أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   اللاهوت المسيحي المعاصر (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=30)
-   -   الأحد الثالث من الصوم.... أحد السجود للصليب الكريم (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=4394)

شكو زولو 30/03/2005 12:10

الأحد الثالث من الصوم.... أحد السجود للصليب الكريم
 
وجها الصليب ووجه الله في الصيام




في الأحد الثالث من الصيام المقدّس وخلال الأسبوع الرابع الذي يليه أي وسط الصيام ترفع الكنيسة الصليب المكرّم للسجود.

نحن بالطبع حين نقبّل الصليب نسجد لصليب الربّ وآلامه من ناحية ولكن أيضاً للسّر الأزليّ الذي يحمله الصليب والذي اكتمل في ملء الزمان عند صلب المسيح.

الصليب هو سرّ أكثر ممّا هو أيقونة للصلْب. سرّ الصليب هذا هو سرّ الانتقال من المعاناة إلى وجه الله. ولهذا السبب بالذات رفعت الكنيسة الصليب في منتصف الصيام، الصيام الذي غايته الأخيرة هي رؤية الله ومجده. قراءات الصوم التي من العهد القديم تركز على شخصَي موسى وإيليا، وكيف كلّ منهما عندما أراد ان يرى الله صام. هذه غاية الصوم، وأداة ذلك هو سرّ الصليب.



إنّ المسيح الدجّال، عدوَّ الله والإنسان، لم يأتِ بعد لكنّه كان في العالم، كما يقول يوحنا الحبيب" هناك مسحاء دجّالون كثيرون" (يوحنا 2، 8). وبولس الرسول منذ أيامه يقول "سرّ الإثم الآن يعمل" (2 تسا 7، 2). فكما كان "سرّ الضلال" كائن في العالم قبل أن يأتي المسيح الدجّال، هكذا كان الصليب منذ الأزل قبل الصليب. والدليل على ذلك أنّ الربّ يسوع نفسه وقبل حدث صلبه، خاطب تلاميذه: "من أراد أن يتبعني فليحملْ صليبه وينكرْ بنفسه ويتبعني". فالصليب كسرّ كان ويستمر. وصليب المسيح هو كماله ومنعطف البداية الجديدة فيه.

للصليب كما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم وجهان، وذلك بحسب عبارة بولس الرسول، إذ لا يقول فقط "الذي به صُلب العالم لي"، بل يضيف "وبه أنا صُلبت للعالم". فالعالم يصلب لنا، يعني أنّنا نترك ما في العالم من شهوات وننصرف إلى الجهادات النسكيّة في طلب رضى الله وحفظ وصاياه مفتقرين بالروح إليه. وهذه المرحلة تعرف بالمرحلة الروحيّة الأولى المسماة بالعمل (praxis). أما أن نُصلب نحن للعالم، فهي المرحلة اللاحقة والناتجة عن الأولى أي حين نموت نحن عن العالم، حين يتنقّى الانسان من أهوائه ولا يعود العالم في ملذّاته يؤثّر به. حين تنصلح الأهواء وتأخذ لها ميولاً صحيحة لا تعود ملذّات العالم لذيذة. آنذاك، في هذه المرحلة يقتني الإنسان الفكرة الصحيحة عن الجمال، ألا وهو العفّة، وعن الغنى والفقر وعن اللذة، ويموت بتطهره عن أهوائه الخاطئة، عن العالميات. وهذه المرحلة هي المرحلة التي تؤهّل الإنسان لرؤية الله لأنّ أنقياء القلوب هم الذين يعاينون الله.

فالوجه الأول للصليب دائماً هو وجه الأتعاب وإماتة الأنانيّة والذات في سبيل طلب وجه الله، إنّها مرحلة الموت وهي ما تسمّى مرحلة العمل (praxis). أما الوجه الثاني فهو حالة معاينة الله ومعاينة وجهه المنشود، بعد أن نكون قد صلبنا نحن للعالم ومتنا عنه. وهو ما يسمّى بمرحلة الثاوريا (رؤية الله ومعاينته). لذلك تعترف الترنيم للأبرار أنّهم بالعمل وصلوا إلى الثاوريا. وهذا ما يعبّر عنه بولس الرسول بوجهَي الموت والقيامة مع المسيح على الصليب. فالوجه الأول للصليب أي الموت، يجلب فوراً وجهه الثاني، القيامة. هذا هو سرّ الصليب أنّه ينقلنا من وجهه الأوّل إلى معاينة وجه الله (الثاوريا) أي إلى وجهه الثاني.



هكذا إذن نفهم لماذا القدّيس غريغوريوس بالاماس، المدافع عن النعمة اللامخلوقة وعن رؤية النور الإلهيّ ووجه الله، يؤكّد أنّه لا يستطيع أحد ان يعاين الله دون الصليب كما يشرح كيف أن كلّ من حمل الصليب في سرّ المعاناة من أجل وجه يسوع المسيح قد رآه.

قبل المسيح، حمل ابراهيم، أبو المؤمنين وخليل الله، أتعاب الصليب حين أطاع الله وترك أهله وعشيرته منطلقاً إلى الأرض التي سيُريه إياها الله (تكوين 1، 12) وعاش سرّ الصليب في وجهه الأول ولهذا ابراهيم أيضاً، رأى الله الثالوث واستقبل الملائكة الثلاثة (تكوين 1، 18).

ويعقوب أيضاً، كانت حياته كلّها صليباً مستمراً في خدمته الطويلة من أجل طاعة أهله واختياره فتاة بحسب مشيئتهم. أضف إلى ذلك صبره على عداوة أخيه وتواضعه حين انحنى إلى أسفل العصا أمام أخيه عيسو. إن أتعاب سرّ الصليب هذه قادته ليصرخ يوماً "لقد رأيت الله وجهاً لوجه وخلصت نفسي" (تكوين 32، 20).

وموسى شارك في سرّ الصليب الأزلي حين ترك فخر البيت الفرعونـيّ، وحين اعتبر عار المسيح أشرف من كنوز فرعون، كما يقول بولس الرسول (عبرانيين 11، 26). وحين بالعود والماء عبر مع بني قومه البحر الأحمر وتاهوا في البريّة سنين طويلة. وبالأصوام وكلّ تلك الأتعاب شاهد الوجه الثاني للصليب، فعاين الله في العليقة الملتهبة وغير المحترقة.

هكذا كلّ من نظر إلى الصليب من وجهه الأوّل لا بدّ أن يعاين وجهه الثاني، أي كلّ من مات مع المسيح سيقوم معه أيضاً. وهذا تماماً ما يعنيه الربّ بقوله "كلّ من بذل (أمات) نفسه من أجلي ومن أجل الانجيل وجدها (أقامها)".

لذلك يدخل المسيحيّ الصوم بجرأة ولا يحزن على ذاته ويطلب الموت من أجل الربّ كلّ لحظة فيحقّق سرّ قيامته.

الربّ يسوع هو القيامة والحياة، والصليب هو الطريق. سرّ الصليب هو اتباع يسوع والسعي إلى وجهه الكريم. هذا ما نسجد له أمام الصليب.

فيا قوّة الصليب الكريم، المحيية الإلهيّة، التي لا تدرك، لا تخذلينا نحن الخطأة.

آميــن


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 22:00 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.01856 seconds with 9 queries