ولعل هذا المنطق هو ما حفظ جيش (معاوية) من الانقسام، بينما سلك (علي) طريق الدين، فحاور المنشقين، وكلما أتوا بحجة أتى بحجة، وإذا ذكروا آية أفحمهم بآية، وإذا استشهدوا بحديث رد عليهم بحديث، وكلما طال النقاش زادت الفرقة واتسع الانقسام، ولم يعد هناك بد من أن يرفع عليهم السيف و أن يرفعوا عليه السيف، و في النهاية صرعته سيوفهم، لأنه هكذا ينتهي التطرف بالمتحاورين معه، وهكذا يحسم الحوار (الديني – الديني) دائماً، يحسمه الأكثر تطرفا لصالحه، عادة يحسم معه أشياء كثيرة .
منها مبدأ الحوار ذاته، وحياة المحاور ذاتها، وإذا كنا نرى في أيامنا من المتطرفين عجباً، فلأنهم رأوا منا عجباً، تحسسوا هيبة الدولة فلم يجدوا هيبة ولا دولة، عجموا عود النظام في الهين من الأمر فوجدوه مرناً مثل (اللادن)، زادوا فوجدوه قد ازداد ليناً، تمادوا فإذا به ينثني معهم أينما انثنوا، عاجلوه بالجليل من الأمر فعاجلهم بضبط النفس، انتظروا اللوم من قيادات الفكر السياسي ورموز المعارضة فلم يجدوا إلا من يشيد أو يستزيد، ومن يصف مجرميهم بالشهداء، أو ينعت فأسديهم بالشرفاء، ولو طبقت عليهم الشريعة التي ينادون بها لعوملوا معاملة المفسدين في الأرض، ولقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، ولصلبوا في ميادين القاهرة والإسكندرية.
ما علينا ولنعد إلى صفحات التاريخ، فقد توقفنا عند عثمان وعلي وذكرنا أن الخلافة الإسلامية قد انتهت علاقتها بالإسلام بعدهما، ولم تكن لها بالإسلام صلة إلا في ومضات خاطفة تمثلت في عهد عمر بن عبد العزيز أو المهتدى، ولعلها بدأت هذا المسار كما أشرنا في بداية عهد عثمان، وإذا كنا ننزع صفة الإسلام عن الخلافة فيما ذلك من عهود فإن لنا في ذلك حجة سوف نسردها في موقعها من السرد، والصحيح في رأينا أنها كانت خلافة عربية، إن جاز التعميم وهو جائز، والأدق أن نقول أنها قرشية إن شئنا الدقة في اللفظ وهو دقيق، فقد حكمت قبيلة قريش المسلمين أكثر من تسعمائة سنة)، بينما حكم الإسلام ربع قرن أو أقل .
فالخلفاء الراشدون قرشيون، والأمويون قرشيون والعباسيون قرشيون، وقد استمرت الدولة العباسية بصورة رسمية ثم بصورة شكلية بعد سقوط بغداد حتى سقوك دولة المماليك في أيدي العثمانيين عام 918 هـ، وأكاد أجزم بان قبيلة قريش بذلك تمثل أطول أسرة حاكمة في تاريخ الإنسانية كلها، بل إن التاريخ لا يحدثنا عن أسرة واحدة حكمت نصف هذه الفترة، ولو كان الأمر أمر رضا من المسلمين، أو اختيار منهم لهان علينا وما توقفنا عنده، لكننا نتوقف عنده طويلاً، ونتأمله كثيراً لكونه ارتبط بأعز ما نملك وهو العقيدة، وتستر بأقدس رداء وهو الدين، واستند إلى أحاديث نبوية ننكرها على من ادعوها، لأنها لا تمت لروح الإسلام بصلة.
وحسبك ذلك الحديث الذي استند إليه العباسيون حتى استمر حكمهم قرابة سبعمائة وستة وثمانين عاماً، ومضمونه أن الخلافة إذا انتقلت إلى أيدي أولاد العباس، ظلت في أيديهم حتى يسلموها إلى المهدى أو عيسى بن مريم، وهو حديث كاذب، ومختلقة كذوب، وأنا وأنت أيها القارئ لا نختلف الآن على كذب الحديث ولا تكذيب قائلة، حجتنا في ذلك أنه ببساطة لم يتحقق، لكن هذه الحجة لم تكن متاحة لأجدادنا، وما كان لهم إلا أن يخضعوا صاغرين للحديث، وإلا اتهمهم فقهاء العصر، شأنهم شأن بعض الفقهاء الذين يظهرون في كل عصر، بنقص في دينهم، والتواء في عقيدتهم، وحسبنا أن مراجع الحديث ومنها الصحيحان وابن حنبل والدرامى وأبو داود تجمع على حديث يأتي حديث لو اجتمع عليه أهل الأرض لعارضناه، فالإسلام السمح، الذي أتى ليساوى بين العربي والأعجمي، لا يميز أسرة من الأسر عن غيرها بدم أزرق، لمجرد أنها قريش، وها هو عمر يعلن قبيل وفاته (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته)، وما كان سالم قرشياً، وما كان عمر بالذي يجهل حديثاً له هذا القدر من الأهمية، وها هو سعد بن عبادة (الخزرجى) ينافس أبا بكر على الخلافة، ويرفض بيعته حتى وفاته، ولو علم سعد بالحديث ما نافس ولا أنكر ولا رفض ولا أصر، لكنه هكذا كان الأمر.
وهكذا خضع أجدادنا لحكم الخلفاء، الفضلاء منهم (و ما أندرهم) والسفهاء منهم (وما أكثرهم)، خوفاً من اتهامهم بالخروج على الطاعة، أو المخالفة للجماعة، ويا حسرة على إسلام عظيم أتي ليساوي بين الناس، فأحاله البعض بالكذب، إلى دين يرسخ التفرقة العنصرية، ويرفع البعض فوق البعض بالنسب، ولعل المنادين بالخلافة في عصرنا الحديث، يدلوننا على سبيل نتحقق به من أنسابنا، فربما كنا قرشيين دون أن ندري، فنزايد في السياسة مع المزايدين، ونطمع في الحكم مع الطامعين ونكره المنطق مع الكارهين .
لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
|