عرض مشاركة واحدة
قديم 07/06/2008   #34
شب و شيخ الشباب Seth
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Seth
Seth is offline
 
نورنا ب:
Jun 2006
مشاركات:
197

افتراضي


ونتوقف قليلا قبل أن ننتقل إلى خلافة العباسيين، مستخلصين نتيجتين نوجزهما فيما يلي:

النتيجة الأولى:
أننا نشهد في الدولة الأموية عهداً مختلفاً كل الاختلاف عن عهد الراشدين، أضاف إلى فتوحات الإسلام الكثير، حتى امتدت الدولة الإسلامية من الهند شرقاً إلى الأندلس غرباً، وأضاف إلى سلطة الدولة وهيبتها وتماسكها الكثير، حيث لم يخرج فيها أحد من الأمويين على آخر، إلا في نهاية الدولة حين خرج يزيد على الوليد، ثم خرج مروان على يزيد فكان ذلك نذيراً بالنهاية، بينما حفل تاريخ العباسيين بكثير من الخروج والانقسام داخل الأسرة الحاكمة حتى قتل الإبن أباه، والأب ابنه، وشاع خلع الخلفاء وسمل أعينهم، وقتلهم بسحق مذاكيرهم، وغير ذلك من الأحداث على مدى الخمسمائة عام الأخيرة في حكم العباسيين.


وعلى حين يبدو أبو جعفر المنصور، والمأمون، رجال دولة متفردين في تاريخ الدولة العباسية، لا يناظرهم أحد، ولا يطاولهم مطاول، نرى أن الدولة الأموية على قصر عمرها قد حفلت برجال الدولة العظام، وعلى رأسهم معاوية، ورجل الدولة الأول في تاريخ الدولة الإسلامية كلها.

وقد يتساءل البعض، وأين عمر؟
ونرد عليه بأن عمر قد تفرد بأنه الوحيد في تاريخ الخلافة الإسلامية الذي يمكن أن يطلق عليه وصف (رجل الدين والدولة معاً)، بينما لا تجتمع الصفتان بعد ذلك لأحد، فهناك رجال الدين مثل علي بن أبي طالب، (رابع الراشدين)، وعمر بن عبد العزيز، (الأموي)، والمهتدي (العباسي).


وهناك رجال الدولة مثل (معاوية)، (عبد الملك بن مروان)، (الوليد بن عبد الملك)، (هشام بن عبد الملك)، وهم أربعة خلفاء حكموا سبعين عاماً، بينما حكم الفترة الباقية (اثنتين وعشرين عاماً) عشرة خلفاء بالتمام والكمال.
وحينما نذكر أسماء الخلفاء الأربعة السابقين مقترنا بلقب (رجل الدولة)، نضع في اعتبارنا هيبة الحكم، وفتح الثغور، وعمارة البلدان، وفي تقديرنا أن هؤلاء الخلفاء، قد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بفصلهم بين الدين والدولة عند قيامهم بأمانة الحكم، ولعل موقف معاوية من (علي) مثال أوضح على ذلك، ولعل موقف عبد الملك بن مروان من المصحف عندما بلغته نبأ ولايته مثال أوضح، وقد أدرك كل منهم أنه لا يولى بصفته الأصلح دنياً، أو الأكثر إيماناً .


وإنما يولى بوسائل دنيوية محضة، وعليه إن أراد أن يستمر، أن يضع نصب عينه أن الولاية من جنس التولية، فكلاهما دنيا وسطوة وحكم، وقد أجاد الخلفاء الأربعة اختيار معاونيهم، فكان منهم عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، ومسلم بن عقبة، والحجاج بن يوسف الثقفي، وهم بموازين السلطة والسطوة رجال، وبمقاييس عصرهم قادة، وهم أهل الدهاء لا النقاء، والسيف لا المصحف، وقد أرتأوا جميعاً أن أسهل السبل لإسكات المعارض قطع رأسه، وأن الخوف إذا تمكن من النفوس توطن فيها، فمكنوه ووطنوه وتعهدوه بالرعاية حتى صار مارداً، وحذوا حذو مؤسس دولتهم معاوية، رجل الغاية لا الوسيلة، رجل الحكمة الشهيرة (إن لله جنوداً من عسل)، حيث يروى عنه أنه كان يضع السم لمعارضيه في العسل، وأنه هكذا كانت نهاية الحسن، والأشتر النخعي وغيرهم، ورغم أن أحداً لا يقر معاوية، أو غيره على فعالهم أو على الأقل لا يدعو للتأسي بهم، إلا أنه من الواجب أن نتعلم مما فعلوا درساً بليغاً...

إن على الحاكم ـ أي حاكم ـ أن يتعرف جيداً على ساحته، وأن يتمسك جيداً بأسلحته، وأن ينأى بنفسه وبحكمه عن استعارة سلاح الآخرين، أو الانتقال إلى ساحتهم، أو الرقص على أنغامهم، ولو حاول معاوية أو عبد الملك، ولو حاول مساعدهم مثل زياد أو الحجاج، أن يحتكموا إلى القرآن، أو يناظروا مخالفيهم حول صحيح الإيمان، أو يفسروا قراراتهم بتعاليم الإسلام، أو يتباهوا على المخالفين لهم والخارجين عليهم بالصلاح والتقوى ونظافة اليد ونقاء السريرة، لانتهي حكمهم قبل أن يبدأ، ولأخلى معاوية مكانه لحجر بن عدى، ولتنازل عبد الملك عن منصبه للحسن البصري، لكنهم احتكموا للسيف، وهو دستور عصرهم، فدانت لهم الدولة، وسهل عليهم الحكم، وربما سعدت الرعية بالاستقرار والأمن والأمان.

ولعل عصرنا لا يخلو من سيف متحضر هو الدستور، لا يسيل دماً وإنما يحفظ استقراراً، ولا يطيح برؤوس وإنما يلزمها جادة الصواب، وليس لحاكم في عصرنا، أو لنظام حكم في عالمنا المعاصر إلا أن يستوعب درس السابقين، بأسلوب العصر لا بأسلوبهم، وليس له أن يحاور الخارجين في ساحتهم، أو بسلاحهم أو أن يرقص على أنغامهم، وإنما عليه أن يلزمهم بالمحاورة في ساحته، فليس أمامه ولا أمامهم ساحة غير ساحة الدستور، وليس هناك من سلاح إلا القانون، وليس هناك من أنغام إلا الديمقراطية والشرعية .

ليحمدوا الله أن يجدوا فينا يزيداً، ولم يتطرف منا وليد، ولم يتول وزارة الداخلية في بلادنا حجاج، ولم يتملك منا عبد الملك، ولم يدع أحد من حكامنا أنه لا حساب عليه ولا عقاب، غاية ما في الأمر أنه يوكل إلينا حساب السياسة في أمور السياسة، ويحتكم أمامنا إلى الدستور ومؤسسات الدولة في أمور الحكم، ويترك ونترك حساب الآخرة إلى الله وليس إلى الجماعات الإسلامية أو أئمة المساجد المسيسين.

لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05791 seconds with 10 queries