أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   القصة و القصة القصيرة (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=17)
-   -   فــــــــــــــــراتيات (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=112142)

yass 01/11/2008 03:50

فــــــــــــــــراتيات
 
-1-



أحمد الهاشم سعيد جدا اليوم...


منذ أيام و هو ينتظر يوم الجمعة على أحر من جمر, و ها هو يجهّز "العدّة" التي قضى الأسبوع و هو يصنعها.

حميد, أخوه الكبير, سيتزوج بعد أسبوعين, و من تحضيرات العرس الفراتي الأساسية طقس غسل الصوف الذي سيدخل في أثاث بيت العرسان الجدد, و هذه العادة المتجذرة لم يستطع الأثاث الحديث و لا حتى قوانين البلدية أن تنهيها, فهو طقس, عدا عن نفعه لتنظيف الصوف, عائلي و احتفالي, و بمثابة اختبار لشعبية أم العريس و معرفة مدى قدرتها على تجنيد الجارات و القريبات و الصديقات للمساعدة.

طبعا يتخلل المهمة حفلة شواء على ضفة النهر, و استمتاع ببرودة الماء في القيظ الخفيف لأيام نهاية الربيع.

لكن أحمد لم يكن مهتما بكل هذه الأمور, فقد كان سعيدا لأنه سيذهب بصحبة أبناء جاراتهم و أقربائهم برحلة إلى الفرات, هذا العملاق الذي يعد مجرد التفكير بالاقتراب منه من المحرّمات, رغم أنه لا يبعد عن البيت إلا مئات الأمتار. و الذي تحوم حوله أساطير الخطورة, قصص لا يعلم أي منها حقيقي و أيها اخترعته أمه لكي تجعله يخاف النهر و يهاب الاقتراب منه.

خلال الأسبوع المنصرم, كان قد حصل على خطّاف صيد قديم بادله بكرة زرقاء اللون مع زميل صف هو ابن صياد سمك. و اشترى 4 أمتار من خيط نايلون و سرق قصبة طويلة من عريشة بيت عمه المجاور لبيته, و بذلك صنع صنارة سمك صمم على استخدامها في رحلة غسل الصوف و صيد سمكة شبوط كبيرة يشويها و يأكلها مثل المغامرين الذين يقرأ عنهم في مجلات الأطفال.

انطلقت القافلة المؤلفة من 3 شاحنات صغيرة في الصباح الباكر, و اتجهت جنوبا بمحاذاة الجامع الكبير و مرورا ببستان البلدية, حتى الوصول إلى الجسر القديم, حيث يوجد طريق ترابي صغير جنبه يؤدي إلى سرير النهر.

بعد المشاركة الإجبارية بتنزيل الحمولة و وضعها بشكل ملائم لمهمة الغسل, انطلق الأولاد نحو الماء حاملين الصنارة, بعد أن تلقوا أمرا بعدم الدخول في الماء مصحوبا بسيل من التهديدات و الوعود بالذبح و السلخ في حال عصيان الأوامر, و بعد أن شقوا نصف رغيف كي يستخدموه طعما للسمك الذي ينتظرهم.
جلسوا على الضفة, و رمى أحمد الخطّاف بعيدا كيفما استطاع...

و جلسوا ينتظرون...

و مر الوقت ثقيلا... و لا أثر للشبوط

غيّروا طعم الخبز, و وضعوا قطع خس أيضا..

و لا فائدة...

قرروا تغيير المكان إلى أبعد قليلا...

و أعادوا المحاولة.. بدون فائدة...

فجأة انتبه أحمد لوجود صخرة بارزة على بعد حوالي عشرين مترا من مكانهم, تبعد عن الضفة حوالي الخمس أمتار, و فكر أنه لو استطاع الوصول إليها و رمي الخطاف من هناك لوصل إلى مكان أبعد عن الضفة, و لكانت حظوظه بالفوز بالصيد الثمين أكبر.

عرض فكرته على الأولاد... فكان ردهم مزيجا من التشجيع و الخوف من بطش الأهل..

لكن أحمد يريد أن يصيد... و هو متأكد أن صغر المسافة حتى الصخرة يؤكد أنه ليس هناك ما يخاف عليه, فعلى الأكثر سيصل منسوب الماء حتى بطنه و لن يغمره..

و استغل غفلة من أهله.. و دخل في الماء..

