أخوية - منتزه فوندل بارك ... قلب أمستردام الضاحك

نيكولين دين بور
21-08-2007
ترجمة عبير صراص

فوندل بارك صباحا

الساعة الثامنة صباحا يوم السبت في شهر آب أغسطس. بدأ عرق الراكض الأول يهطل وهو يتدرب في منتزه فوندل بارك في قلب مدينة أمستردام. صاح أحد المارين على دراجته ل?حدى الفتيات اللواتي يركضن: "هل تريدين توصيلة على دراجتي الهوائية؟" تغاضت الفتاه عن السؤال وبدا أنها تقول بصمت "اتركني لأركض على راحتي". ب?مكان المتدربين أن يركضوا بهدوء في الصباح الباكر لأن المنتزه يزدحم بشدة بعد ساعات الصباح كما هو الحال في كل أيام الصيف الهولندي. يقوم عمال تنظيف المنتزه بالعمل ساعات إضافية خلال الصيف. تبدو حقول المنتزه الخضراء في الصباح الباكر وكأنها مزروعة بالقمامة: اغلفة شرائح البطاطس، زجاجات النبيذ الفارغة، أعقاب السجائر، بعض حبال زينة الحفلات وكما هو الحال في جميع أرجاء أمستردام ينتشر أيضا براز الكلاب هنا وهناك. ترى بعض المتجولين دون هدف معين و يبدو أن معظمهم من السكارى الذين باتوا في المنتزه عقب سهرة راقصة، أو من السائحين الذين لم يتبق لديهم نقود للفنادق، أو بعض من محبي شفق الصباح الباكر، أو بعض المتشردين؟ كلهم يستيقظ بكسل معتاد بعد أمسية هولندية شديدة الرطوبة.

التأمل خلال درس العلاج بالضحك

الضحك محبة
يزور منتزه فوندل بارك في مركز مدينة أمستردام 10 مليون سائح سنوياً. تعتقد بلدية أمستردام أن معدل عدد السائحين للمتر المربع في هذا المنتزه يفوق معدل السائحين للمنتزه الأمريكي المشهور""Central Park" في مدينة نيو يورك. أتضح من دراسة أجريت مؤخرا أن سكان أمستردام يزورون المكان للتنزه، أو للتمشي مع كلابهم، أو لممارسة رياضة الجري. ولكنهم يستخدمونه أيضا بأشكال أخرى، لموقع شاعري لتأليف الأغاني، تناول الطعام خلال التنزه، تعليم الكراتيه في الهواء الطلق، مشاهدة الأفلام (في متحف الأفلام في المنتزه) أو حتى تلقي الدرس في العلاج بالضحك والذي يتم كالتالي:
تجلس على منشفتك في دائرة مع المرضى الآخرين وفي وسط الدائرة تجلس المعلمة المعالجة. لا يتوجب عليك أن تضحك خلال الدرس ولكنها تشدد على أن الضحك ممتع للغاية قائلة: " الضحك تعبير عن الحب". من ثم تطلب منك أن تصب اهتمامك على البطن وتتأمل بعض الدقائق. وتطلب منك بعد ذلك أن تستلقي على المنشفة وتبدأ هي بالضحك الشديد المعدي الذي يصعب مقاومته. ليس من المهم ما الذي يجعلك تضحك أو إن كانت المعلمة ذاتها أو زميلك هم سبب ضحكك، المهم فقط أن تضحك لأن الضحك يحررك وهذه هي رسالة العلاج بالضحك.
طائراللقلق
إلى جانب الحيوانات التي تزور مع أصحابها المنتزه بشكل منتظم، يقطن المنتزه العديد من الطيور. منذ فترة وجيزة يعيش في المنتزه زوج من طائر اللقلق. من أكثر سكان المنتزه لفتا للنظر عدة مئات من طيور الببغاء الاستوائي الصغير الذي يعيش عادة فقط في المناطق شبه استوائية. ومن المعتقد أن أحد علماء الأحياء كان قد قام قبل 25 عاماً بإطلاق سراح بعض هذه الطيور في المنتزه في تجربة لمقدرة الطير على العيش في جو مختلف. ولكن التجربة أُخفقت بسبب الطعام الذي قدمه زوار المنتزه لهذه الطيور. وحاليا يقطن المنتزه سرب من الببغاء الاستوائي الصغير يقدر ب 500 طائر.

