عرض مشاركة واحدة
قديم 04/06/2008   #21
شب و شيخ الشباب Seth
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Seth
Seth is offline
 
نورنا ب:
Jun 2006
مشاركات:
197

افتراضي


ولنا أن نسوق مثالاً أوضح من المثال السابق، عن سادس الستة الذين رشحهم عمر، ونقصد به علياً، الذي توفى بعد طلحة والزبير بأربعة أعوام ونصف، وبعد ابن عوف بحوالي عشر أعوام، وهاكم ما تركه في رواية المسعودى:
(لم يترك صفراء ولا بيضاء، إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه، أرد أن يشتري بها خادماً لأهله، وقال بعضهم: ترك لأهله مائتين وخمسين درهما ومصحفه وسيفه).


نحن هنا أمام نموذج ونماذج، ومثال وأمثلة، وتركة وتركات، وأمام مؤشر خطير لما حدث للمسلمين، وأمام نذير خطير لما سيحدث لهم، فالدين والدنيا لا يجتمعان معاً إلا بشق الأنفس، وجمع المال على هذا النحو لا يستقيم مع نقاء الإيمان وصفاء السريرة إلا بجهد مجهد وجهيد، وقول الرسول عن ابن عوف أنه يدخل الجنة حبواً يطرق الأذهان في عنف، فغنى عبد الرحمن وثروته يثقلان خطوه إلى الجنة، ولا لوم ولا تثريب على المسلم إن أثرى كما يشاء، وأدى حق الله في ماله كما يحب، لكن ميزان كبار الصحابة ليس كميزان غيرهم، فهم أثقل من غيرهم بالزهد، وأجدر من غيرهم بالخصاصة، وقد عهدناهم حين هاجروا من مكة قبل ذلك بسنوات لا يملكون غير ملابسهم، ويبيتون على الطوى سجداً خاشعين، وكانوا في الميزان أغنى الأغنياء، لكن الزمن قد دار إلى غير عودة، وما ضر المقبل على الثروة أن يقبل على الحكم .

فهما وجهان لعملة واحدة هي الدنيا المقبلة، وسوف يأتي على خليفة بعد عثمان، وسوف يكون الخليفة الحق في الزمان الخطأ، وسوف يحدث له ما حدث، لأنه لابد أن يحدث، غاية ما في الأمر أنه كانت هناك جذوة من العقيدة ما زالت مشتعلة، أبقت حكمه قرابة الخمس سنوات، ولم يكن له أن يتساءل مستنكراً: أعصى و يطاع معاوية؟ فالتساؤل على مرارته مجاب عليه: نعم يا أبا الحسن، تعصى لأنك على دين، ويطاع معاوية لأنه على دنيا، فكما تكونوا يول عليكم، وقد كان القوم أقرب إلى معاوية منك، ولم يكن لهم أن يصبروا عليك وأنت تحاول إدارة العجلة إلى الخلف، إلى الزمن السعيد والصحيح، فليس لها أن تدور إلا حيث تريد لها الرعية أن تدور، وإذا كان أصحابك قد أقبلوا على الدنيا هذا الإقبال، أتنكر أنت على الرعية أن تقبل هي الأخرى آخذة منها بنصيب، ساعية إلى من ييسر لها ما ترضاه، ويتألف قلوبها بما أنست إليه، وتألفت معه، وأقبلت عليه، وأدبرت أنت عنه.

هون عليك يا أبا الحسن، فسوف يأتي بعدك بسبعين عاماً من لا يستوعب درسك فيحاول ما حاولت، ويقضى بأسرع مما قضيت، سوف يأتي عمر بن عبد العزيز، ولن يستمر أكثر من سنتين وثلاثة أشهر، وسوف يموت دون الأربعين، مسموماً في أرجح الأقوال مخلياً مكانه ليزيد بن عبد الملك، شاعر المغاني والقيان، عاشق سلامة وجبابة، وأول شهداء العشق والغرام في تاريخ الخلفاء، كما سنروى للقارئ بعد قليل.