مشى مترين.. و شعر بقوة جبارة تدفعه و تقتلع قدميه من موطئهما.. و تتحرك به كقشة في مهب الريح...
جرى كل شيء سريعا... صراخ الأولاد... أخوه حميد و أبناء عمومته يركضون نحوه و يرمون أنفسهم بالماء... ابن عمه يحمله و يخرجه سريعا و يتركه على الأرض...

و شعر بأول ركلة على قفاه....

استفاق من ذهوله ليرى أهله و الموجودين يحيطون به و يصرخون و يشتمونه...

أول صفعة... ثم ركلة أخرى على قفاه...

و كأنهم وقفوا في رتلين على شكل ممر كي يمر فيه و يتلقى ضربات الجميع و شتائمهم.. و هو يركض في هذا الممر و يحاول الهروب من العقوبة...

استمر مهرجان الركل و الصفع حتى أحس بصوت لعنات أمه و وعودها بتكسير عظامه يقترب... ثم لسعة ألم فظيع في فخذه... ضربة مطرق خيزران على جلده المبتل و كأنها رصاصة بارودة روسية.

جرته أمه من أذنه و صوتها يصدر حشرجة هي مزيج من بكاء الرعب و اللعنات و الشتائم.. و ذهبت به إلى إحدى الشاحنات حيث حبسته و منعته من الخروج حتى العودة إلى البيت..

داخل الشاحنة جلس أحمد يبكي بحرقة و هو يحس أنه يحتاج إلى دزينتين من الأيادي كي يتحسس جميع مواضع الألم .. و أذنه تؤلمه جدا, و يحسها و كأنها أصبحت أذن فيل مصاب بضربة شمس.. لانتفاخها و احمرارها و حرارتها

و مكان ضربة مطرق الخيزران... يا ويلاه.. يبدو كوادي النيل في خريطة حمراء اللون...

و ما هو مؤلم أكثر... الأولاد متحلقون حول الشاحنة ينظرون إليه عبر النوافذ و هم يضحكون, و كأنهم يرون قردا يدخّن في قفص في حديقة الحيوان...

بعد نوبتي بكاء شديد... قرر أحمد أنه لن يذوق السمك مرة أخرى في حياته, و أنه يكره النهر... و يكره الصوف...

و القرار الأخير... أنه لا يريد أن يتزوج كي لا يجيئوا لغسل الصوف...


ثم نوبة بكاء أخرى....



Yass

ooopss 01/11/2008 04:05

جميلة جدا ياس
تخلينا نتعرف عتفاصيل بيئة كان صعب نقدر نعرفها بطريقة تانية .
وبفضلك رح يسلط الضوء عليها.

بانتظار اليتبع :D

فسحة أمل 01/11/2008 11:45

أسلوب رائع جداً خلاني استرسل بتخيل التفاصيل
رائعة :D

marioma alghzayala 01/11/2008 11:51

حرام احمد :cry:..

لحقّنا بالكمالة ياسينوس ...:D

jano. 01/11/2008 12:02

ياس، عند قرائتي لمقدمة القصّة لا أدري لماذا شعرت بأنّها ستنتهي بإحدى المآسي التي تجري أحداثها عادةً على ضفاف الفرات... هذا النهر الذي لازال منذ القدم وحتّى يومنا هذا في كلّ عام يطلب القرابين البشريّة، ويبدو أن هذه القرابين هي سرّ بقائه...
ولكن لحسن الحظ لم يتمّ ما ظننت به وعاد أحمد الصغير سالماً سليماً ومعافاً، اللّهم إلّا من اللكمات وبصمات الخيزرانة على جسده.. عادي يا أحمد عادي.. تقبّلها بروح رياضيّة. ثم إن ضرب الأحبّة أطيب من الزبيب كما يقال، ولا تسألني عن نوع الزبيب في هذا المثل وكيف كان طعمه عند ضارب المثل... ولا تنسى بأن جميع المحتفلين التمّوا حولك تاركين العريس أثناء الاحتفال بطقوس عرسه!! أنا لو كنت محلّك وحظيتُ بهذا الشرف وبنفس الإهتمام لقبلت بالضرب حتّى المساء...

