الرب..............الاله ............
الرب
والرب: هو المربي، وليتبيَّن لك معنى التربية نضرب المثل الآتي فنقول:
هبْ أن امرأً يسهر على تربية نبتة صغيرة فما عساه أن يفعل بهذا الخصوص؟.
إنه يمدها بالماء حيناً، وبالسماد والغذاء حيناً آخر، وإلى جانب ذلك يضعها في الوسط المناسب، فينقلها من شمس إلى فيء وظل، ومن فيء وظل إلى نور وشمس، وتراه يعزق ( ينبش ) التربة ليتخلل الهواء ذراتها، ويصل إلى جذور النبتة، وفي بعض الأحيان يغسل أوراقها وأغصانها ليزيل عنها مابها، ويمد لها الخيوط ( شبك ) تنساب عليها ساقها.
وهكذا فكلمة ( التربية ) تتضمَّن العناية التامة والإشراف الدائم، وتأمين الوسط المناسب والإمداد بما هو ضروري للحياة، وفق شرائط ونسب معينة. ذلك بعض ما نفهمه من كلمة التربية في مظهرها المادي، وللتربية نواحٍ أخرى ومعان، ونقتصر الآن في البحث على ما ذكرناه ونعود إلى ما نحن بصدده من تأويل فنقول:
يتبيَّن لنا من خلال هذا المثال الذي أوردناه أن كلمة {رَبِّ النَّاسِ} تفيد معنى الممد الذي يمدُّ الناس بما يلزمهم للحياة من ماء، وغذاء، وملبس، وكساء، وحرارة وضياء، وأمطار وهواء، وليل ونهار وفصول ذات تبدُّلات وتغيرات، وروح هي أصل الحياة وسر الحياة.
وتضيق الكتب ويعجز القلم، ولا يستطيع أن يعبِّر لسان عما أوجده الله تعالى للإنسان في هذا الكون، من أشياء كلها ضرورية، وكلها تعمل متضافرة متضامنة في سبيل توفير ما يلزم لحياته.
أوليست هذه النجوم العظيمة والأجرام السماوية في أبعادها السحيقة عاملاً من عوامل الحياة على سطح هذه الكرة الأرضية؟. أوليست الشمس والقمر سببين في انتظام الحياة؟. أوليس دوران الكرة الأرضية بهذا الترتيب الذي نعهده عاملاً في توليد الليل والنهار، ضمن مدد وأوقات معيَّنة بدونها لا تمكن الحياة؟. أليست تلك الطبقة الغازية التي تحيط بالكرة الأرضية ترافقها في سبحها ولا تفارقها سبباً ضرورياً للحياة؟. وهل يمكن للإنسان أن يعيش من دون هواء؟.
وهكذا ففكِّر ما شئت فيما سوى الأرض وما حولها، تجده كله عاملاً من العوامل الأساسية التي تتوقف عليها حياتك ووجودك في كل لحظة وحين.
ثم انتقل معنا إن شئت إلى الكرة الأرضية ذاتها، تواجهك البحار والمحيطات ملأى بمائها فترى من عظمتها العجب العجاب، وتعرض لك الراسيات من الجبال تضم في كتلتها الصخور المختلفة وتشتمل على أنواع منوَّعة من الأتربة والمعادن والأملاح، وتتراءى أمام عينيك العيون والأنهار تملأ بغزارتها ودوام جريانها نفسك تعظيماً لمن سلكها وأجراها على هذا النظام، وتبدو لك النباتات والأشجار والفواكه والأثمار والأزهار، وما هي عليه من حسن الترتيب وعظيم الفائدة وبديع الرائحة والروعة في الجمال، وترى صنوف الحيوانات صغيرها وكبيرها، قد انطلقت كل فصيلة منها وكل فرد من أفرادها فيما خُصِّص به من وظائف وأعمال، حتى الجراثيم النباتية تجدها ناشطة في عملها تحلِّل وتركِّب وتجتذب مادة وتطرح أخرى ليل نهار.
وهكذا كل ما في الكون يعمل، وكل ما في الكون دائب لا يفتر، وجميع ذلك له وظائفه وخصائصه، وعائدات الأعمال كلها ونتائج مساعي هذه المخلوقات جميعها، إنما هي لك ولدوام وجودك وحياتك وإمدادك بما يلزمك، وذلك كله إنما يؤمِّنه لك ربك، يمدُّك به لتقوم به حياتك أيها الإنسان.
