أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   القصة و القصة القصيرة (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=17)
-   -   صحيفة قديمة جدا ... حازم سليمان (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=105444)

achelious 24/07/2008 23:54

صحيفة قديمة جدا ... حازم سليمان
 
لم يكن لديه ما يقوله .. كان مجرد كائن مطبق على أفكار لزجة بمذاق سيّئ جدا :
" فقط لو أني لست أنا "
جملة عبرت رأسه في اللحظة التي راح يقلب أوراق صحيفة قديمة جدا ، كان قد اشتراها لأنه وجد في جيبه بضع ليرات لايحتاجها , قال حينها :

- سأستحم .. أتناول الطعام .. أقرأها .. وأنام
لكنه يومها لم يذهب إلى البيت ، ظل يتجول في المدينة ، من مقهى لآخر ومن حديقة لأخرى إلى أن هدّه التعب ، فلم يستحم ولم يأكل ، فقط قال لزوجته حين دخل البيت آخر النهار ... أريد أن أنام ... ومات . أو لنقل نام كالقتيل .
حتى أنه لم يصحو على استغاثات زوجته التي باغتها الطلق المبكر وأسعفها الجيران إلى المشفى حيث أنجبت طفلا ميتا ، ولأنها المرة الرابعة ، كان قد اعتاد على هذا النوع من الألم ، وكان على وشك الإيمان بما قيل له بأن لله يحب ذريته ، ولذلك يطلبها إلى جواره ، لكنه وفي الكثير من اللحظات كان يدعو سرا : " ربي امنحني ولدا يعيش وأدخله النار ، فقط أن يعيش " .
الصحيفة قالت أن وزراء الخارجية العرب وجدوا مخرجا مناسبا لهم مما يحدث على الساحة , لا أحد يعرف أي ساحة لكنها بالتأكيد ليست ساحة المرجة التي ذهب إليها منذ لا يعرف متى ليشتري لزوجته فتة المقادم التي تحبها كثيرا من عند " سحلول " ويذكر أنه استقل سيارة أجرة ليصل المنزل قبل أن تبرد ، وأن السيارة تعطلت في ذلك الشتاء ، وأنهم دفشوها الى أن دارت من جديد ، وأن صاحب السيارة عرج على منزل رجل آخر ليعطيه السيارة فهما يتقاسمان العمل عليها ، وأن الرجل الثاني كان واضحا من الوهلة الأولى أنه مخبر فاشل لأنه وقبل أن ينطلق لعن الدولة مئة مرة ، لعن الوزراء ، والضباط ، رجال الأمن ، مجلس الشعب ، وحاول أن يستدرج المستعجل إلى منزله قبل أن تبرد الفتة ، أن يستدرجه للحديث عن سرقات الأموال العامة ، وغلاء المعيشة ، والرواتب . شتم كل شيء حتى أمه التي أنجبته في هذه البلاد اللعينة .
وبالرغم من كل شيء استطاع الوصول وفي الفتة بقايا حرارة ، لكن الجيران أخبروه أن زوجته جاءها طلق مبكر ونقلوها إلى المشفى وهناك علم أنها أنجبت طفلا جميلا وحيا وماتت ، وقتها لم يعرف الشعور الذي أحسه ، أدرك أنه يحب زوجته كثيرا ، يحبها منذ أن التقيا في إحدى المسيرات الصاخبة لذكرى حرب خاضتها البلاد ، حرب طاحنة جدا دحرت فيها الأعداء وخسرت الأرض .
يومها ضحك جدا ، ضحك لأنه لم يستطع التقاط الحكمة من ذلك على اعتبار أن لكل شيء حكمته ومعناه ، لم يشعر إلا بالسخرية ، فقط أخرج سيجارة كان قد خبأها لكوب الشاي بعد وجبة الفتة ومضى في هذا الليل الشتوي ، حتى أنه لم ينظر في وجه المولود ، ولم يحضر العزاء في زوجته .
- أترغب ببعض القهوة ؟
يوميء موافقا لتمضي المرأة الجديدة التي ارتضت أن تساكنه كل هذا الأسى ، لتصنع له قهوته المرة المعتادة ، هي امرأة لا يعرف كيف يشعر بها ، يحبها أو تحبه ، يحبان بعضهما ، لا فرق لديه ما دام تزوجها ولم يمضي على وفاة زوجته الأولى عدة أشهر متحججا برعاية المولود ، لكن الحقيقة أن المرأة أعجبته من الجلسة الأولى ..
- المشكلة أني أرمل ولي ولد من المرحومة
- هذه ليست مشكلة ، ولدك هو ولدي
- لماذا لا نعطي لأنفسنا فرصة للمزيد من اللقاءات والتعارف
- الأمر لا يحتاج لكل هذه المقدمات .. إن أردتني حقا لن تجد صعوبة في الوصول إلى أبي .
في الحقيقة حاول الرجل استدراجها إلى المنزل بكافة السبل والوسائل ، أن يقنعها بأن الزواج مقبرة للحب ولأشياء كثيرة ، لكنه في نهاية المطاف وجد نفسه يتزوجها ويمضي بها إلى المنزل .
يا ترى هل أحبها حقا ؟ سؤال مباغت ، ولأن الأمر لا يشغله كثيرا ، أسترسل بالنظر إلى المدينة التي يطل عليها ، لديه رغبة في اختراق جدران البيوت ، أن يرى كل سكان هذه البلاد في لحظاتهم السرية ... آه أيتها الشوارع والحدائق المخفية أبدا ... آه أيها العمر الذي تبعثر هنا وهناك ، كم يحلوا لي أن أعود طفلا صغيرا لأعيد ترتيب اللحظات والمواقف وأختيار الأصدقاء والنساء والأولاد الذين لا يموتون أبدا ، والعيش .. نعم العيش في وطن لا يأكل لحم أبناءه
- اشرب القهوة قبل أن تبرد
- كيف هو الصغير ؟
- إنه نائم
يا لك من امرأة صامتة وحكيمة ، أعرف أني أقتلك اليوم تلو الأخر ، أعرف كم هي أنانيتي ، وكم أنت جميلة ، كل ما فيك يصرخ بالأنوثة ، لطالما تساءلت كيف يفكر بك الرجال حين تعبرين من أمامهم بهذا الجسد الغض المفعم بالحيوية ... لطالما تساءلت كيف تشعرين بي حين ألج الفراش قربك ، ألا زالت حواسك تنتفضك كما كانت ، أم أنك دخلت دوامة اللا مبالاة التي أعيشها ، ولأن الأمرفي نهاية المطاف لا يعنيه كثيرا ، ابتلع القليل من فنجان قهوته ، أشعل سيجارته وهي العاشرة اليوم ليأتيه صوت الطبيب الذي يطارده كلما اشعل سيجارة " الامتناع عن التدخين ، والشرب والسهر والأنفعال والملح والسكر والدسم ، وعليك بالدعاء عسى الله أن يمن عليك بالشفاء " ولأنه لم يستطع تطبيق أي شيء من هذه الوصايا اكتفى بالدعاء لنفسه بين الحين والأخر .
الصحيفة تقول أن كلينتون أدخل السيجار في مونيكا ، وأن الكوبيين ألفوا كتابا بعنوان " رحلة سيجار كوبي في البيت الأبيض " . راقت له الفكرة لكن طعم الأفكار اللزجة لم يعطه المجال أن يمضي في بعض الخيالات المشرقة .
لم يكمل قهوته ، نهض إلى غرفة الولد فقط ليتأكد أنه مازال على قيد الحياة ، وفي غرفته كان ثمة امراة نائمة تدعى زوجته ، اقترب منها ، بحث عن تلك الرائحة الخاصة بفتاة المسيرة التي كانت محمرة مبحوحة الصوت من الهتاف ، كان يعشق رائحة نومها .
قال للمرأة النائمة ... دفعت للبقال خمسمائة ليرة من حسابه ، وتركت لك ألف ليرة في درج المكتب ، لا تنسي أن تأخذي الولد إلى المستوصف .
لا تخف حبيبي ... يمكنك الموت .
ارتمى على السرير .. دعا لنفسه بالشفاء العاجل ، استسلم للخدر الذي لف جسده ، أغمض عينيه ومات .
" مات عن جد "