ثم يا أحمد! من قال لك بأنه يجب عليك رمي السنارة إلى أبعد نقطة في النهر؟
انظر إلى الشبّوط ولحمه الوفير وعنقه الثخين وستعلم بأنّه ذو مزاجٍ رائق ولا يحب المياه السريعة الجارفة بل مياه الضفاف الدافئة حيث ينتقي له مالذّ وطاب من الحشرات والعوالق من بين الأعشاب؟ هذا إن كانت السمكة يافعة فتية ثغرها صغير... وإن قررت تكرار تجربة الصيد فسأهمس لك بأن الشبوط الكبير يحب الولائم الكبيرة والدسمة، فدعك من الخبزِ والخسّ وإليك بجرادة أو دودة أو ضفدعة صغيرة، واحرص على أن تبقى حيّة كي ترقص من شدّة الألم في قلب الفرات وتغري برقصتها السمك الجائع... لا تخف فليس لدينا جمعية للرفق بالحيوانات لتتّهمك بتعذيب ضفدعة!!
ولا تشكرني فسأكتفي بدعوةٍ منك لتناول الشبوط المقليّ، وسنلفّق أنا وأنت القصص المرعبة عن وحولَ هذا الفرات المخيف..

اقتباس:

مشى مترين.. و شعر بقوة جبارة تدفعه و تقتلع قدميه من موطئهما.. و تتحرك به كقشة في مهب الريح...

سمعت في صغري بأن الصيادين يشكون من تقطّع شباكهم في نهر الدجلة بسبب الحجارة الثقيلة المتدحرجة مع قوة المياه الهائلة على الرغم من أن سطح الماء يبدو هادئاً ساكناً، ولم أصدق ذلك إلا عندما وقفت بالقرب من ضفة ذاك الجبّار وسمعت صوت تصادم الحجارة الآتي من عمق النهر وخاصةً في فصل الربيع، ولا أخال مياه الفرات أقل هيجاناً من مياه الدجلة في هذا الفصل من السنة.. والغريب في الأمر أن الإسم الذي اطلقه القدماء على نهر الفرات -والذي اشتقّ منه الإسم الحالي- كاني يعني "جيّد العبور" أو "سهل العبور" ولا أعلم عن أي سهولة كانوا يتكلّمون!!

اقتباس:

حميد, أخوه الكبير, سيتزوج بعد أسبوعين, و من تحضيرات العرس الفراتي الأساسية طقس غسل الصوف الذي سيدخل في أثاث بيت العرسان الجدد, و هذه العادة المتجذرة لم يستطع الأثاث الحديث و لا حتى قوانين البلدية أن تنهيها, فهو طقس, عدا عن نفعه لتنظيف الصوف, عائلي و احتفالي, و بمثابة اختبار لشعبية أم العريس و معرفة مدى قدرتها على تجنيد الجارات و القريبات و الصديقات للمساعدة.

أذكر عندما رأيتُ هذا الطقس لأول مرّة أثناء طفولتي كنّا أنا ووالدي في رحلة صيد ومررنا على نبع صغير حيث مجموعة من النسوة والأطفال منهمكون في غسل الصوف في وسطه، عندما سألت أبي عمّا يفعلون وأجابني بأنهم يقومون بغسل وتنظيف الصوف، عندها بقيت أفكر مطوّلاً: هل إن أرادو غسل الشيء ينهالون عليه بالعصي؟ ونسيت حينها أننا جئنا لنطفيء عطشنا وأننا لم نستطع شرب الماء من النبع...


ياس ياابن الفرات البارّ،،، حقاً ما أجمل أن نرى هذه الطقوس والعادات الجميلة مكتوبةً ايضاً. فعمّى ستحدثنا في المرّة القادمة؟
جود باليتبع جود
واعذرني على الإطالة في هذا الصباح
Urhoy
:D

مجنون يحكي وعاقل يسمع 01/11/2008 14:39

والله قد هيجت أشجاني
ذكرتني أهلي وخلاني
هي ذكريات جميلة ’ ولكنها تجلدنا على ظهورنا ونحن نتجرع مرارة البعد حتى عن أماكن ذكرياتنا ,
سامحك الله , يا عزيزي على هذه الذكريات ولكن .... آخ وآخ وستميت آخ

رجل من ورق 01/11/2008 15:09

بالانتظار :D

اسبيرانزا 01/11/2008 17:54

ليه فى سوء تفاهم بينك وبين البحر فى الارجوحة وهنا
دائما البحر فى نظرك له جبروت ؟

achelious 01/11/2008 18:13

ياس ابن الجزيرة السورية البار,:D

yass 02/11/2008 02:06

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : ooopss (مشاركة 1149609)
جميلة جدا ياس
تخلينا نتعرف عتفاصيل بيئة كان صعب نقدر نعرفها بطريقة تانية .
وبفضلك رح يسلط الضوء عليها.