أليس والحالة هذه من الحقيق بك أن تعوذ به سبحانه وتلتجئ إليه دون سواه؟. هذا مجال من مجالات التربية في هذه الحياة، وللتربية مجالات أخرى منها مجال تربيتك لمَّا كنت في بطن أمك مخلوقاً صغيراً، لا تكاد تكون شيئاً مذكوراً، فمن الذي كان يمدُّك بالدم صافياً نقياً يحمل لك من جسم أمك أنواع المواد الضرورية للحياة؟. من الذي جعل لك ذلك الوسط المناسب في ذلك القرار المكين، لا يمسُّكَ فيه حر ولا برد، وتسير بك أمك محمولاً في ذلك الفلك المشحون لا يصيبك أذى ولا يزعجك شيء؟. وعندما خرجت لهذا الوجود وانتقلت إلى عالم الظهور وانقطع عنك ما كان يأتيك في بطن أمك من غذاء، أما وجدت غذاءك مُهيَّئاً في ثديي أمك، وقد تمَّ نضجه وسبق إعداده خروجك ومجيئك؟. أما وجدته معيَّراً منظَّماً وشراباً سائغاً لا يزعجك برده ولا يحرق فمك حرُّه، وإذا هو يتجدَّد معقَّماً في فترات كلما احتجت وطلبت. فمن الذي هيَّأه وعيَّره وعقَّمه ونظَّمه لك ذلك التنظيم، ثم جعل يزيد لك في نسبة سكَّره ودسمه وأملاحه زيادة متوافقة مع تقدُّم سنك واحتياجات جسمك، فإذا ما قويت معدتك وأمعاؤك وأضحت قادرة على هضم الأطعمة بدأ التسنُّن وبدت الأسنان تظهر متلاحقة بما يقتضيه الحال، ولكلٍّ منها أبعاده وصفاته وخصائصه، حتى إذا ما بلغت السابعة من العمر وبدأ يشتد عودك، أبدلك من أسنانك اللبنية الضعيفة بأسنان صلبة قوية، تتناسب قوتها مع حاجتك للغذاء، فتقطع وتمزِّق وتطحن، فمن الذي رتب ونظم هذا التنظيم، وأشرف عليك هذا الإشراف، وأمدك بما أمدك به بنسبة ما يلزمك وبمقدار ما تحتاج إليه؟.
والآن وهذا مجال آخر من مجالات التربية. ترى من الذي يمد كل عضو من أعضائك، لا بل كل ذرَّة من ذراتك، وكل حجيرة من حجيراتك، بما يلزم وما تتطلبه الحياة؟. من الساهر دوماً على ترتيب أجهزتك وسير الدم، يحمل الغذاء إلى كل ناحية من نواحي جسمك بلا انقطاع؟.
أتراك بعد هذا عرفت طرفاً مما في التربية من معان، وأدركت شيئاً من عظمة هذا المربي، وشاهدت بعض نواحي التربية التي تشير إليها كلمة {رَبِّ النَّاسِ}، الذي به يجب أن تعوذ وتحتمي، والذي به عاذ رسول الله (ص) في كل لحظة من لحظاته، فسما هذا السمو واكتسب منه تعالى ذلك الكمال، فأصبح أشرف الخلق وسيد العالمين.
هذا وإنه لابد لنا من أن نفصِّل لك في هذا المجال الأخير من مجالات التربية بعض التفصيل فنقول:
العين وما فيها من الأنسجة، والطبقات والأعصاب والعضلات والأجسام الزجاجية الكاسرة للأشعة والغدد والعروق والمخاريط والأقنية، وكل ما تستعين به على الرؤية بوضوح وصفاء.
والأذن وما فيها من أغشية وحزم عصبية تتجاوز الآلاف وما يحيط بهذه الأعصاب من أغماد، وما لهذه الأذن من عظيمات دقيقة التركيب مختلفة الأبعاد، وما بالأذن من سائل داخلي يساعد على نقل الصوت إلى المراكز الرئيسية في الدماغ.
والقلب وما فيه من أجواف، وما له من أربطة ودسامات، وما يتعلق به من شرايين وأوردة وأوتار، وما يحيط به من شغاف وغشاء بينهما سائل لزج يساعده على الحركة والانزلاق.
