أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   قرأت لك (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=19)
-   -   حوارات (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=87828)

اسبيرانزا 06/01/2008 08:03

- في جانب اللغة تتعرض العربية الفصحى الى محاولات تهميش من قبل المحافظين على اللهجات العامية ،مادور الاعلام في التطور اللغوي العربي ؟

- اعتقد أن القنوات الاعلامية الكثيرة - قنوات التلفزة - بدأت تدرك أنها إذا أرادت أن تخاطب أوسع قطاع من الجماهير العربية ،فعليها أن تتكلم بالفصحى ،لأن الفصحى ملجأ وملاذ ليس للكتاب فحسب وإنما للإعلاميين ماداموا يريدون التأثير على المتلقي .

- الرواية العربية تحتل مكانة بارزة بين الأجناس الأدبية ..مامستقبل هذه الرواية ؟.. وهل وصلت الى مرحلة الشمولية ؟

- يكاد يكون الاتفاق قائماً على أن الرواية ديوان العرب ،لأنها السبيل الى تحولات اجتماعية - ونجحت الرواية العربية في العقدين الأخيرين في انجاز تجارب روائية متطورة في التعبير عن هذه المحاولات التي تبدوا سجلاً حقيقياً للبيت العربي ،واكتفى بمثال : لامرا ء ولاجدال بأهمية أدب نجيب محفوظ ،فنحن نقرأ في رواياته تاريخ مصر وتحولاتها الكبرى أكثر من كتب التاريخ ونجيب محفوظ رصد دواخل النفس ،وتغيراتها خلال أكثر من ثمانين عاما ،وهذا الرصد ليس ابن لحظة فقط أو اقتناص لحظة تاريخية فحسب ،وإنما هو بالمعنى الشمولي ،ووعي لذات الانسان العربي منذ أكثر من ثمانين عاماً.

اسبيرانزا 06/01/2008 08:17

المسكوت عنه مصطلح نقدي يطرقه النقاد على أبواب الرواية بعضهم وجده والآخر يحاول إيجاده ..وبرأي الناقد محمد برادة ان الرواية العربية مجال للمسكوت عنه ،فمارأيك ؟

- المسكوت عنه موجود في كل الاجناس الأدبية ،مثلاً في الشعر محاولات اختراق للمحرم ،وذلك بالولولج كثيراً في البذاءة ،يعني اختراق للمقدس ،ويوجد محاولات كثيرة جريئة للتعبير عن أخلاق مضادة ،طبعاً المسكوت عنه ليس مرفوضاً دائماً ،فالمسكوت عنه في مرحلة قد يكون مرضياً عنه في مرحلة أخرى مثل روايتي (أنا أحيا) و(الآلهة الممسوخة ) أو قصص (سفينة حنان الى القمر ) لليلى بعلبكي تتناول العلاقة الحرة بين الرجل والمرأة ،تبدو الآن كتبا عادية أو مختلفة بالنسبة الى الكتابة الجنسية ،فمثلاً كتاب (د. لورانس - عشيقة الليدي تشارلز ) طبع في مطلع القرن ،ومنع في بريطانية نفسها لأربعة عقود من الزمن .الآن يعتبر نصاً عادياً بالنسبة لتناقل العلاقة بين الطبقات ،هذا كله يطرح أن المسكوت عنه أحياناً يصبح مرضياً عنه أحياناً أخرى ،أن تطبع رواية ،الدولة توافق عليها ،ولكن جماعة الكاتب ترفضها (جماعته الدينية ،العائلية )
- شهد عقدي السبعينات والثمانينات اتجاه عدد من القصاصين السوريين الى كتابة الرواية أمثال (حيدر حيدر - عبد الاله الرحيل - ابراهيم الخليل - ناديا خوست - الفة الادلبي - هيفاء بيطار - فيصل خرتش ..) الى ماتغزو ذلك ؟
- الرواية هي فن أوسع في التعبير وفي التأليف ، وطموح الكاتب القصصي أن يصير روائياً - لأنه يقدم سجلاً للتحولات التاريخية ،والاجتماعية والسياسية والفكرية والرواية هي المسعى الاكبر للقاصين الذين سرعان مايتحولون عن كتابة القصة الى هذا الفن الاشمل .

اسبيرانزا 06/01/2008 08:18

- برزت القصة القصيرة جداً ،وانتشرت كتابتها مع النزوعات التحديثية عند وليد اخلاصي وزكريا تامر في الستينيات ،ثم استمرت الى الآن ،مارأيك كناقد وكاتب قصة بهذا الشكل الجديد للقصة القصيرة ؟
- القصة القصيرة السورية تطورت كثيراً في البناء،ووصلت الى مراتب مابعد الحداثة ،واليوم تتراجع الاتجاهات الكتابية التقليدية لتسود اتجاهات حداثية ومابعد حداثية كثيرة جدا بالاضافة الى الكتابة التعبيرية والاتباعية - الآن القصة السورية في حالة ثراء .




اسبيرانزا 06/01/2008 08:19

- «الحداثة » مصطلح نقدي تتفرع عنه مصطلحات أخرى كالفنتازيا ،والترميز ،واستعادة الموروث الشعبي ..ترى ماهي طبيعة العلاقة بين القصة القصيرة والحداثة ؟


- القصة رافقت الانسان منذ قديم الزمان ،الانسان يروي ويقص ،ومع الزمن تتغير أغراض وأشكال القص الانساني - بدأت بالحكاية ثم تطورت الى السيرة - ثم تطورت الى أشكال كثيرة - وفي العصر الحديث أخذت أشكال القص تتنوع وتزداد مع تنوع أشكال التقانات - قصة تأخذ شكل لوحات تشكيلية ،وقصة تأخذ شكل مونولوج درامي ،وقصة تأخذ شكل المسرح - مثلاً - بتغليب الحوار والمشهدية ،وقصة تأخذ شكل سينما ،ومشاهد مجتزأة من الصورة ومن الفعل وتنامي الفعل في الحياة اليومية ،وفي القص نفسه وهذه الاشكال الكثيرة هي التي أفرزتها الحداثة - ولأن أشكال الاتصال الجماهيري كالاذاعة والصحافة - هي أشكال حديثة - الآن الكمبيوتر والانترنيت يشكلان وسيلة اتصال أكثر وأقوى ،فعدد وسائل الاتصال هو نوع من الحداثة -كأن تقرأ وتسمع موسيقا في الانترنيت بنفس الوقت ،وتستطيع أن تفتح هاتفاً لصديقك وتنقل له شيئاً مماتقرأ ،أو تسمع بنفس الجهاز ،وقد تكتب رسالة .

اسبيرانزا 06/01/2008 08:20

نظرت في كتابك ( الجنس الحائر - أزمة الذات في الرواية العربية ) في رؤى الواقع والتاريخ والآخر إزاء العرب المعاصرين إلى أي حد تضيء الرواية العربية هذا التأزم الذاتي ؟

- أحاطت الرواية العربية بالموضوعات السياسية والاجتماعية المتصلة بجنس العرب الحائر في هذا العصر نشدانا للتحقق الذاتي في معوقاته ومعضلاته الكثيرة مثل التنمية والمرأة والسلطان بأنواعه والمجتمع المدني ..الخ وعالجت حدثين ضاغطين على الذات القومية هما الانتفاضة التي تشخص مظاهر هذا التأزم من وجوده مختلفة ،كما هو الحال مع التحديات التي تواجه حركة حماس اثر فوزها بالانتخابات ،والحدث الثاني هو الحرب اللبنانية أنموذجاً للحروب العربية - ومستمر للأزم الذاتي العربي وذيوله الممتدة الى دواعي الهيمنة الغربية ،والتسلط الامريكي على الشرعية الدولية من خلال حق التدخل في الشؤون العربية الداخلية ،وهو ماتفصح عنه الروايات العربية عن الحرب اللبنانية أيضاً .

اسبيرانزا 06/01/2008 08:21

خصصت كتاباً نقدياً عن قناع المتنبي في الشعر العربي الحديث إلام تشير هذه التقنية بتقديرك ؟

ج61 - افصح بحث قناع المتنبي ونقده الي المدى الواسع والعميق لجوهر التحديث الشعري المندغم بوعي الذات في خضم معضلات التاريخ والوجود وقد تلازم هذا التحديث مع تطورر الفكر البشري وأشكال التعبير عن التجربة الانسانية في مجالاتها الفلسفية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية المختلفة التي ينظمها مفهوم التقليد الأدبي والفني بتمثلاته الثقافة المتباينة والمتعددة وهذا جلي في التراث الانساني الذي لاينقطع التراث العربي عنه وكان اختيار قناع المتنبي في البحث السبيل الامثل لتحقيق سعي الشاعر العربي الحديث لانجاز مأثرته الابداعية لما تحمله هذه الشخصية من مكانة فكرية وابداعية في رؤيا الوجود العربي ،ولاسيما تراسل صوت الذات المأساوي بالوجود القومي والانساني الفاجع تحت وطأة ضغوط رؤية العالم الغارق في اشتراطاته القاسية .‏

اسبيرانزا 06/01/2008 08:21

- عالجت في كتابك الأخير (الثقافة العربية وتحديات العصر) ولاسيما العولمة ،كيف تنظر الى مستقبل الثقافة العربية ؟


- وضعت التطورات المتسارعة والداهمة خلال العقد الأخير ،العرب في مواجهة أشد المخاطر الراهنة على الذات القومية ،ولايخفى أن طابعها الرئيس ثقافي ،ويعلل الصراع الحضاري في الوقت نفسه ،وفق دعاوى الامريكيين الذين أطلقوه ،بتهميش العد الثقافي بالنظر الى جوهره العربي الاسلامي المضلل بالمزيد من استمراء الباطل والمظالم بحق الشعوب عند امتلاك قوى الهيمنة الجديدة ،ولايخفى أن حال العرب المعاصرين من صنع أيديهم في غياب مطلق للوظيفة السياسية التي تصون مصالحهم ،وتحفظ وجودهم ،وتضمن فعاليتهم في هذا العالم المتصارع ضدهم علانية وجهاراً من أجل دوام نهب ثرواتهم واستثماراتهم وتبديد عناصر قوتهم التي لايختلف اثنان في حقيقتها وتأثيرها المتصاعد على الرغم من الشجن العربي في أكثر من اتجاه ،وبات مستقبل الثقافة العربية مرهوناً بالاسهام في انتاج العولمة نفسها عن تعضيد الهوية وخلق ثقافة عربية متكاملة ومشتركة لاتنفصم عن جهود الدمقرطة وقيم المجتمع المدني الفاعلة في هذا التعضيد .

اسبيرانزا 07/01/2008 04:00

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -



- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -




اسبيرانزا 07/01/2008 04:01


جيل لوروا

حوار مع الروائي الفرنسي جيل لوروا، صاحب جائزة غونكور الأدبية لعام

2007

إذا لم نطرح تحديات فنية لحظة الكتابة، سنسقط في الضجر
أجرت الحوار: صوني لوبوف/ترجمة :س·خ


يؤكد الروائي الفرنسي جيل لوروا في مدخل روايته / نشيد ألاباما/ الصادرة عن منشورات ماركير، الحائزة على جائزة غونكور الأدبية، /يجب مطالعة الكتاب كرواية و ليس كسيرة ذاتية للبطلة زيلدا/ رواية تظهر حدودا جد هشة بين الواقع و المتخيل· سمحت لصاحبها باعتلاء عرش غونكور و خلافة الأمريكي جوناتان ليتل في نيل أهم حظوة أدبية بفرنسا· بعد تجربة تمخض عنها نشر كثيرا من الأعمال الروائية و القصصية الهامة، شرع جيل لوروا أخيرا في الانفتاح على الإعلام و إجراء الحوارات للكشف عن بعض الجوانب الخفية المتعلقة بمراحل كتابة الرواية·
ذكرت في مدخل رواية /نشيد ألاباما/ بأنك لست بصدد التطرق لسيرة ذاتية· ما هو إذا الحد الفاصل مابين الحقيقة و الخيال؟
ليس هنالك حد فاصل· يستند مخيالي على مساري الحياتين الواقعيتين لكل من زيلدا فيزجيرالد و زوجها سكوت· استلهم الأحداث من مساري حياتهما كما نستلهم أحداث روايات أخرى من وقائع متنوعة او شخصيات حقيقية· تكمن خصوصية هذه الرواية في تعلقها بشخصيات مشهورة· لكن التقنية المعتمدة تظل نفسها· نفس الانتقال من الحقيقة إلى الخيال· بما أنني، شخصيا، محدود الخيال(يضحك)، فانا اعتمد على وقائع عشتها، لقاءات مع أشخاص اعرفهم و أحيانا تجارب خضتها· بعد كل هذا، يبقى لكل كاتب طريقته في نقل الحقيقة إلى خيال·

لماذا اخترت توظيف ضمير المتكلم؟

حقيقة، أتذكر بأنني ترددت عشر دقائق!(يضحك) أردت سرد حياة زيلدا· عاشت حياة جد ثرية· غير عادية· تخرج عن المألوف· لهذا فكرت بأنه من غير الممكن أن اكتب مبتعدا عن الشخصية البطلة، ببرودة· كانت مخلوقا انتهج نمط حياة خاص إلى نهاية المطاف، حتى نمط موتها كان خاصا: احترقت حية بلهيب المستشفى العقلي· عاشت حياة تراجيدية بعدما انطلقت بملحمة مشرقة· كانت حياة زيلدا، في البداية، حكاية خارقة قبل أن تتحول، بضع سنوات لاحقة، إلى ما يشبه نزولا نحو الجحيم· ليس بإمكاني سرد تلك الحياة بضمير الغائب· بالتالي، كنت مخيرا: سواء تقمص شخصية سكوت أو شخصية زيلدا· في الأخيرة اخترت زيلدا لأنها بدت لي أكثر أهمية من الناحية الأدبية·

ألم تواجهك صعوبة في تقمص شخصية تلك المرأة؟

في كل كتاب، أحاول طرح تحد شكلاني· لأننا إذا لم نطرح تحديات فنية لحظة الكتابة سنسقط في الضجر· لم يواجهني إشكال كبير في تقمص شخصية زيلدا، بل واجهتني صعوبة التعبير عن بسيكولوجيا المرأة· أصعب تحد هو القدرة على إثارة القارئ في وصف لحظات جنونها· لحظات انزلاقها·
حقا، ما هي طبيعة مرضها؟
لا ادري تماما···كل المختصين النفسانيين الذين عاينوها آنذاك، اقروا بحالة شيزوفرينيا(فصام) لكن يبدو لي بان الأخصائيين الأمريكيين الذين أعادوا معاينة حالتها ما بين سنتي 1980 و 1990 أكدوا بأنها كانت مصابة بانهيار عصبي أو ثنائية القطبية· لو كان هذا صحيح، لكانت ستعالج من منطلق أصابتها بالشيزوفرينيا التي لم تكن واضحة الأعراض· ما يحيرني أكثر هو كونها استطاعت كتابة رواية / لنرقص الفالس/ بعد إدخالها المستشفى بداية .1930 كتبتها في ظرف ثلاثة أسابيع· و هنا أتحدى أي كان أن يتخيل بان مختلا عقليا بإمكانه كتابة مثل ذلك النص، أو شخصا مصابا بالشيزوفرينيا التي لا تحفزنا كثيرا على كتابة الرواية· يمكننا، في حالة الشيزوفرينيا، خربشة مقاطع شعرية· لكن الرواية تشترط ذاتا جد سوية·

اتعتقد بان سكوت كان سببا في جنونها؟

لا اعتقد بان أحدا قادر على دفع الآخر نحو هاوية الجنون· اعتقد بأننا نحمل ذلك بداخلنا· منذ الطفولة أو المراهقة ،لكن هذا يشترط نسبيا بعض الوقت للانفجار و التجلي· يدعي بعض رفاق سكوت الذين لا يحبون زيلدا بأنها كانت سببا في دفعه لاعتناق العربدة· أمر سخيف···حين التقت سكوت، كان في حالة سكر تامة· بدأ الشرب مبكرا· باعتقادي أنها لم تكن سببا في تحفيز سكوت على أن يكون سكيرا، و لا هو سبب في جنونها· كان كل طرف يحتفظ بنقائصه الخاصة· حتى قبل التقائهما·
أتعتقد بان سكوت كان سيصبح كاتبا معروفا من دون زيلدا؟
يصعب أن نقر بذلك· أول انطباع يمتلكنا بعد قراءة روايات و قصص سكوت، هو أن كل الشخصيات الأنثوية عبارة عن إسقاطات لشخصية زيلدا· في البداية، كان يصور فتيات جميلات و جذابات، أما لاحقا، في /الليل الدافئ/ صرن صورة امرأة جدلية· ماذا كان بوسعه كتابته من دونها؟ لا ادري حقا ربما شيء آخر· أو ربما اختار زيلدا كي تحتكر بطولة كتاباته·

إذا كانوا زوجا تربطه علاقة مصالح و ليس مشاعر حب؟

من الممكن أنها كانت تشعر بداخلها أنها امرأة غريبة· لكنها جد موهوبة· أكيد بأنها كانت جد موهوبة· لم تكن زيلدا ذات ثقافة واسعة، لكنها تمتلك حسا عميقا· تدرك المفاضلة بين المواصفات الأدبية لسكوت و لرفاقه· كانت تحاصره بغوايتها· طرحت سؤالا في الكتاب و لا زلت أتسأل أيضا في الحياة : ما الذي يشدنا نحو الآخر؟ سؤال معلق·
ألا تملك رأس خيط الإجابة من خلال متابعة حالة الزوج فيزجيرالد؟
تمارس زيلدا إغراءا شديدا على سكوت و العكس صحيح· لكن زيلدا لا تبحث حقيقة عن الحب من خلال سكوت و بقية الذكور· إنما هي لعبة نسائية تسعى للتخلص من وسط جد ضيق· فهي تنتمي للطبقة الارستقراطية لألاباما· ظاهريا يبدو شيء جميل لكنه، في الحقيقة، يخبا كثيرا من السأم، كثيرا من التزمت· تتجاوز أحلامها قبة السماء· تنوي تحقيقها مع سكوت في غضون بضع سنوات على الأقل· تنوي التحليق عاليا· كل طرف منجذب نحو الآخر· لكن ليس لأسباب عادية· باعتقادي أن القدر جمع بينهما· انه توافق بين سكوت و زيلدا في السراء و الضراء· جميل مبدأ الانجذاب نحو الآخر لأسباب فيزيائية و رومانسية، لكن خلف كل هذا، كل طرف يستغل مصلحته من الآخر· لو ذلك لم تكن العلاقة ستستمر مطولا·

كيف بدا عندك الشغف تجاه زيلدا و الزوج فيزجيرالد؟

من خلال سكوت طبعا! في سن العشرين، لم أكن اعرف الكثير عن الآداب الأجنبية· شرعت في مطالعة الأدب الأمريكي، خصوصا سكوت الذي سحرني كثيرا· هنالك جانب حياة أحلام في بداياته مع روايته الأولى التي حققت نجاحا· صار مشهور في العالم بأسره في سن العشرين· فرض سكوت حضوره كأيقونة في الوسط الأدبي· بمرور السنوات، أدركت فعلا بأنه سكوت: فاقد للأمل كلية· يخفي نقائص شخصية رهيبة خلف انجذابه: عاش حياة بوهيمي و مترف في آن واحد· تتصل علاقتي بالزوج فيزجيرالد بتطوري الخاص· كانت في البداية كما يشبه الوهم· لاحقا أدركت بان سكوت لم يكن غاتسبي، هذا الذي لم يدركه كثيرون! انه شخصية روائية جد معقدة···من لحم، مشاعر و أحيانا أشياء أخرى غير وراثية مثل بقية البشر· انتقلت من نظرة غزلية إلى نظرة حقيقية أحاول وصفها في الرواية·

كيف نشأت فكرة عنوان الرواية /نشيد ألاباما/ ؟

إنها قصة جميلة· أدرجت كلمة /ألاباما/ في العنوان لأنها كانت زاوية انعزال زيلدا· كان المكان الذي رسى عليه الكتاب و قصصها أيضا· ثم أنها في روايتها السيرتية الوحيدة، سمت زيلدا نفسها الاباما· نلاحظ كثيرا بالولايات المتحدة الأمريكية أسماء أشخاص مطابقة لأسماء الولايات، مثل تيناس ويليامس· ثم أنني تذكرت أغنية /نشيد الاباما/ التي أدتها فرقة دورس ثم دافيد بوي· أغنية صدرت لأول مرة عن أوبيرا بيرتو بريخت سنوات الثلاثينيات· تاريخيا، الأغنية تساير أحداث الكتاب بامتياز· لاسيما انه يتضمن مواضيع الكحول و الضياع····إذا فرضت الفكرة نفسها· طلبنا ترخيصا من طرف ابنة بريخت لإعادة توظيف العنوان· طلبت مطالعة الرواية ثم وافقت بسرعة· فرحت كثيرا و اندهشت لأنه قليل جدا من الورثة من يرضى بإعادة توظيف عنوان، أحييها جدا على تفهمها·
عن الجزائر نيوز

اسبيرانزا 07/01/2008 12:20

حوار مع الروائى ميلان كونديرا :D

اسبيرانزا 07/01/2008 12:26



حوار مع الروائي ميلان كونديرا


أجرى المحرر الثقافي لمجلة �سنتر فور بوك كالتشر �

حواراً مع الروائي ميلان كونديرا، هنا ننشر مقتطفات منه

وصلت الى ما يمكن أن اسميه المقابلة الأولى من بين عدد من المقابلات مع ميلان كونديرا وانا في اشد اللهفة للإعتراف بأن الشهرة الواسعة التى وصل اليها واحد من أهم روائيي القارة الأوروبية تعود في الواقع الى شيء أقل منطقية وأقل وعيا بالذات يختلف عما كان يتصور البعض ان له علاقة تحكمية بإبداعه الموجه بالفكر. لقد كنت اسعى الى الكشف عن تلك القوى الخارقة التى أضفت طابعا لغويا رمزيا استثنائيا على تلك المباديء الأساسية، الأكثر رهافة. وعلى الرغم من تبجيله لخصوصيته إلا أن كونديرا كان مستعدا للحوار حول موضوعات مختلفة.


ـ اود أن اجرى معك هذا اللقاء للتأكد من بعض المسائل الجوهرية. وبداية، في كتابك �فن الرواية � ادنت بوضوح المقابلات على النحو التقليدى الذى تمارس به ورسميا تكرر لديك القول بأنك لن تعترف بأى مقابلة غير مسجلة لديك في دائرة حق النشر. اعرف مدى شعورك بالإضطهاد من قبل الصحفيين الذين يهمهم أن يتركوا بصمتهم على هذه المقابلات. إلا أننى أتساءل عما إذا كان في ذلك حرمان لجمهورك؟

ـ اللقاءات الصحفية بشكلها الحالى لاتحمل في الواقع إلا وجهة نظر الذين يقومون بإجرائها. وهو بالطبع ما يؤثر على فهمها من قبل الآخرين حتى من قبل الأكاديميين والنقاد، وفى احدى المرات اضطرنى هذا للقيام بعملية توضيح لعدم الدقة التى كتبت بها المقابلة أو الأفكار التى لم تكن لى أية علاقة بها. يومها قلت �بان الصحفى يحتفظ بحق الإقتباس �. ما أعرفه هو شيء واحد أن الصحفى متى ما احتفظ لنفسه بحق الإقتباس سقط حقه في التحدث باسم المؤلف �إلا أن هذا بطبيعة الحال يبدو امراً غير مقبول. الحل كما ترى غاية في البساطة، لقد تحدثنا طويلا واتفقنا على الموضوعات التى نريدها، وانت قمت بصياغة الأسئلة وأنا قمت بصياغة الأجوبة وأضفت اليها حق النشر الخاص بى في النهاية بهذا الشكل تصبح الأمور على خير مايرام.


ـ يبدو ذلك معقولاً بالنسبة لى.

لكنك في هذا الكتاب أثرت جدلاً قويا حول وسط أوروبا. كما ان كل اعمالك الروائية ايضا تقع احداثها في تشيكوسلوفاكيا، حتى اعمالك النقدية الأخرى ومنها هذا الكتاب، وسط اوروبا تبدو مهمة بالنسبة لك هلا أوضحت لنا ما ترمز اليه هذه الفكرة؟

ـ دعنا نبسط الأمور ونتحدث فقط عن الرواية لدى الكتاب الكبار من أمثال كافكا وبروس وموسيل وجمبرويكس، الذين اسميهم كتاب وسط اوروبا الكبار. وبعد بروست لايوجد في تاريخ الرواية من يمكنك أن تطلق عليه هذه التسمية وبدون معرفتهم لايمكن معرفة الرواية المعاصرة. باختصار هؤلاء الكتاب حداثيون يبحثون عن اشكال جديدة. وفى الوقت ذاته هؤلاء كتاب مجردون من آيديولوجيا الطليعة، ان ما يسعون الى تحقيقه هو التغيير الجذرى والتوسع في افق الرواية. ومن هنا ومن هناك ظهرت العلاقة بماضي الرواية. لقد فتن هؤلاء برواية القرن التاسع عشر وانا اطلق على هذه المرحلة اسم الشطرالأول من تاريخ الرواية. ان عدم التواصل مع القيم الجمالية التى تحتوى عليها هذه الرواية قاد الى تجرد الرواية المعاصرة من جوهرها كما قاد الى ما اسميه فقد الحس التأملى الروائى، الواقع اننى لاأفكر في ما يسمى بالرواية الفلسفية ما جاء في اعمال ستيرن وكامو، هذه الرواية الوعظية لاأحبها ايضا. هناك مشكلات ميتا فيزيقية مشكلات تخص الوجود الإنسانى لاتستطيع الفلسفة الإمساك بها وما يمكنه أن يسلط عليها الضوء هو الرواية. لقد تحولت الرواية على ايدى كتاب منهم موسيل وبروس الى بناء شعرى وفكرى غاية في السمو. هؤلاء الكتاب معروفون على نطاق ضيق في امريكا وهو ما اعتبره باستمرارخيانة فكرية.، ان أمريكا لم تعش النصف الأول من تاريخ الرواية بل نصفه الثانى المرحلة التى كان يكتب فيها هؤلاء. من جهة اخرى فان امريكا على الرغم من أنها لديها كتابها الكبارمن امثال همنجواى وفوكنر إلا أنها ترفض رفضا قاطعا القيم الجمالية لكتاب وسط اوروبا! لقد نشرت نيويوركر الأجزاء الثلاثة الأولى من روايتى كائن لاتحتمل خفته مع التحفظ على المقاطع التى تتضمن وصفا لعودة نيتشه ! على الرغم من أنها لاتتضمن شيئا يتعلق بالخطاب الفلسفى. كانت مجرد استمرار للمفارقات الروائية لاأكثر. ـ هل تعنى تأثرك الحقيقى بهؤلاء الكتاب؟

ـ تأثرى بهم؟ لا. انما شيء آخر، اننى اعيش في نطاق القيم الجمالية التى اوجدوها لا تحت مظلة بروست أو جويس أو همنجواى. وبالمناسبة فان هؤلاء الكتاب الذين اتحدث عنهم لم يتأثر بعضهم ببعض وحتى لم يعجب بعضهم الآخر. بروس كان يكره موسيل وجمبروسك كان يكره كافكا فقط ربما اخترعت هذه المنظومة لكى ارى سقفا فوق رأسى.


ـ ماهى العلاقة بين المفهوم الذى تطرحه المتعلق بوسط اوروبا وبين مفهومك الذى يتعلق بالثقافة السلوفاكية؟ ـ

هناك بالطبع وحدة لغوية بين اللغات السلوفاكية. إلا أنه ليست هناك وحدة ثقافية. الأدب السلوفاكى غير موجود ولو أن اعمالى تم تصنيفها على هذا الأساس لما عرفت نفسى.هذا سياق خاطيء ومصطنع و مصطلح وسط اوروبا هو الأكثر دقة وحتى هذا السياق لن يكون صحيحا، اننى اكرر واعيد ان السياق الوحيد الذى يمكنه ان يحافظ على المعنى والقيم الروائية هو السياق التاريخى الأوروبى.

ـ انت تشير الى الرواية الأوربية باستمرار. هل يعنى ذلك ان الرواية الأميركية تبدو بوجه عام أقل أهمية بالنسبة لك؟


ـ انت محق في هذا. ما يضايقني هو عدم القدرة على اكتشاف مصطلح دقيق. فلو استخدمت تعبير �الرواية الغربية � لقيل باننى قد استثنيت الرواية الروسية �الرواية العالمية � في الواقع ما اتحدث عنه هو الرواية المرتبطة تاريخيا بأوروبا ولهذا أقول �الرواية الأوروبية � انه تعبير روحانى أكثر منه جغرافى.
ـ يبدو لى أن هناك اسماء نسائية معروفة ومرتبطة بتطور الرواية وعلاقتها بالثقافة هناك نساء.. ألست مصيبا لكنك لم تأت على ذكر هذه الأسماء لا في مقالاتك ولا في مقابلاتك، هلا اوضحت لنا ذلك؟ ـ ما استمتع بالحديث عنه هو جنس الرواية، ليس جنس مؤلفها. كل الإعمال الروائية مختلطة الجنس بمعنى انها تعبر عن وجهة نظر كاتبها في العالم على نحو مؤنث ومذكر ان جنس المؤلف يعنيه هو.


ـ اعمالك كلها توثيق حى للتجربة التشيكية، اتساءل عما اذا كنت قد نسيت كتابة رواية في اطار سياق اجتماعى تاريخى آخر،، كهذه التجربة الفرنسية التى تعيشها في باريس.؟ ـ

حسنا في الوقت الراهن اقول لك باننى عشت في تشيكوسلوفاكيا 45 عاما إذ ان سمعتى ككاتب بدأت في سن الثلاثين وعلى الرغم من ان تجربتى الإبداعية ترتبط في جزء كبير من عمرها بفرنسا إلا اننى لست مرتبطا بباريس على نحو ما يتصوره الآخرون.

اسبيرانزا 07/01/2008 12:30

حوار مع الشاعر احمد رامى :D

اسبيرانزا 07/01/2008 12:40




ــ حوار مع الشاعر المصري أحمد رامي (1965):
أقدم مخطوط للخيام منسوخ بعد 350 سنة من موته


* استاذ رامي.. نبدأ بتعريف قرّاء الأفق الجديد بنشأتك وتطورك أي مسار الحياة: البيئة ــ الثقافة ــ تجارب الحياة فما
الذي حدث معك؟


ــ ولدت في القاهرة سنة 1892م. وتخرجت بعد دراستي الثانوية في مدرسة المعلمين العليا بالقاهرة. وعملت ستة أعوام في التعليم، ثم ذهبت في بعثة الى باريس ودرست بمدرسة اللغات الشرقية وتخصصت في اللغة الفارسية ثم درست في جامعة السوربون ونلت شهادة دبلوم في فن المكتبات. ثم عدت لأعمل وكيلا لدار الكتب المصرية بالقاهرة عام 1924 وبقيت موظفاً حتى إحالتي علي التقاعد سنة 1954. ومنذ ذلك الوقت حتى الآن (1965)، اعمل بدار الإذاعة (صوت العرب) مستشاراً، اشرف علي الفنون الأدبية.

* ومتي بدأت رحلتك مع الشعر؟

ــ كتبت الشعر في السنة الاولى الثانوية (15 سنة). وكانت اول قصيدة نظمتها بعنوان (يا مصر) ومطلعها: (يا مصر انت كنانة الرحمن / في أرضه من سالف الأزمان).

* وماذا كانت حصيلة الرحلة مع الحياة أدبياً؟

ــ أصدرت دواوين شعرية تحت عنوان (ديوان رامي) في السنوات (1918 ــ1920 ــ 1925 ــ 1932 ــ 1947ــ 1952ــ 1964ــ 1965). وأصدرت رواية شعرية اسمها (غرام الشعراء) عن ولادة ابن زيدون. ثم كتبت للسينما روايات الأفلام: (وداد ــ دنانير) للسيدة أم كلثوم. وقمت بتعريب رباعيات الخيام بعد عودتي من باريس. كما قمت بترجمة خمس عشرة رواية ومسرحية لكتاب أوروبيين منها أربع مسرحيات لشكسبير. واشتركت في تأليف أغان وحوارات لخمسة وثلاثين فيلماً، أهمها من وجهة نظري (الأمل ــ عابدة ــ فاطمة) للسيدة أم كلثوم و(الوردة البيضاء ــ دموع الحب ــ يحيا الحب ــ رصاصة في القلب) لمحمد عبد الوهاب. وقمت بتأليف مائتي أغنية منها (150 أغنية لام كلثوم) والباقي اشترك فيها عبد الوهاب وأسمهان وليلي مراد، تلك هي حصيلة الرحلة.

* والآن (1965).. ماذا تعد أدبياً؟

ــ اعمل علي إعداد مسرحية روميو وجوليت للمسرح العالمي بالقاهرة.
* لمن قرأت في مطلع حياتك من الشعراء وبمَن تأثرت في تجربتك الشعرية؟ ما مصادرك الثقافية؟
ــ قرأت الكتب الجامعة للمختارات الشعرية لشعراء كثيرين. ثم انقطعت لقراءة احمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران من المعاصرين. كذلك قرأت من القدامى: الشريف الرضي ــ أبا نواس ــ المتنبي ــ أبا تمام.

* أنت أقرب الى الشريف الرضي.. هل هو المؤثر الأقوى؟

ــ لا أظن ان هناك أثراً خاصاً من احد لأنني اعتدت منذ بدايات اشتغالي بالشعر، ان اقرأ كثيراً واحفظ قليلاً، فأصبحت شخصيتي الشعرية مستقلة في نتاجاتي. أما التأثير الأهم فهو قادم من تجارب الحياة. فقد قضيت طفولتي في إحدي جزر الأرخبيل اليوناني بصحبة والدي الطبيب الذي أوفدته الحكومة المصرية ليكون طبيباً خاصاً في جزيرة (طاش يوز) وكانت هذه الجزيرة من أملاك مصر في ذلك العهد.

* يقول النقاد انك في ترجمتك لرباعيات الخيام، حذفت الكثير منها، وحاولت ان تظهر الخيام بصورة المؤمن التقي الصوفي. ويقولون انك اختصرت رباعيات الخيام الى (175 رباعية) مع ان المراجع تقول أنها تتجاوز الـ(450 رباعية) وقد تصل عند البعض الى (800 رباعية). ما تعليقك؟

ــ كانت ترجمتي لرباعيات الخيام بعد دراسة لها، فقد رجعت الى كل المخطوطات المنسوبة للخيام لاختيار الصادق والصالح منها. وكان اعتمادي الأساسي علي مجموعة صغيرة نشرت عن حياة الخيام، وعلي ضوء هذه المجموعة الصغيرة، اخترت 175 رباعية من حوالي ألف رباعية نسبت الى الخيام أو دست عليه ولا يمكن القطع بصحة نسبتها للخيام، لان أقدم مخطوط له كان منسوخاً بعد 350 سنة من موته، ولذلك احتار الدارسون في معرفة الرباعيات الصحيحة.

* بدأت تكتب شعرك فصيحاً ثم تحولت الى الشعر اللهجي.. لماذا؟

ــ نشرت ثلاثة دواوين وترجمت رباعيات الخيام عن الفارسية ولم أكن قد نظمت بيتاً واحداً من الزجل، وإنما دفعني الى النظم باللغة الدارجة رغبتي في النهضة بالأغاني الشائعة علي يد سيدة الغناء أم كلثوم، علي أني أراوح في نظم هذه ألاغاني بين عربية فصيحة ودارجة، ولي قصائد بالفصحى أطبعها في دواويني من وقت لآخر واشترك بها في المهرجانات وإنما كثرة الإنتاج العلمي ناتجة عن انه يأتي عفو الخاطر.
* ان للموسيقي قدراً كبيراً عندك فالموسيقي هي قصائدك..
ــ الأصل في الشعر ان يكون موسيقياً لأبعد الحدود فإذا كان هذا الشعر منظوماً لقصد الغناء كان ادعي الى تلمس الموسيقية في ألفاظه وأبحره وقوافيه وان حبي للموسيقي يدفعني دائماً الى وضع الأغاني التي يرتاح لها قلب الملحن والمغني وأذن السامع.

* الشعر العاطفي له النصيب الأوفر من شعرك؟

ــ الشعر عاطفة في كل نواحيه لان الدافع إليه هو العاطفة وقد اشتهرت بين الأدباء بأنني انقطعت لكتابة الغزليات وهذا غير صحيح لأني انظم وأذيع في شتي الإغراض الشعرية وقد يكون مبعث تلك الشهرة ما يذيعه المغنون والراديو والتلفزيون والسينما وكل هذا أوسع من الشعر المطبوع في كتاب يضم شتي الإغراض.

* ما هو الطقس الذي تكتب فيه أشعارك؟

ــ انظم شعري في كل زمان ومكان ويساعدني علي ذلك اني لا اكتب ما انظم وإنما أتغنى به خالياً وفي وسط الناس حتى إذا تم سجلته علي الورق معتمدا في كل ذلك علي الخاطر والدافع الى النظم وهذا وحي لا يمكن تحديد الوقت الذي يهبط عليّ فيه. علي ان أحب الأوقات إليّ هو وقت الغسق حين يختلط النور بالظلام وأثناء الليل تحت نور منعكس.

* هل يمكن أن يصل الأدب العربي لمستوي العالمية؟

ــ يصبح الأدب العربي عالمياً إذا توفر غير العرب علي دراسة لغتنا الى الدرجة التي يستطيعون فيها ان يقرأوا أدبنا بلغته الأصلية إما ان يترجم الشعر الى لغات اخرى ويستطيع ان يحافظ علي ما فيه من إبداع في النظم والخيال والإجادة في الأسلوب، فهذا أمر عسير علي أدبنا في الشعر إما ترجمة الروايات والقصص التمثيلية والأبحاث فهي الآن في طريقها الى القارئ الغربي.

* هل يمكن للأديب العربي ان يعيش من أدبه؟

ــ الأدب هواية قبل ان يكون وسيلة ارتزاق، وعلي الأديب ان يبدع فينبه الناس إليه ويقبل الناشرون علي إذاعة ما يكتب وعندها يكسب رزقه من الأدب ويقبل الناشرون علي إذاعة ما يكتب إما إذا كتب الأديب للرزق كغاية فانه يحار بعد ذلك بين الفن والمال وهذه الحيرة تؤذيه في ما ينتج.

اسبيرانزا 07/01/2008 12:42

حوار مع الروائى نجيب محفوظ سنة 1970:D

اسبيرانزا 07/01/2008 12:47




ــ حوار مع الروائي نجيب محفوظ (1970):
اجرى الحوار : عزالدين المناصرة

الشكل لا يأتي نتيجة التفكير النظري المجرد
تعرفت الى نجيب محفوظ في خريف 1964 بالقاهرة وأصبحت عضوا دائماً في (جماعة مقهى ريش) بالقاهرة، حيث كنا نلتقي مع نجيب محفوظ أسبوعيا وتحديداً يوم الجمعة من الساعة السادسة مساء حتى الثامنة أو التاسعة. يجلس نجيب ونلتف حوله نتناقش معه في أمور الأدب والسياسة. ثم يستمع لآراء الأدباء الشباب آنذاك أتذكر منهم (إبراهيم منصور ــ إبراهيم فتحي ــ جميل عطية إبراهيم ــ إبراهيم أصلان ــ جمال ألغيطاني ــ غالب هلسا ــ مصطفي أبو النصر ــ أمل نقل ــ يحيي الطاهر عبد الله ــ خليل كلفت ــ محمد مهران السيد ــ احمد هاشم الشريف ــ محمد إبراهيم أبو سنة ــ حسن توفيق ــ صبري حافظ ــ صنع الله إبراهيم)، وكان محمد الفيتو ري وعبد الوهاب البياتي وعبد المعطي حجازي وصلاح عبد الصبور من زوار المقهى لكنهم لم يكونوا من الأعضاء الدائمين باستثناء الفيتو ري الذي كان يداوم فترة ويغيب أخري.
وبقيت عضواً في جماعة مقهى ريش من خريف 1964 حتى شباط (فبراير) 1970. كان نجيب محفوظ يتعامل معنا كأصدقاء يوميين. رجل بسيط متواضع تواضع المتعلم، لا تواضع الأستاذ.

أولاً: ذات صباح باكر شاهدت العم نجيب في الرصيف المقابل في باب اللوق، وحتى لا أزعجه تظاهرت بأنني لم أره، لكنني فوجئت به يقطع الشارع ويفاجئني مازحاً: (هل تفكر بكتابة قصيدة أم تتجاهلني؟!). قلت له: بالعكس لم أرغب في قطع حبل أفكارك مع نفسك. فأصر علي ان نتناول الإفطار معاً في مطعم شعبي. وسألني عن آخر قصائدي فقرأتها له، فشجعني وامتدح القصيدة لاحقاً أمام جماعة ريش في المساء، وطلب مني قراءتها مرة ثانية.

ثانياً: كنت ومهران السيد وحسن توفيق قد نسينا إهداء نسخة للعم نجيب من مجموعتنا الشعرية المشتركة (الدم في الحدائق) التي صدرت في كانون الاول (ديسمبر) 1968، فقال مازحاً في مقهى ريش: (مهران وعز الدين وحسن.. ما عندكوش دم؟!). قالها بصيغة السؤال في إشارة ملغومة لعنوان الدم في الحدائق. فأخرجنا نسخة وقمنا نحن الثلاثة بالتوقيع عليها بناء علي طلبه.
ثالثاً: زرت مقهى ريش بعد غياب، فقال لي (نجيب بيه) كما كنا نخاطبه: (ما هي آخر أخبار السياسة يا عز؟) فقلت له: (الرئيس العربي الفلاني أصدر قراراً بقطع يد السارق). فضحك ضحكة مجلجلة وعلق علي الفور (أمّال الوزرا عندنا.. حيمضوا ازاي؟!).

وفي ما يلي النص الحرفي للحوار الذي أجريته معه عام 1970، كما نشر في مجلة الشباب الأردنية (العدد الثالث
والعشرون ــ شهر تموز (يوليو):


... مساء كل جمعة منذ عام 1964.. وأنا ألتقي نجيب محفوظ في ــ مقهى ريش ــ بالقاهرة يتجمع حوله الأدباء الشباب يناقشونه في أمور الأدب وظروفنا السياسية والاقتصادية.. وكما يحب نجيب الشباب فان الشباب يبادلونه نفس الشعور بعكس ذلك العداء الشديد الذي يظهرونه ليوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وأمين يوسف غراب وثروت أباظة.. الخ.. في مبني وزارة الثقافة حيث يعمل نجيب محفوظ مستشارا ثقافيا للوزارة التقيت به.. ضحك ورحب بي وسألني في البداية عن أحد الأدباء الشبان إذا كنت قد رأيته في ذلك اليوم أم لا؟ وكأنه صديقه الحميم..

هل نبدأ قلت له... قال: تفضل!

* كان آخر ما كتبته تحت المظلة هل من جديد؟

ــ آخر ما كتبته. بعد تحت المظلة قطع نشرت في الأهرام. لم أفكر في جمعها، أما الرواية الجديدة فلم اكتبها بعد، وأنا انتظر مع القراء ــ قالها وهو يضحك ضحكته الطويلة المجلجلة الصافية.

* هل تقرأ للأدباء الشباب ما رأيك فيهم؟

ــ الحقيقة أن الأدباء الشباب من الكثرة، بحيث لا نستطيع ان نتحدث عنهم في كلمة. وهم علي اختلاف أشكالهم
الأدبية، يشكلون أكثر من تيار وأكثر من مدرسة. ولكن يمكن تصنيفهم الى اتجاهين:

1ــ بعضهم يعطي صورة جديدة لفن النظرية الاشتراكية.
2ــ والبعض الآخر يقدم تجارب فنية من دون هوية فكرية محددة.

* هل ذلك يعني أن لديهم وعياً واضحاً بالأدب التجريبي؟

ــ لا. هناك تجريب لأساليب أصبحت قديمة ومستهلكة في اوروبا، مثل المدرسة السريالية وهناك تأثر بمدرسة
اللارواية.


* كيف تفسر إجماعهم علي احترامك وعلي مشاعر الود العميق نحوك، من دون أبناء جيلك؟

ــ علاقتي بهم عواطف متبادلة لأنني اعترف بمجهودهم، من حيث أصالته ومن حيث ان غالبية نتاجهم أكثر تعبيراً عن الواقع، من الأجيال التي سبقتهم بما فيها أنا شخصيا. وقليلاً ما يعثرون علي مَن يعترف بهم، بسبب التعصب أو ضيق النظر.

* ماذا تري في التجارب الأدبية الجديدة عموماً في الوطن العربي؟

ــ التجارب الجديدة، أوضح في الشعر والمسرح والقصة القصيرة بالذات. أما الرواية فلم تخرج عن الخطوط العريضة في الرواية العربية وإن لم يمنع هذا من وجود بعض الروايات الجيدة.

*هل قرأت الرواية العربية خارج مصر؟

ــ نعم. قرأت صهيل إدريس والطيب صالح وغسان كنفاني وحنا مينة وفاضل السباعي.. والحقيقة ان هذا المجهود الروائي يمثل أعلي مستويات الرواية العربية وإن يكن الشعر في الأقطار العربية ابرز من الفنون النثرية.

* لماذا لم تكتب عن قضية فلسطين؟ رواية ــ مقالات.. الخ؟

ــ آثار قضية فلسطين تجلت في كتاباتي، بالقدر الذي يمكن ان تتجلي به لدي كاتب مقيم في القاهرة.

* هل التجربة الحياتية ضرورية لكل عمل أدبي؟

ــ نعم ــ يجب أن يعيشها الكاتب معايشة واقعية
.

* ما هي مهمة المثقف العربي في هذه المرحلة؟

ــ من الممكن ان يكون له دور فعال. إذا كان مجندا أو أمكنه التطوع مع الفدائيين الفلسطينيين أو ــ وهذا أضعف الإيمان ــ ان يشارك بوعيه وقلمه في ما يختص بتوعية الجماهير، وبلورة قضاياها الحقيقية الحية.