بانتظار اليتبع :D

و هو أحد الشغلات المقصودة من هالسلسلة
شكرا كتير ع متابعتك :D


اقتباس:

كاتب النص الأصلي : فسحة أمل (مشاركة 1149679)
أسلوب رائع جداً خلاني استرسل بتخيل التفاصيل
رائعة :D

يسعدني جدا انو نالت اعجابك
شكرا للزيارة :D

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : marioma alghzayala (مشاركة 1149682)
حرام احمد :cry:..

لحقّنا بالكمالة ياسينوس ...:D

أحمد شيطان لا تخافي عليه :lol:


تحياتي مريوم باشا :D


Urhoy:

شكرا على مداخلتك الرائعة..

جايك لحالك بعد شوي... بدها فصفصة مداخلتك :lol:

yass 02/11/2008 02:12

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : مجنون يحكي وعاقل يسمع (مشاركة 1149835)
والله قد هيجت أشجاني
ذكرتني أهلي وخلاني
هي ذكريات جميلة ’ ولكنها تجلدنا على ظهورنا ونحن نتجرع مرارة البعد حتى عن أماكن ذكرياتنا ,
سامحك الله , يا عزيزي على هذه الذكريات ولكن .... آخ وآخ وستميت آخ

سلامتك من الآخ....

و شكرا لزيارتك و متابعتك :D

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : رجل من ورق (مشاركة 1149859)
بالانتظار :D

هلا :D
اقتباس:

كاتب النص الأصلي : اسبيرانزا (مشاركة 1150018)
ليه فى سوء تفاهم بينك وبين البحر فى الارجوحة وهنا
دائما البحر فى نظرك له جبروت ؟

لأ أبدا مش سوء تفاهم بيني و بين النهر.. انما هالطريقة بفهم النهر و التعايش معو, هيي فلسفة حياة وادي الفرات... نحترمو, و نحبو.. لكن نخاف منو.. و اللي ينسى الخوف للحظات من السهولة انو يكون قربان لهالمارد الجبار... الحنون بنفس الوقت

:D


اقتباس:

كاتب النص الأصلي : achelious (مشاركة 1150032)
ياس ابن الجزيرة السورية البار,:D


تحياتي عزيزي و شكرا الك :D

yass 02/11/2008 02:22

اقتباس:

ياس، عند قرائتي لمقدمة القصّة لا أدري لماذا شعرت بأنّها ستنتهي بإحدى المآسي التي تجري أحداثها عادةً على ضفاف الفرات... هذا النهر الذي لازال منذ القدم وحتّى يومنا هذا في كلّ عام يطلب القرابين البشريّة، ويبدو أن هذه القرابين هي سرّ بقائه...
ولكن لحسن الحظ لم يتمّ ما ظننت به وعاد أحمد الصغير سالماً سليماً ومعافاً، اللّهم إلّا من اللكمات وبصمات الخيزرانة على جسده.. عادي يا أحمد عادي.. تقبّلها بروح رياضيّة. ثم إن ضرب الأحبّة أطيب من الزبيب كما يقال، ولا تسألني عن نوع الزبيب في هذا المثل وكيف كان طعمه عند ضارب المثل... ولا تنسى بأن جميع المحتفلين التمّوا حولك تاركين العريس أثناء الاحتفال بطقوس عرسه!! أنا لو كنت محلّك وحظيتُ بهذا الشرف وبنفس الإهتمام لقبلت بالضرب حتّى المساء...
للأسف على الواقع مش دائما النهاية تكون سعيدة...
لكن أبو حميد زبطت معو و فكّت بقتلة :lol:.. فانو فرحانينلو نحنا

اقتباس:

