أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   اللاهوت المسيحي المعاصر (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=30)
-   -   سر الأخ:" أخي هو حياتي" (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=63300)

شكو زولو 02/11/2006 23:28

سر الأخ:" أخي هو حياتي"
 
السنة الثانية - العدد الخامس والعشرون – الأحد 5 تشرين الثاني 2006
هذا كلام صاعق! صاحبه القدّيس سلوان الآثوسي المتوفّى سنة 1938 م والممجَّد، في كنيسة المسيح، سنة 1987 م بكنيسة القسطنطينية. صاعق لأنّه يحدّد طبيعة العلاقة بين الناس كما لم يحدِّدها أحدْ من قبله بهذه العفوية والفوريّة والبساطة.
إذا كان أخي حياتي فهذا ليس من باب المجاز بل من باب الواقعية الروحيّة العميقة. معناه أنّ حياة يسوع المسيح، الذي هو الحياة، تأتيني، بصورة شخصيّة مركّزة، في أخي أو في مَن يُفترض بي أن أؤاخيه. في العطاء يكون الأخذ الحقّاني الكبير!
إذاً أبحث عن حياتي خارج نفسي. وما لي من حياة مائتة أُنفقه بحثاً عن حياتي الأبدية في أخي. الحياة الأبديّة تأتي من حركة، من حركتي باتجاه مَن أتعاطاه أخاً. هكذا تستبين الحياة، في عمقها، فعلَ محبّة لأنّ المحبّة هي الحركة، الحركة في إطار الثالوث القدّوس والحركة فيما بين الله وبيننا وكذا فيما بيننا نحن الآدميِّين.
هذا قفا الصورة التي تطالعنا في واقع الدنيا أنّ الآخر جحيم. التضاد بين الناس، في هذا الدهر، هو الواقع لا بل المسلَّمة. لذا يبحث الإنسان عن الحياة، في ملئها، في ذاته، في فردانيته. هذا معناه، في العمق الكياني، في عزلته. الآخر ضِيق وتهديد. هذه الصورة تقبلها البشريّة وتتحكّم في تحديد طبيعة العلاقات الإنسانوية فيها. ثمّة حرب مستعرة لا تكلّ بين أمة وأمة، وفي الأمة الواحدة بين القبيلة والقبيلة أو المدينة والمدينة، وفي القبيلة الواحدة بين العشيرة والعشيرة، وفي العشيرة الواحدة بين الإخوة، أو في المدينة الواحدة بين الفرد والفرد. كلٌّ، في الوجدان، في المدى الأخير، جزيرة. والحروب هي لإفناء البشريّة لا لبلوغ السلام. الحرب لا تأتي بالسلام. سلام الحروب استراحة محاربين حتى متى بلغوا جهوزية ما انقضوا على خِناق بعضهم من جديد. الحرب ولو استكان وطيسها تبقى مستعرة... في أعماق النفوس. لستَ بحاجة لأن تقتل أمة لتكون قاتلاً. يكفيك إن قتلت واحداً. قَتْلُ الواحد وقَتْلُ الأمّة من طبيعة واحدة. كلاهما نابع من حركة إلغائية في النفس. الآخر ليُلغى. هذا واقع البشريّة!
ولا القوانين تُرسي السلام. فقط تحدّ من الجشع الاجتماعي والاقتصادي. ولكن ماذا عن الجشع الكياني، عن استعداد الإنسان، في أعماق نفسه، لأن يأكل لحم أخيه أو يغيِّبه. ثمّ ذاك الوجه الآخر من القوانين الذي لا يخضع للمساءلة: حماية الإنسان، في عزلته، حتى الموت، كتعبير أرقى عن الحرّية الإنسانية!
لأن واقع البشريّة هو كذلك، أخي صار مماتي. مسيحيّة المسيح تقلب الصورة المعيشة: أخي هو حياتي! هذه هي الجدّة في بحر من العتاقة، عتاقة الحرب والفردانية والحرّية الزائفة القاتلة والموت. هذا هو الجواب. هذا هو الحجر الذي رذله البنّاؤون والذي صار رأساً للزاوية.
أخي حياتي إن تبنّيتُه كنفسي أو، بالأحرى، كمَن أستمدد حياتي منه. حياتي أطلبها فيه لا في ذاتي. أُطعمه خبزاً متى كان جائعاً فيشبع فيّ الكيان. أسقيه متى كان عطشاً فترويني محبّته. أكسوه متى كان عرياناً فأكتسي بمسيح الربّ. أمتدّ صوبه فأجدني أنعم بامتداد يسوع صوبي. "كل ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه". أبذل في تعاطيّ معه فأجدني، من حيث لا أدري، أنعم بالغبطة لأن العطاء مغبوط أكثر من الأخذ. حيث أجدني أخسر ما لديّ تلقاني أقتني كل ما ليس لدي من عند أبي الأنوار. "بدَّد وأعطى المساكين فبرّه يدوم إلى الأبد". أتعب وأُريحه فإذا بالروح يشملني. "أعطِ دماً وخذْ روحاً". أخي سرّ عظيم! كلّما نسيت نفسي من أجله ألفيتُني داخلاً في ذكر الله. أستعدِم نفسي في أخي فأستوجدها. أخي سرّ الوجود النابع من العدم. السيّد الجوّاد ماهى نفسه به وإيّاه أعطاني لتكون لي فيه حياة. ليصير لي نبعاً ينبع إلى حياة أبديّة.