* تعني أن يترك الكاتب الكتابة ويذهب للجبهة؟ أم يكتب كتابة ثورية فقط؟

ــ أن يترك الكاتب الكتابة ويذهب للجبهة.. أفضل
.


اسبيرانزا 07/01/2008 12:48

ــحوار مع الروائي حنا مينة سنة (1976)::D

اسبيرانزا 07/01/2008 12:52



ــ حوار مع الروائي حنا مينة (1976):
الأدب لا يولد من التعقيدات الشكلية
اجرى الحوار: عز الدين المناصرة

في كانون الاول (ديسمبر) 1975، قررت كمحرر ثقافي لمجلة فلسطين الثورة في بيروت، تغذية القسم الثقافي بحوارات مع مثقفي سوريا، فأجريت سلسلة من الحوارات كان من بينها حوار مع الروائي حنا مينة والآخر مع أحد رواد القصة القصيرة في سوريا سعيد حورانية. وكان الهدف هو إبراز تعاطف مثقفي سوريا مع الثورة الفلسطينية، أكثر من الحوار مع الكاتب حول تجربته الإبداعية الخاصة التي أفردت لها دوارات نشرت آنذاك في صحف لبنانية. ولهذا انصبت الأسئلة حول علاقة الكاتب بالفكر الثوري آنذاك.

كنت التقيت الأستاذ حنا مينة سابقاً بصفتي شاعراً من شعراء الثورة وامتدح الرجل خصوصيتي الشعرية، ملاحظاً أنني مستقل عن الزميلين درويش والقاسم في أساليبي الشعرية وخصوصاً اتجاهي نحو (القصيدة الحضارية). لكن زيارتي له في منزله بدمشق كانت زيارة صحافية فما ان اتصلت به هاتفياً حتى أصر علي الحضور الفوري. واستقبلني الرجل ببشاشته المعهودة وسألني عن آخر مجموعاتي الشعرية. لكنني فاجأته بالقول (جئتك صحافياً) فضحك وقال: (اللهم اجعله خيرا!). واستمر الحديث عن حياته الشخصية وعن عائلته وأولاده بناء علي تحريك لذاكرته مني. ولم أسجل لكي يكون مدخلاً طبيعياً للحوار. ثم تناقشت معه حول شخوص رواياته التي كنت قد قرأتها جميعاً. ثم قال: هات ما عندك.

وفي ما يلي النص الكامل للحوار كما نشرته مجلة فلسطين الثورة في العدد السنوي الخاص (1/1/1976):
حنا مينة، روائي عربي معروف، من أعماله الروائية والقصصية: المصابيح الزرق ــ الشراع والعاصفة ــ الثلج يأتي من النافذة ــ الياطر ــ بقايا صور ــ (مَن يذكر تلك الأيام ــ بالاشتراك مع الدكتورة نجاح العطار)، وسيصدر له قريباً بالاشتراك أيضاً مع نجاح العطار كتاب بعنوان أدب الحرب.


التقيته في منزله بدمشق ووجهت له هذه الأسئلة. وقد أجاب عليها مشكوراً بما يلي:

* برز الأدب المقاوم أثناء معارك الشعوب في سبيل حريتها: فرنسا، الاتحاد السوفييتي مثلاً، كيف لعب هذا الأدب دوره أثناء المعارك؟ وهل تعتقد ان لهذا الأدب صفة الشمولية والديمومة؟ هل يمكن تعداد بعض النماذج؟

ــ عندما تنشب المعارك، بين الشعوب وأعدائها من المحتلين، يصبح الإنسان في قلبها تصبح هي أيضا في قلبه. تصبر رؤياه الأساسية، لأنها أساس الواقع الذي يعيشه. وفي هذه الحال، ليس من كاتب أو فنان أو إنسان بقادر علي ان يكون خارج الإطار، وان تمر به معارك الحرية وهو في محترفه أو مكتبه أو برجه العاجي.
وقد لعب الأدب دوره الكبير خلال الحرب العالمية الثانية، في المقاومة التي شنتها شعوب العالم ضد النازية الهتلرية. ويسمي الناقد غالي شكري أدب الحرب بأنه العتاد الروحي الثقيل الذي يملك وحده صياغة وجدان المقاتل وهذا العتاد الثقيل كان له شأن كبير في المقاومة وفي النصر الذي تحقق علي النازية، حتى أن تاريخ الحرب العالمية الثانية لا يمكن، بأية حال، فصله عن تاريخ الأدب الذي كتب خلالها.

وقد منح أدب المقاومة في الحرب، من خلال إيليا اهرنبورغ، الكاتب السوفييتي، ارفع الأوسمة واكبر التقدير. ففي 21 آب (أغسطس) 1942، وجه قائد احدي الفرق السوفييتية المدرعة الأمر اليومي التالي الى فرقته: نظراً للشعبية الواسعة التي يتمتع بها الكاتب إيليا اهرنبورغ في أوساط الجنود، وللأهمية السياسية الكبرى التي تمثلها مقالاته المتألقة بالصمود والشجاعة وحب الوطن والاستهانة بالموت، واستجابة لرغبة منظمة الشبيبة في الفرقة، فإن الأوامر قد صدرت بتسجيل اسم الكاتب في لائحة الشرف في الفرقة، في الفوج الاول المدرع.
وهذا التكريم لأدب المقاومة في الحرب، وباختصار لأدب الحرب، كتابه، سنجد تعبيراً آخر له للشاعر السوفييتي سوركوف ان اخلص شهادة يحصل عليها الكتاب من قرائهم في زمن المعركة، هي هذه القصاصات التي توجد في جيب إنسان الحرب. فإذا ما كتب ان زميله في المعركة سقط صريعاً وكان في جيب سترته قصاصة مكتوبة بالدم، وإن هذه تحمل قصيدة لأحد الشعراء، هذا الواقع هو أروع شهادة بالنسبة لإنسان يكتب من أجل وطنه.
الأدب له صفة الشمولية تماماً، وقد ناقشت الدكتورة نجاح العطار في مقالها (تشرين والأدب) هذه النقطة مناقشة جيدة، خلال الأيام الأولي، عن دور الأدباء في المقاومة وعما إذا كان ثمة تعارض بين القول والفعل، وذلك علي الكلمة اثر التي وجهها توفيق الحكيم الى وزير الثقافة وطلب فيها أي عمل يفيد المعركة أكثر، وقد نفت الدكتورة العطار أي تعارض بين الكلمة والفعل، واستشهدت بذلك الصدد بقول شاعر المقاومة بول ايلوار: ينبغي ان تكون القصيدة متخذة معني قيما، فمن الضروري ان تتوافق المناسبة مع أكثر رغبات الشاعر، مع قلبه وفكره، ومع عقله.. علي المناسبة أن تتطابق والمناسبة الداخلية، كما لو ان الشاعر نفسه هو الذي أوجدها، فتصبح بهذا حقيقة كالزهرة التي يفتقها الربيع، كفرح الحياة ضد الموت. ان الشاعر يتبع فكرته، ولكن هذه الفكرة تقود الى ان يكتب نفسه علي الخط البياني للتقدم الإنساني.

ثمة نماذج كثيرة ومعروفة للأدباء الفرنسيين والسوفييت والأدباء من مختلف الشعوب، عن أدب المقاومة، يمكن لمن
يشاء ان يرجع إليها فيتأكد من شمولية وديمومة هذا الأدب.


* أثناء المعارك الوطنية ينبثق فن يتسم بطابع النضال. هل تعتقدون أن هذا الفن يحقق المعادلة بين التأثير الجماهيري والنضج الفني؟

ــ نعم، وبكل تأكيد، واحسب ان الجواب الأول قد اعطى الرد أيضاً علي السؤال الثاني، ان روايات مثل وداع للسلاح لهمنغواي و الدون الهادئ لشولوخوف و أفول القمر شتاينبك، وقصائد ايلوار واراغون وفابتساروف وتفاردوفسكي وكروسمان وسيمونوف وعشرات غيرهم، تقدم الدليل علي ان عطاءاتهم الأدبية حققت معادلة التأثير في الجماهير والنضج الفني.

* ما هو الأثر الذي أحدثته الثورة الفلسطينية في إنتاج الكتاب العرب؟ ما هي ايجابيات تجربتهم وسلبياتها. وما هي الوسيلة التي تكون أكثر فعالية في العلاقة الجدلية بين الثورة والأثر الفني ؟

ــ كان للثورة الفلسطينية أدبها الثوري الفلسطيني، وهذا الأدب أثر علي مجمل الأدب العربي منذ أواسط الستينيات وما يزال. ان أدب المقاومة في الأرض المحتلة وخارجها هو أدب الثورة الفلسطينية، ولكن قبل أن تقوم هذه الثورة وتتجسد المقاومة فعلاً، ما كان يمكن أن يكون ثمة أدب مقاوم. ولقد ارتفعت نبرة هذا الأدب حتى غطت كل النبرات الاخري في الأدب العربي، وكانت كمية أدب المقاومة، وخاصة الشعر، ومن قبل الشعراء الفلسطينيين في الأرض المحتلة، وفيرة، باهرة، فاضت عن أوعيتها لتغدو زيتا ملتهبا في أوعية الكتاب والشعراء العرب، وصار التعبير عن المقاومة في الأدب هماً أدبياً بالنسبة للجميع، وإن ظل، من حيث النوع، أدب الكتاب الفلسطينيين في الأرض المحتلة هو الأرفع، وصاحب التأثير الأنفذ، والخميرة التي ستشيع النسغ الخميري في العجين كله، ليكون منه هذا الخبز المقدس لأدب المقاومة العربي كله.
أما الحديث عن ايجابيات وسلبيات أدب المقاومة الفلسطيني فلا يمكن الكلام عنه في سطرين، لذلك لن أجيب علي هذا الشطر من السؤال، غير أنني أقول ان إيجابياته أكثر من سلبياته، خاصة عندما يلتصق بالجماهير ويعبر عن همومها وكفاحها وبطولاتها بلغة شعرية تنبع من عفوية ونضالية الأديب، وليس انطلاقاً من التعقيدات والإشكال الشعرية المقصودة لذاتها، ولإبهار القارئ.
العلاقة بين الثورة والأثر الفني علاقة جدلية من الطراز الأول، هي تمده بالمادة الخام، وهو يمدها بالمعاناة والإلهام أي ان الثورة تكبر وتنفجر بالأدب المعبر عنها، والأدب يكبر ويتفجر بالثورة التي هي مادته.

* كيف يمكننا خلق جبهة ثقافية عربية عريضة مشاركة للثورة الفلسطينية؟ وما هو مفهوم المشاركة؟

ــ مفهوم المشاركة في الثورة أن تكون في قلبها أو علي صلة ما بها، لأنه بدون معاناة الثورة نضالاً وهماً لا يمكن التعبير الأصيل عنها.
ويمكن أن تأخذ منظمة التحرير الفلسطينية المبادرة في الدعوة الى ندوة للبحث في إنشاء جبهة ثقافية عريضة مشاركة للثورة.

* أين تقع مكانة الأدب الفلسطيني في الأدب العربي المعاصر؟

ــ إذا كان المقصود بذلك أدب المقاومة الفلسطيني، فإن مكانه هو الصدارة في الأدب العربي في وقتنا الراهن، وقد كان له الفضل في شق الطريق لهذا النوع من الأدب الذي يحمل جوهر القضية العربية، علي اعتبار ان القضية الفلسطينية هي جوهر القضية العربية أيضاً.

اسبيرانزا 07/01/2008 12:54

ــ حوار مع القاص السوري سعيد حورانية سنة (1976):D

اسبيرانزا 07/01/2008 15:34

ــ

حوار مع القاص السوري سعيد حورانية (1976)
برع أعداؤنا في إفساد المثقفين الأوروبيين
اجرى الحوار: عز الدين المناصرة


كانت بيني وبينه صداقة فكرية بدأت عام 1970 حين زرت دمشق لأول مرة قادماً من القاهرة حيث كنت أعيش. يومها لم أنسجم معه بسبب وثوقيته في طرح بعض آرائه، إضافة لبعض الإحباط الذي كان يبدو في لغته الحوارية. لكني تراجعت في لقائي الثاني عن موقفي منه حين كنا وحيدين فقد تدفق بصدق ينتقد الأوضاع العربية العامة آنذاك. وانتقدنا معاً (فساد المثقفين العرب)، فأدركت أن الرجل مجروح في داخله. أما في لقائي الصحافي معه عام 1976 فقد استقبلني شاعراً وصديقاً. وتناولت معه طعام الغداء في مطعم علي بابا، وكان يتملص من الحوار الصحافي مازحاً (أنا مشتاق للحديث معك بعيدا عن الحوار الصحافي). وكان بالفعل مقلاً في حوارياته الصحافية. كان من رواد القصة القصيرة في سوريا منذ أوائل الخمسينيات. وكان ينتمي للمدرسة الواقعية. وفي ما يلي نص الحوار الكامل كما نشرته مجلة فلسطين الثورة، في 1/1/1976:

* برز الأدب المقاوم أثناء معارك الشعوب في سبيل حريتها: فرنسا، الاتحاد السوفييتي مثلاً، كيف لعب هذا الأدب دوره أثناء المعارك؟ وهل تعتقدون أن لهذا الأدب صفة الشمول والديمومة؟ وهل يمكن تعداد نماذج من ذلك؟
ــ الأدب الحقيقي ثوري في طبيعته فهو كشف وتجاوز وتعرية، وهو نوع من عدم الرضا عن السكون والنمطية ومظاهر القسوة والبلادة والشر التي تشوه روح الإنسان. فهو ينطلق كالسهم الى الجوهر، وهو بهذا المعني كلمة احتجاج دائمة، وسلاح فعال لأهم درجات الثورة وهي الوعي.

ويتحد هذا الصوت الخاص في الأزمات الكبرى للشعوب، حيث تفقد الأشياء توازنها الظاهري الرزين، وتكتسب معني جديداً، وتتعري حتى العظام كل المفاهيم السكونية.. يتحد بالأنا الجماعية فيكتسب قوة عظيمة تعبر عن روح الشعب الذي لا يستكين روح الصمود والصلابة، ويصبح فائق التأثير مثله مثل المقاتل والسلاح في معركة الموت أو الحياة.

مَن منا لا يذكر قصص غايدار التي كانت تقرأ في الخنادق في الاستراحة بين معركة وأخري فتشد أعصاب المقاتلين؟

ومَن منا لا يذكر الجنود المندفعين الى الموت وهم ينشدون قصيدة سيمونوف الشهيرة: انتظريني فسأعود ؟ ومَن منا لا يذكر قصائد ايلوار واراغون و(الشعراء المجهولين) وأثرها في تشديد المقاومة الفرنسية الباسلة في وجه النازيين؟

إن الأمثلة علي ذلك كثيرة في تاريخ أي شعب يكافح في سبيل حريته، وهي أمثلة تتعدي محليتها الى أفق الإنسانية الواسع لتصبح نشيداً للإنسان المقاتل في كل زمان ومكان، فمعارك الحرية تهم الإنسانية كلها، والأدب الذي يعبر عنها بصدق هو أدب الإنسانية كلها.

* أثناء المعارك ينبثق فن يتسم بطابع النضال، هل تعتقدون أن هذا الفن يحقق المعادلة بين التأثير الجماهيري والنضج الفني؟

ــ ولماذا نضع دوماً هذا مقابل ذاك حتى كأنهما متناقضان؟ هناك أدب رديء يمكن أن يؤثر كالطرب لحظة سماعه ثم ينطفئ كفقاعة، وهناك الأدب الصادق الحقيقي الذي ينبت الأجنحة ويهز الروح ويعمق الوعي، ويفجر الينابيع المحبوسة في أعماق النفس، وهو الذي بقي، وبالتالي فهو الأكثر جماهيرية.. أما إذا قصدت الأثر الجماهيري الآني فهو أدب استهلاكي قد يفيد أحيانا ولكنه ضار في أكثر الأحيان لأنه لا يستهدف إقلاق الروح، وزلزلة المفاهيم والدفع الى معاناة إنسانية أرفع، وإنما يستهوي إرضاء عواطف سطحية قد تدفع الى الانفعال وليس الى الفعل.
لا اعتقد ان هناك أكثر جماهيرية من سمفونية شوستاكوفيش حصار ليننغراد التي عزفت وسط هدير المدافع في المدينة البطلة، أو من لوحة بيكاسو الخالدة غرينكا أو أشعار ماياكوفسكي وبابلونيرودا وايلوار واراغون وكلها لحنت أو رسمت أو قيلت في لهب المعارك أو مستهدفة تحريضا ثورياً أو موقفاً سياسياً واضحاً، فهل أثرت جماهيريتها في قيمتها الفنية الرفيعة؟ لا أظن ان السؤال يحتاج الى جواب.


* ما هو الأثر الذي أحدثته الثورة الفلسطينية في إنتاج الكتاب العرب وما هي ايجابيات تجربتهم وسلبياتها ؟ وما هي الوسيلة التي تكون أكثر فاعلية في العلاقة الجدلية بين الثورة والأثر الفني؟

ــ لا أظن أنني مؤهل للرد علي مثل هذا السؤال الشامل فتلك مهمة النقاد المتابعين، ولكن لابد من بعض الملاحظات: لقد كان لانبثاق الثورة الفلسطينية ثم لحربي حزيران (يونيو) وتشرين الاول (أكتوبر) أثر فعال في (تسييس) الأدب ودفعه الى ان يقترب أكثر من معاناة الجماهير وتطلعاتها.. وهذا بالطبع شيء ايجابي، ولكن الروح البرجوازية الصغيرة بأفقها المحدود وذبذبتها الفكرية المتأصلة أفقدت هذا الاتجاه الصحيح كثيراً من فاعليته، فبدلاً من ان تعمق وعي الإنسان العربي، زادت من نشر الضباب الفكري، والحس الرومانتيكي المريض، والأحكام المتعسفة لعدم انطلاقها من أرضية فكرية صلبة، ثم ان قضية فلسطين أخذت في أكثر نتاج أدبائنا كقضية عاطفية مجردة عائمة في الفراغ من دون التعمق في النواحي الاجتماعية الاخري المتصلة بها والمتفرعة عنها مما نتج عنه حركة تزوير كبري تتقزز لها النفس.

*ما أقل الجيد الذي كتب عن فلسطين إذا أخذنا في الاعتبار هذا السيل العارم الهائل من النتاج شعراً ونثراً، وليس في قصصنا عن فلسطين ما يفوق قصة يائيل دايان (رماد) إلا كتاب محمود درويش النثري الرائع (يوميات الحزن العادي) وقد تقترب من اصالتها رواية لغسان الكنفاني وقصة لأديب نحوي فعلي ماذا يدل ذلك؟

غلبة العاطفة، وهزال المعاناة ورفض المنطق العلمي، وروح البداوة ذات الحساسية المريضة.
إن الوسيلة الحقيقية ذات الفاعلية في العلاقة الجدلية بين الثورة والأثر الفني هي الالتحام الفعلي لا الصوري بقوي الثورة النشطة المقاتلة التي تعرف عن فلسطين أنها أكثر من البرتقال والشذي والعطر والبحر الأزرق والجبال المزهرة... تعرف عنها أنها ارض الموت وأرض البعث معاً.


* كيف يمكننا خلق جبهة ثقافية عريضة مشاركة للثورة الفلسطينية، ما هو مفهوم المشاركة؟

ــ ليست قضية فلسطين تخص الفلسطينيين وحدهم، وإنما هي قضية عربية تخص كل فرد عربي، ولذلك يبدو لي السؤال عن خلق جبهة ثقافية عريضة للمشاركة غير مفهوم! فما معني المشاركة؟ أهو تجمع آخر (ونحن أكثر أهل الأرض غراما بالتجمعات؟) أم مشاركة بالأجهزة الثقافية الفلسطينية ودعم لها علي غرار مركز الأبحاث؟ وهو اتجاه ادعمه بكل تأكيد، فيجب ان تنفتح الأجهزة الثقافية الفلسطينية علي المثقفين العرب الذين يبدون حماساً حقيقياً لنصرة القضية، ولا أعني بهذا ذوبان الشخصية الفلسطينية في هذه الأجهزة، بل اعني اغناءها بمزيد من القدرات والمواهب والأفكار الجديدة.
الجبهة الثقافية العريضة للمشاركة في الثورة يجب ان تأخذ اتجاها أكثر سعة وله صفة الشمول.. يجب خلق جبهة عالمية في كل بقاع الأرض من المثقفين ذوي التأثير.. لقد برع أعداؤنا في إفساد المثقفين الأوروبيين مثلاً وتضليل معظمهم، ومن هنا يجب ان نتحرك، والظروف العالمية الآن أكثر مواتاة لشراعنا الهامد لأن يبحر في المد، ولننزع من أفكارنا ان الأوروبي بطبيعته معاد لنا.

* الأدب الفلسطيني: السمات العامة: الايجابيات والسلبيات ومكانه في الأدب العربي المعاصر.

ــ هذا سؤال تتطلب الإجابة عنه كتابا بكامله، ومرة اخرى أحس أنني غير مؤهل للرد ولكني سأورد بعض الملاحظات: هناك أدب فلسطيني ما في ذلك شك، وهو إن كان يصب في بحر الأدب العربي العام فان لهذا الجدول خصائصه المتميزة. وهو رغم صغر سنه قد ترك انطباعاً عميقاً علي مجمل الأدب العربي المعاصر، وهو ليس تراكماً كمياً وإنما هو قفزة نوعية، والشعب مليء بالمواهب، لقد اقتحم دنيا الشعر والقصة وأثبت في فترة قصيرة ان مزماره انقي المزامير في الأدب العربي المعاصر.. ان الآلام والنكبات الهائلة التي عاناها هذا الشعب العظيم قد فجرت في نفسه أعظم الطاقات، ولكنها طاقات يجب ان تعرف مسربها، إنها تتقدم ببطء ولكنها تتقدم أسرع من غيرها.. وان قدرتها علي التوقف أحيانا وإعادة النظر والفحص تبعث في النفس أقوي الآمال... لقد أخذت الموجة العاطفية الغنائية بالانحسار رغم أن آثارها لا تزال ملموسة في كثير من الشعر والنثر الذي يكتب الآن، واقتربت مرحلة تعميق الحس الدرامي والبعد عن الخطابة والشعارات، والعاطفية المريضة، والتمسح بالكلمات الكبيرة لإخفاء ضحالة المعاناة.