ثم يا أحمد! من قال لك بأنه يجب عليك رمي السنارة إلى أبعد نقطة في النهر؟
انظر إلى الشبّوط ولحمه الوفير وعنقه الثخين وستعلم بأنّه ذو مزاجٍ رائق ولا يحب المياه السريعة الجارفة بل مياه الضفاف الدافئة حيث ينتقي له مالذّ وطاب من الحشرات والعوالق من بين الأعشاب؟ هذا إن كانت السمكة يافعة فتية ثغرها صغير... وإن قررت تكرار تجربة الصيد فسأهمس لك بأن الشبوط الكبير يحب الولائم الكبيرة والدسمة، فدعك من الخبزِ والخسّ وإليك بجرادة أو دودة أو ضفدعة صغيرة، واحرص على أن تبقى حيّة كي ترقص من شدّة الألم في قلب الفرات وتغري برقصتها السمك الجائع... لا تخف فليس لدينا جمعية للرفق بالحيوانات لتتّهمك بتعذيب ضفدعة!!
ولا تشكرني فسأكتفي بدعوةٍ منك لتناول الشبوط المقليّ، وسنلفّق أنا وأنت القصص المرعبة عن وحولَ هذا الفرات المخيف..

أحيانا أبعد نقطة بالنهر, خصوصا بالأماكن اللي فيها صخور بارزة, هي أكثر المناطق هدوءا.. لأنو الصخور بتعمل تيارات قوية و تعمل دوامات.. و بالمنتصف ما بين الدوامات في منقطة هادية و يجوز تشوف تيار داخل النهر بالعرض جاي (النهر مانو تيار واحد ماشي باتجاه واحد.. انما تيارات مختلفة .. يجوز بالسطح في أكثر من تيار, أو مثل ما تفضّل أورهوي فرق كبير بين السطح و القاع ), و بهالمناطق تلاقي الشبوط بكثرة.. بين الصخور يستغل منطقة هدوء

ع كل نعمل جلسة شبوط مقلي مع أبو حميد (هاي عزمت حالي من حالي:lol:)


اقتباس:

سمعت في صغري بأن الصيادين يشكون من تقطّع شباكهم في نهر الدجلة بسبب الحجارة الثقيلة المتدحرجة مع قوة المياه الهائلة على الرغم من أن سطح الماء يبدو هادئاً ساكناً، ولم أصدق ذلك إلا عندما وقفت بالقرب من ضفة ذاك الجبّار وسمعت صوت تصادم الحجارة الآتي من عمق النهر وخاصةً في فصل الربيع، ولا أخال مياه الفرات أقل هيجاناً من مياه الدجلة في هذا الفصل من السنة.. والغريب في الأمر أن الإسم الذي اطلقه القدماء على نهر الفرات -والذي اشتقّ منه الإسم الحالي- كاني يعني "جيّد العبور" أو "سهل العبور" ولا أعلم عن أي سهولة كانوا يتكلّمون!!
كلامك صحيح عن الصخور... يحكوه القدامى... و الرقة تبعد عن النهر (بمجراه الحالي, كون قبل السدود التنظيمية كان كل فيضان يتغيّر مجرى النهر أمتار كثيرة.. لما انبنى سور الرقة العباسي كان مجرى النهر يمر من مكان يبعد عن المجرى الحالي أكثر من 700 متر) حاليا شي كيلومتر و نص.. و بالربيع كان هدير النهر يصم الآذان بالليل, فكانو النسوان يقولو انو هاد صوت الجنيات و يخوفو الأطفال فيه (بتراث الفرات تلاقي نص قصص الأطفال هيي تخويف من النهر... خوف الأم على أطفالها)

الآن للأسف.. بعد 23 سد بتركيا, و 3 بسوريا... فيضان الفرات ما ظل منو الا زيادة طفيفة جدا بالمنسوب المنخفض جدا أساسا


اقتباس:

أذكر عندما رأيتُ هذا الطقس لأول مرّة أثناء طفولتي كنّا أنا ووالدي في رحلة صيد ومررنا على نبع صغير حيث مجموعة من النسوة والأطفال منهمكون في غسل الصوف في وسطه، عندما سألت أبي عمّا يفعلون وأجابني بأنهم يقومون بغسل وتنظيف الصوف، عندها بقيت أفكر مطوّلاً: هل إن أرادو غسل الشيء ينهالون عليه بالعصي؟ ونسيت حينها أننا جئنا لنطفيء عطشنا وأننا لم نستطع شرب الماء من النبع...
طقس ملوّث جدا و طالما اعتربتو قمة التخلّف لأنو بقايا الصوف تظل على حصو الشاطئ بشكل مقرف... لكن طقس قديم جدا و ما حدا قدرانلو (لا شرطة و لا غرامات و لا شي.. )

اقتباس:

ياس ياابن الفرات البارّ،،، حقاً ما أجمل أن نرى هذه الطقوس والعادات الجميلة مكتوبةً ايضاً. فعمّى ستحدثنا في المرّة القادمة؟
جود باليتبع جود
واعذرني على الإطالة في هذا الصباح


شكرا جزيلا لألك على متابعتك و مداخلتك.. و انشالله الحلقة القادمة كمان تنال اعجابك و اعجاب الجميع...