المألوفية قاتلة. أَلأن أخي على هذا الدنو مني بات من عاديات حياتي؟! الأمر هكذا واأسفاه! يسوع نفسه قالوا هذا ابن النجّار. ألسنا عارفين بأخوته وأخواته؟ على هذا أشاحوا بنظرهم عنه. فاتتهم الحياة التي فيه، أنّه الحياة. لذلك أخي أكتشفه اكتشافاً. آخذه كشفاً. كلُّ الله فيه ومن دونه لم يُعط لي أن أعرف الله. أخي بذرة الله بَذَرها الله في بستاني، في بيئتي، في كنيستي، في العالم. أخي مجرى مياه وأنا عود مغروس عليه. طوبى لمَن هو كائن "كالعود المغروس على مجاري المياه الذي يُعطي ثمره في حينه وورقه لا ينتثر. بل كلُّ ما يصنع ينجح" (مز 1: 3).
أخي أصنعه أنا. لا ألقاه، بدءاً، أخاً. ألقاه غريماً. أصطرع وإيّاه. أجدني في المنافسة معه. يُثير فيّ المحاسد. يحرّك فيّ الغضب. يطفو الزَفَر في نفسي بإزائه. ماذا إذاً؟ لا بأس! كل هذا لأعرف نفسي. لأعرف ما في نفسي. وإن عرفتُ نفسي أمسحُها من خَبَثها. أعمل على أن أتنقّى. تفوّهتُ بكلمة بطّالة؟ أستسمح! كذبت عليه؟ أتّضع وأعترف بذنبي! سرقت منه؟ أردّ له المسروق وأعوِّض. المهم ألا تبقى هناك شائبة في موقفي منه. ماذا سيقول؟ ماذا سيظن؟ كيف سيقابلني؟ كل هذا لا يهمّ. إذا كان أهل الكنز ليرضوا بأن يتلطّخوا بالحمأة فما بالي أتعثّر إذا ما تلطّخت بكلمة أو بتوبيخ أو بتعيير أو بظنّ؟! المهم أن أتحرّر من كل موقف يحول بيني وبين أخي؟ كلّنا يبدأ متعثّراً. المهم ألا أبقى متعثّراً لأحفظ لنفسي كرامة كذوباً. كرامتي أن أتنقّى، أن أتقدّس. من أجلهم أُقدِّس ذاتي! كرامتي أن أحبّ لأني أعرف أنّي فقط إن أحببت تكون لي حياة. معركتي ليست مع أخي. معركتي مع نفسي، اليوم وغداً وإلى الأبد. حروب هذا الدهر معارك في الاتجاه الخاطئ.
فقط متى خضتُ حرباً ضروساً ضدّ ما فيّ من زغل في النيّة، في الفكر، على أخي، أكون قد اندرجت في الحرب الوحيدة المبرَّرة. فقط إذ ذاك أَلْقَى الحجر الذي رَذَلَتْه البشريّة ورذلتُه أنا بالمعيّة في أزمنة الجهل. هذه هي الحصاة التي يعطينيها ذاك القائل المبارَك: "مَن يغلب فسأعطيه أن يأكل من المنّ المخفى وأعطيه حصاة بيضاء وعلى الحصاة اسم جديد مكتوب لا يعرفه أحد غير الذي يأخذ" (رؤ 2: 17).
فقط يومذاك أكون قد بَلَغْتُ وتكون البشريّة قد بَلَغَت أو، بالأحرى، نكون قد بُلِّغنا!
الأرشمندريت توما (بيطار)
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما

Eh@Ab 03/11/2006 21:17

مكشوووور يا امووووور :hart: :D :hart:

توت توت توت 04/11/2006 01:37

اقتباس:

لأن واقع البشريّة هو كذلك، أخي صار مماتي. مسيحيّة المسيح تقلب الصورة المعيشة: أخي هو حياتي!
اقتباس:

المهم أن أتحرّر من كل موقف يحول بيني وبين أخي؟ كلّنا يبدأ متعثّراً. المهم ألا أبقى متعثّراً لأحفظ لنفسي كرامة كذوباً. كرامتي أن أتنقّى، أن أتقدّس. من أجلهم أُقدِّس ذاتي! كرامتي أن أحبّ لأني أعرف أنّي فقط إن أحببت تكون لي حياة. معركتي ليست مع أخي. معركتي مع نفسي، اليوم وغداً وإلى الأبد.
يسلمو عالمقال الأكتر من رائع :D


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 08:25 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.07966 seconds with 11 queries