟ وإلى متى نستمر بتجاهل ضرورة تحرير الإعلام من كل القيود البيروقراطية التي تشكل جوهر أزمته؟!
موقع سورية الان