والأمعاء والمعدة وما فيهما من طبقات، وما يرتبط بهما من مئات الغدد وأوعية الامتصاص، وكذلك الكبد والطحال والكليتان وما سواهما من أحشاء. والمخ والمخيخ وجميع ما فيهما من مراكز للتوازن والمشي والنطق والحركة، وإن شئت فسر معي ننتقل من عضو إلى عضو، ومن جهاز إلى جهاز، حتى نصل إلى أصغر نقطة، وإن شئت فقل حتى نصل إلى الحجيرة والنواة، تجد جميع ذلك مشمولاً بتلك التربية الإلهية، فما من عضو من الأعضاء ولا جهاز من الأجهزة ولا ذرَّة من الذرات مهما صغرت ودقت، مما لا يمكن أن يتصوَّره خيالك أو يدركه فكرك، إلا ويقوم وجوده ويستمر بقاؤه ويبقى كيانه وتكوينه بتلك التربية الإلهية والإمداد المتواصل.
وإمداده تعالى لك كلّي لا يغادر منك صغيراً أو كبيراً، وإمداده تعالى لك دائمي لا ينقطع ولا يتوقف عنك لحظة من اللحظات>>>
============================
الاله
والإله: هو المتصرِّف بشؤونك والذي إليه وحده تؤول جميع أمورك. وإذا كان للتربية كما كنا بيناه مجالات ونواح مختلفات، فللألوهية نواحٍ ومجالات نعرِّفك ببعضها فنقول:
لنرجع إلى جسم الإنسان وننظر إلى ما فيه من أجهزة وأعضاء، ولندقق في حركات هذه الأجهزة وسيرها، ثم ارتباطها ببعضها بعضاً، وكونها تعمل متضامنة متكافلة على تأمين حياة هذا الإنسان. فمن الذي يديرها جميعاً ويتصرَّف بها هذا التصرُّف المنظَّم؟. فإذا هي تعمل وإذا هي تتحرك وإذا هي تقوم بوظائفها في اتساق وانسجام.
أرأيت العين هذه الكرة الصغيرة، هذه الغرفة المظلمة التي قد لا يتجاوز قطرها اثنين من السنتيمترات، ترى كيف تجري فيها الرؤية، وكيف ترتسم على صفحتها الحساسة ظلال الأشياء؟. من الذي يضيِّق مداخل الأشعة منها إذا كان النور شديداً، ويوسِّعها إذا كان ضئيلاً بنسبة تجعل الأعصاب الناقلة للاحساسات البصرية، لا يختل شعورها ولا يضطرب أمرها، فإذا الحزم الضوئية الداخلة إلى تلك الغرفة في عدد مناسب لا يزيد ولا ينقص عن الحاجة.
من الذي يضغط هذه الكرة ضغطاً مركَّزاً بصورة تجعل الخيال يرتسم على صفحتها الحساسة بدقة، فإذا هو لا يتقدم البؤرة ولا يتأخر عنها جزءاً من ألف من شعيرة بل هو على بعده المطلوب، فإذا الرؤية منيرة وإذا هي غاية في الصفاء والوضوح، وتتقدم من الأشياء وقد تتقدم منك الأشياء وتنظر إلى بعيد تارةً وأخرى إلى قريب، وتلتفت عن شمال ويمين، وتتجاذب معك وبحسب نظراتك جميع أجهزة العين، وبأقل من القليل فإذا كل ما تراه وتنظر إليه ظاهر بيِّن لا اضطراب فيه ولا زوغان.
فمن الذي على اللحظات له التصرُّف في هذه العين فإذا هي أدق من كل جهاز مصوِّر، وأسرع من كل آلة بصرية؟. من الذي يركِّزها ويصرِّف أمورها في كل لحظة؟. هل لك في ذلك أي إشراف أو أي إرادة؟. أليس المتصرِّف بهذا الجهاز على الدوام هو الله وحده؟. أليس هو الإله إله الناس؟.
ثم ارجع إلى القلب هذه القطعة الجوفاء من العضلات الحمر، انظر إليه يخفق في الدقيقة الواحدة ثمانين خفقة ما بين انقباض وانبساط.
من الذي يحرِّكه هذه الحركات المنظَّمات، ويسوق له تلك الكمية المناسبة من المصل تنصب بين شغافيه، فينزلق وينقبض وينبسط دون تعب أو عناء؟. هل لك في ذلك تصرُّف، وهل لأحد من العالمين في قلبك تصرُّف أو إشراف؟. أليس المتصرِّف به هو الله سبحانه الذي يصرِّف ويدبِّر الجسم والكون ككلٍّ ولا إله سواه؟.
وانظر إلى الرئتين هاتين القطعتين الإسفنجيتين ذواتي الحويصلات والقصيبات، من الذي يجعلهما في الدقيقة الواحدة يبدِّلان ست عشرة مرة ما فيهما من هواء؟.