اسبيرانزا 09/01/2008 05:52

حوار مع عبد العزيز المقالح :D

اسبيرانزا 09/01/2008 05:54

الشاعر الكبير د.عبد العزيز المقالح : لست من أعداء قصيدة النثر
حاوره في صنعاء : محمد الحمامصي

بوابة اليمن الشعرية والثقافية الشاعر اليمني الكبير د.عبد العزيز المقالح أحد أبرز الأصوات الشعرية العربية التي شكلت التجربة الشعرية العربية الحديثة ، ورائد ومؤسس الشعرية اليمنية الحديثة ، ولد في أواخر الثلاثينات من هذا القرن العشرين ، ونشأ في منطقة "الشعر" بالقرب من "وادي بنا" المشهور ، وادي المياه والأشعار والحقول الخضراء ، من أعماله الشعرية ( لابد من صنعاء مأرب يتكلم ) ، ( رسالة إلى سيف بن ذي يزن ) ، ( هوامش يمانية على تغريبة ابن زريق البغدادي )، ( عودة وضاح اليمن ) ، ( الكتابة بسيف علي بن أبي الفضل ) ، ( الخروج من دوائر الساعة السليمانية ) ، ومن أعماله النقدية (الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن)، ( شعر العامية في اليمن) ، ( قراءة في أدب اليمن المعاصر )، (أصوات من الزمن الجديد) ، (يوميات يمانية في الأدب والفن)، (أزمة القصيدة الجديدة) ، (شعراء من اليمن ) شغل منصب رئيس جامعة صنعاء ، ويشغل الآن منصب مستشار رئيس الجمهورية للشئون الثقافية ، وإلى جانب مؤلفاته الأدبية فإن له الكثير من الكتابات في الصحف اليومية والأسبوعية اليمنية والمجلات العربية .

** عايشت الثقافة والإبداع العربيين في مراحل مختلفة وأقطار مختلفة ، كيف تراهما الآن مقارنة بما سبق وعايشته ؟

** كما كان من قبل ، صحيح أن أشياء كثيرة جدت علي الصورة ، وأن أجيالا جديدة دخلت إلي الساحة مزودة برؤى جديدة ، وبقدر غير قليل من التمرد إلا أن الواقع من وجهة نظري لم يختلف كثيرا عما كان عليه في هاتين الساحتين ولم يحدث دخول دماء جديدة متمردة ما كان منتظرا أو متوقعا ربما لأن هذه الدماء الجديدة المتمردة لم تتسلح بالقدر الكافي من المعرفة الفنية والموضوعية ، ولهذا ظلت إضافاتها شبه محدودة وظل صوتها أكبر من حجم إنجازها ، ومع ذلك فإن المتابع لحركة الواقع الأدبي العربي يشهد حراكا متنوعا ومثيرا للانتباه سيما ما يتعلق بالجيل الجديد وطموحاته التي تعكس أملا كبيرا في واقع أدبي جديد ومغاير لما هو سائد .

** علي من تلقي باللائمة في قولك (كما كان عليه من قبل) ؟ **

علي الواقع السياسي والاجتماعي وبعبارة أوضح علي المسئولين عن الوضع السياسي في الوطن العربي الذين تجمدوا وتجمدت مشاريعهم عند نقطة ظلوا يراوحون حولها في ثبات يثير الحزن ، وفي الوقت ذاته لا يمكن أن يعفي المبدعون ورجال الثقافة عموما مما حدث من تجمد وركود ، والثقافة وحدها تعتبر مسئول أولى عن تحريك الواقع والقضاء علي حالة الركود العام ، وبخاصة وقد ظهرت في الواقع وسائل توصيل جيدة تمكن المبدع خاصة والمثقف عامة من القيام بدورهما علي خير ما يرام .. ** تتهم الأجيال الجديدة بأنها لم تتسلح بالقدر الكافي من المعرفة الفنية ، في حين أن هذه المعرفة يتم اكتسابها بالتراكم عبر الزمن ،

ألا تعتقد أن التجارب تحتاج إلي الفطرة الشعرية أكثر ما تحتاج إلي الخبرة المعرفية ؟ **

لا يمكن الاعتماد علي الفطرة أو الموهبة وحدها ما لم يصاحبها تحصيل معرفي شامل يقترب من روح العصر ومنجزاته وإضافاته إلي كل الحقول ، لقد انتهي زمن الشاعر البدوي الذي ينطلق من موهبته الفطرية معتمدا علي ما اكتسبه من معايشته لأصوات من سبقوه المصحوبة بأصوات الطبيعة وما ينتج عن المعايشة المباشرة من أفكار وصور ، المبدع المعاصر أو الجديد أو الحداثي مطالب بأن يستوعب كل الأصوات والمؤثرات المحيطة به من قريب أو بعيد حتى يتمكن من القدرة علي التعبير بطريقته الخاصة عن هذا الواقع الجديد ، لا أريد أن يكون معبرا عن هذا الواقع كما ينعكس في عينيه ، وإنما أن يكون مصورا للواقع المباشر كما ينعكس علي وجدانه ولغته ورؤيته للأحداث حتى لا يظل منعزلا وهامشيا وفاقد التأثير . أحمد شوقي الشاعر الإحيائي (التقليدي) كان في زمنه مؤثرا علي الواقع العربي كله وكان صوته الشعري يتردد في صنعاء كما يتردد في بغداد وتونس ومراكش ، أين جيل محمود حسن إسماعيل وإبراهيم ناجي وغيرهم من الأصوات الرومانسية الجميلة ، وصلوا بأصواتهم إلي أقاصي الوطن العربي ، صلاح عبد الصبور وحجازي والسياب والبياتي ونزار وأدونيس وأمل دنقل ومحمود درويش وغيرهم خلقوا حالات من التقبل والتساؤل ما تزال قائمة ومؤثرة حتى الآن ، أين جيل الحداثة الجديد من هذا . ** كانت قصيدة شوقي تتصدر الصفحة الأولى من جريدة الأهرام بل كان الشعر يتصدر كل أنواع الفنون حتى أواخر الستينيات ، الأمر اختلف الآن وتم تهميش الشاعر والمثقف أيضا ؟

** ما سر هذا التهميش وكيف سقطت القصيدة من الصفحة الأولى في الأهرام إلي صفحات داخلية في بعض الجرائد التي ما تزال تحترم الكلمة الشعرية وترى لها مكانا في هذا الوجود الرديء ؟

هل سأل الشعراء بمختلف انتماءاتهم الأسلوبية عن هذا المصير الذي وصلت إليه القصيدة أو وصل إليه الشعر ؟ هل السياسة التي طغت أو كادت علي كل شيء ومعها الإعلام بكل إمكاناته المخيفة وراء كل ما حدث أم أن هناك قصورا ما في الشعر والشعراء أنفسهم أتاح الفرصة لكل من السياسة والإعلام أن يستأثر بحقل الاتصال الشامل ؟ سؤال أتنمي أن أجد من يرد عليه أو يشاركني في طرحه والإجابة عليه .

اسبيرانزا 09/01/2008 05:59

** بعد ستين عاما أو يزيد من ثورة التجربة الشعرية العربية ، لماذا انطفأت الثورة ؟ لماذا تراجعت قوتها ؟ كيف نرد الاعتبار للتجربة الشعرية الحداثية ؟ أم أنك ترى الأمر غير ذلك ؟
** أولا لا تنسي أن هذه الثورة الشعرية كما وصفتها في سؤالك رافقتها ثورة سياسية وفكرية نقلت الوطن العربي من حال إلي حال ، وليس هناك من يستطيع أن ينكر دور الثورة السياسية في مقدمتها ثورة 23 يوليو وما تركته في الواقع من آثار لا تمحى ولا تستطيع بعض الأقلام هنا وهناك أن تقلل من الزلزال الفكري والمعرفي والمادي الذي صنعته الثورة السياسية العربية ، وإذا ما وعينا ذلك فإننا نستطيع أن نقول أن الانحسار التدريجي لهذه الثورة قد رافقه انحسار مماثل في الحياة الثقافية وفي وضع الشعر بخاصة ، وهنا يستطيع أي متابع لوضع المسرح العربي في الخمسينيات والستينيات وبعض السبعينيات أن يدرك الفارق الكبير بين الأمس واليوم مع هذا الفن وحده ، وان يقيس عليه ما حدث لبقية فنون الإبداع الأدبي ..
يضاف إلي ذلك أن الصراع الذي دار داخل الكيانات السياسية أدى إلي تشرذمها وانحسارها وكذلك الشعر في الصراعات التي قامت وتقوم داخل الكيانات الإبداعية والشعرية فيها بخاصة من عموديين وتفعيليين ونثريين ، لقد تركت هذه الصراعات أو الخلافات ـ في رأيي ـ علي جسد القصيدة العربية ما تركته الخلافات السياسية والفكرية علي جسد الثورة العربية ، هناك تزامن وتكامل بين مناحي الحياة المختلفة في صنع التطور ، مهما كانت الآراء المعارضة لما أقول .


** لكن الإبداع ازدهر وتجلي في أكثر الفترات قسوة في تاريخ الإنسانية ؟
** قد أكون معك إلي حد ما فيما تطرحه وعندي وعندك أمثلة كثيرة علي ازدهار الآداب والفنون في ظل أوضاع قاسية لكن ما نعانيه نحن الآن لا يشبه بحال من الأحوال ما سبق من أوضاع أنتجت الرواية المتميزة في روسيا والفلسفة العظيمة والموسيقي في ألمانيا ، نحن نعيش في حالة خوف غير منتج وقمع غير منظور ، نحن أحرار وغير أحرار ، نحن نعيش في أقطار ديمقراطية أو هكذا تقول دساتيرها ولكن في أعماقنا يعيش خوف السنين ورعب القرون لهذا لا يقاس بنا أحد ولا نقاس بأحد

.
** برأيك كيف لنا أن نتجاوز هذا الخوف هل من سبيل ؟

** هناك سبل عديدة إلي تجاوز هذا الرعب التاريخي أهمها أن يعي كل واحد منا دوره وأن يجيد امتلاك الآليات التي تجعله يقوم بدور علي أحسن حال . الفنان الموسيقي عليه أن يركز طاقته كلها ليمتك هذا الفن في كل أبعاده وكذلك الفنان التشكيلي والشاعر ولا أريد للأخير أن يدخل عالمه الإبداعي غير مكتمل الآليات والأدوات اللغوية والفنية التي تساعد موهبته علي التحليق في فضاءات واسعة تدفعه إلي الطيران بعيدا بدلا من الاكتفاء بالتحليق في مساء الحي أو القرية أو المدينة التي يعيش فيها ، إذا أخلصنا في امتلاك القدرات التي تؤهلنا لأداء دورنا بإتقان حينئذ سوف نتحرر من الخوف ومن الخلافات والاختلافات الصغيرة والكبيرة التي تجعلنا نتطاحن ونتحارب في غير ميدان ودون مبرر .
** لا تزال قصيدة النثر موضع رفض الكثير من النقاد والشعراء الكبار عربيا ، هل تنضم إليهم أم أن لك موقف مختلف ؟ يبدو أنك انضممت إليهم ؟

** لا أريد أن أذكي نفسي وأقول انني عندما بدأت محاولتي الشعرية الأولى في أواخر الخمسينات كانت نثرية وكنت في البداية أكتب قصائد عمودية أهاجم فيها شعر الأوزان والقوافي ، وهناك دليل علي ذلك قصيدة كتبتها عام 1960 ومنشورة في ديواني الأول أو الثاني كانت تدعو إلي التحرر من سيطرة الوزن والقافية وإلي كتابة الشعر الحر (قصيدة النثر) وأتذكر من تلك القصيدة بيتا يقول :
وخرجنا نسيل شعرا مقفي رقصت روعة عليه الحمير
فهذه المقدمة تؤكد أنني علي الأقل إن لم أكن من أنصار قصيدة النثر فلست من أعدائها ، مع أن كتاباتب الكثيرة جدا والمناصرة لهذا الشكل من الشعر والذي تبنيت له مصطلحا صار معروفا في بعض الأوساط النقدية وهو (القصيدة الأجد) مقارنة بالقصيدة الجديدة التي هي قصيدة التفعيلية ، وفي كتابي (أزمة القصيدة العربية .. مشروع للتساؤل) ما يعطي إجابة شاملة في موقفي تجاه قصيدة النثر ، ولكن بعد أن اختلط الحابل بالنابل وتعالت أصوات قتل الآباء والأمهات ، فقد تراجعت موضوعيا وصرت أرى كل الأشكال الشعرية الناضجة جديرة بالبقاء والتعايش ، وأن من حق كل الزهور أن تتفتح في حديقة الإبداع الشعري عمودية كانت الزهرة أو نثرية ، المهم أن تكون زهرة وأن تحمل قدرا من ضوع الشعر ورائحة الإبداع ..


** المشهد الشعري اليمني حتما شهد ويشهد الكثير من المتغيرات مثله مثل المشهد الشعري في غيره من البلدان العربية ، هل تتابع هذا المشهد وما أهم ملامحه وكيف ترى لمستقبله

؟
** أولا ينبغي أن نعترف جميعا بأننا نعيش مناخا عربيا متشابها في الواقع السياسي والاجتماعي وما ينعكس عنهما من حالات تجاوز إبداعية وفنية ، والمشهد الشعري في اليمن ما هو إلا صورة مصغرة ربما لما يجري في القاهرة ودمشق وبغداد والمنامة والرياض سواء من حيث وجود بعض الملامح اللافتة والتي تشد إليها الأنظار أو تلك التي في طور التكوين ، ومشكلة الشاعر الشاب في اليمن هي مشكلة أخيه الشاعر في بقية العواصم العربية مع فارق لصالح الشاعر الشاب في اليمن الذي توفرت له أخيرا إمكانية النشر من أوسع الأبواب . هذه باختصار صورة المشهد الشعري في اليمن الذي يتطور أحيانا ببطء وأحيانا بسرعة غير متوقعة ، حين يلمع شاعر أو آخر فجأة وعلي غير انتظار ليقدم تجربة مثيرة ومبدعة .
إن الحركة الشعرية اليمنية حظيت باهتمام كل المهتمين بالأدب ولم يدخل شعراؤها علي اختلاف انتماءاتهم الفنية في صراعات تتشكل عنها ثأرات انتقامية ، كان هناك ولا يزال تصالح إبداعي بين كل المدارس والأشكال وكل موهبة تطرح ما لديها بالشكل أو الأسلوب الذي تؤهلها له إمكانياتها .

.
** لا تزال تجربتك مع تجربة عبد الله البردوني تمثل التجربة الشعرية اليمنية عربيا ، هل يعني ذلك أنه لم تشهد اليمن تجربة أخرى بحجم تجربتكما تستطيع الحضور عربيا ؟

** هناك تجارب شعرية لا تقل أهمية في اليمن عن هاتين التجربتين اللتين أشرت إليهما سوء بين شباب الشعراء أو من كانوا شبابا إلي وقت قريب أمثال محمد حسين هيثم وشوقي شفيق ، تستحق تجاربهم الاهتمام ، ولعل للزمن والانعاطافات التاريخية دورهما في إبراز التجربة وإهمال الأخرى ، في مصر شعراء عديدون ولكن برزت أسماء تختصر هذا الكم الكبير من الشعراء لأسباب تاريخية وفنية أيضا ليست مجانية ، من التجني القاسي والموضوعي القول بأن صلاح عبد الصبور وحجازي ودنقل وعفيفي مطر لا تعتبر تجاربهم قيمة شعرية حقيقية استحقوا عليها هذه المكانة التي يتبؤونها في حركة الشعر الحديث في مصر ، ومازال الزمن مفتوحا أمام التجارب الجديدة التي سوف تشكل بدورها قيمة ذات أهمية مستقبلية ، من هنا فاليمن الراهن واعد بأسماء وتجارب شعرية سيكون لها شأنها ومكانتها في الرصد الشعري العربي المعاصر .

** معذرة عما يمثله هذا السؤال من تقصير هل لا تزال تواصل الكتابة الشعرية وفي أي مرحلة تقف تجربتك ، حيث أن الكثير من التجارب الشعرية التي تمثل الريادة تكرر نفسها الآن ولا تضيف جديدا
؟
** أشعر الآن أنني مسكون بالشعر أكثر من أي وقت مضي ، والقصيدة التي أكتبها اليوم أفضل بكثير عما كانت عليه قصيدة المس ، وإذا كانت أجساد الشعراء تشيخ فغن مواهبهم لا تشيخ أبدا ، والذين يعتزلون كتابة الشعر هم أولئك الذين يعتزلون المتابعة الشعرية أو يركنون إلي ما قدموه من اعمال شعرية ، سأعطيك واحدا من النصوص التي كتبتها في بداية هذا العام (أنظر القصيدة صـ ) .
وأود هنا أن أنبه إلي أن عملي كرئيس لجامعة صنعاء لفترة تقترب من عشرين عاما قد أبعدني كثيرا عن كتابة الشعر ، وعندما تركت هذا العمل المرهق وتحللت من المسئوليات المباشرة عدت إلي الشعر وكتبت في أ{بعة أعوام أربعة أعمال شعرية نالت الكثير من اهتمام النقاد والشعراء ، ومن ضمنهم أدونيس وعز الدين إسماعيل وكمال أبو ديب ومحمد عبد المطلب ويمني العيد وغيرهم .


** يري البعض أن الحركة النقدية العربية فقدت الكثير من قدرتها علي مواكبة الإبداع الجديد أو أن أدواتها لم تعد صالحة ، وأيضا فقدت الكثير من الثقة ، ما هو تقييمك لأداء هذه الحركة الآن ؟
** هذه وجهة نظر تقابلها أو تعارضها وجهات نظر أخرى ، قد تكون مشكلة النقد الأدبي عربيا قائمة علي ناحيتين أولهما التركيز علي التنظير سيما في مرحلة ظهور المناهج النقدية الحديثة كالبنيوية والأسلوبية ، وثانيهما اتساع دائرة المبدعين واتساع دائرة الإبداع حيث لم يعد الشعر سوى فن واحد من مجموعة فنون تستدعي المتابعة والنقد كالرواية والقصة القصيرة والمسرح ، وهنا تشتت دور النقد التطبيقي وظهر عند المبدعين كما لو كان النقد غير موجود مع أنه يملأ الساحة ويغطي كثيرا من الأعمال الجديدة والقديمة ، كما لا يجب أن ننسي دور النقد الأكاديمي أقصد النقد داخل الجامعات والمتمثل في رسائل الماجستير والدكتوراه وفي الأبحاث البالغة الأهمية التي يكتبها أساتذة الجامعة في كليات الآداب


.
** أيضا شهدت الفترة الأخيرة تراجعا ملموسا لدور ومكانة المثقف العربي وكثيرا ما شارك المثقفون أنفسهم في ذلك ، ما هو تقييمك لهذا الدور الآن وما موقفك مما يرتكبه المثقفون من تزييف لإرادة جماهيرهم
؟


** تبدأ المشكلة وهي قديمة من سيطرة السياسي علي الثقافي ومحاولة جر المثقف إلي العمل السياسي ليقوم بدور المبرر وهو في الوقت ذاته يظهر أو يتوهم أنه يقوم بدور المصلح والمؤثر في الحياة الاجتماعية والثقافية ، وتتجسد المشكلة كأسوأ ما تكون في قصور الأحزاب السياسية وهامشيتها وتراجع دورها التنويري والاجتماعي ، وحين تفشل تعود فتلقي اللوم علي المثقف الذي لا حول له ولا قوة لا علي المناخ السياسي الذي أثبت عجزه وفشله . لماذا أنتقد تراجع دور المثقف ولا أنتقد تراجع دور الأحزاب وهي من هي في الساحة ، إن المشكلة كما أراها أكبر من أن نحمل تبعتها للمثقف وحده بعيدا عن السياسي سواء كان هذا السياسي في السلطة أو المعارضة فكلاهما يتحمل الوز الأكبر فيما وصلت إليه أحوال الأمة وما وصل إلي المثقف من انكسار وضياع دور

ه .
** لابد من انتقاد تراجع المثقف فتاريخيا يحتل دوره الصدارة ومن ثم كان رئيسيا فاعلا يتبعه أي شيء آخر ، أما الأحزاب أو ما شابه من مستحدثات فهي تالية له في الدور والمكانة ؟
** أكرر السياسي سرق دور المثقف وأبعده عن أماكن التأثير ، وقد يكون تم ذلك بإرادة المثقف نفسه ، وهنا الخطأ الكبير الذي يستحق عليه اللوم ، حيث أنه عندما لم يحاول استراجاع مكانته في الحياة وفي المجتمع بوصفه صانع تكوين الفكر النقدي وأسئلة التغيير والدفاع عن الحرية ومصلحة الإنسان

. *** نشر بمجلة الشعر (مجلة فصلية يصدرها اتحاد الاذاعة والتليفزيون المصري) العدد 122 صيف 2006

اسبيرانزا 09/01/2008 06:00

حوار مع الشاعر الفرنسى ايف بونفوا :D

اسبيرانزا 09/01/2008 06:03



حوار مع الشاعر: إيف بونفوا
الحقيقة الوحيدة هي
الكائن الإنساني المنخرط في تناهي
ه
* خلال السنوات الأخيرة أجريت الكثير من الحوارات حول الشعر, هل يعتبر ذلك تنازلا لكسلنا أم ضرورة للتفسير?

**إنه ضرورة : لأن أفهم نفسي خاصة, إنني أتم ل ص من اقتراحات الحوارات السريعة, ذات المواضيع الشفوية غالبا, وغير المهيأة جيدا والمختصرة, لأن هذه الفرص لا تؤدي إلا إلى تكرار الأفكار, بل وإفقارها لكونها تأخذ الأشكال البسيطة, لكن عندما يتاح لي أن أعبر عن طريق الكتابة, كما أفعل الآن, أهتم كثيرا بالأسئلة التي تحتاج الإجابة عنها للسرعة, ودون الاهتمام باستنفاذها, لأنه من المؤسف بالتأكيد أن لا نجعل مسعانا هو الذهاب, بقدر المستطاع, إلى عمق مشكل ما, وليكن ذلك المتعلق بالشعر مثلا, لكن ذلك يتيح بالمقابل أن نخاطر في أصعدة لم يكتمل فيها التفكير, أو هو مؤجل إلى وقت آخر. ويكون السؤال حينئذ شيئا محفزا, ويدعو إلى الذهاب إلى مكان آخر غير ذلك الذي نقف فيه عادة.
* مكان آخر : أنحو فكرة الحدث مثلا? في شعرك لا يشف الحدث إلا من بعيد. ومع ذلك فقد عشت مثلنا الراهن المرعب لزمننا.

** ها هو واحد من تلك الأسئلة التي تأخذ, في الواقع, ما نمثله عبر ما لم نتح له الفرصة ليقال, وهو سؤال أرحب به لأنه يتصل بانشغال يومي لي, بالإضافة إلى كونه مصدرا, أو تقريبا واحدا من مصدرين لمشروعي ككاتب. إنني لا أفسح مجالا للحدث, وللواقعة التاريخية, في أشعاري, لكن رفضي الإثارة المباشرة لا يعني إطلاقا, أنني غير معني بالقدر الذي يعنى به إنسان آخر بالوضعية الحالية للعالم: في الواقع يثير هذا الأخير قلقي, وحتى استنفاري, واستنكاري. وكما أنني مقتنع أن لهذا الخراب علاقة مباشرة مع وضعية الشعر, فأنا لا أجد نفسي إلا شاعرا بالإحساس بمسؤولية خاصة, ولو كانت محدودة, إن لم يكن اتجاه الأحداث, فعلى الأقل اتجاه التفسير الذي يمكن أن يعطى لها, وإعادة النظام المحتملة. لكن يتعلق الأمر إذا بأن نفهم سواء هذه العلاقة بالشعر, أو الطريقة التي يستطيع بها الشعر الوقوف في وجه الخراب. أجد نفسي مأخوذا أكثر بهذا النوع من التفكير لا بمجرد رد الفعل على الأحداث المرعبة المحيطة بنا, يوما بيوم. بناءا على ذلك أعتقد أن الشعر إذا كان طريقا للتخفيف من هذا الشقاء, فلن يكون ذلك إلا بإحياء نبعه الخاص ثانية, وإذن بأن نذهب هناك وأن نبقى في عمق العبارة العادية التي من مهامها أن تفك تشابكها مع غرائزها الشريرة واستياهاماتها.

* لنبقى مع ذلك في الحدث كما عشت ه, ما هي الذكرى التي تحتفظ بها من تحرير باريس مثلا, ومن راهن ما بعد الحرب?

** أي ذكرى? تلك الدهشة اللجية, التي أتت بعد الفرح الساذج عندما اكتشفنا في 1945 ما وقع في معتقلات الإبادة. ولكن, ولكن أيضا, ذلك الإحساس اللاواقعي الذي أعطته, في ساعة الحقيقة تلك الأفكار التي هيمنت على المجتمع الغربي ومازالت تريد الاستمرار في ذلك, مقابل بعض التبديلات: بعد أوزفيتش لم يكن الشعر هو الذي أصبح مستحيلا, كما زعم ذلك أحد الفلاسفة! ولكن بالأحرى الفلسفة! <<الأكاذيب الضافرة>>, واقتراحات الميتافيزيقا واللاهوت التي فضحها مالارميه لزعمها تأسيس الكائن, في حين أنها لم تؤسس إلا أساطير, وعدم أهليتها في الفهم أو بالأحرى الرغبة في الفهم, كانت تبدو على الصعيد (المسند) للواقع الأكثر يومية, وفي عمق العلاقة الأكثر حميمية بين الأشخاص, وذلك لانغلاقها على نفسها في الأحكام المسبقة ذات الطبيعة الاجتماعية أو الدينية, وبسبب عجز الفكر المفهومي بدون شك عن التفكير في لا معكوسية الزمان, والاستعجال في الخسارات, وواقعية الصدفة, وباختصار التناهي الملازم مع ذلك للحياة. لم يستطيع الخطاب الغربي, بالتأكيد, التنبؤ بشيء, ووقف شيء. لم يحسن الاعتراف بالقيم, والقضايا التي يحتاجها التبادل الإنساني. لقد ترك على مر العصور عقولا عظيمة تتخبط في تناقضات لا تحل, أو تنهار تحت ضربات الإيديولوجيا التي كانت أقل انهماما بالحقيقي من انشغالها بالاستيلاء على السلطة. الأنقاض كانت هنا أمام أعيننا, مدن م دمرة, إبادات جماعية, اغتصابات, وبعد الحرب, الأمل الذي لا ي قهر عبر التجارة الرأسمالية أو الستالينية, ولكن سبب هذه الآلام كان لا يزال ي حلق فوقهم, ظاهرا بشكل جيد, غمامة سوداء, وهذا أيضا كان يثير الدهشة, وهو ما كان يتطلب أن يكون إلى الأبد, ذكرانا
.
أما فيما يخص فكرة الشعر, فلم يكن أمامها إلا أن تتقوى بشكل طبيعي, في هذه الوضعية التي كان يندمج فيها التفكير مع الاكتشاف, يوما بعد يوم, لما سبب آلام المجتمع. لأن الشعر هو البحث من جديد عن التماس مع ما هو آني في الحياة, وفي العلاقات مع كائنات أخرى ستصبح مطلقة, وهذه التجربة لا يمكن أن تحدث إلا بتخليص الكلمة من الأنظمة المفهومية التي تستبدل هذا الامتلاء الممكن بتمثيلاتها المجردة, وهي لهذا السبب جزئية, أي بمعنى, متناقضة, وتضادية بالقوة, كنتائج للحرب. الشعر ليس عدو الفكر, إنه بالعكس ينتظر من العقل المدهش الذي يملكه الفكر أن ينظم هذا العالم- الذي يمكن أن يكون أجمل إذا رح بنا ولو قليلا باقتراحات الامتلاء الحقيقي. وهو ليس حتى عدو أحلام اليقظة الأكثر طوباوية, لأنه يدرك قيمة الأحلام, عندما لا تخفي طبيعتها. لكنه يمتلك وجهة نظر تتيح له نقد الفكر بطريقة جذرية, لتجرم روح النظام. إن رد فعلي على وضعية ما بعد الحرب, هو تقديري أن الشعر كان هو الواجب الأعظم, الذي كان علي إعطاءه الأولوية, ذكرى, هو أيضا, لا أريد إطلاقا الابتعاد عن
ها.
* وسارتر في هذه الظروف? عندما غادرت السوريالية سجل سارتر تخليك عنها. كيف كان إدراكك للوجودية أو موقفك من التعريف الذي أعطاه سارتر للأدب
?
** طبعا, فكرتي عن الشعر, هي ما يعطي الأفضلية, في الفلسفة, للفكر المسمى وجوديا, أي ذلك الذي يعتبر, مثل الحدس الشعري, أن الحقيقة الوحيدة, هي الكائن الإنساني المنخرط في تناهيه, أي في الصدفة والزمن. وكنت أشعر بانجذاب كبير لمطالبات شاستون التي كانت تنشطني حقا, لم أكن أشعر إلا بالإعجاب بالتناقضات المؤلمة التي عاشها كيرارد, والتي اكتشفتها من خلال الكتاب الكبير لجون وال. لكن هذا هو السبب الذي جعلني لا أحب تماما خطاب سارتر الذي كان ينغلق فيه على نفسه الاختصار المفهومي مع متعة العقل التي لا مثيل لفحشها, خاصة في مثل تلك السنوات.
لا شيء وجودي في مثل هذا الفكر الذي بلا أي قلق, والمتصف بشقاق كلي مع الشعر, وحتى بتوجس ما وضغينة انتشرت طويلا, بتأثير من سارتر في الأوساط المثقفة الأدبية بفرنسا. مع سارتر انبعثت الإيديولوجيا من جديد, الأمر الذي كان يبدو لي بقدر أكبر مضرا لأنه كان يتعلق بالكيان في العالم, من خلال كتابات روائية وفلسفية
.
لكنني لم أكن مستعدا من أجل هذا الالتحاق بم ودة هايدجر, تلك التي ارتبطت بالمرحلة الثانية للفيلسوف. سواء كنت محقا أو مخطئا فقد شعرت أن فينومينولوجيا الشعر هذه كانت تنحو أن تدعم اللغة التي تحملها بعلاقة حميمة مع حقيقة متعالية, يفترض أنها جوهر الشعري. في حين أن الشعر, الذي هو بالتأكيد لغة, لا يأخذ قيمته إلا بجعل الإمكانيات التي تمنحها له اللغة موضع تساؤل. الشعر لا يمكن تمثيله بحقيقة قابلة للصياغة, إنه ليس إلا سكة المحراث التي ت قلب الأرض التي يزرع فيها الفكر بذوره, من أجل حقائق ستبقى متناسبة مع حالات الحياة الاجتماع

اسبيرانزا 09/01/2008 06:10

* لقد اكتشفت السوريالية أثناء الحرب, ثم ابتعدت عن أندري بروتون, مع الإبقاء على إعجابك به <<لم أكرهه>> قلت عنه في كتيب حديث. وفي اللحظة التي تشت تت فيها لوحاته وأشياؤه وكتبه التي جمعها في شارع فونتان, كنت من الذين ثاروا. ما هي أهمية السوريالية بالنسبة إليك اليوم?


** بالفعل ارتدت السوريالية خلال بعض السنوات, ثم تركتها لانكرانا... وللإجابة عن سؤالك هناك عدة طرق, إحداها بالتموقع, إذا جاز القول, داخل الكتابة والبحث عن إيجاد طريقها وصوتها أيضا, من خلال الكلمة العادية: وسيتعلق الأمر حينئذ بالتفكير في طاقات ما كان يسميه بروتون الصورة, هذه القطيعة في شبكة ما تدعوه البلاغة: الأشكال (Figures) وهي وسائل الإدراك العقلي (التفهم). أصل إلى القول, أن طاقات الصورة هذه, وهي واقعية- بالإضافة إلى تلك التي حلمت بها السوريالية- أهملت اليوم كثيرا, للأسف الشديد, من إصغاء اللاشعور مثلا, الذي يعتبر ضروريا جدا للشعر.

لكنني أفضل البقاء في المستوى الذي التزمت به, الخاص بعلاقة الشعر بالمجتمع والتاريخ. أشعر شيئا فشيئا أن الديمقراطية مهددة في العالم. وشوهت في القرن العشرين بطرق عديدة وكارثية أيضا, في مجتمعات بعينها, وهذا الشقاء يتواصل, بطرق أجمل لكن هذه المسلمات مهددة اليوم في العلاقات بين الأمم أيضا, وفي اللحظة ذاتها التي يفترض أن تتيح العولمة فيها الحق لمختلف البلدان في أخذ الكلمة, لا من أجل إعطاء قيمة لثقافات متميزة- فهذا النوع من التبادل هو قضية أخرى- ولكن من أجل الآراء التي تملكها حول المشاكل الكبرى والمطالبات التي من حقها أن تؤخذ بعين الاعتبار. والحال أن الشعر, من أجل أن يرتقي إلى امتلاء تجربته, هو المكان الذي تتجلى فيه فكرة الديمقراطية للفكر ( العقل), وتضاء وتصبح إلزامية, لماذا?


لأن عمل الشعر, وقد قلت هذا سابقا, هو أن يجعل أنظمة القراءة التي يضعها الفكر المفهومي نسبية: هذه الأنظمة كما هي تمثل نسيانا للمتفرد, وللتناهي. وفي تمزق الشراع هذا يظهر الحضور الكامل للكائنات الأخرى, وإن يكن في غير مستطاعنا أن نختصرها إلى التمثيلات المجردة السابقة: يجب الاعتراف أن الغير-كما نقول بتشويه- له الحق في الوجود كما هو, وهو كما لو أنه واقف في كرامة وجوده. الشعر يمنحه الحق في وجهه, وفكره, ورغبته الخاصة. وهنا بالذات يكمن أساس النظام الديمقراطي. الشعر هو مباشرة هذا التحديد, وهذا التذكير, وهو على الفور سياسي, لكن فقط بالتجاوز السريع للفضاء البسيط للمدينة, لأن هذا الاعتراف بالآخر, هو بالقدر نفسه اعتراف بالآخر الموجود فينا, في خفايا الأنا الذي ليس هو نفسه إلا تمثيلا مفهوميا. وهكذا تنفتح الطريق أمام <<أنا>> كوني, يشكل العالم الطبيعي وحتى الفضائي أفقه.


الشعر هو تغيير الحياة,و بالقدر نفسه تجديد العلاقات الاجتماعية, يمكن أن لا يستطيع معرفة ذلك, ولكن حتى في الكلمات نفسها التي يستعملها, كلمات اللغة العادية, فهو يواصل على الأقل تكثيف التبادل الإنساني. لهذا السبب, أبديت بعد الحرب, وإن كان بطريقة مازالت غامضة, اهتماما كبيرا بالمشروع السوريالي, وفيما بعد أيضا. بروتون أيضا اعتقد أن الشعر هو الموضع الذي على العلاقة الاجتماعية أن تجدد حيويتها فيه, لتصل ليس فقط إلى عدالة أكبر ولكن إلى قوى الحياة التي توجد حاليا تحت الصاع, لقد عرف كيف يحافظ على موقفه كشاعر في تحليلاته للحدث التاريخي, وقد سبق لي أن كتب ذلك, ولكنني لا أتعب من التذكير به, والدليل على أنه كان محقا هو أنه كان الوحيد من بين من كنا نسمع لهم في هذه الفترة المليئة بالفخاخ, من ندد , في آن واحد, بكل صرامة وبدون أي رغبة في الاستسلام لليأس, بالنظامين التوتاليتاريين الكبيرين لتلك الفترة: وهو فعل شجاع كذلك لأن أخطاء وجرائم الاشتراكية الحاكمة كان مسكوتا عنها لضرورة محاربة النازي


ة.
* سؤال آخر أيضا, عن هذه السنوات, وعن فاليري. في تلك الفترة التي كنت قريبا فيها من أندري بروتون, كنت تتابع أيضا دروس بول فاليري في الكوليج دو فرانس. أكان ذلك من أجل نوع من قوة موازنة للنشاطات السوريالية?


** أقول نعم, وهذه الرغبة لم يكن لها أي علاقة بالاهتمام الذي كان يمكن أن أبديه تجاه قصائد فاليري. بالتأكيد كنت أحب الكثير منها, والتي كانت تستجيب في لانشغالات لم يستطيع الشعر السوريالي أن يخفف من حدتها. حتى وإن كانت بعض أبيات <<المقبرة البحرية>> منظورا إليها عن قرب, لا تملك صرامة الكتابة التي كان مؤلفها يستند إليها, إن هذه القصيدة في مجملها, هي تجل مقدس بليغ الأثر للعالم الطبيعي في واحدة من لحظاته ذات الراهنية الفيزيائية العظيمة, حتى يتحول الفكر إلى شهادة خالصة كما هو موجود. والالتقاء هكذا بالوضوح, هذه الوصية المتروكة من اليونان القديمة والتي احتقرها لاهوتيو الخطيئة والسقوط, كان ذلك مفيدا بالنسبة إلي, على هوامش كتابة سوريالية ح لمية ومشحونة بإفراط بالاستيهامات. من جهة أخرى, إذا كانت شعرية فاليري لا تعجبني قبل هذا بنبرتها التي تؤكد على الفعل, وعلى الموضوع الذي كانت تريد أن تراه في القصيدة, وبتقنية الكتابة, كان هناك أيضا المجذف الرائع ليندهش أكثر مني بهذا الشاعري الذي كان يفسح العنان لحزنه الملغز.


لكن القرابة الكبيرة مع فاليري شعرت بها على صعيد آخر, فإذا كانت السوريالية تصر على التأكيد على الكتابة الآلية, وتدفع من جانب آخر, وهي غالبا على صواب, إلى ردود فعل مباشرة وجماعية بالقدر نفسه على الأحداث التي كانت تقع, فإن ذلك كان في نظري, تجاهلا خطيرا للدور الذي على الكاتب النهوض به. ألم يبق هذا الأخير بالفعل, الشخص المتميز, الذي وهو يعمل ويفكر بهذا الشكل, في مكانه وبكل وسائل تفكيره, قادرا إذا أن ي جمع في وحدة رؤيته تنوع المشاكل التي يطرحها زمنه على الفكر: مما يتيح له أن يضيف إلى ممارسة الكتابة, المفتوحة في الشعر على أعماق يجهلها, عقلا قادرا على أن يرى يمينا ويسارا, بالإحساس بمسؤوليته في هذه المنطقة الزلزالية والمدهشة الخصوبة في الآن نفسه, حيث تنهض المفاهيم, المخصبة بواسطة حركات القصيدة? هذا الكاتب لم يكن بروتون إلا ليكونه, وهو قد أعجب كذلك بفاليري, ولكن فاليري كان كاتبا بطريقة أكثر اختلافا, ولا تشكلا. وإذا كان يبدو أقل شاعرية, غالبا, فإن هذا الحال لم يكن إلا ليذكر بأن التطلع الشعري يلزمه أن ينتصر تقريبا دائما على المقاومات, ولكن هذا الفعل لا يؤتي ثماره إلا إذا كان الحاجز الذي يعترضه واقعيا, وإلا فإنه لن يكون قد انتصر إلا في الحلم. يحتاج شاعر المستقبل أن يجد في ذاته شيئا من فاليري ليبلغ الشعر فعلا. ومع ذلك, فقد جاء اليوم الذي طالبتني فيه إرادتي الخاصة, وهي تنسحب من المواسم الأولى المبهمة, أن أحتج بشدة ضد الاختيارات الوجودية لفاليري

. * لقد جاء اليوم الذي درست فيه أيضا في الكوليج دو فرانس, ولم يكن الكرسي الذي شغلته فقط وببساطة كرسي <<الشعرية>> ولكن <<الدراسات المقارنة للوظيفة الشعرية>>. وتناولت دروسك: بودلير مالارميه, شكسبير, التراجيديا الإغريقية, وحتى دولاكروا أوجياكوميتي, وقد قبلت قبل هذا مهام التدريس مرات عديدة في فرنسا, وخاصة في الخارج, ومما أثار دهشتنا ونحن نرحل في عملك, الأهمية التي يحتلها النقد من حيث الحجم, والذي ينصب على شعراء أو رسامين أو نحاتين أو مهندسين, ما هي الروابط الموجودة عندك بين [الشعر والتدريس أو البحث]?


** إن هذا السؤال يتيح لي العودة إلى نقطة انطلاقنا, نهاية الحرب, إن هذه الفترة كانت حقلا من الأنقاض, أنقاض أيضا في الروح, لكن شيئا ما بقي واقفا, داخل هذا الهباء, وكان مرئيا كذلك, على الأقل لعيني, وتمثل في أعمال بعض الباحثين, وخاصة أولئك الذين لم يكن للإيديولوجيا نفوذ كبير عليهم, بسبب شغفهم بالبحث عن المعنى الأصلي لهذه الشذرة أو تلك من ماضي الإنسانية, وكانوا كثيرين منذ بداية القرن العشرين. أفكر هنا بعلماء إثنولوجيا, وألسنيين, ومؤرخي الأفكار, أو الإبداع الفني, هؤلاء المتبحرون والعلماء كانوا يشتغلون على مادة كانت في الغالب وهم فترة أخرى, وحتى لأشكال من هذه الأكاذيب, ولكن عملهم كان رغبة في الحقيقة, لكن أي حقيقة
ة?

إن تفكيك قراءات سابقة, ع رفت مثقلة بالفرضيات الميتافيزيقية وأحلام يقظة ذات طبيعة روحانية واستخراج الدلالات المنسية أو المرفوضة, أيا كانت هذه الأخيرة. ولاتمام هذا المسعى العقل, العقل البسيط. لقد بقيت هذه الأعمال محترمة بالكامل, عندما استبعدت أنواع أخرى من التفكير في 1944, ومن جانبي رأيتها ومازلت أراها دائما, كما لو أنها قريبة في العمق من الشعر. ألا يتعلق الأمر في الحالتين, بتخليص حضور ما, وحياة ما, من التمثيلات غير الملائمة التي تغلفها.
تبع ذلك وبسرعة أنني رأيت في بعض المؤرخين, والفيلولوجيين, الضفة التي يجب الالتحاق بها. منذ 1945 أدخلني رجل رائع هو لوسيان بيتون إلى مكتبته العظيمة, وأوضح لي جون وال, في كتبه, أن تاريخ الفلسفة يستطيع تأمل الانحرافات, وفي 1950 رحب بي أندري شاستل في حلقته الدراسية التي فتحها في المدرسة العليا. ولم أملك إلا أن أتورط في فخ عدد من أحلام اليقظة, بدأت في قراءة بعض المؤلفين الذين در س بعضهم في هذه المدرسة التطبيقية, أو في الكوليج دو فرانس. هكذا استعدت إيماني (ثقتي) إذا أمكن قول ذلك.

لكن لم أعتبر نفسي أبدا باحثا, ولحساب الشعر كان بحثي عن هذه الضفة. في البداية, ومثل الكثير, أحسست أن فهم ما هو الشعر, وتقرير ما يريده, وكيف يكتشف ذلك, هو المطلب الضروري لحداثة لا يكون فيها مكان للإيمانات والعقائد, لربط الشعر بتصوراتها للتعالي: ذلك على الأقل بالنسبة للبعض, الذين كنت واحد منهم, لكن فهم كيفية البحث عن القيام بذلك? ألا يجب الاحتراز من ميلنا للنظرية, التي يمكن للحلم أن يغزوها, ولإمكانياتنا المحدودة في الفهم أن تهدد بكل بساطة الشعر, وأن تبقيه مورطا في نزوات المرحلة? نعم, ولكن من دواعي السرور أن الشعر ينتمي لكل الأزمنة. وكإصلاح للمفهوم, ولد الشعر مثله من نفس واحد, أي في فجر اللغة, وولدت معه في الحال وظيفته الراهنة, وإن كان في سياق آخر, والحل, بالنسبة لمن يريد أن يسائل بطريقة سليمة هو كما يلي: لكي نتعمق أو بكل بساطة نتحقق من الفكرة التي نخاطر بطرحها: فلنطلب من شعراء ومفكري الأحقاب السابقة ما أدركوه وعاشوه من الشعر, واستطاعوا قوله, وفي هذه النقطة بالتأكيد تتجلى أهمية المساءلة العالمة لقضية الشعر. فمن يريد الخوض في فرحيل أودانتي أو شكسبير, ليجد فيهم ما يدل على معنى ما, يلزمه, وهذا ضروري أن يفهم قبل أي شيء كيف أن ما أرادوا قوله تمنع, وتخفى, وحرف في لغة بلدانهم ومرجعيات لحظتهم التاريخية, يجب بمعنى آخر اللجوء إلى أعمال مختلف الباحثين: مؤرخي الكلمات, مؤرخي الأفكار والديانات, مؤرخي الفن, وبدون توسط هذه المعرفة لا يمكن تحقيق شيء جاد. وإذا افتقد هذا, فإن كل ما ليس إلا سرابنا, سيبدو بديهة. بإيجاز, لكي نفكر في الشعر, وفيما يمكن أن يكون له من راهنية وفظاظة وحتى وحشية يجب الإنصات جيدا لما يقوله الناشر الحذر والمتواضع لنص <<الرعويات>> يجب استشارة القواميس العويصة للغة الإليزابيتية
.
أي كارثة هو الموضع المشترك, الذي نشأ عند شعراء مزيفين على هامش الرومانسية, ووفقا له فإن ارتياد المدرسة أو التعمق في المعرفة ي ضر بالشعر, الذي يلزمه أن يحافظ على تلقائيته, وقوته الانبثاقية, هذه الحرية المزعومة ليست إلا استسلاما بأيد وأرجل مقيدة, لأفكار تبسيطية لم نعد نعرف كيف نطردها من حكمنا القبلي, واستسلاما لشائعات لم نعد نعرف كيف ننقدها, إنه فراغ في الرأس ينذر الثورة الأساسية العظيمة لأن لا تكون إلا سلسلة من ثورات فلاحين, من أجل السعادة الكبيرة لأعداء الشعر, الموجودين بكثرة وفي كل مكان. الشعراء الكبار هم في الوقت نفسه كل العنف الداخلي وكل الصبر من أجل الفهم, يعرفون فخ الأمية, وأنه لا يكتسح فقط الضواح

اسبيرانزا 09/01/2008 06:20

اخر حوار مع جاك دريدا :D

اسبيرانزا 09/01/2008 06:21

جاك دريدا في حوار أخير: إنني في حرب على نفسي

ترجمة: محمد ميلاد

توقفت رحلة جاك دريدا التي بدأها بالقرب من الجزائر العاصمة سنة 1930، يوم السبت صباحا ٩ أكتوبر 2004 في باريس على إثر مرض عضال. وبموته لم تفقد الثقافة الفرنسية الفيلسوف المقروء أكثر منه في العالم والمثير للجدل فحسب بل أحد آخر شهود جيل كامل أثر بصورة عميقة في المشهد الثقافي الذي يضمّ أسماء كبرى مثل فوكو ودولوز وبورديو.

درّس دريدا بصورة اساسية في السوربون وفي دار المعلمين العليا وفي معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS)، باريس. وقد نشر على وجه الخصوص في الغراماتولوجيا (علم الكتابة) مينوي، 1967، (Schibboleth) ، من اجل بول سيلان (غاليليه، 1986)، أطياف ماركس (غاليليه، 1993). يمكن وصف كل مساره الفكري بأنه حوار بلا نهاية وبلا تنازل مع الميتافيزيقا الغربية، وبأنه »تفسير« لا يعرف الملل في تعاطيه مع ذلك التقليد الفلسفي الذي ما انفك يسائل تصوّراته. جنّد الطاقة التدميرية للأدب والفنون التشكيلية والتحليل النفساني فظل اسمه مرتبطا بثورة فكرية تسمّى »التفكيك«. صدرت اعماله الحديثة عن منشورات غاليليه: دراستان تتأملان في ما بعد الحادي عشر من سبتمبر: المارقون (voyous) و»مفهوم« الحادي عشر من سبتمبر (مع ي. هابرماس) ومجموعته الرشيقة التي تضم نصوصا توديعية للأصدقاء الراحلين (لفيناس، بلا نشو...)، وعنوانها: »فريدة هي في كل مرة، نهاية العالم«، وكذلك الجزء الذي يشكّل مقدمة كتابه »الحُملان- حوار لا ينقطع: بين لا نهايتين- القصيد«: Beliers. Le Dialogue initerrompu: entre deux infinis le poeme
وهو مخصص لموت أشخاص محبوبين ولما يسميه دريدا بـ» كوجيتو الوداع، تلك التحية التي لا رجعة بعدها«.

اسبيرانزا 09/01/2008 06:24




- لم يسبق أن كان حضورك بمثل هذا الوضوح منذ صائفة العام 2003. فأنت لم تصدر العديد من الأعمال الجديدة فحسب بل إنك جُلت عبر العالم كي تشارك في الندوات العالمية المنظَّمة حول أعمالك- من لندن الى كوامبرا Coimbra مرورا بباريس كما انك تسافر هذه الأيام الى ريو دي جانيرو. كما خُصص لك فيلم ثانٍ (دريدا، من اخراج آمي كوفمان وكيربي ديك، بعد الفيلم الأول الرائع: مع العلم أن دريدا D`ailleurs Derrida الذي أنجزته صفا فتحي سنة 2000). وخُصصت لك الكثير من الأعداد من بعض المجلات مثل ماغزين ليترير وأوروبا على وجه الخصوص كما أفردت لك كراسات هيرن Cahiers de l`Herne جزءا من أجزائها وكان غنيا بوجه خاص من حيث النصوص غير المنشورة التي ستصدر في الخريف. النشاط غزير في سنة واحدة، ومع ذلك فلا سرّ لديك، إنك...

٭ لتبُح بالأمر، إنني مصاب بمرض على جانب من الخطورة، تلك حقيقة وإنني أخضع لوسائل علاجية رهيبة. لكن لنترك ذلك جانبا، إذا شئت، فلسنا هنا من أجل تقرير صحي- عامّ او سرّي...

- فليَكُنْ. لكن لنعد في مدخل هذا الحوار الى أطياف ماركس Spectres de Marx (غاليليه، 1993). وهو عمل حاسم وكتابٌ يوقع مرحلة معينة، مخصص بأكمله لمسألة تتعلق بالعدالة في المستقبل ويُسْتسهَلّ بهذه الفاتحة المُلْغَزة:
»أحدُهُم أي أنت أو أنا يتقدم ليقول: اريد أن أتعلم فن العيش أخيرا«. بعد أكثر من عشر سنوات أين وصلت اليوم بشأن هذه الرغبة في »فن العيش
«؟

٭ الأمر يتعلق على وجه الخصوص بـ»أممية جديدة« وهو عنوان فرعي وفكرة محورية للكتاب. ومن وراء »المواطنية العالمية« cosmopolitisme ومن وراء »مواطن العالم« والدولة القومية العالمية الجديدة، يستبق هذا الكتاب كل الضرورات العاجلة »ذات النزعة العالمية المغايرة« قد يفرض علينا كما كنت أقول سنة 1993 عددا كبيرا من التحولات في القانون الدولي وفي المنظمات التي تسيّر نظام العالم (صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومجموعة الثماني، إلخ. ومنظمة الامم المتحدة بالخصوص التي لابد من تغيير ميثاقها في الأقل وتكوينها ومكان اقامتها أولا- أي أبعد ما يكون هذا المكان عن نيويورك...)

أما بخصوص القاعدة التي ذكرتها »تعلّم فنّ العيش في الأخير« فقد خطرتْ لي بعد أن أنهيت الكتاب. وهي تلعب أولا، لكن بجدّ بمعناها المشترك. فتعلُمُ فن العيش يعني النضج والتربية أيضا. ومخاطبةُ أحد الناس لتقول له: »سأعلّمك فن العيش« أحيانا بلهجة متوعّدة يعني انك تقول له سأكوّنك، بل أروّضك، ثم إن اللُّبس في هذا اللعب يهمني أكثر، هذا التأوه ينفتح أيضا على مساءلة أكثر صعوبة وهي: هل ان العيش من الأشياء التي يمكن تعلمها؟ وتدريسها؟ هل من الممكن أن نتعلم بواسطة الاختصاص discipline أم عن طريق التدرّب، عن طريق التجربة أم التجريب، كيف نَقْبل بالحياة بل كيف نؤكدها؟ ينعكس عبر الكتاب بأسره صدى هذا الانشغال بالموروث وبالموت. وهو انشغال يؤرق كذلك الأولياء وأطفالهم: متى ستصبح مسؤولا؟ كيف ستجيب في النهاية عن أمر يهم حياتك ويهم اسمك؟
وفيما يخصني- للاجابة دون مواربات على سؤالك- فإنني لم أتعلم أبدا فن العيش.؟ الأمر غير مطروح البتة! فتعلُّم فن العيش يفترض ضمنيا تعلّم الموت وأن يُدمج المرء في حسابه لقبول ذلك، حالة الموت المطلق (دون نجاة ودون بعث ودون خلاص [على يد المسيح]- ولا يصح الأمر بالنسبة الى الذات بل بالنسبة الى الآخر كذلك. ومنذ افلاطون لا يزال الأمر الفلسفي القديم قائما: حقيقة التفلسف تعني أن نتعلم كيف نموت.

إنني أعتقد بهذه الحقيقة دون الخضوع لها، وبصورة متناقضة. لم اتعلم القبول بالموت، كلنا أحياء مع تأجيل الموت (وينطبق التأكيد من وجهة النظر الجيوسياسية لكتاب أطياف ماركس- في عالم لا متكافئ أكثر من أي وقت مضى- على مليارات الأحياء، سواء أكانوا من البشر أم لم يكونوا، وقد مُنع عنهم- بالإضافة الى »حقوق الانسان« الأساسية التي ترجع الى قرنين من الزمن والتي تغتني بلا انقطاع - حقّهُم أولا في حياة جديرة بأن تُعاش). لكنني أظل غير قابل للتربية بالنسبة الى الحكمة المتعلقة بتعلم الموت. لم أتعلّم بعد ولم أكتسب أي شيء بهذا الصدد. وزمن وقت التنفيذ يضيق بشكل متسارع. ولا يعود ذلك الى مجرد كوني وريثا مع آخرين لعديد الأشياء الحسنة أو الرهيبة: ففي كثير من الاحيان، بحكم ان معظم المفكرين الذين أجد نفسي مُلحقا بهم قد ماتوا، يتم التعاطي معي بوصفي الباقي على قيد الحياة survivant : أي الممثل الأخير لـ»جيل« هو جيل الستينيات اجمالا؛ وهو أمر وإن لم يكن صحيحا تماما، فهو لا يوحي إليّ باعتراضات فقط بل بمشاعر تمرّد ممزوج بشيء من الكآبة. وبما ان بعض المشاكل الصحية علاوة على ذلك اصبحت ملحة، فإن مسألة البقاء او التأجيل التي سكنتني تماما على الدوام، في كل لحظة من لحظات حياتي، بصورة ملموسة ودون كلل، تتلوّن اليوم بلون آخر.

لقد اهتممت دائما بهذه المبحثية thematique الخاصة بالبقاء الذي لا ينضاف معناه لفعل العيش او فعل الموت. فالبقاء شيء أصلي: والحياة تعني البقاء. إن البقاء بالمعنى الشائع يعني مواصلة الحياة لكن كذلك الحياة بعد الموت. وبصدد الترجمة يشدّد فولتر بنجامين على التمييز بين البقاء بعد الموت من جهة uberleben مثلما يمكن لكتاب ان يعيش بعد موت مؤلفه او طفل ان يواصل الحياة بعد موت الوالدين وبين مواصلة الحياة من جهة أخرى fortleben living on . كل التصورات التي ساعدتني على العمل ولا سيما تصور الأثر او تصور الطيفي spectral كانت مرتبطة بـ»البقاء« بوصفه بعدا بنائيا. فهذا البعد لا ينحدر من فعل العيش أو فعل الموت. وهو لا يعدو أن يكون »المأتم الأصلي« وهذا الأخير لا ينتظر الموت الذي يعتبر »فعليا«.

- قد استعملت كلمة »جيل« وهو مفهوم دقيق الاستخدام، يتكرر في كتاباتك فكيف يتم تحديد ما ينتقل من جيل الى جيل بالنسبة إليك؟

٭ انني استخدم هنا هذه الكلمة بصورة فضفاضة تقريبا. يستطيع المرء ان يكون معاصرا و»خارج التاريخ« بالنسبة الى جيل سابق او جيل قادم. وحقيقة ان يكون المرء وفيّا للذين ينتسبون الى »جيلي« وأن أنصّب نفسي حارسا لتراث متمايز لكنه مشترك ذلك يعني شيئين: أولا التمسك بوجه الاحتمال- ازاء كل شيء وازاء الجميع- بمقتضيات متفق عليها بدءاً بلاكان الى ألتوسير ومرورا بلفيناس وفوكو وبارط وديلوز وبلانشو وليوتار وسارا كوفمان... الخ.!
دون ذكر العديد من المفكرين الكتّاب والشعراء والفلاسفة أو المحللين النفسيين الاحياء لحسن الحظ الذين كنت و ريثهم ايضا، وآخرين بلا ريب من الخارج وهم أكثر عدداً وأحياناً أكثر قرابة.


إنني أشير هنا من خلال الكناية metonymie الى جبلّة ethos للكتابة والتفكير، عنيدة بل غير قابلة للفساد incorruptible (تلقبنا هيلين سيكسو Helene Sixous بـ»غير القابلين للفساد«)، ودون تنازل بالنسبة الى الفلسفة، وهي لا تستسلم لعملية التخويف مما قد يفرضه علينا الرأي العام ووسائل الاتصال أو الاستيهام الخاص بجمهور القراء ذي التأثير المُرهب، من تبسيط وكبت. وذلك ممّا يفسّر الميل الصارم للتجويد raffinement والمفارقة والصعوبة المنطقية [للجمع بين رأيين متعارضين aporie ].

هذا التفضيل يبقى كذلك ضرورة. وهو لا يجمع فقط الاسماء التي ذكرتها بصورة اعتباطية تقريبا أي بصورة غير عادلة بل كذلك الوسط الذي كان يدعمهم. كان الامر يتعلق بنوع من العهد الذي قد انقضى وقتياً وليس بهذا الشخص او ذاك وحسب. فلابد من انقاذ ذلك او احيائه من جديد بأي ثمن. وهذه المسؤولية اليوم مسؤولية عاجلة وهي تستدعي حربا لا تلين على الرأي الجامد Doxa وعلى الذين اصبحنا نسميهم بالـ»مثقفين الاعلاميين« وعلى الخطاب العام الذي تحدد شكله السلطات الاعلامية المحتكرة بدورها بين أيدي مجموعات اللوبي السياسي- الاقصادي التي تهيمن في الغالب على قطاع النشر وعلى المجال الاكاديمي كذلك؛ في الاوساط الاوروبية والعالمية دائما بطبيعة الحال. المقاومة لا تعني وجوب تحاشي وسائل الاعلام. بل يجب، عندما تتوفر الامكانية، تطوير هذه الوسائل ومساعدتها على التنوع وتوظيفها من اجل تلك المسؤولية.

وفي الوقت نفسه، لا يجب أن ننسى أن في ذلك العهد »السعيد« لا شيء حقا قد كان يخدم المصالحة. كانت الاختلافات والخلافات على اشدها في ذلك الوسط الذي يمكن نعته بأي شيء ما عدا أن يكون متجانسا مثل ما قد يمكن جمعه على سبيل المثال تحت تسمية بلهاء من نوع »فكر٨٦« الذي غالبا ما يهيمن اليوم الشعار mot d`odre الخاص به وعنصر التهمة chef d`accusation على الصحافة وعلى الجامعة. غير ان هذا الوفاء- وان اتخذ احيانا شكل الخيانة والانزياح، لابد من الوفاء لتلك الاختلافات، أي مواصلة المناقشة. إنني فيما يخصني أواصل المناقشة- على سبيل المثال مع بورديو، لا كان، ديلوز، فوكو الذين يهمونني دائما اكثر بكثير من أولئك الذين تتهافت الصحافة عليهم اليوم (مع بعض الاستثناءات بطبيعة الحال)،. إنني أحافظ على هذا السجال حيا لكي لا يصبح مسطحا او ينحدر الى الاساليب التحقيرية.

ما قلته عن جيلي صالح بطبيعة الحال بالنسبة الى الماضي من التوراة الى افلاطون وكنط وماركس وفرويد وهيدغر، إلخ. لا أريد أن اتخلى عن أي شيء، لا يمكنني ذلك. أنتَ تعلم ان تعلّم فن العيش مسألة نرجسية دائما: نريد أن نعيش ما استطعنا سبيلا، نريد أن ننجو وأن نثابر وأن ننميّ كل تلك الأشياء التي- وان اصبحت في غاية الضخامة والقوة بالنسبة الى الذات- فهي تنتمي مع ذلك الى هذه »الأنا« الصغيرة، وهي أشياء تطغى على هذه الاخيرة من كل جانب.

عندما يًطلب مني التخلي عما ساهم في تكويني وعما أحببت الى حدّ بعيد فكأنما يُطلب مني أن أموت، في ذلك الوفاء ثمة نوع من غريزة الحفاظ على الوجود instint de conservation . إن التخلي مثلا عن صعوبة في الصياغة ، عن طيّة، عن مفارقة، عن تناقض اضافي لأن ذلك لم يُفهم بل لأن هذا الصحفي الذي لا يحسن قراءة هذا التناقض- بل انه لا يحسن قراءة عنوان الكتاب نفسه- يعتقد بأن القارئ أو المستمع لن يفهم أكثر وبأن النسبة المتابعة [في وسائل الاعلام] او مورد رزقه سيتأثران- كل ذلك يمثل بالنسبة لي بذاءة غير مقبولة. كأنما يُطلب مني أن أنحني وأن أخضع للاستعباد- او ان أموت لفرط البلاهة.

اسبيرانزا 09/01/2008 06:26

قد ابتكرت شكلا وكتابة من أجل البقاء survivance تطابق ذلك التلهف على الوفاء. وهي كتابة الوعد الموروث والأثر الباقي trace sauvegardee والمسؤولية المفوّضة للآخر.

٭ لو كنت ابتكر كتابتي لجعلت من ذلك ثورة دائمة. في كل وضعية، يجب خلق صيغة عرض ملائمة واكتشاف الحدَث المتفرد واقامة وزن للمتلقي المتوقَّع او المرغوب فيه؛ كما يجب الادعاء في نفس الوقت بأن هذه الكتابة ستحدّد القارئ الذي سيتعلم قراءة ذلك (وبالتالي سيتعلم »العيش«)، وهي كتابة لا عهد له بها من جهة أخرى. ويُؤمل أن يولد القارئ مجدداً وفق تحديد مغاير: وكمثال على ذلك، تلك التطعيمات التي لا لبس فيها للشعري poetique على الفلسفي أو بعض الأساليب لاستخدام الجناس homonymies وما لا يُبثُ في أمره وحيل اللغة- أي تلك التطعيمات التي يقرأها معظم الناس ملتبسة لكي يتبيّنوا الضرورة المنطقية بمعناها الدقيق.
كل كتاب هو تربية [بيداغوجيا] موجهّة لتكوين القارئ. فالنتاجات الجماهيرية التي تجتاح الصحافة والنشر لا تكوّن القراء بل هي تفترض بصورة استيهامية قارئا مبرمجا مسبّقا، حتى انتهى بها الأمر الى تشكيل هذا المتلقي المتواضع الذي طرحته مسبّقا كمسلّمة. والحال ان انشغالي بالوفاء، مثلما تقول، في وقت يستلزم مني أن اترك أثرا ما، يجعلني لا أستطيع إلا أن أهيئ هذا الأثر لأي كان؛ بل انني لا أستطيع أن أوجهّه الى أحد ما بشكل خاص.
في كل مرة مهما بلغت درجة وفائنا، نكون بصدد خيانة خصوصية الآخر الذي نتوجه اليه. وبالأحرى، عندما نؤلف كتبا ذات طابع عمومي جدا: لأننا لا نعرف القارئ الذي نتوجه اليه فإننا نبتكر ونختلق أطيافا، لكن ذلك ليس من ممتلكاتنا. تبتعد عنا كل تلك الاشارات سواءٌ أكانت شفهية أو مكتوبة وتشرع في التحرك بصورة مستقلة عنّا، مثلما هو شأن المَكَنات، وفي أحسن الحالات مثل الّدمى- إني أبيّن ذلك بشكل افضل في كتابي ورق المكنة Papier machine (غاليليه، 2001)، عندما أسمح (بنشر) كتابـ»ي« (ولا أحد يجبرني على ذلك) فانني أصبح (الظاهر والمختفي) مثل ذلك الطيف المتعذر تأديبه الذي لم يكن قد تعلّم فن العيش مُطلقا. إن الأثر الذي أتركه يعني بالنسبة لي موتي الذي سيأتي أو موتي الذي قد حدث وأملي في أن يبقى بعدي. وليس الأمر توقا للخلود بل ان المسألة بنائية. أترك في مكان ما قصاصة ورق ثم أمضي وأموت: من المستحيل أن اغادر هذه البنية فهي شكل حياتي الدائم. كلما تركت شيئا ما يمضي، فانني أعيش موتي في الكتابة. المحنة القصوى: هي أن نخسر ما نمتلك دون أن نعرف بدقة الشخص الذي يُعهد إليه بالشيء الذي نتركه. من سيرث وكيف؟ هل سيكون ثمة ورثة؟ هذا سؤال يمكن أن نطرحه اليوم على أنفسنا أكثر من أي وقت مضى. وهو يشغلني باستمرار.
زمن ثقافتنا القائمة على التقنية techno-culture قد تغيّر جذريا في هذا الصدد. قد تعوّد المنتسبون الى »جيلي« وبالاحرى الى الاجيال السابقة على ايقاع تاريخي معيّن: فكان يسود اعتقاد بأن هذا العمل او ذاك يمكن أن يبقى او ألاّ يبقى حيّا، تبعا لمزاياه مدة سنة او سنتين بل مثل أفلاطون مدة خمسة وعشرين قرنا. غير أن تسارع ضروب الأرشفة اليوم بل تسارع التلف والإبادة كذلك أشياء تغيّر بنية الموروث وزمنيته. أما بالنسبة الى الفكر فإن مسألة البقاء ستتخذ أشكالا غير متوقعة بالمرة.
في عمري هذا، أنا مستعد لأكثر الفرضيات تناقضا بهذا الشأن: وإني أحس في نفس الوقت، وأرجو أن تصد\قني، بشعوريْن، فمن جهة سأقول معبرا عن ذلك مبتسما وبلا احتشام، إن الناس في الواقع لم يشرعوا في قراءتي وإن الأمر سيحظى بالظهور فيما بعد، عندما يتوفر حقاً الكثير من القراء الممتازين (ربما بضعة عشرات من العالم)؛ ومن جهة أخرى فلا شيء سيبقى على الاطلاق بعد خمسة عشر يوما أو بعد شهر على موتي، سوى ما يحفظه الايداع القانوني في المكتبة. أؤكد لك انني أؤمن بصدق وفي الوقت نفسه بهاتين الفرضيتين.

- في صلب ما تؤمله، توجد اللغة واللغة الفرنسية أولا. وعندما نقرؤك ، نحس في كل سطر بشدة شغفك بها. وفي كتابك أحادية لغة الآخر Le Monolinguisme de l`autre (غاليليه، 1996)، ستذهب الى حدّ تقديم نفسك بتهكم بوصفك »آخر المدافعين عن اللغة الفرنسية والمعبّرين عنها«..

٭ وهي ليست ملكي رغم انها الوحيدة التي »أجدها« تحت تصرفي (ومع التحفظ أيضا!). تجربة اللغة ترتبط بالحياة بطبيعة الحال، وهي ترتبط بالموت إذن. ولا طرافة في ذلك. وقد جعلتْ مني الطوارئ يهوديا من يهود فرنسا في الجزائر المنتسبين الى الجيل المولود قبل »حرب التحرير«: وهذه كلها خصوصيات، ضمن اليهود بالذات وضمن يهود الجزائر أنفسهم. كما ساهمتُ في تحوّل عجيب لليهودية الفرنسية في الجزائر: فقد ظلّ والدو أجدادي قريبين جدا من العرب بواسطة اللغة والعادات... إلخ.
بعد صدور مرسوم كريميو decret Cremieux (1879) في نهاية القرن التاسع عشر، تَبَرجَز الجيل الموالي: فقد ربّتْ جدتي بناتها كما كانت تُربي البرجوازيات الباريسيات (حسب أفضل الاساليب المتبعة في الدائرة السادسة عشرة، وبتلقي دروس في البيانو...) رغم انها تزوجت سرا تقريبا في الساحة الخلفية لعُمديّة في الجزائر العاصمة بسبب حركة استئصال اليهود pogroms (في غمرة قضية دريفوس). ثم أتى جيل والديّ: وهو يتكون من القليل من المثقفين، ومن التجار بالأخص، سواء أكانوا من المتواضعين أم لم يكونوا، من بينهم أولئك الذين كانوا يستغلّون الوضعية الاستعمارية ليقوموا بالتمثيل الحصري للعلامات التجارية الكبرى في العاصمة: فبتهيئة مكتب صغير ذي عشرة امتار مربّعة، دون سكرتير، يمكن تمثيل كل »صابون مرسيليا« في افريقيا الشمالية- وإني هنا أبسّط الأمر قليلا.
ثم أتى جيلي (ومعظمه يتكوّن من المثقفين المنتسبين الى المهن الحرة والتعليم والطب والقانون... إلخ). وتحوّل كل هؤلاء تقريبا الى فرنسا سنة 1962. أما أنا فقد انتقلت إليها قبل ذلك أي سنة (1949). وفي عهدي أنا كانت قد بدأتْ- وفي كلامي شيء من المبالغة- الزيجات »المختلطة«، بصورة شبه مأساوية وثورية ونادرة وغير معلومة العواقب. ومثلما أحب الحياة وأحب حياتي فإني أحب ما قد شكّلني والذي تمثل اللغة مجاله الحيوي نفسه، تلك اللغة الوحيدة التي علّموني كيف أُعنى بها وهي أيضا الوحيدة التي يمكنني أن أقول إنني مسؤول عنها تقريبا.
لهذا توجد في كتابتي طريقة في تناول هذه اللغة لن أقول إنها شاذة بل هي عنيفة شيئا ما. فالحب عموما يمر عبر حب اللغة وهو ليس قوميَّ النزعة ولا محافظا، لكنه يقتضي البراهين، ويقتضي التجارب. لا نصنع أي شيء باللغة فهي موجودة قبلنا وتبقى بعدنا. إذا ألحقنا باللغة شيئا، علينا أن نفعل ذلك بطريقة مُرهفة محترمين في اللااحترام قانونها الخفيّ. ذلك هو الوفاء غير الوفيّ: فعندما أغصبُ اللغة الفرنسية على شيء إنما اصنع ذلك باحترام، مُرهفٍ لما أعتقد أنه من أوامر هذه اللغة في حياتها وفي تطورها. إنني لا أقرأ دون أن أبتسم وأحيانا باحتقار أولئك الذين يعتقدون بأنهم يغتصبون دون حب في الحقيقة رسم الكلمات او النحو »الكلاسيكييْن« لفرنسية معينة، بهيئة صبيان لا يتجاوزون القذف السريع puceaxa ejaculation precoce ، بينما تشاهدهم اللغة الفرنسية العظيمة يفعلون ذلك وهي بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى، ثم تنتظر من سيأتيها. إنني أصف هذا المشهد المثير للسخرية بصورة قاسية نوعا ما في كتابي البطاقة البريدية La Carte postale (فلامريون، 198.
إن ترك آثار في تاريخ اللغة الفرنسية هو الذي يهمني. فأنا أحيا بهذا الشغف، إن لم يكن من أجل فرنسا فهو على الأقل من أجل شيء ما قد انصهر فيها منذ قرون. وأرى أنني اذا كنت أحب هذه اللغة مثلما أحب حياتي وأحيانا أكثر مما يحبها هذا الشخص أو ذاك من اصل فرنسي، فإنني أحبها كأجنبي قد تمت استضافته وقد تَمَلَّك هذه اللغة بوصفها اللغة الوحيدة الممكنة بالنسبة إليه. فهي شغف ومجال للتنافس الدائم.
كل فرنسيي الجزائر يقاسمونني ذلك، سواءٌ أكانوا يهودا أم لم يكونوا. وكان القادمون من عاصمة الدولة الاستعمارية غرباء مع ذلك: بوصفهم مضطهدين ومعياريين ومناصرين للتسوية ودعاة للأخلاق. كان ذلك يشكل ثوبا خارجيا ومظهرا للتطبع habitus وكان يجب الخضوع. عندما كان يحل أستاذ من عاصمة الدولة الاستعمارية بنبرته الفرنسية، كان يُعتبر مدعاة للسخرية! من هنا تأتي روح التنافس الدائم: فليس لي سوى لغة واحدة، وفي نفس الوقت فإنني لا أمتلك هذه اللغة. وقد هيَّجتْ حكاية متفردة هذا القانون الكوني في داخلي: فاللغة لا تُمتلك، بصورة طبيعية وجوهرية. ويفسّر ذلك استيهامات الملكية ونزعة التملّك والفرض الاستعماري.

- غالبا ما تجد صعوبة في أن تقول »نحن«- »نحن الفلاسفة«، أو »نحن اليهود« على سبيل المثال. لكن بقدر ما تنتشر الفوضى العالمية الجديدة، يقلّ تحفّظك شيئا فشيئا للقول: »نحن الأوروبيون«. وقد سبق وأن قدّمت نفسك في كتابك الرأس الآخر L`Autre Cap (غاليليه، 1991) الذي ألفته في أثناء حرب الخليج الأولى بوصفك »أوروبيا، قديما« أو »صنفا من الخلاسيين الاوروبيين«.

٭ سأذكّر بشيئين: أولا إنني أجد صعوبة بالفعل في أن أقول »نحن«، لكن يعرضُ لي قولُ ذلك. ورغم كل المسائل التي تعذّبني في هذا الشأن بدءاً بالسياسة الكارثية التي تمارسها اسرائيل- وتمارسها صهيونية معينة (ذلك أن اسرائيل لا تمثل في نظري الديانة اليهودية بقدر ما تمثل الشتات اليهودي diaspora وهي لا تمثل الصهيونية العالمية أو الاصلية التي كانت متعددة ومتناقضة، فثمة من جهة أخرى كذلك سلفيون مسيحيون يزعمون أنهم صهاينة أصليون في الولايات المتحدة الأمريكية. وقوة مجموعاتهم اللوبية مؤثرة أكثر من التجمع communaute اليهودي الأمريكي دون الحديث عن التجمع السعودي حسب التوجه المشترك للسياسة الأمريكية- الاسرائيلية)- واذن رغم ذلك كله ورغم العديد من المشكلات الأخرى التي لديّ مع »يهوديتي« فإنني لن أنكرها مطلقا.

اسبيرانزا 09/01/2008 06:28

سأقول دائما، في وضعيات معينة »نحن اليهود«. هذه الـ»نحن« المؤرقة الى حدّ بعيد موجودة في صميم ما يشغلني أكثر من سواه في فكري أي فكر من سميته بشبه ابتسامة »آخر اليهود«. وقد تكون الصفة اليهودية في فكري ما يقوله ارسطو بعمق عن الصلاة (eukhe): إنها ليست بالصحيحة ولا الزائفة، وهي من جهة أخرى صلاة بالتمام. فلن أتردد إذن في وضعيات معينة في قول »نحن اليهود« وكذلك »نحن الفرنسيون«.
ثم إنني منذ بداية عملي، أي عملي المتعلق بـ»التفكيك« بالأخص ظللت محافظا الى أبعد حد على حسّي النقدي بالنسبة الى المركزية الأوروبية، من حيث حداثة صياغاتها عند فاليري وهوسرل او هيدغر على سبيل المثال. فالتفكيك عموما هو مشروع اعتبره الكثير- عن صواب- بمثابة ريبة بخصوص كل شكل من اشكال المركزية الاوروبية. وعندما يحدث اليوم أن أقول »نحن الأوروبيون«، يكون الأمر ظرفيا ومختلفا جدا. فكل ما هو قابل للتفكيك في التقليد الاوروبي لا يمنع في الحقيقة بسبب ما حدث في أوروبا وبسبب الأنوار وبسبب انحسار تلك القارة الصغيرة وجسامة مسؤوليتها التي سترعد ثقافتها (الكليانية والنازية والمجازر الجماعية وإبادة اليهود والاستعمار وإزالة الاستعمار... إلخ)، [لا يمنع] اليوم أوروبا وهي أوروبا جديدة لكن بنفس الذاكرة- في الوضعية الجيوسياسية التي هي وضعيتنا- من امكانية ان تتوحد (وتلك رغبتي على اية حال) في آن واحد ضد سياسة الهيمنة الامريكية (تقرير فولفويتز، تشيني، رامسفيلد... الخ). وضد ثيوقراطية عربية- اسلامية دون (أنوار) ودون مستقبل سياسي (لكن علينا ألاّ نهمل التناقضات والتباينات بين هاتين المجموعتين ولنتحالفْ مع أولئك الذين يقاومون في الداخل هاتين الكتلتين). تجد أوروبا نفسها خاضعة لأمر الاضطلاع بمسؤولية جديدة. إنني لا أتحدث عن المجموعة الأوروبية مثلما هي موجودة أو تتشكل ملامحها من خلال أغلبيتها الحالية (ليبرالية جديدة) وتتهددها افتراضيا الكثير من الحروب الداخلية، بل إنني أتحدث عن أوروبا مستقبلية وهي بصدد البحث عن نفسها؛ في أوروبا (»الجغرافية«) وخارجها. وما يُسمى - جبريا - algebriquement بـ»أوروبا« كيانٌ لديه مسؤوليات عليه أن يضطلع بها من أجل مستقبل الانسانية ومن أجل مستقبل القانون الدولي- هذا هو إيماني وهذا هو اعتقادي. وهنا لن اتردد في القول »نحن الاوروبيون«. لا يتعلق الأمر بأن نتمنى لأوروبا أن تتشكل كقوة عسكرية عظمى - أخرى وأن توازن الكتل الأخرى بل نريد لها أن تأتي لتبذر بذرة سياسة عالمية أخرى. وهي بالنسبة لي الخلاص الوحيد الممكن.

إن هذه القوة على الطريق. وإن كانت دوافعها لا تزال ملتبسة. وأعتقد أن لا شيء سيوقفها اطلاقا. عندما أقول: اوروبا، فإني أعني ما يلي: أوروبا ذات نزعة عالمية مغايرة altermendialiste تغيّر مفهوم السيادة والقانون الدولي والتطبيقات الخاصة بهما. وتكون مجهّزة بقوة عسكرية حقيقية، مستقلة عن منظمة حلف شمال الاطلسي وعن الولايات المتحدة الامريكية أي بقوة عسكرية لا هجومية ولا دفاعية ولا استباقية تتدخل دون تأخير لتطبيق قرارات تصبح محترمة في النهاية من قبل منظمة جديدة للامم المتحدة (تتدخل على سبيل المثال على وجه السرعة في اسرائيل وفي أماكن أخرى كذلك). وأوروبا هي أيضا المكان الذي يمكن انطلاقا منه أن نتأمل بصورة أفضل في شأن بعض أوجه اللائيكية مثلا، او العدالة الاجتماعية والكثير من الموروثات الاوروبية.
ما أسميه »تفكيكا«، وإن كان موجّها عكس شيء معيّن ينتمي الى أوروبا، فهو اوروبي وهو حصيلة وعلاقة بالذات بالنسبة الى أوروبا كتجربة للغيرية الجذرية. منذ عهد الأنوار، تمارس اوروبا النقد الذاتي باستمرار، وفي هذا الموروث القابل للتحسين يوجد وعد بالمستقبل. وإنني اريد على الاقل أن أطمح لذلك، وهو ما يغذي سخطي إزاء خطابات تدين أوروبا نهائيا كما لو انها لم تكن سوى المكان الذي تدور فيه جرائمها.

- بخصوص أوروبا، ألست في حرب على نفسك، فمن جهة أنت تسجّل ان اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر تدمر القواعد الجغرافية القديمة للقوى المطلقة موقّعة بذلك أزمة تصوّر معيّن للسياسة تعتبره أنت خاصا بأوروبا؛ ومن جهة أخرى تصرّ على الارتباط بتلك الروح الاوروبية وبالمَثَل الأعلى الكوزموبولياني أولا بالنسبة الى قانون دولي تصف في واقع الأمر مدى تدهوره، أم هل أن الأمر يتعلق بمسألة البقاء؟..
.


٭ يجب »استنهاض« (Aufheben) الشأن الكوسموبوليتيكي (أنظروا أيها المواطنون العالميون في كل البلدان، لابد من المزيد من الجهد!
Cosmopolites de tous les pays encore un effert!، غاليليه، 1997).
عندما نقول (بوليتيك) فإننا نستخدم كلمة يونانية وتصورا اوروبيا قد افترض الدولة دائما، وشرط (المدينة) polis المرتبط بالأرض القومية وبالانتساب للموطن الاصلي. ومهما كانت الوقائع داخل هذا التاريخ يظل هذا التصوّر للشأن السياسي مسيطرا في نفس اللحظة التي تقوم فيها الكثير من القوى بتمزيقه: فسيادة الدولة لم تعد مرتبطة بالاقليم ولا بتكنولوجيات التواصل والاستراتيجيا العسكرية، وهذا التمزيق يدفع بالفعل بالتصور الاوروبي القديم للشأن السياسي الى الازمة، وكذلك يفعل بتصوّر الحرب وتصور التمييز بين المجال المدني والمجال العسكري وتصوّر الارهاب القومي او العالمي.
لكنني لا أعتقد بأن علينا أن نحتدّ ضد الشأن السياسي. وكذلك هو الأمر بالنسبة للسيادة التي أعتقد انها نافعة في بعض الوضعيات، لمقاومة بعض القوى العالمية للسوق على سبيل المثال. ويتعلق الأمر هنا أيضا بموروث اوروبي لابد من الحفاظ عليه وتغييره في آن واحد. وهو ما صرحت به كذلك في كتابي المارقون Vouous (غاليليه، 2003)، عن الديمقراطية باعتبارها فكرة أوروبية لم يسبق لها ابدا في نفس الوقت وأن تحققت بصورة مرضية، وتظل من الأشياء المأمولة في المستقبل. وستجد عندي بالفعل هذا السلوك على الدوام والذي لا أجد له تعليلا نهائيا سوى انني أنا نفسي وليس غيري، أقف في نفس المنطقة.
إنني في حرب على نفسي بالفعل ولا تستطيع أن تدرك الى أي مدى- وأبعد مما تخمّن - عندما أقول أشياء متناقضة تكون بصراحة متوترة بصورة فعلية، تبنيني هذه الأشياء وتجعلني أعيش وستجعلني أموت. أنظرُ الى هذه الحرب احيانا بوصفها حربا مرعبة وقاسية لكنني ادرك في الوقت نفسه انها الحياة. ولن تقرّ عيني إلا في راحتي الأبدية. إذن لا أستطيع القول بأني أتحمّل هذا التناقض لكنني أيضا أعلم جيدا أن ذلك هو ما يبقيني حيا ويجعلني أطرح السؤال الذي كنت أنت قد طرحته: »كيف يتعلم المرء فنّ العيش؟«.

- في كتابيْك الصادريْن حديثا (فريدة هي في كل مرة نهاية العالم Chaque fois unique la fin du monde وحُملان Beliers ، غاليليه، 2003)، عدت الى مسألة الخلاص الهامة والحداد المستحيل وبكلمة واحدة مسألة البقاء. فإذا كان من الممكن تحديد الفلسفة بوصفها »الاستباق المنشغل بالموت« (أنظر rne الموت Donner la mort ، غاليليه، 1999)، فهل نستطيع ان نتصور »التفكيك« بمثابة إتيكا [فن لممارسة الذات] للباقي على قيد الحياة.

مثلما سبق وأن ذكرّت بذلك منذ البداية وقبل التجارب الخاصة بمواصلة البقاء survivance بكثيرٍ، أي تلك التي اصبحت الآن تجاربي، أشرت الى أن البقاء تصوّر مبتكر يشكّل نفس البنية لما نسميه الوجود، الدزاين Da-sein ، إذا شئت، إننا من الباقين- على الصعيد البنائي- الموسومين بتلك البنية الخاصة بالأثر trace والوصية. ولكنني لا أريد- بعد قولي هذا- أن يُطلقَ العنان للتأويل الذي تُعتبر بحسبه مواصلةُ البقاء أقرب الى جهة الموت والماضي، منها الى جهة الحياة والمستقبل. كلاّ ، فالتفكيك موجود دائما الى جانب الـ نعم، وتأكيد الحياة.

كل ما أقوله- انطلاقا من خطوات Pas على الأقل (ضمن أنحاء Parages ، غاليليه، 1986)- عن البقاء بوصفه تعقيدا للتعارض (حياة- موت) ينبع لديّ من تأكيد غير مشروط للحياة. فما يتبقى حيّا survivance هو الحياة فيما وراء الحياة وهو الحياة أكثر من الحياة، ولا علاقة للخطاب الذي أقيمه بجلب الموت، بل على العكس هو تأكيد الحيّ الذي يفضّل العيش والبقاء على الموت، لأن البقاء ليس فقط ما يمكُث بل هو الحياة الأكثر كثافة ممكنة. وإنني لا أكون ابدا مسكونا بضرورة الموت الى هذا الحدّ إلاّ في لحظات السعادة والاستمتاع. إن الاستمتاع وبكاء الموت الذي يترصّدنا أمر واحد. وعندما أتذكر حياتي، أميل الى الاعتقاد بأنني حظيت بحب اللحظات الشقية نفسها من حياتي وبمباركتها. أي بحب كل تلك اللحظات تقريبا باستثناء شيء بسيط. وعندما أتذكر اللحظات السعيدة، أباركها أيضا بطبيعة الحال وهي في نفس الوقت تدفع بي إلى التفكير في الموت والى الموت لأن الأمر قد انقضى وانتهى.




عن مجلة نزوى
العدد 42 أبريل 2005

اسبيرانزا 10/01/2008 08:46

:pحوار مع غادة السمان :D

اسبيرانزا 10/01/2008 08:49

مهمة المبدع الأساسية خدمة الحقيقة ومقاومة الاضطهاد


حوار : جان الكسان


ثلاثة عقود.. وأكثر من ثلاثين كتاباً ... وسيرة حافلة لاديبة استثنائية تمثل عالماً يمكن أن يسمى اقتحامه مغامرة مفعمة بالاثارة على الرغم من أنه لم يسبق ان كتب عن أديبة معاصرة, بالحجم والنوع اللذين كتب بهما عن غادة السمان بعد ان ترجم ادبها الى أكثر اللغات الحية في العالم, وتم تدريسه في عدد من الجامعات كأدب مقارن وكان السؤال الذي يؤرقني دائماً بعد هذه الزمالة الطويلة مع أديبتنا المتميزة, وبعد مئات الرسائل المتبادلة بيننا على مدى ثلاثين سنة: ماذا يمكن أن أضع أمامها من اسئلة لحوار صحفي بعد مئات الحوارات التي عقدت معها حتى الآن وبعد خمسة مهمة عن أدبها وضعها كبار النقاد العرب؟
النمو داخل الكتابة
*بعد تجربتي الفنية في معايشة مؤلفاتك ورسائلك والزوايا التي تكتبينها في الدوريات والحوارات المتنوعة معك, أشعر ان التعامل مع نصك يثير في الذهن جدلية مسبقة تنتهي الى مقولة تؤكد انك (تجريبية) ولكن ليس بالمعنى المتداول للكلمة, فنحن نتوقع دائما ان لديك اضافات لا نتوقعها الى الابجدية العربية .. وكأننا على موعد متجدد معك ..
*كيف تفسرين هذا؟!

ـ الحياة قصيرة والفن شاسع .. هذا ما يقوله جوته .. وما من كتاب في العالم يقول كل شيء, ويتسع لكل شيء .. وأحب أن استدرك لأقول ان القرآن الكريم مستثنى من هذه المداخلة. هذا هو احساسي دائماً عندما أكتب, وعلى الرغم من ذعري وشجاعتي في آن واحد, وعملي الطويل المسبق على الرواية, تأتي لحظة الاكتشاف جديدة ومشحونة, ومشحونة بحب الاكتشاف. أنا تجريبية حتى لحظتي الأخيرة, وهاوية لا محترفة, لأنني انمو داخل الكتابة لا خارجها.

* على الرغم من التماهي البادي بينك وبين شخصيات, عدد من رواياتك, فهناك سؤال مطروح بالحاح: لماذا لا ـ تكتبين ما يسمى (السيرة الشخصية) وهل نعتبر (الاعمال الروائية غير الكاملة) بداية مثل هذا المشروع؟

ـ سبق أن نشرت (الأعمال غير الكاملة) التي سبق واصدرتها بعد نشرها في الصحافة في أربعة عشر جزءاً, وهي بالطبع غير (الأعمال الروائية غير الكاملة), وقد انجزت واصدرت الجزء الأول من السلسلة الروائية الذي ضم (الرواية المستحيلة) وما أرغب قوله ليس بالضرورة ان يأخذ القالب التقليدي للسيرة الذاتية لانني أجدني معه بحاجة الى قالب الرواية, ولعل كل كتابة روائية هي بمعنى ما محاولة اختراع صياغة روائية جديدة فيها يتسع لعالم موضوعي معادل لهواجس الروح وجموحها وانكساراتها وتساؤلاتها واحلامها المستحيلة والممكنة في آن واحاحد.

*نرى أنك تتهربين من الرد على سؤالنا حول عدم كتابة سيرتك الذاتية حتى الآن, على الرغم من ان كثيرين ألحوا عليك من أجل ذلك؟

ـ سأقول لك باختصار: الذين يطالبونني بكتابة ونشر مذكراتي سيكونون أول المحتجين على ما فيها من حقائق .. ومع ذلك قد يأتي يوم واكتبها .. وعندما يحدث ذلك لن أجامل نفسي ولن أجامل سواي, وذلك بسبب ما سيكون فيها من صدق ومن رفض لتقديس البشر.

طفل في غابات الدهشة

* لماذا هذا التنويع في أساليب تعبيرك الأدبي؟ ... أي لماذا الكتابة بأساليب متعددة؟

ـ لأنني هاوية كتابة كما قلت لك ولست محترفة, لايهمني لقب (الوجاهة الأدبية) كألقاب (روائية) أو (شاعرة) فأنا أكتب ما يحلو لي حين يحلو لي, دونما خوف على (سمعتي) الأدبية, والفنية .. الكتابة قدري وحريتي, وهي رصانتي وعبثي في آن .. أريد أن أذهب إليها كطفل يسير الى غابات الدهشة, لا كعضو في المجمع الأدبي.


اسبيرانزا 10/01/2008 08:52

*هل تعتبرين ان ملف غسان كنفاني قد أغلق بعد كل ما نشر عنه؟


ـ ملف غسان كنفاني مفتوح للحقيقة وللتاريخ ... فقد شكل كتاب (الرسائل) وما جاء بعده, أقوى ضوء سلط على غسان كنفاني, وكانت له اصداء أكثر من مهرجانات التأبين التي أقيمت له على مدى عقدين من الزمن .. لقد أعاده هذا الكتاب حيا بكامل بهائه الانساني لانني وجدت حقيقته أجمل من تمثاله, ولم يسئ أحد إلى غسان كنفاني بقدر ما أساء إليه الذين اتهموني بتشويه صورته, فأنا لم أزور الرسائل ولم أستتر عليها لأنني لم أر فيها ما ينتقص من عظمة غسان, بل ما يضيف اليها.

* هل تعتبرين أدبك متمرداً؟


ـ لا أحب التعريفات الجاهزة والمسبقة الصنع .. فأنا اعتبر حرفي (تظاهرة) احتجاج دائمة, وعلى شرفات قلبي رفعت أعلام رفض الازدواجية والرياء والجبن .. لدي نفور فطري من الصغائر والمكائد والدسائس, ولا أرتاح للعيون المؤثثة بالفخاخ والخبث الحسود, الواقع هو الزلزال الذي يحرك صوان اللغة بين الانهيارات والجنون, ويطلق شررها, أما الخيال فيخترع لها موقداً أو شمعة أو نهراً بركانياً .. لا تحضر المخيلة ولا نتقد الا عبر شرارات الواقع.


