تلك الدولة التي لا يجوز أن نتحدث عنها دون أن نتوقف أمام ثلاثة خلفاء هم اليزيدان (يزيد بن معاوية ويزيد بن عبد الملك) والوليد بن يزيد.
أما يزيد بن معاوية، فقتله للحسين معروف، وقد أفاض فيه الرواة بما لا حاجة فيه لمزيد، غير أن هناك حادثة يعبرها الرواة في عجالة، بينما نراها أكثر خطراً من قتل الحسين، لأنها تمس العقيدة في الصميم، وتضع نقاطاً على الحروف إن لم تكن النقاط قد وضعت على الحروف بعد، وتستحق أن يذكرها الرواة، وإن يتدارسها القارئ في أناة، وأن يتذكر أنها حدثت بعد نصف قرن من وفاة الرسول، فقط.. نصف قرن..
لقد هاجم جيش يزيد المدينة، حين خلع أهلها بيعته وقاتل أهلها قليلاً ثم انهزموا فيما سمى بموقعة (الحرة) فأصدر قائد الجيش أوامره باستباحة المدينة ثلاثة أيام قيل أنه قتل فيها أربعة آلاف وخمسمائة، وأنه قد فضت فيها بكارة ألف بكر، وقد كان ذلك كله بأمر يزيد إلى قائد جيشه (مسلم بن عقبة):
ادع القوم ثلاثا فأن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليها فأبحها ثلاثاً، فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند، فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس)
ولم يكتف مسلم باستباحة المدينة بل طلب من أهلها أن يبايعوا يزيد على أنهم (عبيد) له، يفعل فيهم وفي أموالهم وفي أولادهم ما يشاء، وهنا يبدأ مسلسل المفاجآت في الإثارة، فالبعض ما زال في ذهنه (وهم) أنه في دولة الإسلام، وأنه قادر على إلزام مسلم ويزيد بالحجة، بما لا سبيل إلى مقاومته أو حتى مناقشته، وهو لا يقبل شروط مسلم، ويرد عليه كأنه يلقمه حجراً: (أبايع على كتاب الله وسنة رسوله).
ولا يعيد مسلم القول، بل يهوى بالسيف على رأس العابد الصادق في رأينا، والرومانسي الحالم في رأى مسلم، ويتكرر نفس المشهد مرات ومرات، هذا يكرر ما سبق، فيقتل، وهذا يبايع على سيرة عمر فيقتل، ويستقر الأمر في النهاية لمسلم، وما كان له إلا أن يستقر، فالسيف هنا أصدق أنباء من الكتب، وهو سيف لا ينطق بلسان ولا يخشع لبيان ويصل الخبر إلى يزيد، فيقول قولاً أسألك أن تتمالك نفسك وأنت تقرؤه، وهو لا يقوله مرسلاً أو منثوراً، بل ينظمه شعراً، اقرأه ثم تخيل وتأمل وانذهل:
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباء بركها واستمر القتل في عبد الأشل
والذي يعنينا هو البيت الأول الذي يقول فيه (ليت أجدادي في موقعة بدر شهدوا اليوم كيف جزع الخزرج من وقع الرماح والنبل)
أما من هم أجداده، فواضح أنهم أعداء الخزرج في موقعة بدر، والخزرج أكبر قبائل الأنصار، وكانوا بالطبع في بدر ضمن جيوش المسلمين، وهنا يزداد المعنى وضوحاً، فيزيد خليفة المسلمين، وأمير المؤمنين، يتمنى لو كان أجداده من بني أمية، ممن هزمهم الرسول والمهاجرون والأنصار في بدر، يتمنى لو كانوا على قيد الحياة، حتى يروا كيف انتقم لهم من الأنصار في المدينة، ثم نجد من ينعت الخلافة بالإسلامية .
لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
|