من الذي يقبض العضلات الناظمة لأمرهما ثم يبسطها، فإذا الشهيق والزفير عملان متتاليان لا ينقطعان في يقظةٍ أو منام؟. أأنت المنظِّم؟. أأنت الذي تطرح غاز الفحم وتجتذب مولِّد الحموضة من الهواء؟. أأنت الذي تعيد الدم المصفَّى منهما إلى القلب، ليسوقه نقياً محضاً إلى الجسم؟. ألك في ذلك إرادة أو تصرُّف؟. أم تلك يد الله سبحانه إلهك وإله الناس.
ولا أريد أن أفصِّل لك في توافق حركات القلب والرئتين، ولا أن أتغلغل في التفصيل، وليس يتسع المجال كثيراً لذكر ذلك التوافق بين ذانيك العضوين الرئيسيين، فإذا الرئتان تقومان بعملية التصفية بمعدل ست عشرة مرة في الدقيقة، وإذا القلب ينبض بنفس المدة ثمانين نبضة، ولو أكثر القلب من نبضاته أو خفَّف، ولو زادت الرئتان أو أنقصتا لوقع خلل وفسد النظام. فمن الذي بإشرافه الدائم يحكم السير في جسومنا، ويؤمِّن المقتضيات؟. من الذي يقيم التوازن والتوافق بين حركات الأعضاء، أليس ذلك هو بيد الله وحده إله الناس؟.
ولنسر الآن إلى الكبد والطحال والمعدة والأمعاء، وجميع ما في البطن من غدد وأحشاء، تجد في كل ذلك انتظاماً وانسجاماً في العضو منها ومن مثيلاتها، ما ذلك كله بمختلفٍ بعضه عن بعض في سيره وقيامه بعمله، بل كل ذلك يعمل متعاوناً، وكل ذلك يعمل متضامناً متكافلاً، ليؤمِّن لهذا الجسد وإن شئت فقل لهذه المجموعة من الأعضاء وحدة وانسجاماً، فإذا الإنسان هذا المعمل العظيم ذو المختبرات الكيماوية، والمصانع والآلات، وكل ما يحتاجه في صناعته من وسائل وخامات، وإذا الإنسان هذه المدينة الجارية ذات المخازن والعنابر الحاوية كل ما يتطلبه سكانها من ضرورات الحياة، وإذا الإنسان هذه الدولة السيارة ذات الجنود والإدارات العامة والمصالح المختلفة والمعسكرات، وإذا الإنسان هذا المخلوق الصغير، هذه الذات التي تجري على الأرض، إن هي إلا كون من الأكوان، كل ما فيه يجري ضمن نسب وحدود ووفق معادلات وكل ما فيه يعمل بنظام، وكل ما فيه يتعاون ويتجاذب وما من أحد له فيه من تصرُّف، والمتصرِّف هو الله وحده وهو إله الناس.
هذه جولات ونظرات في جسم الإنسان، لو أنك جلست تدقِّق وتتعمَّق على النسق الذي بينته لك، لأخذت بمجامع قلبك عظمة من إليه وحده يؤول أمرك، ولعرفت إلهك الذي له وحده التصرُّف بجميع شؤونك، ذلك هو الله سبحانه إله الناس الذي لا يعلمون إلا القليل والنزر اليسير من عنايته بهم ولطفه وتدبيره أمورهم، أما أنت فكلما زدت به علماً زدت له تعظيماً وإجلالاً، وامتلأ قلبك منه تعالى خشيةً كما امتلأ منه رسول الله عليه أعظم وأفضل التعظيم والإجلال والخشية من الله، قال تعالى:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}
هذا وبعد أن ذكرت لك ما ذكرت لابد لي من أن أنتقل بك إلى مجال آخر تجول معي فيه وأجول معك لنتعرف إلى طرف آخر من معنى كلمة {إِلَهِ النَّاسِ} فنقول: إذا كان الأمر كما ذكرناه من قبل، وأدركتَ أن عين الله تعالى ترعى بعنايتها الحكيمة وتصرُّفاتها اللطيفة الرحيمة جميع الأعضاء وسائر الأجهزة والمصانع التي تعمل في جسم الإنسان، أفتظن بعد هذا كله أن عينك تستطيع أن تطرف طرفةً، وأن لسانك يقوى على أن يلفظ كلمةً، وأنَّ يدك تقدر على أن تتحرك حركةً، وأن رجلك تخطو خطوة واحدة، وإن شئت فقل:
هل تستطيع أيها الإنسان أن تقوم بأي عمل من الأعمال إلا بإذن الله وبحولٍ وقوةٍ منه تعالى وهو الذي بيده الروح والحركة والحياة؟.
