![]() |
الإيمان......
"بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه إذ إن الذي يأتي إلى الله يجب أن يؤمن بوجوده"
(عب 16:11) يقول الرب يسوع: " الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أعملها يعملها، ويعمل أعظم منها. " (يو 14: 12). ودستور الإيمان الذي أقرته الكنيسة في مجامعها المسكونية يبدأ بكلمة أؤمن بإله واحد ... وليس نؤمن، ليظهر للشعب المسيحي قيمة الالتزام الشخصي لكل عضو في الكنيسة. لذا فالسؤال المطروح: ما هو الإيمان بالنسبة لنا نحن المسيحيين ؟ الإيمان ليس تصديقاً لأفكار أو اعتناقاً لمبادئ، وليس شعورأ أو إحساساً أو عاطفة. الإيمان بالأهم من ذلك ليس كبتاً للشكوك في المواضيع التي لا يقبلها العقل المادي بسهولة. الإيمان هو ارتباط صميمي بشخص حي هو الله. إنه إدراك حي كياني لوجود الله. أن نؤمن بالله يعني أن نأمن له، أن نثق به، أن نجعل منه معتمدنا ونسلم إليه أنفسنا مطمئنين إليه أعمق اطمئنان " فلنودع ذواتنا وبعضنا بعضاً وكل حياتنا المسيح الإله ". أي أن الإيمان لا يكتمل إلا بالحياة، إذ لا يعتبر مؤمناً ذاك الذي يعرف بوجود الله ولكن يتصرف كأن الله غير موجود. كثيراً ما نسمع عبارة " أنا مؤمن، ولكني لا أحب الذهاب إلى الكنيسة". المؤمن ليس ذاك الذي ينادي بفكرة الله، إنما هو الذي يقبل الله إلهاً له، أي محوراً لكيانه كله وموجهاً لحياته. يقول القديس افرام السوري: " أيها الرب وسيد حياتي. " الإيمان حركة القلب إلى الله، والقلب يترجم نفسه كلمات وحركات ونبضات. وكلمة إيمان تستخدم أرثوذكسياً في معنيين: الأول موضوعي محض يخص حقائق الإيمان النظرية، يحتاج إلى فكر وعقل ودراسة. أما الثاني فشخصي محض، يخص قدرة القلب على الانفعال المباشر لله شخصياً، ويحتاج إلى حب وطاعة ودالة شخصية، كما ذكرنا سابقاً أن نجعل من الله سيداً لحياتنا ونثق به. وإذا كان الله موضوع الإيمان يفوق كل فكر وتصور، فهذا يعنى أنه لا يمكنني أن أكتشفه من تلقاء ذاتي. لكن الله يحبني لذا أراد أن يكشف لي ذاته، وقوله في إنجيل يوحنا يؤيد ذلك: "أنا أحبه وأظهر له ذاتي. " (يو 14: ا 2). ذلك أن المحبة تدفع المحب أن يكشف ذاته لمحبوبه. وعندما يعلن العقل البشري التسليم الكامل لكل حقائق الله، ففي هذه الطاعة المحبوبة يتقدم الروح القدس ويكشف للعقل البشري كل ما يتعلق بهذه الحقائق الإيمانية: " الروح القدس يعلمكم كل شيء" (يو 14: 26). " طوبى لك يا سمعان بن يونا لأن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات. " (مت 16: 17). والذي يدعونا أن نخضع ونسلم للحقائق الإيمانية أنها أمور أوحي بها من الله، فلا المنطق ولا الفلسفة ولا التحليل الطبيعي، ولا شيء مما تدركه الحواس يستطيع أن يجعلنا ندرك هذه الأشياء لأنها ليست من العالم. فالإيمان إذاً يختلف عن المعرفة العقلية البحتة لأن الله لا يحويه عقل، وهذا أمر طبيعي إذا تذكرنا أن الله هو الكائن اللامحدود، فكيف لعقل المحدود أن يدركه ؟ كيف لكوب فارغ أن يسع مياه البحر؟. ثم كيف للعقل أن يحوي الله ويمتلكه طالما الله هو مصدر العقل نفسه وقاعدته وأساسه؟. وكما أن العين عاجزة عن النظر إلى الشمس لأن نور الشمس يبهرها، هكذا العقل عاجز عن إدراك الله. ولكن كما أن العين لا نستطيع أن تحدق إلى قرص الشمس بل تشاهد انعكاساتها على الكائنات، هكذا العقل أيضا لا يدرك الله، إنما يستطيع أن يهتدي إليه انطلاقاً من آثاره في الكون./ هنا انظر الملحق/. للإيمان ثلاثة أعداء أولها هو استناد العقل على المعرفة الطبيعية، فالمعروف في الطبيعة أن الإنسان لا يستطيع السير على المياه، ولا نقل الجبال أو انتهار الرياح والأمواج. الإيمان لا يقيم للطبيعة وقوانينها وزناً. " قال يسوع ارفعوا الحجر، قالت له مرثا يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام، قال لها يسوع ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله. ". (يو 11: 39 و. 4). وثاني الأعداء هو الخوف وهو مظهر هن مظاهر حب الذات، فيقف ضد الإيمان ويضعفه ويحرم الإنسان من ثمراته. والمؤمن الحقيقي هو الذي سلم نفسه وجسده لله ولا يخشى شيئا قط مؤمنا بقول سيده: " لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها" و " من آمن بي وإن مات فسيحيا.". وأخطر الأعداء ثالثها ألا وهو الشك أي عدم تصديق وعود الله. والشك هو الذي يولد الخوف إذ هو ابتداء ضعف الثقة والخوف هو الابتعاد التام عن الله. إيماننا هو أول شروط خلاصنا إذ يقول السيد " من آمن واعتمد يخلص ومن لم يؤمن يدان ". لذلك هذا الإيمان يتطلب تنقية القلب. بالتطهر الدائم المستمر العميق نصبح إلهيين، بالتوبة المتواصلة يصير لله صدى في النفس. ليس الإيمان إذاً إلا أن نحول أنفسنا باستمرار ونتوب حتى نكون قادرين على استيعاب الله. الإيمان هو أن يصبح المرء إنسانا جديداً. " الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه أبى وأنا أحبه وأظهر له ذاتي. " أعداد الخ فادي مسيكه الملحق : مناجاة وجدث هذه القطعة الشعرية في إحدى ساحات قتال الحرب الأخيرة على جثة أحد الجنود، وقد كتبها في ليلة معركة لقي فيها حتفه، وكانت موقعة بهذه الأحرفpvt.J.J.v: اسمع يا إلهي إنني لم أكلمك قط قبل الآن لكنني اليوم أريد أن أقول لك كيف حالك لقد قيل لي أنك غير موجود، وأنا عندئذ كأبله صدقت ذلك في الليلة الماضية من حفرة القنبلة التي كنت فيها كنت أرى سماءك لذلك تحققت جيدا أنهم كذبوا على لو كلفت نفسي أن أرى كل ما صنعت لكنت فهمت أنه لا يمكن أن ينكر وجودك أتساءل إن كنت تقبل أن تصافحني، عل كل أشعر أنك ستفهمني إنه لمؤسف أن أكون قد أتيت إلى هذا المكان الجهنمي قبل أن يتيسر لي الوقت الكافي لأعرف وجهك لعمري أفكر أنه لم يبق لي شيء كثير أقوله لكنني سعيد لأنني صادفتك هذا المساء يا إلهي أعتقد أن