* قلت انك أديبة تجريبية .. فماذا عن الحداثة, وهل (اقتران) الحداثة في الروايات, ومنها رواياتك, أمر مفتعل واستعراض كما يقول البعض؟


ـ انا أمرأة عربية حتى قاعي .. وجوعي الى التجديد لا صلة له بمقتضيات العصر, بل بأصولي البدوية .. أنا بدوية رحالة في صحارى الكلمة, أريد أن أرى, وأن أجرب, وأذوق القمح والسراب .. عشت طويلاً في الغرب بما يكفي لتحصيني ضد الانبهارية, ولتطعيم أدواتي بما هو انساني وجوهري ــ في نظري ــ مع نبذ العقد النفسية لمرض التجديد الأعمى .. التجديد ينبع من داخلي من حيرة داخلية ممتزجة بمشاعر بالنقص أمام العصر, فأنا كعربية جزء من شهية صياغة العصر, ولست ضيفة على مائدته, لقد كان أسلافنا ومنهم المتنبي, امراء الحداثة في عصرهم, وأحب أن أستلهمهم في خطابي.

جبانة أمام الحب


* نصل إلى الحب .. ماذا عنه؟


ـ للحب مساحة كبيرة من حياة كل منا .. لعلي أحب الحب وأكره الحبيب, ثم انني عاشقة مزمنة للحرية, ولعل الكاتب يحب في النهاية انساناً واحداً ليس بوسعه ان يلتقيه ابداً .. ثمة حكايات تدفعنا, ومشاعر لا تنسى مفعمة بالحب أو الكراهية أو المرارة, أو كلها مجتمعة, فالحب ثنائية, وكل اقتراب يحمل في طياته نفوراً, كما ان كل ولادة مشروع وفاة .. أنا جبانة أمام الحب الحقيقي الكبير, ارتبك وأعود أمية, وارتكب الاخطاء الاملائية العاطفية كلها, واشبه بذلك أصحاب القلوب الهشة, الكتابة هي حبي الكبير .. وانها وحدها التي لا تخذلني, ويمكن القول انني في الحب عمياء, والكتابة عكازي, ولكن ممحاة النسيان حقيقة كبيرة كالحب نفسه.

* على الرغم من طغيان الفضائيات وبرامجها على حياة الانسان العصري, والادعاء بأنها أبعدته عن القراءة نفاجأ كل يوم بصدور صحيفة أو دورية جديدة أو مجلة (نسائية) بصورة خاصة, بماذا تعلقين على هذا الطوفان الجديد؟ ـ أطلق علي هذا السؤال بصيغة قريبة من صيغة سؤالك, وأجيب باختصار وأقول: أنا مع الحرية .. مع حرية الاصدارات, وحرية اختيار الشعارات المعلنة (أو المضمرة) .. واعتقد أن التوهج ينمو في ظل المنافسة, والعاصفة تزكي شعلة الجمرة .. كما المجلات النسائية وليست دائماً بعيدة عن العقل, والتسميات غير مهمة بقدر أهمية الأفعال, وفي النهاية ينفقىء الزبد ويبقى ما ينفع.

من حيث المبدأ, من حق الجميع اصدار ما يحلو لهم من ابداع, أو هراء, واطلاق ما يحلو لهم من أسماء .. ومن حيث المحصلة فإن اسم الوردة لا يهم, المهم هو عطرها الذي سيفوح.

النص التخريبي * يقول أحد النقاد: لا جدوى من أي نص أدبي, في الزمن العربي الراهن, شعرياً كان أم نثرياً, ما لم يكن نصاً تخريبياً في الدرجة الأولى .. بماذا تعلقين على هذا القول؟ ـ كل نص ابداعي هو نص تخريبي بمعنى ما : انه نص مكرس لتخريب الخراب, ذلك الخراب الذي لا يلحظه بعض الناس عادة, ويتوهمونه نعيماً موروثاً مكرساً, ويصفونه قانعين بأنه (ليس بالامكان أفضل مما كان) .. هذا الجحيم الداجن يرفضه الفنان .. فالمبدع ليس أداة تخريب لكنه قد يبدو هكذا من الخارج لمن لا يفهمه جيداً .. كل ما يرغب الفنان في تدميره هو تلك الهياكل والمؤسسات, هائلة الحجم, والتي فرغت تماماً من مضمونها بعدما تجاواوزها الزمن, أو أثبت العصر سقوطها, لكن (مافيا المكرسات) تجد في الفنان خصماً خطراً, لانه يحول بينها وبين استمرار تحذيرها المجتمعات الماجنة من أجل استمرار استغلاله لها .. الفنان هو الذئب النبيل الذي لا يريد التهام ليلى (كما في قصة ليلى والذئب للأطفال).

الفنان عدو التدجين .. عدو التكرار والخنوع الفنان لا يخرب حقاً .. وكل ما يفعله هو أنه يهز القصور الكرتونية كي تسقط, ويتأكد الناس هل أنها كانت طوال الوقت مزيفة وخاوية من الحنان والمحبة والعطاء, الفنان يخرب الخراب كخطوة في درب تذكير الناس بضرورة البناء باستمرار.

* كيف تتحدد العلاقة لديك بين الخاص (الكاتب) والعام (العالم)؟ ـ هناك خطأ نقدي شائع يفصل بشكل قاطع واعتباطي بين ما يسميه (الخاص والعام) و(الكاتب والموضوع) و(المرحلة الذاتية والمرحلة الواعية). أنا أعتقد أن الكاتب والعالم يمتزجان منذ البداية في داخله وتلك الشبكة من العلاقة الجدلية بين الخاص والموضوع هي متداخلة الخيوط ومتلاحمة بحيث يستحيل التمييز بينها واجراء (قسمة) على الخيوط.

* ما الحدود التي تفصل أو توحد اتجاهاتك الابداعية في التوثيق والفانتازيا واعتماد الواقعية المفتوحة؟


ـ جميع المدارس الفنية تحاول حصر الواقع في خطها, علما انه ليس هناك واقع واحد عند الانسان, فلكل انسان أكثر من حقيقة واحدة, وهو يتفاعل على المستويات كلها من سياسية وغيبية ونفسية واقتصادية داخل شبكة عنكبوتية شاسعة لا متناهية من الفعل ورد الفعل واللا فعل, وحتى الواقع (الفانتازي) ليس في جوهره (فانتازيا) مجردة بل هو جزء من الواقع المعاش, فالحلم, الكابوس, الموت, الجنون, الماورائيات, المرض, الوحدة, هذه كلها وجوه يومية معاشة من وجوه الحقيقة اللامتناهية, وهكذا فالأساليب ا الروائية هي عندي, وسيلة لاغاية, انها شبكة صيد الحقائق من بحر الأزلية, لكنها ليست الطريدة, ومن هنا فإن الموضوع عندي هو الذي يختار أسلوبه ليس هناك واقع موضوعي ساكن أبدي, ولهذا فإن الفنان بحاجة الى المزيد من الادوات بدلاً من حرمان نفسه مما تقدم منها وما تأخر .. أما الحدود؟ فلا حدود .. كل شيء مباح ما دام الابداع موجوداً بما في ذلك حقه بالخطأ.

اسبيرانزا 10/01/2008 08:56

آخر همومي * في أي موقع تضعين نفسك بين كتاب القصة والرواية العربية؟ ـ هذا آخر همومي أتمنى للطليعة المثقفة ان تعمل كفريق لا أن ينظر كل فرد فيها الى نفسه على انه والياً لا قطاعية ادبية لها حدودها وراياتها وجنودها ومعاركها الفردية.

مشدودة .. كوتر عود عباسي * ما هي الحالة التي تكونين عليها عندما تقررين الكتابة؟

ـ أشعر بأنني مكهربة, مثل بطارية مشحونة ستنفجر اذا لم تطلق شاراتها .. أحس انني مشدودة كوتر عود عباسي, وممتلئة بإحساس سديمي يبحث عن كلمات .. أحس بما يشبه العذاب حينما تكون الفجوة عميقة بين الفكر واللغة .. ومن الصعب جدا الجزم فيما كان العمل الفني عندي يبدأ كفكرة عادية, أو يطرح نفسه مباشرة كشخصيات ووقائع, انني اكتسب بعض قصصي فيما يشبه النوبات العاصفة التي لا تستغرق أكثر من جلسة واحدة محمومة, لكني اعرف جيداً ان الأمر ليس بهذه البساطة, وان العاصفة الهوجاء السريعة كانت تعد لنفسها, ربما طيلة أعوام.

* ما رأيك في التناول الفكري الثقافي للاحداث في أعمال الروائيين الكبار؟


ـ للفنان حق اختيار مادته وابطاله, شرط أن يكتب رواية مبدعة تكون فعل محبة على الصعيد الكوني, وهي بالتالي تنصف القيم الاجتماعية, وأنا لا أصنف الروايات من حيث مهنة ابطالها: مثقف, فلاح عامل, بحار, ثري, فقير, لكنني أصنفها من حيث هي مبدعة أو غير مبدعة.

حرية المرأة.. والحب * كيف تنظرين إلى حرية المرأة؟


ـ حرية المرأة كالحب, لا مفر من ان تطهى على نار هادئة. والخطوة الأولى تكون بتأدية الواجبات قبل المطالبة بالحقوق, وبدون تضحية جيل من النساء, لن تنال المرأة العربية لقمة من رغيف المشاركة في الحرية والمسئولية معا. واعتقد ان اختي العربية في بعض تجمعاتها (التحريرية) مشغولة بالمثالي أكثر من الواقعي, انها تريد حريتها لتصنع بها انسانيتها وقدرها, ولتشارك في بناء وطن عربي هو بحاجة إلى طاقاتها.

ولكنها تنسى أحيانا سطوة الاعراف غير المكتوبة في المجتمعات كلها, وتنسى معركتها الأخرى مع رؤيا اجتماعية لها جذور عمرها مئات السنين, وتتصرف مع الرجل العربي بمماحكة, وهكذا وحتى لو فرضنا جدلا ان المرأة العربية استطاعت تبديل القوانين لصالحها فإن أشياء كثيرة جوهرية لن تتغير فالقضية ليست بندا يشطب وآخر يدون على ورقة بل هي أيضا قضية التعامل مع حالة ذهنية قائمة ومتماسكة ومتحجرة وليست ــ غالبا ــ لصالح حريتها. بهذا المعنى أجد كل كتابة نسائية (استفزازية) خطوة بريئة ولكن إلى الوراء, لأنها تثير لدى المجتمع المزيد من المخاوف الالغامضة.


* وقفت في كتاباتك عند تجربة المطربة فيروز.. دون التطرق إلى تجارب أخرى غنائية في عصرنا.. لماذا؟


تمس فيروز دائما وترا حساسا لدى سامعها, ربما لأن كل ما تقوله يشع بالمحبة والغفران حتى نحو الذين يخططون لايذائها عمدا أو حماقة أو مصلحة أو حسن نية. فيروز واحدة من الذين غرسوا عشق الوطن في النفوس بأغانيها وسلوكها والتصاقها بأرض الوطن. ولا تكتمل زيارتي إلى بيروت بدون زيارة فيروز.

انهم يقصون رقبة الحرف * في النصف الأول من التسعينيات اثارت الصحافة موضوع منع كتبك في بعض البلاد العربية, ماذا تقولين حول هذا الموضوع؟ ـ على الرغم من زوال أكثر حالات المنع إلا انني اذكر في بداية عام 1994 انني توجعت كثيرا, بدل الفرح, حيث شاهدت روايتي (بيروت 75) تصدر بالفرنسية وكلمتني مترجمتي الأمريكية لتعلمني باتجاهها للترجمة الانجليزية, والأخرى الايطالية كذلك. هذا كله حدث عندما كان الكتاب ممنوعا في معظم الأقطار العربية, وكان في طبعته الثانية الألمانية كما (كوابيس بيروت) الممنوعة انذاك في أكثر من قطر عربي بينما صدرت طبعتها الثالثة في ألمانيا وهذا مجرد مثال صغير من عشرات الأمثلة الالتي لا يتسع المجال لتفصيلها.

*هل هو على الهامش؟

ـ هناك من يقول ان موقع الأديب ومعه الأدب مهمش في هذه المرحلة. مهمة المبدع الأساسية هي خدمة الحقيقة والحرية ومقاومة الاضطهاد ورفض الكذب والتعبير عن الحاجات الحقيقية للجماهير واستشفاف المستقبل.

وفي المرحلة الحرجة التي يمر بها وطننا العربي, وضمن مسيرة الجماهير في حقل الألغام التي يزرعها أعداء الشعب, والقنابل الأمريكية المحرقة التي قد تمطر على رؤوسنا في أي لحظة, حين يضغط طيار اسرائيلي زر الدمار نجد موقع الأديب العربي المعاصر هو نفسه موقع الجماهير وهو الملتصق بها حنجرة ونبضا وثورة ونزفا, وهو يعايشها في خندق التعبئة والقلق المصيري.

لابد للأديب في هذه المرحلة ان يحفظ توازن رأسه, ان يحفظ التوازن بين اخلاصه للجماهير واخلاصه لفنه, وان يصل إلى الصيغة الصعبة التي لا يتضارب فيها الاخلاصان وانما يتكاملان ويتوحدان لينتجا أبدا ثوريا عالميا تستفيد منه كل الشعوب المناضلة في كل العصور.

* هل أنت سعيدة؟


ـ لست غبية بما في الكفاية لأكون سعيدة.. كيف تستطيع ان تكون سعيدا بينما الدم يغسل وجه العالم, والجوع والمرض والعذاب؟


* ما الفرق بين غادة السمان ابنة الثامنة عشرة وبين غادة السمان اليوم؟

ـ في الثامنة عشرة كانت تعيش مع أوهامها الجميلة تحاول السباحة داخل مجرة, وتريد ولا تريد داخل لحظة واحدة, وهذه حال غادة السمان اليوم.

* يقول البعض ومنهم الشاعر محمود درويش انه يكتب عن الحب عندما لا يراه ولا يحسه, هل تكتبين عن المفقودات في هذه الحياة؟


حين نعيش الأشياء قلما نكتبها.. قد نفعل بعد ان نخسرها ونحلم بها, فنحن غالبا نكتب ما ينقصنا.. الامتلاء اكتفاء .. نعم.. والخواء حضور جائع إلى الخبز, ولهذا فأنا اتفق إلى حد بعيد مع محمود درويش, والجوع إلى الحب قد يمنحنا قصائد أجمل من تلك التي نسطرها في لحظات السعادة, أنا شخصيا لم أسمع بشاعر كتب ديواناً في الغزل, خلال شهر العسل.


بين الأدب والعلم *خلال القرن العشرين المنصرم ظهرت طفرات متتالية ومهمة في ميادين العلم (جيل جديد من الحاسوب مثلا كل بضعة أشهر) وفي الفضاء والطيران وعلم الجينات والاستنساخ والكيمياء ومليون مجال آخر, في حين لم يشهد الأدب في القرن العشرين أعمالا ضخمة متميزة مثل الكلاسيكيات التي قرأناها في القرن التاسع عشر, أو حتى ما قبله بماذا تفسيرين هذا؟


ـ لا أوافقك على هذا. ولا أظن ان القرن العشرين لم يشهد أعمالا أدبية متميزة, ولكن من شميتنا كبشر ان نحتفي بالماضي ونرفض الحاضر, وهذا أمر ليس رديئا كله لأنه مهماز للمستقبل.

وبوسعي ان أحصي لك عشرات الأعمال الأدبية الرائعة التي خلفها القرن العشرين لقرننا الجديد وما بعده. لقد أودع الخالق العظيم في الانسان بذرة تجاوز الذات على كل صعيد, في العلم والأدب معا, وغير ذلك من المجالات, والمهم ان يختار المرء توظيف ذلك لخير البشر, بدءاً بالاستنساخ العلمي ومروراً بالقراءة ولكل زمان اعماله الابداعية المتميزة على كل صعيد وهي بالتأكيد تغاير ما سلف لكنها لا تقل عنه اشعاعاً.

* كيف تقابلين النقد, أو التهجم على أدبك أو شخصك؟


ـ احترم النقد الموضوعي, وقد ألفت الهجوم والتهجم علي منذ بداياتي الأدبية ولو صدقت بعض ما كتب عني لتوقفت من زمان عن الكتابة ولكن الهجوم لم يخلخل عالمي الداخلي يوما.

* نحن نعلم انك مداومة على ممارسة الرياضة, ما هي الرياضة المفضلة لديك؟ ـ أمارس رياضة الصبر لكل النساء العربيات, ومنذ عام 1967 أمارس رياضة التنهد بوتيرة متصاعدة, هذا إلى جانب الرياضات التقليدية كالسباحة والمشي وركوب الدراجة والتمارين السويدية في البيت.


* أنت بالأصل كاتبة سورية, وحصلت على الجنسية اللبنانية, وأيضا الفرنسية كما نعلم, ماذا أنت بعد هذا: سورية أم لبنانية أم فرنسية؟


ـ أنا كاتبة عربي

butterfly 10/01/2008 09:30

رح سكر الموضوع كام يوم
من اجل ترتيبو :
رح عدل الخط والألوان تسهيلا ً لقرائتو ..
رح حط بأول كل حوار مرفق فيه الحوار كاملاً
رح حط بأول الموضوع متل فهرس صغير للموضوع
فيه رابط لكل حوار .. من الحوارات اللي جواتو ..

كام يوم انشالله شباب
ويسلمو كتير
:mimo:



butterfly 10/01/2008 12:18

قرأت اول عشر حوارات .. وللصراحة أعجبت .. بجرأة احمد فؤاد نجم استفزني سميح القاسم بطريقة سلبية كتير حسيتو ما شايف قدامو حدا .. حبيت كتير شخصية الأبنودي المصرية الطيبة .. وشعرت بالخجل امام حوار ناجي العلي ومحمود درويش .. ( والباقي ما في شي كتير مميز لفت نظري * )



:mimo:


butterfly 23/01/2008 13:31

تم إعادة فتح الموضوع ..
بس الرجاء
يكون الخط واضح ولو في إمكانية يكون لون السؤال بيختلف عن لون الإجابة ..

وبالرواق .. مشان نلحق نقرا
:mimo:


اسبيرانزا 26/01/2008 01:50

حوار مع الاديبة السورية الحلبية ليلى مقدسي :D

اسبيرانزا 26/01/2008 01:52

لمحة عن ليلى مقدسي

مواليد 1946صافيتا

ـ سوريا،عملت في التدريس مدة 28 عاما

صدر لها العديد من المجموعات الشعرية

ثالوث الحب.. غمامة ورد..عرس قانا..وردةأخيرة للعشق لغة الجمر..نص القلب

و كذلك روايتي؛ لأننا لم نفترق ..ذاكرة البحر تقرأ وهناك القصة و منها؛ قطوف و أوراق ،عنود،رسائل وصلت لديها الكثير من المخطوطات ما بين شعر و قصة و دراسة

اسبيرانزا 26/01/2008 01:54

حوار مع الاديبة السورية الحلبية ليلى مقدسي

الحب هو الخير المطلق وهو جسد الانسانية



الأديبة السورية ليلى مقدسي مثل شائع ينتشر في بلاد العرب يقول من لم يتزوج سورية فهو أعزب ، لكن في سوريا يقولون ان لم تقرأ لليلى مقدسي ـ الكاتبة السورية المعروفة ـ فانت امي أما في حلب حيث تقيم الأديبة الرائعة فيقول الحلبيون ان كنت عاشقا فلا بد انك قرأت رسائل ليلى مقدسي عن الحب في كتابها " رسائل وصلت " .

واذا كنا منذ مدة نحلم ان نجري لقاء مع الاديبة السورية ليلى مقدسي التي ولدت في صافيتا في سوريا وتعيش الان في حلب بعد ان عملت في التدريس مدة 28 عاما قدمت فيها ايضا العديد من دواوين الشعر والقصص ورسائل الحب الرائعة .

واليوم اذ يتحول حلمنا الى حقيقة بعد ان هبت الشاعرة السورية ليليى اورفه لي لاجراء حوار شيق مع ليلى مقدسي فنحن ننشره كما وصل دون زيادة او نقصان .

هل الكتابة لديك تعبير عن الذات ، أم هي نتاج الواقع والمجتمع والتجارب ؟

أنا مؤمنة بقول جبران : " إني أكره كتاباً لا ينطبق على حياة مؤلفه " ، فالصدق شرط أساسي في العمل الابداعي . والتعبير عن الذات لا يقتصر على ما يعتمل داخل النفس الانسانية ، إنما كل ما نخلع عليه من أحاسيسنا ومشاعرنا وخيالنا وأحلامنا وتجاربنا . وإذا لم يكن منبع الذات سيبدو وكأنه صنعة . والمبدع يبتدع في الزمن المطلق ، وكتابته تمتد الى ابعد مما هو متحقق في الواقع ، وكل عمل فني يبنى على قيم جوهرية وهذه القيم هي التي تحدد أهميته واستمراره . والقارئ إحساسه عفوي وصادق وهو يبحث عن الكاتب داخل العمل الابداعي – رواية – شعر – نثر – فالكاتب يكون داخل المخيلة ، وداخل الآخر . فالكتابة تصدر عن ذات تعاني ، وهي طاقة حلم ، وطاقة حب ، وهي قوة تحول …

- هناك من يفصل بين الأدب النسائي والأدب الذكوري ، هل هناك ضرورة لهذا الفصل ؟

الكاتب المبدع انسان سواء كان رجلا أم امرأة ، وهو يعيش مع القارئ تجربة حية من المعاني والكلمة واللغة والانفعال ، فالمبدع يحول التجربة الكبيرة الى تجربة صغيرة على الورق وبما أن المبدع انسان ، فالمعاناة هي المعاناة ، والاضهاد هو الاضطهاد ، فالنسيج الانساني واحد ، ولكن المرأة محكومة بالعادات والتقاليد وسلطة الذكورة ( أب ، أخ ، زوج ) ولا تتحرر المرأة إلا إذا تحرر المجتمع ككل ، وهذا القمع على مر العصور حرمها من العلم والثقافة والاطلاع والمعرفة وكأنها في زنزانة معتمة ، كما أن وظيفة المرأة التي مارستها مرغمة ( البيت ومتطلبات الأسرة والإنجاب ) نمّت لديها موهبة القلب وشغلتها عن حصاد العقل ، لأن طاقتها سُجنت أو سُخّرت فقط للرجل والأولاد والأسرة ، ومنعتها من الانطلاق في حقول المعرفة والابداع ، وسلبت منها حقوقها ومنعت حرية روحها وأفكارها واختيارها ، ورزحت تحت ظلم الجهل والتخلف . وحين بدأت تتحرر بالعلم ، وهو سلاحها للعمل وليس للإبداع ، فالشهادة لا تعني الثقافة والوعي والمعرفة ، لذلك انعكست معاناتها على كتابتها وفتحت جروح ذاتها ، فكيف تستطيع أن تكتب وحريتها مكبلة ؟ من هنا كانت انطلاقة الرجل أوسع لأنه أكثر حرية وأكثر انطلاقا ، ولا استطيع اتهام الرجل وحده بهذا الظلم ، إنما هناك عوامل بيئية واجتماعية وتقاليد وأصولية ساهمت في عذاب المرأة . ولا تبدأ حرية المرأة إلا بعدالة الرجل مع ذاته ، مع الآخرين ، ومع المرأة …


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 08:52 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.21882 seconds with 10 queries