![]() |
وفي حالتي الشخصية، فكلما كبرت واحتللت مكانا أعلي لدي النقاد أو القراء وشعرت بالخوف أكثر. وهذا الخوف ناتج عن إحساس بالمسؤولية. وأهم شيء يخيفني هو أن أكرر نفسي، أن أقول قولا قد قلته كما حدث مع كثير من الشعراء الذين يكررون ما قالوه عشرات أو مئات المرات. إنني حريص علي أن أقول قولا جديدا حتي ولو كان القول الذي سأقوله أقل مستوي !
إن تجديدا غير ناجح أفضل من تقليد ناجح، لأنني لا أستطيع الحكم النهائي علي المسودة التي أنتجتها. ولدي عدة مستويات من الرقابة الذاتية : أولا، أضع المخطوطة في الدرج ولا أقرؤها إلا بعد شهرين علي الأقل. ثم أطلع عليها من جديد. إذا لاحظت أنها تشبهني كثيرا، أعرف أنني لم أقدم جديدا. فإذا شعرت بأن شخصا آخر هو الذي كتبها وليس أنا، إذا أدهشتني ـ والدهشة لا تأتي مما تفعله أنت، وإنما تأتي مما يفعله الآخر ـ آنذاك أدرك أن فيها شيئا ما يستحق أن ينشر علي الناس. ولأن هذا لا يكفيني، فإنني أعرض بعضا مما أكتبه علي ثلاثة أنواع من الأصدقاء : علي شاعر، وعلي ناقد، وعلي قارئ عادي. وتستغرب، سي حسن، أنني أستمع بإصغاء شديد للملاحظات السلبية وأجري تنقيحا علي ضوئها. وأحيانا، تكون لدي شكوك وأحتاج إلي من يعمق هذا الشك تجاه هذه الصفحة أو تلك. وعندها أنصاع، فأنا لا أؤمن بأن هذا كلام منزل، كما يعتقد البعض من الذين يتصورون أن القصيدة قد جاءت إلهاما كاملا من الله، ولذا لا يمكن إجراء أي تغيير عليها ! لا، أنا أعتبر أن جزءا من الكتابة هو أن تعرف كيف تحذف، وكيف تمحو، وكيف تعدل، وكيف تنقح. وأعتقد أن من حق الشاعر أن يجري تنقيحات لا نهائية علي نصوصه. - هل يصل هذا الانصياع لهؤلاء الأصدقاء، في المراحل الأولي لانبثاق القصيدة واستكمال بنائها الأول، إلي حد أنك قد تحذف بعض المقاطع أو الجمل الشعرية، وربما بعض الصفحات؟ - أجل، وأعطيك مثلا من قصيدة جدارية التي أصبحت الأشهر في عملي الشعري، وكنت عرضتها علي أحد الأصدقاء، وهو صبحي حديدي. كانت نهاية القصيدة : هذا البحر لي/هذا الهواء الرطب لي/وإن أخطأت لفظ اسمي علي التابوت ـ لي/إلي آخره/ إلي آخره/ إلي آخره ، فلاحظ أن تكرار(إلي آخره) فيه نزول عن الذروة. وأعدت قراءة الصفحة الأخيرة من القصيدة فأحسست فعلا أن هناك هبوطا أو هروبا من مواجهة ختام القصيدة بسبب ما يبدو أنه تعب الشاعر، فأضفت مقطع : أما أنا ـ وقد امتلأت/بكل أسباب الرحيل ـ / فلست لي/ أنا لست لي/ أنا لست لي… . أما فيما يتعلق ببداية القصيدة، فقد كانت لدي شكوك حول مقطعها الأول ولم أكن مطمئنا إلي سلامة الإقلاع فاستدعيت جارا لي، وهو صديق محام ليس خبيرا بالشعر مع أنه قارئ عادي للشعر، وأخبرته بأنني أريد أن أختبره، وأن نواياي شريرة. وكنت قررت أن أقرأ عليه الصفحات الأربع الأولي من القصيدة لأعرف منه هل ما سيسمعه شبيه بشيء سبق أن قرأه أم أنه سيشعر فيه بشيء جديد؟ وما إن قرأت عليه الصفحات حتي قال بأنه شعر وكأنه يعرف هذا الشعر لدي من قبل. فشطبت هذه الصفحات كاملة من القصيدة. مرة أخري، قرأت قصيدة طويلة من مجموعة كزهر اللوز أو أبعد للشاعر الصديق طاهر رياض، ولم أكن متيقنا مما إذا كانت هذه القصيدة جيدة. حين قرأتها َصَمَت، ثم قال لي ما فهمت منه أنها لم تعجبه، فقلت له : وأنا أيضا، لم تعجبني . هذه الاستشارات أو الاختبارات، أعتقد أننا كلنا في حاجة إليها. لذلك، نجد أن كل دور النشر الكبري في العالم تتوفر علي ما يسمي بالمحرر. وقد لا يكون رأي هذا المحرر دائما هو الأفضل، لكنه قد يلفت نظر الكاتب إلي مناطق تكرار أو مناطق تناقض. وبتشاور مع المؤلف، يتم حذف صفحات كثيرة من المخطوطات. ولدينا مثال كلاسيكي ساطع : قصيدة الأرض الخراب للشاعر تي. إس.إيليوت، فالذي نقحها واختار ثلثها علي الأكثر هو باوند. فالمؤلف الثاني لهذه القصيدة التي تعتبر أشهر قصيدة في القرن العشرين هو إزرا باوند. وليت الشعراء العرب يتعلمون كيف يتواضعون، وكيف يستفيدون من آراء نقادهم وأصدقائهم. - محمود، ما من شك في أن قصيدتك أصبح لها تاريخ. ولها سيرورة طويلة ومعقدة وثرية من التراكم والبحث والأداء والتجريب وفتح الآفاق واستدراج الجغرافيات والأمكنة واللحظات الشخصية والعمومية، وكذا استحضار أشخاص ووجوه وملامح عديدة هي جزء من حياتك الشعرية، ومن شجرة حياتك وتجربتك ووجودك الخاص. هذا التاريخ، تاريخ قصيدتك، كيف تقرؤه الآن؟ كيف تنظر إليه عندما تلتفت باتجاهه وتتمثله؟ - هل تريد الصراحة؟ - نعم… - ليس فقط أنني لا أنظر إلي الوراء برضا أو بغضب. أنا أخاف من النظر إلي الوراء. أخاف كثيرا أن أقرأ فصولا كثيرة من تاريخ قصيدتي، لأنها تغيرت بشكل كبير، وما زلت طامحا إلي أن أكتبها بشكل أفضل. فالنظر إلي الوراء يُصَعِّبُ علي التطور، وبالتالي لو أتيح لي ـ وهذا كلام قلته أكثر من مرة ـ أن أعيد النظر في ما نشرت لحذفت الكثير. وللأسف الشديد، لم أعد قادرا علي أن أستعيد من الذاكرة ومن تاريخ الذاكرة، وليس فقط من المطبعة أو من المكتبة، نصوصا كثيرة لم تعد ملكا لي وإنما صارت ملكا لقرائها. فلم يعد من حقي أن أصدم هذه الذائقة. إنني أنظر إلي تاريخ قصيدتي كما أنظر إلي تاريخ أي نمو، سواء كان نموا بشريا أو نموا شجريا أو نمو أي شيء. فهكذا تتشكل الأشياء، ولكن يرضيني شيء آخر : كلما نظرت إلي رداءة بداياتي وصلت إلي استنتاج أنني محظوظ، لأن أسوأ شيء هو أن يكون كتابك الأول هو أحسن كتاب لك. فما دام كتابك الأول هو أحسن كتاب لك، فأنت لا تتقدم وإنما تتراجع. وما دامت كتبي الأولي رديئة ـ برأيي ـ وكتبي الحالية هي أقل رداءة فأنا قابل للتطور، وقابل لتحويل التراكم إلي شيء نوعي. لذا فأنا أقترب أكثر من منطقة الشعر. طبعا، لن أبلغ الشعر ولا أحد يستطيع أن يبلغ الشعر أو يعرف ما هو الشعر في آخر الأمر، ولكننا نقترب من منطقة أكثر شعرية وأقرب إلي الشعر الصافي، غير الموجود طبعا، الذي علينا أن نطمح دائما إلي وجوده. إذن، عندما أنظر إلي هذا التاريخ أتحاشي النظر إليه. ولكن إذا اضطررت إلي النظر إليه، أقول إنني راض عن تطوري الحالي وليس عن بداياتي. كنت أحبو وأصبحت أقفز. - هناك، بجوار تاريخ قصيدتك تاريخ آخر لنقد قصيدتك. وثمة عدد وافر من كبار النقاد والباحثين الذين رافقوا قصيدتك عبر سيرورتها التاريخية والجمالية، سواء كانوا من داخل الساحة العربية أو من خارجها. وقد قرؤوها، قاربوها، اندسوا بطرائق ومناهج مختلفة في فضاءاتها المختلفة. كما أن بعضهم احتفي بها، وجاملها بعضهم حتي اضطرت لتعلن عن ضجرها، ودافع عنها البعض ممن اقتنع بمشروعها الشعري والجمالي المتقدم في التاريخ الحديث والمعاصر للشعرية العربية…إلخ. أنت، محمود درويش، كيف قرأت وتقرأ هذا النقد الذي ربط وشائج مع تجربتك الشعرية؟ ما الذي تعلمته من هذا الخطاب النقدي؟ وما هي اللحظات النقدية القوية التي أحسست فعلا أنها خدمت مشروعك، وكانت أكثر قربا إلي نفسك وإلي اختياراتك الجمالية؟ - هذا سؤال صعب جدا. فالكتابات النقدية التي تتحدث عنها متناقضة إلي حد، ومتفاوتة إلي حد، وموزعة منهجيا علي ما هو قراءة بنيوية قد تلغي ما هو اجتماعي وثقافي وسياسي من النص، أو قراءة اجتماعية تاريخية تلغي الذات من النص. وبين هاتين القراءتين، وكلتاهما لا تمسك بالنص (النص بشكل عام وليس نصي الشعري فقط)، أشكو دائما من الإفراط في القراءة السياسية لنصي الشعري حتي أصبح كل ما أكتبه يفكك إلي إشارات سياسية تحيل إلي هذا المعني السياسي أو إلي تلك الحقبة السياسية أو تلك الحادثة السياسية…وهذا أسوأ ما في الأمر. فلم أقرأ قراءة جمالية موازية للقراءة التاريخية الاجتماعية إلا نادرا. طبعا، بوسعنا أن نقرأ النص قراءة تاريخية أو اجتماعية ـ إذا أردنا ـ وهذا مستوي من مستويات القراءة، ويجب أن نحافظ عليه بدون أن يتم علي حساب القراءة الجمالية وكأن القصيدة وثيقة اجتماعية وليست نصا فنيا. وبالتالي، أصبحنا ـ نحن الشعراء العرب ـ مطالبين بأن نختار أحد المأزقين : إما أن يحول نصنا إلي وثيقة تاريخية أو إلي نشرة أخبار تنقل وقائع الانحطاط العربي الحديث، أو أن نبذل جهدا أكبر لقتل المعني في الشعر، أي البحث عن القيمة الجمالية المطلقة للامعني. وكلا الخيارين لَيْسَا خياري. ولذا، عندما أتكلم عن شكواي أو ضيقي من الإفراط في القراءة السياسية لشعري وكأنه وثيقة للسردية التاريخية الفلسطينية، وإن كان يحمل بالطبع بعضا من هذا الجانب، فإنني لا أستطيع في المقابل إلا أن أستثني القراءة الأخري. القراءة التي تعرف كيف تنظر إلي طبقات المعني المتعددة في النص الشعري، فتقرأ الفني، وتقرأ الاجتماعي، وتقرأ التاريخي. ولا شك