أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   اللاهوت المسيحي المعاصر (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=30)
-   -   بذل الذات (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=25198)

MR.SAMO 18/01/2006 13:11

بذل الذات
 
بسم الأب والأبن والروح القدس الأله الواحد أمين
بذل الذات



MR.SAMO 18/01/2006 13:14

يُقصد ببذل الذات (أو إيهاب النفس لله) أن يُسلِّم المؤمن لله، بكل وعيه وإرادته، حياته كلها: أي الجسد والنفس، بكل طاعة وثقة، ودون خوف أو شك؛ كي يقودها الله ويوجِّهها حسب مشيئته الصالحة المرضية الكاملة (رو 12: 2)، أو حسب تعبير معلِّمنا بطرس الرسول: "يستودع نفسه كما لخالقٍ أمين في عمل الخير" (1بط 4: 19). فتنسحب المشيئة خاضعة وتتوارى الذات، ويحتل الله الكيان، وتصير النفس عرشاً للرب، وشعارها الطِّلْبَة التي علَّمنا إيـَّاها الرب: "لتكن مشيئتك" (مت 6: 10، لو 11: 2). وتسليم الحياة بهذا المعنى لا يمكن أن يكون أمراً عارضاً يأتي ويذهب، وإنما هو موقف ثابت حملت النفس إليه - في نهاية المطاف - اختبارات الحياة، وينعكس على الحياة اليومية ومواقفها، ويُمتحن في التجارب والشدائد والآلام والأمراض واقتراب الموت.
وفي حياتنا اليومية توجد أمثلة لتسليم الحياة لآخر. فالطفل الصغير وهو يمسك بيد أبيه (أو أُمه) الذي يَعْبُر به الطريق، يستسلم له تماماً مطمئناً غير خائف، فقد وضع ثقته في أبيه الذي لا يشكُّ في محبته ورعايته وقدرته. فإذا كان الوالدان لا يمكن أن يدعا ابنهما للخطر، فالله بالأَوْلَى. وها هي كلمات الكتاب المقدس تعبِّر عن عِظَم محبة الله للنفس بما لا يُقاس:
"هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء يَنْسَيْنَ، وأنا لا أنساكِ. هوذا على كفَّيَّ نقشتُكِ"
(إش 49: 15و16). فإذا كانت محبة الله بهذا المقدار، فالمطلوب أن نُسلِّم له حياتنا كأننا أطفال.
ولكن حياة التسليم، مع هذا، ليست رخصة للتوقُّف عن ممارسة السهر والعبادة وطلب المعونة، أو الكفّ عن التفكير، أو التخلِّي عن العمل أو أداء الواجب أو بذل الجهد بكل أمانة، كأنما هي دعوة للتواكل والكسل والتهرُّب من الجهاد وممارسة الحياة، أو اتجاه يدفع إليه اليأس والضعف وقلة الحيلة؛ لكن المؤمن المتكل على الله يؤدي ما عليه طائعاً: يُلقي الشِّبَاك (لو 5: 4)، ويذهب إلى سلوام (يو 9: 7)، ويرفع الحجر (يو 11: 41) (وهو ما أوجب الرب أن يفعله المؤمنون الذين صنع معهم معجزاته)، ويُقدِّم ما لديه من إمكانيات ومواهب (ولو كانت فلسين - لو 21: 2)، أو خمس خبزات وسمكتين (مت 14: 17، مر 6: 38، لو 9: 13، يو 6: 9)، أو قليل من الدقيق والزيت (1مل 17: 12)، ويسأل الله أن يستخدمها لمجد اسمه، يفتح الأبواب أو يغلقها (رؤ 3: 7).

MR.SAMO 18/01/2006 13:16

الذين سلَّموا حياتهم لله:
 