وسوف يأتي بعد عمر بن عبد العزيز بقرن ونصف، خليفة عباسي اسمه المهتدى بالله يحاول أن يحتذي حذوه فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويزهد في الدنيا، ويقرب العلماء، ويرفع من منازل الفقهاء، ويتهجد في الليل، ويطيل الصلاة، ويلبس جبة من شعر وسوف يكون مصيره كما ذكر المسعودى: (فـثـقلت وطأته على العامة والخاصة بحمله إياهم على الطريقة الواضحة فاستطالوا خلافته وسئموا أيامه وعملوا الحيلة حتى قتلوه، ولما قبضوا عليه قالوا له أتريد أن تحمل الناس على سيرة عظيمة لم يعرفوها؟ فقال: أريد أن أحملهم على سيرة الرسول وأهل بيته والخلفاء الراشدين، فقيل له: إن الرسول كان مع قوم قد زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، وأنت إنما رجالك تركي وخزرى ومغربي وغير ذلك من أنواع الأعاجم لا يعلمون ما يجب عليهم في أمر أخرتهم وإنما غرضهم ما استعجلوه من هذه الدنيا، فكيف تحملهم على ما ذكرت من الواضحة؟).

وقد قتل المهتدى بعد أقل من أحد عشر شهراً من خلافته، واختلف في قتله، فذكر البعض أنه قتل بالخناجر، وشرب القتلة من دمه حتى رووا منه، (ومنهم من رأى أنه عصرت مذاكيره حتى مات، ومنه من رأى أنه جعل بين لوحين عظيمين وشد بالحبال إلى أن مات، وقتل خنقاً؟ كبس عليه بالبسط و الوسائد حتى مات)، لا تحزن يا أبا الحسن ولا تغضب، فزمانك لا شك أعظم من زمن من يليك، وحسبك أن عهدك كان فيصلاً أو معبراً إلى زمان جديد، لا ترتبط فيه الخلافة بالإسلام إلا بالاسم، ولا نتلمس فيها هذه الصلة بين الإسلام والخلافة، إلا كالبرق الخاطف، يومض عامين في عهد عمر بن عبد العزيز، وأحد عشر شهراً في عهد المهتدى وخلا ذلك دنيا وسلطان، وملك وطغيان، وأفانين من الخروج على العقيدة لن تخطر لك على بال، وربما لم تخطر للقارئ على بال ما نقلوه إليه كان ابتساراً للحقيقة، وإهداراً للحقائق، وانتقاصاً من الحق .

وإذا كان الشيء يذكر يا أبا الحسن، فدعنا نقص على القراء ما راعك وما سيروعهم، وما أفزعك وما سيفزعهم، وسوف ننقله إليهم موثقاً بالرسائل، تلك التي تداولتها أنت وابن عمك وأقرب الناس إليك، عبد الله بن عباس، حبر الأمة وبحرها، وأحد أكثر من نقلت عنهم أحاديث الرسول، وواليك على البصرة، أعظم الأمصار وأجلها خطراً، ولعلك يا أبا الحسن كنت تتوقع أن تسمع عن عبد الله بن عباس أي شئ إلا ما سمعت، حين أتتك من صاحب بيت المال في البصرة (أبو الأسود الدؤلى) رسالة ينبئك فيها أن (عاملك و ابن عمك قد أكل ما تحت يده بغير علمك).


ولعلك يا أبا الحسن لم تصدق، ولعله لم يكن أمامك إلا أن ترسل لعبد الله بن عباس مستفسراً، متمنياً أم يحصحص الحق فيسفر عن بياض صفحته، وهو خطابك إليه مختصراً: "أما بعد، فقد بلغني عنك أمر، إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، وأخربت أمانتك، وعصيت إمامك، وخنت المسلمين: بلغني أنك جردت الأرض وأكلت ما تحت يديك، فارفع إلى حسابك واعلم أن حساب الله أشد من حساب الناس".
ويأتيك يا أبا الحسن"أما بعد، فإن الذي بلغك باطل، وأنا لما تحت يدي أضبط وأحفظ، فلا تصدق على الأظناء، رحمك الله، والسلام .

لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03450 seconds with 10 queries