الساعة ستأتي قريباً لكنى لا أخشى منذ شعرت أنك قريب بهذا المقدار هاهي الإشارة يجب أن أذهب يا إلهي إنني أحبك كثيراً وأريد أن تعرف ذلك انظر سوف تحدث معركة هائلة، ومن يدري يمكن أن آتي إليك هذه الليلة رغم أن علاقتي السابقة معك لم تكن حسنة أتساءل إن كنت ستنتظرني على عتبة بابك انظر إنني أبكى! غريب أن اذرف أنا دموعا! آه ليتني تعرفت إليك قبل الآن بكثير آه يجب أن اذهب الآن: الوداع... أمر غريب! منذ أن تعرفت إليك لم أعد أخاف الموت |
إصلاح القلب
كأبناء للسقوط حُبل بنا بالآثام وأبصرنا النور بطبائع فاسدة، نحن نولد مجدداً في جرن المعمودية إلى حياة القداسة. إذاً، إذا كان أحدٌ لا يستطيع أن يفتخر بأنه بلا دنس وبلا خطيئة، وفي الوقت نفسه لا يقدر، من دون أن يخالف ضميره، أن يرفض المهمة المقدسة التي هي تقديم نفسه لله كقديس، فما الذي يتوجّب عليه أن يضيئه ويحمّيه في قلبه غير التصميم الملهّم نحو تحسين الذات والغيرة الإلهية لتطهير القلب من كل شيء لا يرضي الله؟ إن تربية النفس في ما هو مقدس عمل صعب ومعقد جداً. إن الطريق إلى البِر تمر عبر تقاطعات مخفية كثيرة، وكل مَن يباشر بالنسك المطلوب لتغيير الذات، يجب أن يضع بدون خطأ رسماً تصميمياً مبدئياً في فكره لما هو صحيح ولكيفية عمله. يجب عليه أن يحمل هذا البيان في فكره وقلبه بشكل ثابت حتى، باستعماله هذا الرسم كدليل صادق، يستطيع بدون تعويق وبثقة أكبر أن يوصل مهمته إلى نهاية ناجحة.
إذاً، ما معنى أنه يجب أن نصلح أنفسنا؟ تقريباً كل ما يتعلّق بهذا الأمر هو في داخلنا. الخطيئة تحب الاستبداد. إذا وجدَت مكاناً في قلبنا، فهي تسيطر وتنشر قوى الشر في كياننا، إذ إن الإنسان الخاطئ والبشرية الخاطئة هي الأمر نفسه. كل شخص قادر أن يثبت بسهولة هذا الأمر لنفسه عن طريق امتحان قلبه الخاطئ عن كثب. وهناك سوف يكتشف لب الشر، بذرة الخطيئة، وكيف تظهر نفسها عندما تطفو. إن بذور كل الشر الأخلاقي هي محبة الذات التي تكمن في أعماق القلب. إن الإنسان، بحسب دعوته، يجب أن يتناسى نفسه وحياته ونشاطاته وأن يحيا فقط لله والآخرين مكرساً كل ما يصنع رافعاً عمله كضحيّة شكريّة للإله المخلّص. يجب أن يقدّم حياته وكل عمله بشكل كامل لخير إخوته، وينشر فوقهم كل ما يتلقى من الجوّاد أي من الله. إن الإنسان غير موجود بدون الآخر إذ إن محبة الله مستحيلة بدون محبة القريب، كما أن محبة القريب بدون محبة الله مستحيلة. على المنوال نفسه، بمحبة الله والقريب، من المستحيل عدم تقديم الذات ضحيةً لمجد الله وخير الآخَر. إنما عندما يفصل أحد ما نفسه عن الله، بأفكاره وقلبه وشهواته، وبالتالي يفصل نفسه عن أخيه، طبيعي أن يسلك بحسب نفسه فقط. "أناه" تصبح المركز الذي يوجّه نحوه كل ما عدا ذلك، إلى درجة إهمال الوصايا الإلهية وخير الآخرين. هنا إذاً، هو جذر الخطيئة. هنا هو بذر كل الشر الأخلاقي. إنه يخفي نفسه عميقاً داخل القلب إلى أن ينمو وينتشر ويطفو على الوجه ظاهراً في ثلاثة أشكال، ثلاث فروع، هي: رفع الذات، الاهتمام بها، ومحبة اللذة. الأولى تقود الإنسان إلى أن يقول في قلبه: "أنا الرقم واحد"، الثانية تقوده إلى القول: "أريد أن أملك كل شيء"، والثالثة: "أريد أن أحيا لمتعتي". "أنا الرقم واحد". أيُّ نفس لم تختبر هذه الفكرة؟ أليس فقط أولئك الذين بطبيعتهم عندهم مواهب فائقة، أو الذين حققوا شيئاً مهماً أو نافعاً، هم معرّضون لرفع أنفسهم فكرياً فوق إخوتهم من البشر؟ رفع الذات موجود في كل العصور والمستويات والظروف. إنه يظلل المرء في كل مراحل الكمال الفكرية والأخلاقية ولا يقوم على أي شرط خارجي. حتى لو كان المرء وحيداً معتزلاً بعيداً جداً عن الجميع، فهو ليس متحرراً أبداً من تجربة رفع الذات. لقد بدأ الإنسان يرفع نفسه فوق إخوته المخلوقين من لحظة تلقيه أول اقتراح متملق من الحية: "كونوا مثل الله". وكإله، بدأ بوضع نفسه فوق الموقع الذي وضعته فيه الطبيعة والمجتمع. هذا مرض كل منا وهو عندنا جميعاً. قد لا يبدو خطيراً أن يُطلق المرء لنفسه عنانها في التفكير بأنه أرفع من غيره. لكن أنظر فقط كم من الشر وكم من الظلمة ينشأ من هذه الفكرة التي تبدو لنا ظاهرياً بلا قيمة. إن مَن يرفع نفسه فوق الآخرين في فكره وقلبه، يباشر أعماله بحسب صوت المنطق والضمير وليس بحسب مشورة الحكمة أي كلمة الله. إنه يباشرها بحسب فهمه لأنه يرغب بذلك. فهو يتشبث بنفسه ويثق بها. إذا نجح في عملٍ ما فيعزو ذلك لنفسه فقط. هذا يجعله متعالياً، مغروراً، مدّعياً، وعديم الشكر في علاقاته مع الآخرين. فهو يريد تنفيذ مشيئته في كل شيء وكل وقت. إنه يريد كل شيء تحت سيطرته إذ إنه يحب أن يمارس السلطة وينحو إلى أن يكون مستبداً. في علاقاته مع الآخرين، لا يستطيع أن يتحمَّل تقدمهم مهما يكن صغيراً. إنه مزدرٍ وصعب المراس. عند كل مخالفة لرأيه، يتمسك به ويشتعل بالثأر. إن كانت شخصيته قوية فهو يتعطش للمجد والشرف، وإذا كانت ضعيفة فهو ماكر ومحب للمجد الباطل. إنه وقح وصاحب نزوات، متغطرس وميّال نحو القيل والقال. هذه هي إذاً الأشكال المتعددة التي يظهر بها حب النفس، والحركات الخاطئة الكثيرة التي تتكوّن منه. ويندر مَن لا يدين نفسه بهذه الخطيئة بهذا الشكل أو ذاك. "أريد كل شيء لي". هكذا يقول الرجل الطمّاع. هذه هي النبتة الثانية من جذر الشر. إن أكثر ما يظهره بوضوح هو روح محبة الذات التي تفعل كنوع من وجود مستقل. لا يقول الرجل الطمّاع كلمة أو يخطو خطوة أو يقوم بحركة إن لم تكن تجلب له بعض المنفعة. كل ما يتعلق به خاضع للحسابات. كل شيء منظم. كل الأشياء مترابطة بطريقة يصبح فيها الوقت والمكان والأشياء والأشخاص، وباختصار كل ما يلامسه ياليدين أو بالفكر، حاملاً ما يقدمه لخزائنه. الربح الشخصي هو المحرك الأساسي الذي يهيج كيانه إلى التصرف، وتحت تأثيره هو مستعد لتحويل كل شيء إلى