أن حتي هذه القراءات المفرطة في التأويل السياسي علمتني كيف لا أزود هؤلاء النقاد بذرائع تجعلهم يقرؤون هذه القراءة. بمعني أنني أحمل نفسي المسؤولية أحيانا، مما يجعلني أكثر حذرا تجاه التناول السهل، فربما كان نصي الشعري أو بالأحري بدايات نصي الشعري، بداياتي القديمة، هي التي قد تكون مسؤولة عن ذلك. ومن ذلك مثلا الإفراط في الترميز كأن تتم إحالة أي امرأة في القصيدة إلي أرض. قد تحمل المرأة معني الأرض، ولكن ليست المرأة هي الأرض. ومن ثم تجد أنهم يفصلون جسد المرأة التي أكتب عنها في قصائد الحب إلي جغرافيا. |
طبعا، إن شعر الحب يحمل عدة معان وجودية وإنسانية، ولكن ليس بمعني الترجمة الحرفية للمعاني السهلة.
- محمود، من الواضح أن قصيدتك هي أحد مرتكزات خريطة الشعر العربي الحديث. ما في ذلك من شك. فهي جزء من هذه الخريطة وتتجاور فيها مع أنواع أخري من المرتكزات وأنواع من القصائد. ولذا يهمني أن أسألك عن هذا الجوار. كيف تقرأ مثل هذا الجوار؟ كيف تعيشه وتواكبه داخل هذه الخريطة، ودعني أؤكد أساسا علي التجارب الكبري؟ - لا أستطيع أن أقول إننا نتجاور، وإنما نحن نتكامل. وأتحدث عن الخريطة الشعرية الحالية، أما في السابق فكل واحد كان يتعلم ممن سبقه. وبعد ذلك، بعد سن معينة نصير جيلا واحدا. لا تقاس التجربة الشعرية بسنوات العمر، إنما بسنوات الإبداع أو بالملامح الإبداعية لكل تجربة. لذلك، أعتقد أننا لا نتجاور وإنما نحن أجزاء من بعضنا البعض، فليس هناك أحد منا كان سيكون مَنْ هو عليه الآن لولا الآخر. ولا أقول هذا من باب ادعاء التواضع. أكثر من ذلك، أنا أتعلم وأستفيد وأصغي باهتمام لا فقط إلي من هم أكبر مني سنا أو إلي مجايليَّ، وإنما أيضا إلي من هم أصغر مني سنا. ولي هذا الحرص علي أن أصغي دائما إلي الحساسية الجديدة، والذائقة الجديدة، ولا أخجل أبدا من الاعتراف بأنني أتعلم منهم كثيرا. لكنني أفهم أيضا أنه بعد تراكم معين، يبدو وكأن هناك أقطابا شعرية متجاورة أو تطل علي بعضها البعض كما لو أن الخريطة علي شكل أرخبيل. وهذا من حق الناقد أن يراه، وربما من حق القارئ أيضا، ولكن ليس من حق الشاعر أن ينظر إليه كثيرا، بل عليه حتي أن يتجاهل أنه محور أو ضلع من أضلع مثلث… - لكنك في مراقبتك لهذا الأرخبيل ، إذا جاز التعبير، تظل ممسكا عن الكلام ولا تتحدث عن التمايزات أو الخصائص التي ترصدها من داخل مرصدك الشعري والجمالي. وأري أن خروجاتك قليلة جدا بهذا الخصوص؛ أذكر هنا نصوصك وشهاداتك النثرية الجميلة والمتألقة التي كتبتها عن سعدي يوسف أو المرحومة فدوي طوقان أو المرحوم محمد الماغوط أو المرحوم ممدوح عدوان… - بشكل عام، أحذر من الدخول في جدال حول المسائل الشعرية الراهنة. أتحاشي ذلك، أتحاشي النقاش حول الخيارات الشعرية، حول أفضلية الشعر الموزون أو أفضلية قصيدة النثر. وكنت قد