تحيّة...
عزيزي كبرييل
سلامٌ عليك ومحبّة...
قبل أن أباشر التعليق اسمح لي بجولة صغيرة في المشاركات السّابقة...
كنتَ تعجّبتَ لبقاء مشاركات تناولتْ قضيّة التديّن والإلحاد وبرأيك كان من الأفضل حذفُها، لأنّها لم تتعلق بأدب الخاطرة أو بلغتها!
كما طالبَ zerocold بالابتعاد عن الخصوصيّة فالموضوع شخصيّ بحت ولا علاقة لأحد به!
في البداية يُمكن تناول أيّة خاطرة كانت في كلا المستويين اللغوي والمعنوي، أي يُمكنني، كما يُمكن للجميع، تناول خاطرتك ومعالجتها في لغتها وفي معانيها، ولا يُمكن فرضُ معالجة معيّنة إطلاقاً... والأصدقاء الذين شاركوك أفكارهم في ما يخصّ الإيمان بالله أو عدم الإيمان به، بغضّ النظر عن أسلوب مشاركتهم، تناولوا أفكار الخاطرة في معانيها المتعدّدة، وهذا حقٌّ لهم يتوقّف عند حدود أدب الحوار وأصوله وعدم الطعن بالآخر في شخصه وفي قيمته الإنسانيّة مهما كانت أفكاره...
وبالنسبة لما قاله الصديق zerocold فأيّ موضوع كُتب على صفحات المنتدى صار عامّاً حكماً. ولو ما كان الصّديق كبرييل يريده عاماً لأخفاه في قلبه وهمس به إلى الأصحاب والرفاق واكتفى بهذا. وبما أنّه صار عامّاً فمن حقّ الجميع إذن معالجته وتناوله كلّ حسب أفكاره وآرائه!
وإلى خاطرتك اللطيفة الجميلة...
قرأتها مرّة ثمّ أخرى ثمّ ثالثةً ونالت إعجابي وأنا أحيّيك على شجاعتك وصراحتك اللامتناهية لأنّ من الصّعبِ على الإنسان أن يكشفَ ما بروحه، ليس ضناً على الآخرين مما فيه وعنده، ولكن خوفاً من الأحكام المُسبقة والقراءات الخاطئة والشرائع الصلبة الثابتة كما حدث عند قراءة خاطرتك موضوع الحديث.
لا أخفي عنك يا عزيزي بأني مؤمن إلى أبعد الحدود ومحبّتي لربي يسوع تفوق كلّ محبة تجاه البشر، ولكن هذا لا يعني أن لا نتحاور أو نتحادث أو حتى نتصاحب على الصفحات الإلكترونيّة، وإيماني ليس إيماناً بكتب وعقائد جامدة بل إيماناً ينطلق من التجربة والاختبار... فإذا كان اختبارك قد قادك إلى إلحادٍ من نوعٍ معيّن فإنّ اختباري يؤكد لي كلّ يوم على حضور الرب في حياتي بشكلٍ لا يُمكن لي أنا نفسي تصوّره أو تحديده بأطر وحدود بشريّة.
كما قلتَ في البداية فإنّ كلماتك تشكّل خاطرةً تنطلق من اختبارِك أنت، لا وزنَ فيها ولا قافية، ركّبتَ التعابير التي عنّت على بالِك طوال تلك السّنين...
تقول:
استمريتُ في حُبِّك قرابةَ العشرين عام
أُحاربُ عقليَ في سبيلِ حُبِّك الإلهي
كان من حقّ كلمة "عام" النصب لأنّها تبعت عدد العقود "عشرين"، وتُصبح "عاماً".
كما أنّك ما زلتَ شاباً، فكيف استطعتَ أن تحاربَ عقلَك عندما كنتَ في مرحلة الطفولة فالفتوّة، وكما نعلم فالعقل يمرّ بمراحل ينمو فيها وينضج ولا يُمكنه في المراحل الأولى أن يتمّمَ العمليّات العقليّة الوجودية أو الفلسفيّة التي وصلتَ إليها الآن؟!!
وبرأيي كان أولى بك أن تتحدّث فقط عن السنوات التي فيها بدأ عقلُك يطرح تساؤلات حقيقيّة عن معنى وجود الإله في حياتك وعن حقيقته!
اقتنعت بأنك تبادلني الحب
استعمال فعل المبادلة هنا خاطئ، لأنّك أنت الذي تُبادله وليس هو، ودليليّ يا عزيزي دليلٌ وجوديّ، فكم من البشر الذين سبقوك وعاشوا مثل هذا الاختبار! أنت بدأتَ وجودك في تاريخٍ معيّن لاحق لوجود آخرين ولوجود الإله الذي كنتَ تُحبّه، ولولا علمك بمحبّته لك لما بادلته هذه المحبّة... هنا لا نتحدّث عن النقطة التي وصلتَ إليها في آخر اختبارك، بل عن بدايته عندما كنتَ تعرفه وتؤمن به وبتعاليمه.
وأنتَ نفسُك تؤكّد على ذلك عندما تكمل وتقول: "فأنتَ الذي خلقني... ".
بك كان كل شيء ومن تصدر كل فضيلة
ما معنى الجزء الثاني من هذه العبارة؟! هناك خلل أو نقص فيه.
هل تعني "ومن تصدر عنه كلُّ فضيلة"؟!