تحياتي :D

yass 10/11/2008 01:49

-2-



خمّارة أبو سركيس تقع على الضفة الشمالية من الفرات, ما بين المحرس الفرنسي القديم و دعامة الجسر الأولى, و هي عبارة عن غرفة كبيرة من البلوك الأسمنتي, بسقف من التوتياء المغطّى بالكثير من الأغصان اليابسة, و حولها مصطبة عشبية صغيرة يضع فيها أبو سركيس بعض الطاولات و الكراسي في أيام الصيف.


و هذه الخمّارة هي مقصد الصيّادين الأول, ففيها يمكنهم الشرب بهدوء على ضوء "الونّاسات" الحمراء الصغيرة الخافت, و أكل بعض أنواع المشاوي الرديئة النوع. و الحديث عن النهر و خيراته و لعناته.
لا تخلو الليالي كذلك من بعض حلقات القمار التي قد تبدأ بالرهان على نصيّة عرق, و تنتهي ببيع الدوانم الزراعية لدفع الديون الناتجة عن "برتيّة" غير موفّقة.

و من خلال باب خمّارة أبو سركيس, هذا المسدود بباب خشبي مكسّر يصدر صريرا مزعجا لدى فتحه, و يمكن رؤية لوحة كتب عليها بخط أعوج يكاد لا يقرأ: "مو عاتب تسكر بالدّين". دخل حيدر الكسراوي ليلة خريف بارد, بعد نهاية عمله و قبض يوميته من صاحب المسمكة الواقعة خلف السراي العتيق.

حيدر شاب في مقتبل الثلاثينيات من العمر, أسمر البشرة, طويل القامة و عريض المنكبين, له منظر يخيف من يراه, و ترافقه دائما هراوة خشبية ملفوفة بشريط أسود من النوع الذي يستخدم كعازل كهربائي و مزيّنة بمسامير فضية و ذهبية اللون, و تسمّى هذه الهراوة شعبيا "دبّوس" أو "محذاف".

بعد تحية بعض الموجودين توجّه رأسا نحو الطاولة المجاورة للبرّاد الذي يجلس خلفه أبو سركيس, حيث ينتظره زملاء القمار لبدء ليلة الحظ.. حسنه أو تعيسه.

يعرف زملاء الطاولة بشكل سطحي من جلسات سابقة, فبجانب الكرسي الذي جلس عليه يقبع أبو علي, تاجر الأدوات المنزلية في السوق الشرقي, بجانبه يجلس مهيد الحرباوي, و هو شيخ عشيرة متوسطة الحجم يعيش على آجار الأراضي الزراعية الكثيرة التي يملكها, و على يمينه يجلس أنيس, خطّاط شركسي الأصل يخسر كل ما يكسبه من الكتابة على لافتات المحلات و تزيين أبواب بيوت الحجاج العائدين بعبارات الترحيب على الخمر و القمار, و رغم ذلك يبدو سعيدا دائما و متفائلا.

بعد مرور نحو نصف ساعة من بدء "البرتيّة", كان واضحا أن هذه الليلة هي ليلة حظ حيدر, و ليلة شؤم الشيخ مهيد, مما جعل هذا الأخير يستشيط غضبا مرات عديدة و يصرخ و يضرب الطاولة بعنف, لأنه عدا الغضب الناتج عن الخسارة فقد كان حيدر خبيرا في استفزاز من يلعب معه بتعليقاته و تهكماته. جاء أبو سركيس بكيلوغرام و نصف مشاوي مشكّلة "ضيافة المحل" رغبة منه بتطرية الجو قليلا و منع الخلاف من الاستفحال. و لكي يستمر اللاعبون بالإنفاق على الشرب و القمار الذي له حصّة مجزية من أرباحه.