:D
* حازم سليمان : كاتب سوري مقيم في الإمارات العربية ، محرر الملحق الثقافي لجريدة البيان الإماراتية .

طفوله 05/08/2008 16:33




/يومها ضحك جدا ، ضحك لأنه لم يستطع التقاط الحكمة من ذلك على اعتبار أن لكل شيء حكمته ومعناه /



آه أيتها الشوارع والحدائق المخفية أبدا ...

آه أيها العمر الذي تبعثر هنا وهناك ...


كم يحلوا لي أن أعود طفلا صغيرا لأعيد ترتيب اللحظات والمواقف وأختيار الأصدقاء والنساء والأولاد



الذين لا يموتون أبدا


والعيش .. نعم العيش في وطن لا يأكل لحم أبناءه



...



:D




زوربا 06/08/2008 09:01

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : achelious (مشاركة 1070479)


مات عن جد


:D
* حازم سليمان : كاتب سوري مقيم في الإمارات العربية ، محرر الملحق الثقافي لجريدة البيان الإماراتية .

شكرا إلك:D

achelious 07/08/2008 23:01

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : زوربا (مشاركة 1080648)
شكرا إلك:D

شكرا لحازم:D
إلو قصة بقسم القصة القصيرة,بموضوع كل يوم قصة لكاتب سوري,بعنوان week end
راجع الصفحة 8 بالموضوع, إذا عجبك أسلوبو,
شكرا لمرورك:D

passerby_intime 26/09/2008 16:20

مشكوووووور
:D


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 00:51 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.03567 seconds with 11 queries