إبداع الجسد
وقد اذهر الجسد العاري في الفن في المائة عام الأولي من عصر النهضة الكلاسيكي ، عندما تداخلت الشهية الجديدة للتحليل القديم مع عادات العصور الوسطي في الترميز والتشخيص ، وقد بدا وقتها أنه لا يوجد مفهوم مهما كانت عظمته لايمكن التعبير عنه بالجسد العاري ، وليس هناك شيء مهما كانت تفاهته لايمكن تحسينه عند إعطائه شكلا بشريا ، ففي طرف نجد الحساب الأخير لمايكل أنجلو ، " The Last Judgment "
The Last Judgment

إلى المهتمين باللوحة شرح تفصيلي للوحة واجزائها هووووووووووون
وفي الطرف الآخر نجد مقابض الأبواب والشمعدانات ، حتي مقابض الشوك والسكاكين ، فبالنسبة للأول ربما يكون الاعتراض كما هو الحال في معظم الحالات أن العري ليس مناسبا لتقديم المسيح وقديسيه ، أما الاعتراض الذي يثيره الإستخدام الثاني وهو مايحدث في أغلب الحالات فهو أن شكل فينوس العاري ليس هو ما نحتاجه في أيدينا عندما نقطع طعامنا أو ندق علي باب ، وهو ما أجاب عليه أحد الفنانين بقوله : إن الجسد البشري هو أكثر الأشكال جمالا وكمالا ولهذا فلا يمكن أن نمل من رؤيته ، وبين هذا وذاك توجد غابة من الأجساد العارية المرسومة أو المحفورة بالجص أو البرونز أو الحجر مما ملأ كل مكان خال في عمارة القرن السادس عشر .
وليس من المحتمل أن يعود هذا النهم للجسد العاري ، فقد نبع من امتزاج مجموعة من المعتقدات والتقاليد والأحاسيس البعيدة جدا عن عصرنا ، عصر الجوهر والتخصص ، ومع ذلك فانه حتي في المملكة الجديدة التي للإحساس الجمالي يتوج الجسد العاري ، فقد جعله الإستخدام المكثف له من قبل الفانين العظماء نموزجا لكل الأبنية الشكلية ، وهو لا يزال وسيلة لتأكيد الإيمان بوجود الكمال المطلق . فيكتب " سبنسر " في ( نشيد علي شرف الجمال ) : لأن الروح هي الشكل وهي ما يقدمه الجسد وهو بهذا يردد كلمات الإفلاطونيين الجدد ، ومع ذلك لا يوجد دليل في الحياة يؤكد هذا القانون إلا أنه ينطبق بشدة علي الفن ، فالجسد العاري يظل أعظم مثال علي تحويل المادة إلي شكل ، وليس من المحتمل أيضا أن نرفض الجسد مرة أخري كما حدث في تجربة الزهد والتقشف في مسيحية العصور الوسطي ، فلم يعد يمكننا أن نقدسه ولكننا تصالحنا معه وتقبلنا حقيقة أنه يصاحبنا طوال حياتنا ،.
وبما أن الفن يهتم بالصور الحسية ، لايمكننا بسهولة أن نتجاهل توازن الجسد وايقاعه ، فمجهودنا المستمر ضد اتجاه الجازبية الأرضية من أجل الحفاظ علي توازننا في وضع قائم علي الساقين يؤثر في كل حكم علي التصميم بما فيه مفهومنا عن الزاوية التي نسميها بالزاوية الصحيحة ، كما أن إيقاع تنفسنا ودقات قلوبنا جزء من الخبرات التي نقيس بها العمل الفني ، والعلاقة بين الرأس والجزع تحدد المقياس الذي نقيم به النسب الأخري في الطبيعة ، كما ترتبط مواقع الأماكن في الجزع بأكثر خبراتنا وضوحا ، وهكذا تبدو الأشكال المجردة مثل المربع والدائرة ذكرية وأنثوية ، والمحاولة القديمة التي قامت بها الرياضة السحرية بتحويل المربع إلي دائرة هي مثل رمز للاتحاد الفيزيقي ، وقد تبدو الأشكال البيانية بتخطيط نجمة البحر التي رسمها منظرو عصر النهضة سخيفة ومثيرة للسخرية ، لكن المبدأ الحسي يحكم أرواحنا ، وليس من قبيل المصادفة أن الجسد ذا الشكل المتعارف عليه بأنه " الإنسان الكامل " قد أصبح الرمز الأعلي للإيمان الأوربي ، فيجب أن نتذكر أنه قبل (صلب المسيح) لمايكل أنجلو ، كان الجسد العاري أكثر موضوعات الفن جدية ، حتي أن أحد دعاة الوثنية قد كتب معجبا بالعمل الأخير :
أصبح الإنجيل لحما ودما ، وعاش بيننا مليئا بالجمال والحق .