ونحن لو استعرضنا حياة بعض أبطال الكتاب المقدس يزداد فهمنا لمعنى التسليم. وبين رجال العهد القديم يبرز إبراهيم الذي خرج من بيت أبيه وهو لا يعلم إلى أين يذهب، طاعةً لأمر الرب (تك 12: 1، عب 11: 8)، كما لم يُقاوم تقديم إسحق وحيده وابن المواعيد محرقةً: "إذ حَسِبَ أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضاً" (تك 22: 2، عب 11: 17-19).
- ويعقوب الهارب من وجه أخيه عيسو، ينام مطمئناً في البرية في حِمَى الله، ويتمتع بحلم يمتدُّ فيه سُلَّم إلى السماء والملائكة تصعد عليه وتنزل. فلما استيقظ قال: "ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلاَّ بيت الله، وهذا باب السماء" ودعا ذلك المكان بيت إيل (تك 28: 10-22). فحيث يكون الله ينقشع الخوف ويغرب.
- ويوسف لا يرى إخوته وراء تغرُّبه وآلامه، وإنما يرى خطة الله صانع الخيرات: "ليس أنتم أرسلتموني إلى هنا، بل الله... أنتم قصدتم لي شراً، أما الله فقصد به خيراً" (تك 45: 8؛ 50: 20).
- وموسى لم يُفكِّر كثيراً في عواقب عصيانه للملك، وقيادة الشعب من أجل الحرية والخروج من مصر، فهو فقط ينفِّذ أمر الله الذي أسلم له قياده: "بالإيمان ترك مصر غير خائفٍ من غضب الملك، لأنه تشدَّد، كأنه يرى مَن لا يُرَى" (عب 11: 27).
- وأيوب في كل معاناته ظل مُستسلماً لله مُبارِكاً اسمه: "الرب أعطى، والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركاً" (أي 1: 21).
- وداود في تسليمه لله يقول: "صَمَتُّ، لا أفتح فمي، لأنك أنت فعلتَ" (مز 39: 9). وكثيرٌ من مزاميره تبدأ بهذه الكلمات: "عليك توكَّلتُ" (مز 7؛ 11؛ 16؛ 25؛ 26؛ 31).
- ودانيال مستنداً إلى إلهه الذي سلَّمه حياته، نزل إلى الجُبِّ مطمئناً إلى الله الذي "أرسل ملاكه وسدَّ أفواه الأسود" (دا 6: 22).
- وتلاميذ الرب الذين ألقوا كل رجائهم على مخلِّصهم الذي أحبهم حتى الموت، لم يُبالوا بالتهديد أن لا يذكروا اسم يسوع، وكان ردُّهم الصريح: "نحن لا يمكننا أن لا نتكلَّم بما رأينا وسمعنا" (أع 4: 20).
- وبولس المغبوط في لقاء المواجهة الأول مع الرب، وهو في طريقه إلى دمشق مواصِلاً اضطهاد الكنيسة، أذعن قائلاً قولته الشهيرة: "يا رب ماذا تريد أن أفعل" (أع 9: 6)؟ وهو عالمٌ بما سيأتي عليه من شدائد، يقول: "ولكنني لستُ أحتسِبُ لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أُتمِّم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله" (أع 20: 24).
ويعوزنا الوقت لنذكر مواقف كل شهداء الإيمان على مدى العصور، فلم يكن تسليمهم ادِّعاءً أو كلاماً، وإنما شهادة صادقة خُتِمَت بالدم، ومعهم كل متألِّم ومتضايق احتمل آلامه واضطهاده بشكر وبلا دمدمة من أجل المسيح.

MR.SAMO 18/01/2006 13:17

لماذا تسليم الذات؟
 
الناس يُسلِّمون حياتهم للناس الذين يطمئنون إليهم، أو مَن يتوسَّمون فيهم التأثير والقوة، أو يتَّكلون على أموالهم كضمان للمستقبل، أو على قوتهم وصحتهم، أو مراكزهم وسلطانهم، أو على عائلاتهم ونفوذها. ولكن هذا كله غير مضمون، فهو غير دائم ويتغيَّر ويتبدَّد، بل إن العالم كله سيمضي (1يو 2: 17). ولكن الله هو مبدأ كل شيء وهو غايته، وهو المعتني بكل خليقته: بشراً وحيواناً ونباتاً. وتسليم حياتنا له هو المنطق الطبيعي، ذلك أننا مُحاطون بالضعف والنقص والخوف والجهل والتجارب والهموم والأمراض وتقلُّبات الأيام ومفاجآتها، وضمنها الموت الذي لا نعرف متى يأتي إلينا أو إلى غيرنا مِمَّن نحب. فنحن في حاجة أن نستودع حياتنا عند مَن يقدر أن يحفظها ويعتني بها ويحميها، وينزع منها الخوف، ويختار معها ولها، خاصةً في أمور المصير (كالدراسة والعمل والهجرة والتكريس والزواج وغيرها)، ويحارب عنها في معارك الحياة. والله القادر على كل شيء هو المُهيَّأ لهذه المهام كلها وأكثر، فهو الجدير بالثقة لتسليم حياتنا.