عهدتك أبا محبا في صغري
عهدتك روحا حيا في قريبي
هل عهدتَه كذلك عن سابق اختبار، أم مجرّد مشاعر وتعاليم نقلتها إليك العائلة والكنيسة والمحيط؟
فإذا كان ما عهدته فيه عن اختبار وتجربة، فكيف أمكنك في ما بعد أن تنسفَ اختبارَك نفسَه؟
فأمّا إن كان مجرّد مشاعر موروثة، فكلّ ما قلتَه وتقوله عن مرحلتك الأولى مجرّد وهم لا يخضع لا للعقل ولا للمنطق! فلو كنتَ قد عهدتَه أباً محباً فهذا الاختبار لن يفارقك طوال حياتك بل كان سينمو معك ويبلغ بك قامته هو بالذات، فلا معنى إذن لما تقول لأنّك في نهاية الخاطرة لا تجده أباً محباً!
التمست السلام عندما رسمت لك رسما لوجودك
أنتَ تؤكّد إذن على أنّ ما كان من نظرتك إليه لا يعود إلا لما رسمتَه له أنتَ، وبالتالي فسقوط هذا الرّسم اليوم جاءَ لأنّه من عملك وليس لأنّه كان الحقيقة التي سعيتَ في أثرها... رسمتَ عبثاً فجاء باطلاً سعيُك! وكان عليك أن تسأله هو أن يُظهر لك حقيقتَه، دون الاعتماد على ما عندك ودون سابق رسمٍ أو أحكام.
وإذا كنتَ لا تريدُ قولَ ذلك من خلال عبارتك هذه فحاول إعادة صياغتها من جديد.
دعيتك باللانهاية الموجبة
ماذا تعني بـ "الـلانهاية الموجبة"؟!
على انه لوح تتصارع القوى الخيّرة مع مقابلاتها الشريرة
تريد أن تقول: تتصارع فيه...
التفت إليك كعادتي لاخاطبك
عندما تقول "كعادتي" فهذا يعني أنّك سبق والتفتَّ إليه مرّاتٍ كثيرة، لا بل صار الالتفات إليه بلا إحصاء لأنّه أُدرج ضمن العادة... فهل أجابك مرّةً واحدةً من تلك المرّات غير المعدودة؟!
وإن كان قد أجابَك فلماذا تنكره اليوم؟!
وإذا كان قد أهملك ولم يُجبك ولا حتى مرّة واحدة، فلماذا بقيت تحبّه وداومتَ معه وخضعتَ لأحكامه كما تقول؟ ألم تكن عاقلاً في حينها؟! وإذا ناديتَ شخصاً والتفتَّ إليه مرة واثنتين وثلاث ولم يُجبك، فمن الطبيعي أن تهمله وتتركه بعد عدّة مرّات، بينما بقيتَ أنتَ تلتفتُ إليه ولا يُجيبك دون فائدةٍ تُذكر...
ثورتك تبدأ عندما يتركك وحيداً وعندما يترك الشرّ يتقاذف الإنسانَ هنا وهناك، فلماذا يا عزيزي تلقي اللومَ عليه وتُثبتُ أنَّ الذنبَ ذنبُه والشرّ يخضع دوماً لاختيار الإنسان وحريته الكاملة؟!
ألا ترى معي بأنّك تُلقي عليه ما نحن فيه غائصون؟!
إنْ حرمَ الإنسانَ من اختيار الشرّ فلا معنى أن يكونَ الإنسان على صورته ومثاله حراً له كامل الإرادة والاختيار، ولا يُمكنه أن يدينَ أحداً على شيء لأنّ الإنسان لا إرادة لديه للاختيار، ولا معنى إذن لوجود العقل والمنطق... وبما أنّ الإنسانَ عاقلٌ يختار ما يُريد فكلامُك غير صحيح أبداً، فالإنسان هو الذي يجعل من الشرّ والخير حاضرين بمجرّد الاختيار الحرّ.
النهاية قاسية نوعاً ما ولكنّها حقيقيّة لأنّها خرجت من صميم آلامِك واختبارك المحدود، ولكنّك أيضاً قلتَ فيها أنّ إيمانك به استند على مجموعة من الأساطير، وهنا يا عزيزي كبرييل مربط الفرس!
أنا أوافقك طبعاً على سقوط هذه الأسطورة لأنّها كانت مربوطة بمحض كتابات وضعها الإنسان، وكما نعرف فالإنسان في مسيرة نموّ وتطوّر ولا شيء يُمكنه أن يخرج عن هذه المسيرة حتى المقدّسات الموضوعة، وأعني بالموضوعة المكتوبة والمتناقلة شفاهاً وتقليداً... ما معناه النصوص المقدّسة.
ولو كان إيمانُك مبنياً على اختبار، كما حاولتَ أن تبيّن في بداية خاطرتك، وكما أثبتُّ توهّمك هذا، لما كنتَ وصلتَ إلى مثل هذه النتيجة على الإطلاق... فالاختبار المحسوس والملموس الخاضع لقدرات العقل والتجربة لهو الكفيل الوحيد على ثبات الإيمان على صخرة لا تُزعزعها آلام الدهر ولا ترّهات الأساطير، ولا حتى تساقط الكتابات المقدّسة...
أخيراً أحيّيك من كلّ قلبي على شجاعتك هذه وآمل أن تتلقّى نظراتي هذه في خاطرتك بروحٍ رياضيّة وصدر رحبٍ يرى في كلّ شيء وحتى في الشرّ مفتاحاً يقوده عبر النموّ إلى ملء الحياة في السّعادة والسّلام.
وتحيّة مرفوعة على علم القراصنة من قرصان الأدرياتيك.
Mors ultima ratio
.
www.tuesillevir.blogspot.com
|