ارتكبت حماقات في السنوات الماضية، وأبديت آراء متسرعة أندم عليها. وأعتقد أن ليس من حقنا أن نضع أي موانع أمام أي تجربة شعرية جديدة. ليس من حقي أن أقول، ومن الخطأ أن أقول مثلا إن خيار الوزن أفضل من خيار القصيدة النثرية أو إن الشعر العمودي أفضل أو ليس أفضل من قصيدة التفعيلة (لكم أكره هذا التعبير!). ما يعنيني شخصيا هو تجلي الشعرية في القصيدة، وما يهمني هو أن أقرأ شعرا سواء في القصيدة العمودية أو الحرة أو النثرية. من ناحية أخري، بسبب حساسية العلاقات بين الشعراء أحذر كثيرا من إبداء الرأي في شعر زملائي وتسمية هذا أو ذاك. إن هناك حزبية شعرية عندنا، وأعتقد أن هذه الروح الحزبية تعكس أزمة ثقة بالذات. ينبغي أن يمر النص بدون كوادر حزبية، أن يعبر ويخترق ويصل بدون ترويج إعلامي. لذلك، فإن علاقاتي العامة سيئة جدا ولا أحرص علي ربطها. - إذا صدق حدسي، كأنك تلمح إلي ما يلحقك من إيذاء داخل الخريطة الشعرية الفلسطينية… - أنا أتعرض فعلا لحملة قاسية جدا من أغلبية الشعراء الفلسطينيين. لا أشعر أن لدي مشكلة مع الشعراء العرب، ولكنني أتعرض دائما لتشهير، وتكفير، وتخوين من أغلب شعرائنا الفلسطينيين، وأدعي أنني لم أقرأ ولم أسمع. - لكنك، وأنت تتابع وتقرأ وتواكب دبيب النمل في القصيدة العربية الحديثة والمعاصرة، لا شك أن هناك ما يدهشك فيها، وبعض ما يعجبك فيها. فما هي هذه الملامح أو الخصائص التي تثير إعجابك في هذه القصيدة؟ - يعجبني كثيرا إعلاء شأن اليومي والعادي، وانتهاء البطولة اللفظية في الشعر العربي. انتهي زمن الفروسية الشعرية وتمجيد البطولة بكل معانيها. ولا أَمَسُّ هنا معاني الوطنية، بل أشير إلي نموذج الشعر ـ البطل أو الشعر ـ النبي… إن تكسير أو تفكيك هذه الصورة هو الجانب الجميل والثوري من مشروع الشعراء الشباب. وذلك بإعلاء شأن اليومي والهامشي والعادي. ولكنني لا أحب الإسراف في البحث المضني عن اللامعني لدي كثيرين منهم. إن بعض الشعراء الشباب ـ للأسف الشديد ـ يبذلون جهودا طائلة من أجل أن يكونوا غامضين. والغموض قد يكون طبيعة ملازمة للعمل الشعري، والشاعر عندما يكتب إنما يكتب لكي يوضح نفسه لا ليبحث عن غموضها. الغموض يأتي في سياق العملية الشعرية، لكنه ليس هدفا. قلت لك ما يعجبني، لكن ما لا يعجبني هو الإسراف في قول اللاشيء وتزيين الكلام بمفارقات أصبحت جاهزة. لا يعجبني لدي البعض هذا الإصرار علي أن يكتب قصيدة لا تقول شيئا. ويعجبني أيضا التخفيف من الادعاء البلاغي والبحث عن بلاغة جديدة، وإشراك القارئ في معرفة كيف تُكْتَبُ القصيدة. طبعا، في ذلك مكر خطِر جدا. هذه ليست لعبة شكلية، بل يجب أن تحمل معني آخر. هناك نقطة أخري، حول شعرية التفاصيل وهي مقولة سادت كثيرا في الخطاب حول الشعرية العربية الحديثة. لا شك أن التفاصيل قد تشكل أو تكون الظاهرة، لكن تفاصيلنا