ترك المتبارون ورق اللعب قليلا, و انهمكوا في الأكل و استعجال كؤوسهم كي يملأها أبو سركيس ثانية قبل الاستمرار في اللعب.

بعد الوليمة السريعة عادوا إلى اللعب بلهفة الظمآن عند رؤية واحة وسط الصحراء, و لم يغيّر التوقف في سير اللعب من وجهة الحظ, فقد استمر حيدر بالربح حتى نهاية "البرتيّة".

بعد الانتهاء و توزيع الغنائم, أخرج وحيد سيجارة و صار يغنّي منتشيا و هو ينظر نحو الشيخ مهيد و يبتسم بخبث, و الشيخ يكبت غيظه بصعوبة.

حتى بدأ حيدر بغناء العتابا الشهيرة للشاعر عبد الله الفاضل, التي يقول فيها:

"هلي الما رادوني مارِدهم, و يلونهوم ميّة الفرات يابا"

فعندها.. صرخ الشيخ مهيد بغضب: "يلعن أهلك و أهل أهلك يا قوّاد".. فكان رد حيدر ضربة دبوّس كسرت حنك الشيخ مهيد, و أوقعته أرضا.

عندما رأي حيدر الشيخ مرميّا على الأرض, استفاق من سُكره و فكّر في نتائج ما فعل.. و خرج راكضا نحو حارته لاستنفار أقربائه ترقبا لهجوم محتمل من عشيرة غاضبة تطلب الثأر لشيخها.

و كان الهجوم...

و حصيلته... مقتل عزيز.. شقيق حيدر الأصغر, مقابل مقتل ثلاثة من المهاجمين و جرح الكثيرين من الطرفين, و احتلال الشرطة لحارتي العائلتين المتحاربتين.

صار على ذكور عشيرة الكسراوي أن يفرّوا, فالثأر للقتيلين الإضافيين من العائلة الأخرى سيقع لا محالة.

و لذلك فقد هربوا إلى قريتهم الأصلية على الضفة الأخرى من النهر, حيث لن يجرؤ أحد على الهجوم. و باشروا بمحاولة إغراء مشايخ العشائر الكبيرة للقيام بالجهود الوساطية اللازمة لحل الخلاف مادّيا عن طريق دفع "الوديّات".


لكن انتقاما حصل قبل أن تحل المشكلة...

عبد الرحمن, ابن عم حيدر و أستاذ رياضيات في المدرسة الإعدادية, كان قد رفض الهرب إلى القرية, و بقي في بيته برفقة زوجته و طفليه الصغار.

كان عبد الرحمن هو المتعلّم الوحيد في عشيرته, فعدا عن كونه خريج معهد متوسط, فهو إنسان مستقيم مشهود له بالخلق العالي و محترم و محبوب من جميع طلابه و عائلاتهم.

رفض عبد الرحمن الهرب لأنه يحتقر كل هذه العصبيات, و قد كان واثقا أن معرفة الجميع بكراهيته لهذه الأمور و أنه لا يشارك فيها بأي شكل من الأشكال قد يجعلانه خارج دائرة المرض الانتقامي.

لكن عشيرة الحرباوي رأت فيه صيدا ثمينا.. ففي عُرف الثأر العشائري, لا يجب الثأر ممن قتل, بل يجب إلحاق أكبر ضرر ممكن بعشيرته, ويكون ذلك عن طريق استهداف أبرزهم علميا أو ماديا, أو الشخص الذي لديه أكبر عدد من الأبناء, حتى لو لم يكن له أي علاقة بما حدث.

لذلك, فقد ذُبح عبد الرحمن بعد يومين من هرب عائلته, عند خروجه من المعهد البسيط الذي كان قد أقامه في شقة مستأجرة بالقرب من بيته.

حُلّ الخلاف بعد أقل من سنة عن طريق دفع وديّة عالية جدا عن القتيل الباقي من عشيرة الحرباوي, و شرط ألا تعود عشيرة الكسراوي إلى حارتها قبل مضي عشر سنوات.

اليوم, بعد مرور سنوات قليلة... تفخر عشيرة الكسراوي بابنها حيدر, الذي لم يقبل و لم يسكت على أن يشتم سكير عائلته.

بينما تعتز عشيرة الحرباوي بقيامها قومة الرجل الواحد دفاعا عن كرامة شيخها الأمّي السكير الجاهل, حتى لو كلّف الأمر .. الدماء و الأرواح...

في حين يسأل أبناء عبد الرحمن, الذين ما زالوا أطفالا... عن أبيهم كل ليلة, و لا يجدون جوابا شافيا...


__________________________________________________ ___

أي تشابه ما بين أحداث القصة و أي أحداث حقيقية حدثت ليس أبدا وليد الصدفة




Yass

yass 10/11/2008 01:58

شطر العتابا المذكور في القصة:

هلي: أهلي

الما رادوني: الذين لم يريدوني

ما رِدهم: من الوِرد, جلب الماء من النهر أو النبع (شخصية الورادات, أي النسوة التي يجلبن الماء, و هن عادة شابات, هي شخصية أساسية في الشعر الغزلي الفراتي)

و يلونهوم: حتى و لو كانوا

ميّة الفرات: ماء الفرات


عبد الله الفاضل: أشهر شعراء العتابا الفراتية, بدوي الأصل , أصيب بالجدري و تركته عشيرته ليموت و استمرت في ترحالها, و بقي فترة زمانية طويلة يعيش وحيدا و يؤلف العتابا و يعاتب عائلته على التخلّي عنه.. لم يمت بالجدري و شفي بشكل شبه سحري, و عاد مع عائلته ليروي لهم كل ما حصل له في فترة عيشه وحيدا..

للأسف شعره ليس مكتوبا إلا بعضه في ديوان صغير طُبعت بعض نسخه بمبادرة شخصية من أحد أحفاده, و انقرض الكتاب كما ينقرض حافظو شعره... لأنه هناك من قرر أن الشعر الفراتي هو شعر مبتذل و سخيف, و أن تراثنا و ثقافتنا مربوطة بأي شاعر مغربي يكتب بالفصحى أكثر من ارتباطها بعبد الله الفاضل

لو وقعت بأيديكم بعض التسجيلات النادرة لمطرب فراتي اسمه ابراهيم الأخرس, انصح بالعتابا التي يحادث فيها عبد الله الفاضل كلبه المسمّى "شير" ... قطعة شعرية نادرة المثيل...



:D

Farou7aa 10/11/2008 02:16

القصة حلوة
الأجمل اللغة التعبيرية

الصياغة يعني
شكرا yass

ooopss 10/11/2008 02:25

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : yass (مشاركة 1156341)

في حين يسأل أبناء عبد الرحمن, الذين ما زالوا أطفالا... عن أبيهم كل ليلة, و لا يجدون جوابا شافيا...





Yass

هالسطر . يلخص -ببساطة وانسانية -حزن الخسارة , !

حلوة تفاصيل القصة ..
ومحزنة كيف لسا العصبيات القبلية على خلافات سخيفة ..




هامش : شكرا لشرح المفردات :lol:كنا بحاجتو :oops:

بانتظار باقي الفراتيات
:D

yass 10/11/2008 22:22

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : Farou7aa (مشاركة 1156350)
القصة حلوة
الأجمل اللغة التعبيرية

الصياغة يعني
شكرا yass

أهلا و سهلا شكرا لزيارتك و اهتمامك :D



اقتباس:

كاتب النص الأصلي : ooopss (مشاركة 1156358)
هالسطر . يلخص -ببساطة وانسانية -حزن الخسارة , !

حلوة تفاصيل القصة ..
ومحزنة كيف لسا العصبيات القبلية على خلافات سخيفة ..




هامش : شكرا لشرح المفردات :lol:كنا بحاجتو :oops:

بانتظار باقي الفراتيات
:D

تحياتي ديما :D

شكرا لألك على متابعتك الدائمة..
بالفعل, و للأسف, العصبية القبلية ما زالت شغّالة, و عادت للظهور بشكل أقوى بعد عقدين من الزمان كان يبدو انها بدأت تختفي, غير مأسوف عليها



سلامات:D

i m sam 10/11/2008 22:35

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : yass (مشاركة 1156341)

أي تشابه ما بين أحداث القصة و أي أحداث حقيقية حدثت ليس أبدا وليد الصدفة




Yass

أنا ما عم حاول اتهم او شكك
انما هاد واقع عايشينو للاسف من قريب او بعيد ومتل ما ذكر بالقصة للاسف ومتل ما بيقولو بالعامية " ما بتروح الا عالادمي"
رائع ياسين:D


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 05:16 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.07213 seconds with 11 queries