وسيلة لتحقيق مبتغياته: فهو قد يسعى إلى أعلى مراتب الشرف إذا كان هذا نافعاً، وقد يقبل أكثر الوظائف صعوبةً إذا كانت أكثر مردوداً من غيرها، وقد يقنع نفسه بتحمل كل الصعوبات، فلا يأكل ولا يشرب، إذا كان هذا يحقق له الربح. إنه جشع، محب للتمسك ولاذع، ولا يصبح قادراً على محبة الفخامة والرفاهية إلا تحت التأثير القوي للمجد الباطل. ممتلكاته أحب إليه من الحياة نفسها ومن الناس ومن الوصايا الإلهية. إن روحه مقيدة بالأشياء، حتى أنه يعيش من خلالها وليس من نفسه. إذاً هنا، قوة تأثير ثمرة بذور الشر الثانية وعالمه: محبة الذات. ومَن هو الذي ليس لديه بعض الأمور التي يؤلمه الانفصال عنها، كما يؤلمه الانفصال عن السعادة؟ "أريد أن أحيا لمتعتي"، يقول الرجل الشهواني. نفسه غائصة في الجسد والمشاعر. إنه لا يفتكر بالملكوت ولا بالحاجات الروحية وبمتطلبات الضمير والمسؤولية، لأنه لا يريد ذلك ولا يقدر أن يفتكر به (روما7:8). خبرته محدودة بأشكال متنوعة من المتع ولا يستطيع التخلص منها. إنها تشغل أفكاره ومحادثاته. إذا بدأ الرجل الشهواني بإرضاء ذوقه، فهو يصبح أبيقورياً. تلاعب الألوان يحرّك ذوقه للباس الأنيق، تنوّع الأصوات يوحي له بالهذر، الحاجة للطعام تقوده إلى النهم، الحاجة إلى حماية النفس تقوده إلى الكسل، والحاجات الأخرى إلى الانغماس في اللذات. صاحب النفس المستعبَد للحمه، بارتباطه بالطبيعة من خلال الجسد، يشرب منها اللذات بطرق كثيرة بعدد وظائف جسده. وإلى جانب هذه اللذات، ومعها، يمتص روح الطبيعة الجوهرية، روح التصرف الآلي غير المقصود. بالنتيجة، بقدر ما يطلق الإنسان العنان لتكريم ذاته، تصبح دائرة حريته أكثر محدودية. وكل مَن يعطي سلطة مطلقة لهكذا انغماس، يصبح سجيناً كاملاً عند جسده. هكذا إذاً ينمو الشر في داخلنا من بذرة ضئيلة بالغة الصِغَر. في أعماق القلب، كما رأينا، تكمن بذرة الشر أي محبة الذات. منها ينبع ثلاث فروع أو ثلاث أشكال يحمل كل منها قوة البذرة: أهمية الذات، الاهتمام بالذات، والشهوانية. وهذه الثلاثة تولّد كثرةً لا تُحصى من الأهواء والميول الخاطئة. تماماً كما ينمو جذع الشجرة الرئيسي إلى أعضاء كثيرة، هكذا أيضاً تنمو في داخلنا شجرة كاملة، في البداية يكون جذرها في القلب ولاحقاً تنتشر في كل جسدنا وتتسرب إلى الخارج وتشغل كل ما يحيط بنا. قد يقول البعض أن مثل هذه الشجرة موجود في داخل كل إنسان لأنّ في قلبه ميل إلى الخطيئة. الفرق الوحيد هو أن الغصن في هذا الشخص نامٍ، والغصن في ذاك أكثر نمواً، وفي غيره غصن من نوع آخر. لماذا، في أغلب الأوقات، لا نلاحظ هذا في أنفسنا، حتى أننا نفتكر أو نتساءل: "ماذا فعلتُ؟" أو "ما هو السيئ فيّ؟" نحن لا نلاحظ لأننا لا نستطيع أن نلاحظ. الخطيئة لا تسمح لنا. إنها ماكرة وبعيدة النظر. إذا تقدمت شجرة الشر التي وصفناها ظاهرة لعين العقل، فالكل سوف يشمئز تلقائياً. لهذا السبب