لعلك متفق معي – أيها القارئ – فيما توصلت إليه من أن مسألة كهذه، يحب ألا تفوت على المشتغلين بالعمل السياسي الديني، بل لعلك تتجاوز التعجب إلى الاعتقاد بأن هذا أمر يسير وأنه إلى تدارك، بل ربما اعتقدت عن تفاؤل بأنه أمر سهو، وأن السهو إلى زوال، لكني لا أشاركك تفاؤلك، لسبب يعلمه دعاة تطبيق الشريعة ويعانون منه، وأقصد به عقم الاجتهاد، بل إن شئت الدقة اجتهاد العقم، وخوف الاختلاف، بل إن شئت الدقة خلف الخوف، وطمع الاستسهال، بل إن شئت الدقة استسهال الطمع، وعجز القدرة، بل إن شئت الدقة قدرة العجز.
ليس فيما أقوله بلاغة باللفظ، بل هي حقيقة تستطيع أن تلمس عشرات الأمثلة على صدقها، ودونك أيها القارئ العزيز ما حدث في قوانين الأحوال الشخصية، والتي شهدنا ثلاثة منها في عشر سنوات، أثار الأول منها ثائرة المدافعين عن حقوق المرأة فكان القانون الثاني الذي أثار حفيظة المدافعين عن حقوق الرجل، فكان الثالث الذي هدأت به ثائرة الثائرين إلى حين، على الرغم من أن قانون الأحوال الشخصية جانب هين من جوانب أي برنامج سياسي، بل أنه أسهل جوانب تطبيق الشريعة الإسلامية، لأنه لا خلاف عليها أو حولها في كونها المصدر الوحيد للتشريع في هذا المجال، وهي في النهاية قضية يبدو وجهها الديني أكثر وضوحاً من أي وجه آخر.
لكن المشكلة أتت من مواجهة العلماء لعالم جديد، ترتبت فيه للمرأة حقوق لم تترتب في عصر سابق، وأصبح عمل المرأة على سبيل المثال واقعاً لا منـّة أو منحة، وحقاً مكتسباً لا سبيل إلى مناقشته، وطرحت المتغيرات الجديدة في المجتمع من الظروف ما لا سابقة له في عهد مالك أو أبي حنيفة أو الشافعي أو ابن حنبل، فأزمة الإسكان قائمة، بل إن هناك ما لم يعرفه الفقهاء الأربعة حين ناقشوا هذه القضية، من حكم الشقة المستأجرة أو (التمليك)، وهي كلها أمور أوقعت العلماء في حيص (و هو الاختلاف بينهم)، وفي بيص (وهو الخلاف بينهم من ناحية وبين قطاعات كبيرة في المجتمع من ناحية أخرى).
وفي كل حال من الأحوال الثلاث – أقصد القوانين الثلاثة – وجد العلماء ضالتهم في الانتقال من مالك إلى أبي حنيفة، فإن لم يجدوا انتقلوا إلى فتاوى فقهاء أقل حظاً من الشهرة من أمثال سهل بن معاوية، وهم في كل الأحوال لم يتجاوزا القرن الثاني الهجري قيد أنملة، أو إن شئنا الدقة قيد عام.
ماذا سيكون الحال إذا تطرق الأمر إلى مجال الاقتصاد، وشغل دعاة الدولة الإسلامية أنفسهم بقضية زيادة الإنتاج في المجتمع، وفوجئوا بحجم استثمارات القطاع العام التي تتراوح بين ثلاثين إلى خمسين مليار جنية، يعتمد تمويلها على مدخرات المصريين في بنوك القطاع العام. والمدخرات في صورة ودائع، والودائع تستحق فوائد، وآخر اجتهادات القرن الثاني الهجري، والتي لم تعاصر قطاعاً عاماً أو بنوكاً أدخلت العائد الثابت للمدخرات في دائرة الربا، وآخر ما و صل إليه الداعون للدولة الإسلامية هو الركون إلى اجتهادات هؤلاء الفقهاء، وكأنها تنزيل من التنزيل، ماذا سيكون الحال؟..
لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
|