MR.SAMO 18/01/2006 13:19

كيف نبلغ إلى حياة التسليم؟
 
أمامنا نموذج العذراء التي لم تتعلَّل وسلَّمت حياتها للاختيار الإلهي قائلة: "هوذا أنا أَمَة الرب. ليكن لي كقولك" (لو 1: 38) (إنجيل الأحد الثاني من كيهك). فالتسليم هنا كامل وعلى الفور.
ولكن ربما لا يكون هذا نهج الكثيرين، الذين يبلغون إلى حياة التسليم عَبْرَ رحلة تطول أو تقصر، في مسيرتها الروحية، وهي تكتشف عجزها وقصورها ومحدوديتها، فضلاً عن عجز العالم وأدواته وأمواله في أن يهب السلام والطمأنينة، مقابل قوة الله ومحبته وحكمته واهتمامه وصدق مواعيده وتوقه لخلاص جميع الناس (1تي 2: 4) ودعوته أن يُريح كل المتعبين والثقيلي الأحمال (مت 11: 28)؛ تأخذ النفس المؤمنة في التخلِّي عن ذاتها شيئاً فشيئاً لكي تقترب أكثر من مخلِّصها، فتزداد معرفتها به، وتتعمَّق توبتها. ومع الزمن وتراكم الاختبارات تتزايد ثقتها ومحبتها لإلهها، فتتخفَّف من حذرها وتحفُّظها واعتدادها بفكرها واتكالها على إمكانياتها والحياة المحكومة بالتوازنات والأرقام والحسابات والمنطق البشري. وبنمو الشركة والإيمان والتوبة يأتي وقت تُلقي النفس بكل أثقالها وذاتها وهمومها واهتماماتها على القدير. ومنذ هذه اللحظة لا تعود ترتد إلى ذاتها إلا بتجربة العدو.
فتسليم الذات هو خاتمة المطاف في العلاقة الحميمة بين النفس وإلهها، حيث تذوب النفس في الله ولا يعود لها شيء تملكه. على أن الله قد يسمح بالتعثُّر والانكفاء والضعف لكي يُجرِّد النفس تماماً من تحفُّظها أو بقايا اتكال على إمكانياتها، ولكي يكمل اتضاعها فتُلقي بالعبء كله على الله. وقد تظل الهموم والمشاغل اليومية لبعض الوقت عائقاً عن تواصُل العلاقة مع الله، إلى أن تفتقدنا النعمة ونرى في كل اهتماماتنا تتميماً للمشيئة الإلهية، وتتحوَّل لحساب الله ومجده.
ومع هذا فنحن لا نقدر وحدنا أن نُسلِّم حياتنا لله. إنها مغامرة عسيرة لا يجرؤ عليها الإنسان بإمكانياته وشكوكه وحرصه وحذره وتحفُّظاته. وملايين الناس تمرُّ بهم مفاجآت الحياة القاسية وتجاربها المُرَّة دون أن تؤدِّي بهم إلى تسليم حياتهم لله، وإنما لقبول واقعي بما يجري، ومواصلة الحياة من جديد (أحياناً في شجاعة جديرة بالتقدير)، أو للتذمُّر وعدم الرضا (كسلوك بني إسرائيل في البرية)، أو لرفض حكمة الله أو عدم اكتشافها، أو الشكّ في وجود إله عادل في هذا الكون. وأسباب ردود الأفعال هذه ليست خافية وتتنوَّع بين الجهل والكبرياء ومحبة الذات والاعتداد بالفكر، والرؤية الجسدية وعدم الإيمان، وحياة الخطية، والحسابات المادية، والاتكال على ذراع البشر، وغيرها. وإذا استمر هؤلاء في رفضهم لله وحجب نفوسهم عنه، فإنهم يفقدون النور ويتخبطون في الظلام، كما يفتقدون السلام، ويتملَّكهم الهمّ والخوف والقلق مهما تظاهروا بغير ذلك. وبتغرُّبهم الإرادي عن الله واتكالهم على ذواتهم، يخضعون للعنة (إر 17: 5)، ونهايتهم المأساوية هي الموت الأبدي.

MR.SAMO 18/01/2006 13:20

من هنا فنحن نحتاج إلى عمل إلهي يعبر بنا الخوف المصاحب لهذا الموقف (كمَن يُلقي بنفسه في الماء وهو لا يعرف السباحة)، بما يهبنا شجاعة تسليم حياتنا كمَن يُلقيها إلقاءً في يدي الله. ولعل مشهد بطرس الرسول وهو يطلب من الرب أن يأمره أن يأتي إليه ويسير معه على الماء يُقرِّب الصورة إلينا. ففي البداية انحصرت الثقة في الله السائر على الماء بجوار السفينة، وسار محمولاً على الماء. ولكن لما ارتدَّ إلى واقعه المحاصر بالرياح الشديدة وانفصل عن مصدر اليقين، راح الإيمان وابتدأ يغرق (مت 12: 28-30).
من تلك الساعة يصير الاتضاع والاتكال الكامل على الله عادةً وجزءاً أصيلاً من الحياة الروحية، تمارسه النفس المستسلمة منذ أن تبدأ يومها وحتى ينتهي، سائلة إرادة الله في كل فعل وفكر: في أمور البيت والدراسة والعمل، عند قراءة الكلمة وممارسة العبادة، في التوبة، في الخدمة؛ مع طلب مؤازرة الروح من أجل محبة الآخرين، ومداومة الشكر والاكتفاء، ورفض الانحراف والدعوات الشريرة، وسحق الاعتداد بالذات حتى في المجال الروحي، لأن هذا يُعطِّل نمو حياة التسليم ويقود إلى السقوط في فخ العدو.
على أن الاختبار الحقيقي لصدق تسليم الحياة لله هو سلوك النفس في التجارب خاصة العنيف منها. فهي في المرض الشديد لا تضيق به ولا تتبرم ولا تخشى المضاعفات ولا ينفد صبرها عندما تطول فترته، بل تشكر ولا يهتزُّ يقينها في محبة الله لحظة، وتراه تزكية عظمى أن تشارك الرب بعض آلامه وأن تحمل معه صليبه وتبشر به. وإذا استدعى الأمر جراحة خطيرة مثلاً فهي تتهيَّأ للانطلاق كأنها الساعة الأخيرة، فإذا جاء الشفاء وامتد العمر اعتبرته فرصة جديدة أتاحتها النعمة كي تنسى ما هو وراء وتمتد إلى ما هو قدَّام (في 3: 23)، وتكتسب اختبارات أفضل، ولكن لا تطرح عنها أبداً استعدادها للموت كل لحظة، وأنه لا شيء أعظم من أن تستوطن فوق وتكون مع المسيح "ذاك أفضل جداً" (في 1: 23).

MR.SAMO 18/01/2006 13:22

إن تسليم حياتنا لله هو شهادة لإيماننا وإعلان حيويته وانتصاره، فبعد التأرجح بين الشك واليقين يجيء الوقت لممارسةحقيقية للإيمان بإنكار الذات والسلوك بالاتضاع وتبعية المخلِّص (مت 16: 24، مر 8: 34).
وفي الحقيقة إننا نسلِّم حياتنا من أجلنا نحن وليس من أجل الله. فهو لا يحتاج إلينا ولا إلى حبنا وعبادتنا. وبينما الملحدون يرون الله طاغية مستبداً يريد أن يستولي على الإنسان، فإن المؤمنين إذ يدركون حب الله الذي أحدره إلى الجلجثة يرون في تسليم حياتهم ضمان قيادة الله لكل مسيرتهم، ومشاركته لهم مصاعب الحياة وآلامها، والدفاع عنهم ضد هجمات العدو "... لكن من جميعها يُنجيهم الرب" (مز 34: 19). وإذ يتخلص إيمانهم من الشوائب والمعوقات يثقون "أن كل الأشياء تعمل معاً للخير" (رو 8: 28)، وهكذا يختبرون السلام وسط المعارك، والفرح وسط الآلام. وستظل أعظم الهبات التي ينالونها هي خلاصهم الأبدي: "وإذ كُمِّل صار لجميع الذين يُطيعونه، سبب خلاصٍ أبدي" (عب 5: 9).
وهذا هو صوت الله لمن سلَّموا له حياتهم: "لأنه تعلَّق بي أُنجِّيه. أُرَفِّعُه لأنه عرف اسمي. يدعوني فأستجيب له. معه أنا في الضيق. أُنقذه وأُمجِّده. من طول الأيام أُشبعه، وأُريه خلاصي" (مز 91: 14-16).


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 00:29 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.03261 seconds with 9 queries