تسرع الخطيئة في إلباس الشجرة بالأوراق، لتغطية بشاعتها، بطريقة تمنع النفس التي تنمو فيها الشجرة من تمييز الجذور أو الجذع ولا حتى الأغصان. هذه الأغطية المورقة هي: الارتباك والإفراط في الاهتمامات العالمية. لا يرغب الشخص المشغول بالإمعان في النظر إلى نفسه. لا يملك المشغول بالاهتمامات العالمية دقيقة فراغ. فهذا لا يستطيع أن يلاحظ ما يجري في نفسه، وذاك لا وقت لديه. ما أن ينهض من النوم حتى تسرع نفسه إلى خارج ذاتها. ففي حالة الأول تمضي نفسه إلى عالم من أحلام النهار. وفي حالة الأخير تغوص في بحر من الأعمال الضرورية ظاهرياً. الحاضر ليس موجوداً لديهما، وهذا ما يميز عملهما بشكل رئيسي. الأول يفضّل العيش في عالم صنعه لنفسه لا يلامس الواقع إلا جزئياً وبدون قصد وبشكل سطحي. أمّا الثاني فهو، في قلبه وفكره، يعيش في المستقبل. فهو يحاول أن ينهي كل ما يفعله بأسرع ما يمكن حتى ينتقل إلى العمل التالي، فيبدؤه وينهيه ليسرع إلى عمل ثالث. غالباً، وحدها يداه ورجلاه ولسانه مشغولة بالحاضر، بينما أفكاره كلها موجهة إلى المستقبل. في هذه الحالة، كيف لهؤلاء الناس أن يكشفوا ما هو مخفي في القلب؟ في أي حال، لا تكتفي الخطيئة بهذا الغطاء المورق وحده، لأنه لا يمنع الاختراق. إذ ممكن أن تضع رياحُ البلية الأوراقَ جانباً بالاهتزازات التي يسببها الضمير، وبالتالي تكشف شكل الشجرة المغاير للطبيعة. إذاً، تخلق الخطيئة من نفسها نوعاً من الغطاء العازل الذي يشبه المياه الراكدة المظلمة التي تغطس فيها الشجرة مع أوراقها. يتألف هذا الغطاء من الجهل وعدم الحس والإهمال. نحن لا نعرف الخطر الذي يهددنا وبالتالي نحن لا نعلم بوجوده، ولأننا نجهل وجوده نحن نستسلم للإهمال. هذا إجمالاً هو كل ما علينا أن نغيّره في ذواتنا. هذا هو حقل العمل في النسك المقدس لتغيير الذات. علينا أن نعرّي الخطيئة من غطائها وأن نطرد من أنفسنا الإهمال وعدم الحس وخداع الذات والتمزق والانشغال الزائد. علينا أن نقطع أغصانها أي كل الأهواء والميول الشهوانية. بالنهاية علينا أن نقتلع جذرها الأساسي عن طريق طرد محبة الذات خارجاً. كيف؟ بإنكار الذات. هذا العمل ليس صغيراً ولا سهلاً. الدناسة الخاطئة الموصوفة سابقاً لا تغطي النفس كغبار يذريه الريح. لا، لقد تغلغلت في كياننا وطعّمت نفسنا وصارت جزءً منا. لهذا السبب، تحرير النفس منها مساوٍ لفصل النفس عن نفسها، أو اقتلاع عين أو قطع يد. هذه الصعوبة، مهما كانت، يجب أن لا تغمرنا. بالأحرى قد ترفعنا من إهمالنا. مَن يشتهي الخلاص بصدق، لا ينظر إلى معوقات هدفه. إنها تقوده فقط إلى أن يكون أكثر رسوخاً في الإيمان، وأن يبدأ العمل بتصميم أكبر ويباشر بعملية تغيير الذات الخلاصية بحماس أكبر. |
الساعة بإيدك هلق يا سيدي 09:44 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3) |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون