أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   القصة و القصة القصيرة (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=17)
-   -   بانتظار الغد (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=74766)

Nirvana 28/07/2007 17:49

بانتظار الغد
 
جلسَ على مقعده المفضل بالقرب من النافذة فهو لا يحتمل أي جدار لا تتوسطه نافذة، يكره أن يشعر بأنه محاصر ولهذا يفضل أن يصعد عشرات الطوابق على قدميه على أن يستخدم المصعد، ولم يكن هذا بسبب خوفٍ مرضيٍ بل شعور داخلي بالاختناق.

تأمل كعادته الازدحام اليومي عند انتهاء دوام الموظفين، الوقت المفضل لديه من النهار لأنه يضج بالصخب والحيوية بغض النظر عن الأقنعة العابسة التي يرتديها المارّة بعد خروجهم أخيراً من مكان عملهم إلى مكان استقرارهم يثقل كاهلهم أعباء مكدسة بين مسؤوليات العمل والبيت.
يُسعده أن يسمعَ وقع أقدامهم مثابرة قوية على الأرض فأحياناً لا يملك الانسان إلا آثار أقدامه لتترك آثار مروره في هذه الحياة، وما يثيره حقاً تلك الأصوات العالية الصاخبة التي تصدرها المركبات تصحبها ألحان بشرية نشاز في معظم الأحيان، وما أن يعلو صوت المؤذن مخترقاً هذه الأجواء الحماسية حتى يقف ويمدّ رأسه من نافذته إلى السماء وكأنه يرغب بأن يخاطب الناس والسماء والحياة محتفلاً بهذا المهرجان اليومي.
تمركز مرّة أخرى على مقعده بعد أن انهى طقوسه النهارية لهذا اليوم، شعر بأنه مشحونٌ بالكلمات والمعاني فبدأ بإفراغ جيوبه الفكرية على الورق.
تسللت بضع ساعات متخفية في الظلام إلى قلمه فتثاءب القلم بضعة كلمات أخرى ثم حضن الأوراق بصمت وغفا على المنضدة بجانب الشباك، مكان صديقه المفضل.

استيقظ متكاسلاً في صباح اليوم التالي على غير عادة، نهض من سريره رغماً عن نفسه واستجمع قواه ليجرّ نفسه إلى المطبخ، بالكاد صنع القهوة وجلس يرتشفها بجانب نافذته، كل شيء مختلف حتى الهواء تكاد تنعدم رائحته، نظر حوله محاولاً البحث عن إجابة ، نظر إلى الشارع متطفلاً على كل الزوايا، بدا الشارع مهجوراً بل ميتاً والبنايات حوله شاحبة تبكيه.
- ما أبشع الأماكن دون نبض بشري يحييها!
حدّث نفسه.
أخذ قلمه وقرر أن يكمل ما بدأه أمس إلا أن هذه الأجواء لا تلائمه فالصمت يخترق أذنيه بقسوة معلناً عن العدم.
جلس يتأمل اللوحة الجامدة التي أطّرتها نافذته بمهارة، إلا أن وحدانية اللون فيها أصابته بالإحباط، وافتقادها للإحساس كجزء أساسي من أي عمل فني جعله يملّها في الحال، فوجد نفسه يغلق ستائر غرفته ويستلقي على سريره.
اصطدمت نظراته الخائبة بالجدار المقابل لسريره ورَسَت على "روزنامة" الشهر.
- إذاً فاليوم عطلة!
قالها لنفسه مستعيناً بابتسامةٍ ساخرةٍ قرر بعدها أن يتابع نومه لعل الغد يأتي بسرعة أكبر.


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 07:56 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.03356 seconds with 10 queries