أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   اللاهوت المسيحي المعاصر (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=30)
-   -   الصلاة والصوم (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=3938)

شكو زولو 16/03/2005 18:40

الصلاة والصوم
 
"هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم"


قد تبدو الصلاة والصوم أيضاً فنوناً رهبانية ليست للجميع، بالرغم من أن الكنيسة تؤكد أنّ هذه الفنون هي لكلّ مسيحي. وإذا كانت الجماعات الرهبانية تمارس هاتين الفضيلتين بأسلوب ما، فإنّ المسيحيّ أينما كان، عليه ألاّ يرمي هذين السلاحَين أو يتخلى عن نعمتهما، لأن النصّ الإنجيليّ واضح ويؤكّد أنّ حربنا القائمة "مع أرواح الشرّ التي في الجوّ" كما يقول بولس الرسول، لا يمكن أن تصل إلى نهايتها الظافرة إلا بالصوم والصلاة. لذلك إذا تعذرت على المسيحيّ - الذي لا يحيا في أوساط رهبانية وأديار - بعض الممارسات، فعليه آنذاك أن يبتكر لذاته الأساليب المناسبة، بحيث لا يغدو أقل جهاداً في هذه الحرب الروحيّة. لذلك يحتاج إلى فهم عميق وواعٍ للصوم والصلاة لكي يتقن هذين الفنَّين إلى درجة الاحتراف ولو بأساليب مغايرة.

الرباط الذي يشدّد عليه الإنجيل، والزيجة التي يعقدها، بين الصوم والصلاة قائمة على البنيان النفس-جسداني للإنسان. فالإنسان يمارس عبادته لله بكل كيانه ولذلك فإنَّ دعامتي الحياة الروحيّة هما الصلاة والصوم. الصلاة هي "صوم الذهن"، كما أنّ الصوم هو "صلاة الجسد".



الصلاة كما يعرّفها القدّيس يوحنا السلمي هي "العشْرة مع الله"، أي تثبيت الذهن في التأمّل بالله والهذيذ بالكلمة الإلهيّة. لذلك فإنَّ عدوّ الصلاة هو الأفكار التي تسرق صفاء الصلاة واستمراريتها. الأفكار المتعددة، والمخيلة، هي أطعمة لذيذة ولو كانت غاشة للذهن البشريّ. لذلك فإنَّ المصلّي الحقيقيّ يعاني داخلياً ويصارع من أجل طرد الأفكار والثبات في الصلاة. إنّ قطع الأفكار أصعب من بتر الأعضاء. وهنا يمارس المؤمن صوم الأفكار حين يعرف أنّ ذهنه لا يحيا إلاّ على الخبز السماويّ، أي على الأفكار الإلهيّة، بحيث أنّه يرمي جانباً كلّ فكر أرضي، أي حين ينتخب لذهنه الأفكار الصياميّة الصالحة ويحيا عليها فقط. لذلك فإنَّ رياضة الصلاة تقودنا إلى إضعاف الأفكار الجسدانية وانعتاق صلاتنا، وذلك حين يصوم الذهن عن بعض الأفكار باختياره الأفكار الصالحة.



كذلك فإنَّ الصوم هو صلاة الجسد. فكما يقول القدّيس غريغوريوس بالاماس إنَّ الكتاب يتكلّم عن "صراخ دم هابيل المقتول إلى الله"، هكذا الأعضاء الصائمة والتعبة تصرخ بدالّة مع الروح إلى الربّ. هكذا يستطيع الإنسان أن يصلي بأعضاء جسده إلى الرب، بالصوم إذن يضع الإنسان أعضاءه وجسده أيضاً في حالة صلاة دائمة.

بالصوم، يختار الإنسان المآكل التي تناسبه، تلك التي لا تقوم على ذهنيّة جسديّة ولكن على أنّ الإنسان يحيا بالكلمة الخارجة من فم الله. بالصوم إذن يحدّد الإنسان لذاته من جسده أنّه يحيا لا لذاته بل لله، أي أنّه يعرّف لنفسه غناها ومطلبها وغايتها بالصوم. عن طريق الجسد نصير فقراء إلى الروح، ونفتقر إلى المسيح المأكل الحقيقيّ والمشرب الحي.

للإنسان الجائع، يصير جسدُه منبِّهاً مرافقاً له يذكّره بغاية حياته، وبحضرة الله حينها. هكذا الجوع مثلاً هو صلاة للجسد صامتة. كما يصلي الذهن بالكلمات يصلّي الجسدُ بالجوع الاختياريّ من أجل الله. الجوع صلاة الجسد، كما الكلمات هي صلاة الذهن.

وكذلك بالصلاة نصوم عن الأفكار ونحدد عن طريق الذهن أنّنا نفتقر إلى الكلمة الإلهيّة معرضين عن سواها لأنّ الربّ هو الغذاء الحيّ والمنّ الحقيقيّ للذهن البشريّ.

إنسان حصّن ذهنه بالصلاة وجسده بالأصوام هو كالبيت الذي تُطرد منه الشياطين فيصبح نظيفاً، ويصير بيتاً لله وهيكلاً للروح.



لذلك جهاد السعي إلى الفصح، إلى معاينة الله، إلى سكناه فينا، لا بدّ أن يقوم على هاتين الفضيلتين: الصلاة كصوم للذهن، والصوم كصلاة الجسد.

آميــن


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 14:11 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.01924 seconds with 9 queries