أليس الذي بيده عينك يتصرَّف بأجهزتها وفق ما رأيناه وبيَّناه، ثم هو يمدها دوماً بكل ما يلزمها من سوائل وإفرازات، وأغذية ومواد هو الإله الذي لا تستطيع العين أن ترى شيئاً إلا بإذنه، فإن شاء أراها وإن شاء منعها وجرَّدها من كل خصائصها وقواها، وإن شاء أراها من الحقائق ما لا يراه الناس جميعاً كما أرى رسوله المحب له الرحيم ومن تابعه من المحسنين المخلصين الصادقين، وإن شاء حجبها عن رؤية ما يراه غيرها، وإن شاء حسّن في نظرها الأشياء وزانها، وإن شاء قبَّحها وشانها وذلك على حسب مسير كل إنسان ومحض اختياره وهواه ولما فيه بالنتيجة الخير لكلٍّ وعلى حسب مسراه!.
ولندع العين ولننتقل إلى اللسان وما هو مرتبط به من الأعضاء التي تستعين بها على البيان فنقول:
أليس الذي يمدُّ هذا اللسان بما يمدّه به من غذاء، فيجري له الدم الصافي ويحسر عنه ما خالطه من الفساد.
أليس الذي يحرِّك اللسان من يمينٍ لشمال، ومن أعلى إلى أسفل، ومن الخلف إلى الأمام، ثم يقبضه تارةً ويرسله أخرى ويحدِّبه حيناً ويقعِّره حيناً آخر، ثم يجعله دقيقاً مؤنفاً وغليظاً مجمعاً، ويدنيه من الثنايا العلوية طوراً ومن الأضراس طوراً، أليس الذي يحركه هذه الحركات المختلفات التي يحركها جميعاً ويكررها أو يكرر بعضها بعدد ما يتطلبه النطق بجملةٍ من الجمل أو كلمةٍ من الكلمات، ثم يسخِّر معه الشفتين تنضمان وتنفتحان وتتقدمان وتتأخران وتتحركان مختلف الحركات تساعدها الأسنان وتعضدها حركة الفك الأسفل إلى الجهة التي يقتضيها لفظ الكلمة، ثم يؤيد ذلك الحلق واللهاة والحنجرة ذات العضلات الخاصة والأوتار المختلفات، أليس الذي يدبِّر ذلك كله يعمل متعاوناً متضامناً يساعد بعضه بعضاً وبثوان معدودات ليحصل التعبير عمَّا جال في النفس ودار في الخاطر وارتسم في الخيال، أليس الذي يتصرَّف بهذا اللسان وتوابعه هذا التصرُّف الدقيق السريع هو الإله الذي إليه يعود هذا اللسان وإليه وحده يرجع أمره، فإن أمسكه وأسكنه فلا مرسل له من بعده، وهو الإله إله الناس!؟. أوليس تعالى هو الذي أنطق رسوله بما أنطقه به من بليغ البيان؟!.
أليس المشرف على هذه اليد تنمو وتتغذى ويسير الدم في عروقها غادياً رائحاً في الشرايين والأوردة دوماً، وينتقل الأمر في أعصابها ذات الحس والحركة، ويصل الغذاء فيها إلى كل منطقة لا بل إلى كل شعيرةٍ وذرة. أليس الذي بيده هذه العضلات وأوتارها وأغشيتها وأعصابها، هو الذي يتصرف وحده بهذه اليد فإن شاء بسطها وإن شاء قبضها، وإن شاء منحها من البأس والقوة، وإن شاء منعها من كل تصرُّف وحركة، هو الإله إله الناس؟. وكاليد الرجل لا تخطو ولا تتحرك حركة، ولا ترتفع متأخرة ولا تنبسط متقدمة ولا تقوى على انتقال، إلا بإذن الله وبقوةٍ منه. وهكذا فالعين والأذن واللسان وكذلك اليد والرجل وكل ما في الإنسان. فلا إله سواه وهو سبحانه إله الناس ومن به تعالى رسوله استعاذ.
أما عرفت هذا وأدركته حق الإدراك، وعرفت أن الإنسان بيد الله تعالى وحده، أفتظن بعد هذا أن لأحد من الناس فعلاً وتصرُّفاً؟.
أتظن أن إنساناً على وجه البسيطة يستطيع أن ينفعك بشيء أو يضرُّك بشيء إلا من بعد إذن الله؟. فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو سبحانه الإله إله الناس.
لا تلقوا بدرركم اما م الخنازير
كان بيعرف انه راح يصير عنده كتير منهن قام وصانا هل وصاية
|