بحيرة فوندل بارك

الزى الملائم شرط للدخول
تعقد في المنتزه بشكل منتظم احتفالات لإحياء مختلف أنواع الاحتفالات والذكريات. على سبيل المثال عقد اليوم احتفال بذكرى كيروين داونماير. شاب في الخامسة عشرة من العمر كان قد لقي مصرعه طعنا في العام 1983 على خلفية عنصرية. رفض سائق التاكسي أن ينقله للمستشفى لتلقي العلاج. توفي كيروين في الشارع بعد أن نزفت دماءه في الطريق ثلث ساعة وهو ينتظر سيارة الإسعاف.

كانت فكرة تنظيم اجتماعات كبيرة غير واردة في الأعوام التي تلت افتتاح المنتزه. في ذلك الوقت كان دخول المنتزه مقتصرا على المواطنين الأثرياء الذين يستطيعون دفع قيمة تذكرة الدخول. كما كان الزى الملائم شرطا لدخول المنتزه. في كل مدخل كان هنالك موقف للحراسة، وكل من لا يرتدي الزى المناسب بزوار المنتزه يصرفه الحارس دون عذر.

تمثال الشاعر يوست فان دين فوندل

تم إنشاء منتزه فوندل بارك في العام 1864 من قبل عدد محدود من مواطني أمستردام. وكان اسمه في ذلك الوقت "المنتزه الجديد". ولكن منذ أن نُصب تمثال الشاعر الهولندي يوست فان دين فوندل في المنتزه، أصبح يُعرف بمنتزه فوندل بارك. بعد عشرات السنوات من افتتاحه سمح للعامة بدخوله على دراجاتهم الهوائية.
في برد شتاء العام 1944 وعندما أصابت هولندا مجاعة سببها الاحتلال الألماني لهولندا خلال الحرب العالمية الثانية، تم سرقة بعض أشجار المنتزه لاستعمالها كوقود بسبب شح الوقود في ذلك الوقت، الأمر الذي استوجب إغلاق المنتزه كلياً. وعندما انسحب الجنود الألمان في العام 1945 ألقوا القنابل اليدوية في بحيرة المنتزه. تم تطهير البحيرة من تلك القنابل بعد 11 عاما خلال أعمال الحفر في البحيرة.
وفي حالة الفوضى التي صاحبت تحرير المدينة من أيدي المستعمر، أعدم الألمان أربعة مواطنين من أمستردام في المنتزه. وتم بعد سنتين من هذا الحادثة نصب تمثال تذكاري لهؤلاء الشهداء. وتعقد من ذلك الوقت في المنتزه احتفالات سنوية لإحياء لذكرى الشهداء.
وحتى العام 1953 كان المنتزه ملكاً خاصاً ومن ثم وهبه أصحابه كهدية لبلدية أمستردام بسبب ارتفاع تكاليف المحافظة عليه.
وفي عقود الستينات والسبعينات جذب المنتزه مجموعات الهيبيين من جميع أنحاء العالم . حتى أن بلدية المدينة نصبت الحمامات ودورات المياه ومواقع حفظ الودائع للشباب الهيبيين الذي اتخذ من المنتزة مبيتاً له.
ألهم المنتزه شركة الخطوط الجوية الملكية الهولندية KLM والخطوط الأمريكية PanAm التي قدمت للسياح عرضا تجاريا جيدا للمجيء إلى أمستردام و "منتزهها الهيبي الظريف".
لم يتبق في المنتزه ما يذكرك بعقود الهيبي في أمستردام إلا شيء واحد، ألا وهي الحشيش التي يدخنها بعض زوار المنتزه في جو مفعم بالسلام في منتزه يتيح الفرصة للجميع: الكبار والصغار، الفقراء والأغنياء، الحيوانات والطيور: جميعها تستمتع في المنتزه بسلام و بطريقتها الخاصة.

...:D...