أحيانا لا يكون هناك رابط بينها. فأنت عندما تقرأ القصيدة لا تجد تفصيلا واحدا يحمل معني أسطوريا ـ كما يمكن أن نجد ذلك مثلا في شعر يانيس ريتسوس ـ أو معني ميتافيزيقيا. لا تجد أن هذا الجزء التفصيلي الصغير يحيل إلي ما هو أكبر منه أو إلي ما هو خارجه. وهذه لعبة شعرية تحتاج إلي ذكاء أكبر مما يتصورون، وإلي معرفة أعمق قد لا يملكها هؤلاء الذين يقولون عن أنفسهم إنهم شعراء التفاصيل. أية تفاصيل؟ وما هو الضوء الذي يوجد وراء هذه العتمة؟ وما الذي يحمله مثلا ظل الحجر؟ هل يحمل تاريخا ما، أسطورة ما، معني ما ورائيا…أم ليس هناك شيء نهائيا، وأن هناك لقاء مصادفة بين الشباك مع زجاجة الماء مع ورقة الشجرة التي سقطت في الطريق؟ أعرف أن هذه الأشياء وغيرها يمكن أن تجمع، ولكن ينبغي أن يتوفر لها شاعر له رؤية ومعرفة، فيؤلف شكلا وماهية بهذه العناصر التي لا تبدو مشتركة ويمكن أن يربط بينها خيط مشترك إذا تهيأت له رؤية شعرية. |
حوار مع الشاعر المصرى محمد ابراهيم ابو سنة :D
|
حوار مع الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة حوار : ماهر حسن ![]() :D:D:D نحن بإزاء حداثتين . لدينا نقاد روجوا لمذاهب نقدية ماتت في بلادها . ليس لدينا خريطة واضحة لقراءة القصيدة المعاصرة. التيارات الشعرية الجديدة لا تمتلك ذرائعها الكافية. لم يعد النقد صالحاً لصناعة النجوم. أشعر بالتفاؤل إزاء النشاط النقدي المعاصر . العدد 81 يونيه 1995 قصيدة الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة سره الخاص الذي يستقيه من العام، متضافرا مع تحولات الأمة وتاريخ الشاعر، متزاوجاً بين مشاعره والنبض العام لواقعه، متحركا بمرونة وخبرة مع ما هو آني، مرتكزاً علي النبوءة التي لا تخيب رؤاها، قصيدته هي سره الذي لا يحيط به سواه، لقد ملكته التجربة، فانصهر في أتون القصيدة، التي رفضت أن تتخلي عن فسيفسائها العربية، لقد تشكل في قصيدة. وعلي الرغم من هدوء صوته، ودفء نبرته إلا أن قصيدته محتدمة العناصر، فكان من أبرز فرسان جيله بسعيه من خلال توليفة شعرية تخصه إلي تأسيس علاقات مغايرة بين تراكيب القصيدة، وموضوعها الرئيس بشكل يدفعنا للاعتقاد، بل واليقين بأن عقيدته قد سعت للاستقلال بانجازاتها عن إنجازات الآخرين. إن مفرداته بسيطة، وحرصه علي معايير الجمال في فن العربية الأول كان شاخصا أمامه، فكان حرصه علي التطوير ملازما لحرصه علي عدم المساس بما يميز القصيدة شأنه في ذلك شأن رفاقه في المشهد الشعري الستيني الذي اختلفت أصواته رغم أن قدح الهم كان واحدا. نريد في البدء أن نتحدث عن الشاعر والنبوءة فالعديد من الشعراء لمسنا لديهم بعض المضامين التي تحاول استقراء المستقبل، علي ضوء متغيرات عاشوها؟ وهل هذه النبوءة كانت مدعاة لدخول المبدع في جدل بمثابة محك رئيس في تكوين رؤية مستقبلية لدي الشاعر ومفجراً لطاقاته الإبداعية ؟ سؤالك يشي بتلك العلاقة بين المبدع وما هو سلطوي، الأمر الذي يدفعنا للوقوف أولا لدي مفهوم السلطة فهو لا يعني بالضرورة النظم السياسية فقط ، وانما يمتد لما هو أشمل .. فالسلطة تعني تلك القوة الضاغطة علي عصب المجتمع ، والتي تتميز بالتأثير المباشر علي المجموع ، ومن ثم فإن موقف الشاعر والمبدع عموما يتحدد مع طبيعة السلطة.. وبما أن المبدع يشكل قوة مبدعة وخلاقة تقوم في جوهرها علي البحث الدائم، والتطلع المستمر لما هو أفضل، وحيث إن الكاتب قوة تقدمية في الأساس فهو في حالة جدل إبداعي مستمر مع أشكال السلطة سواء كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية موروثة، أو مؤسسات عاملة في المجتمع، أو مؤسسات ثقافية ذات ثقل سياسي فهو يصطدم تلقائيا بهذه السلطات سواء في الإطار الذي أشرت إليه في سؤالك وهو «المبدع والنبوءة» كشكل غير مباشر لهذا الصدام الإبداعي / السلطوي. أو خارج هذا الإطار بشكل مباشر حيث يتحول المبدع لاعتناق أيديولوجيا سياسية معينة كموقف سياسي مباشر ومعلن - وإذا تخلينا بشكل مؤقت عن جزئية النبوءة - فلقد كان هناك أدباء ملتزمون وغير منعزلين عن واقعهم برز دورهم في اللحظات الاستثنائية والتاريخية. فنري مثلا (بول إيلوار) و(أراجون) و(سارتر) قد لعبوا دوراً هاما في قيادة المثقفين إبان المقاومة الفرنسية للنازي، كما قام آخرون بالتصدي لحكوماتهم إبان القمع الفرنسي لثورة الجزائر، مثلما رأينا (برتراند راسل) وهو يقود المظاهرات التي تدعو للسلام العالمي... وعلي الخريطة العربية رأينا مبدعين كهؤلاء. فلقد كان الشاعر العربي عموما ممثلا لضمير الأمة ومترجما لخلجاتها في المنعطفات التاريخية والتحولات الهامة. ولقد بلغ هذا الدور ذروة نضوجه وتفاعله والتحامه مع الظروف التاريخية مع بداية الخمسينيات وإبان الستينيات فمنهم من داهن السلطة، ومنهم من كان صادقا معها، ومنهم من كان جزءاً من مشروع المؤسسة فلم يكونوا سوي ظلال لها. ولكن لنفرغ من هذا الرصد، لنعود إلي ما يتعلق بالمبدع الشاعر والنبوءة، ذلك أن قدرة المبدع علي استشراف العديد من ملامح المستقبل هي قدرة إنسانية استثنائية، كما أنها قدرة مرهونة بوعي المبدع ذاته وثقافته وتراكماته الخاصة، وهذا لا يعني بالضرورة أنني أري الشاعر عرافاً، ولكنني أري فيه إنسانا واعيا قادرا علي استشراف الحاضر من خلال الماضي واستشراف المستقبل من خلال الحاضر، حيث يكون قادرا علي توظيف قدراته الإبداعية وحدسه الخاص في التكهن بالمستقبل من خلال قراءته العميقة للواقع؛ لأن المستقبل يخرج من رحم الحاضر والحاضر قد خرج من رحم الماضي، أتفق معك أن ملامح الحاضر والماضي والمستقبل مختلفة وليست مشتركة ولكنهم يتشابهون في العديد من الجزئيات . وإذا أردنا الوقوف لدي بعض قصائدك علي آلية هذا التنبؤ، فما أهم القصائد التي حملت بعضا من ملامح المستقبل مرتكزا فيها علي طبيعة علاقتك بالسلطة آنذاك ؟ هناك العديد من القصائد التي كتبتها في هذا السياق يحضرني منها الآن ثلاث قصائد : الأولي بعنوان «غزاة مدينتنا» وقد نشرت في مجلة «حوار» عام 1966. والثانية بعنوان «الصرخة والخوف» والتي نشرت في جريدة «الأهرام» في نفس العام (الطبعة الأولي) فقط حيث تم رفعها من الطبعات الأخري. ولقد كانتا بمثابة تنبؤ لما قد يحدث، وقد حدث بالفعل متجسدا في نكسة 1967. القصيدة الثالثة : كانت بعنوان «أتري يكون الوطن؟!» وقد كتبتها عام 1972 فلقد جاءت النبوءة فيها متجاوبة تماما مع أحداث 1973. كما أنك تستطيع بسهولة أن تقف علي طبيعة علاقتي بمفهوم السلطة آنذاك. |
نتوقف معك عند رؤيتك لمفهوم الحداثة فهل نتعامل معه علي نحو يختلف عنه لدي الغرب عن أي حداثة يتحدثون وعن أي حداثة تتحدث أنت.. كيف نتعامل مع هذا المصطلح ؟ نحن بإزاء حداثتين، حداثة مرتبطة بالواقع والتاريخ العربي مستجيبة ومعبرة عن ما يحدث فيه من تطور لرفض الجمود وهذه هي الحداثة التي أقبلها أو أتحدث عنها وهناك ما أسميه بالهامش التجريبي الذي يعني بفتح نوافذ جديدة تطل منها القصيدة المعاصرة علي العالم وتحلم بالتغيير. ولكن هذا في رأيي يرتكز علي تيارات أدبية لا تتلاءم تماما مع تصور عناصر التجربة الشعرية في المرحلة الراهنة فهذا الهامش متأثر بشكل مباشر بالشعر الأوروبي والنقد الأوروبي، دون أن يكون نابعا من تطور رؤيتنا الشعرية العربية المعاصرة. أعني بذلك أن هناك تيارين حقيقيين : تيار يعبر عن الحركة الشعرية العربية في سياقها العام الذي يبحث تطوير نفسه باستخدام معطياته الخاصة به وتيار هامشي تجريبي جانبي يبحث عن تطوره في ظل معطيات الآخر.. فلم يمتلك خصوصية الإنجاز، ومن ثم فإنه لم يمتلك مبرراته وذرائعه الخاصة وهذا تيار يقوده أولئك الذين ينسخون ويزعمون أنهم يفجرون اللغة، ويقومون بخلق عالم جديد في الوقت الذي يمزقون فيه اللغة ويجهزون علي وحدة القصيدة ومستقبلها. وأصبحت القصيدة نوعا من الهلوسة الشعرية التي ترتكز علي التداعي الحر، غير المنطقي في الغالب، الحداثة في تصوري هي الاستجابة العميقة الواعية للتغيير الذي يلحق بسلم القيمة الإنسانية والواقع الإنساني دون أن تنقطع الصلة تماما بالتراث ودون فقدان الصلة مع المستقبل. لقد ناقشنا تلك العلاقة بين المبدع والسلطة أو المبدع والأيديولوجيا، فلنتحدث إذن عن العلاقة التي تجمع أطراف الإبداع في إطارها (المبدع والمتلقي والناقد) هل يمكننا الوقوف علي طبيعة الدور النقدي الذي يمكن أن يلعبه في تجديد دم القصيدة العربية من خلال اكتشافه ودفعه لأصوات جديدة إلي الساحة، نود أن نقوم من خلال هذه الإجابة برصد سريع لمسيرة النقد التي لازمت القصيدة المعاصرة؟! هناك مراحل ووظائف نقدية متعددة، فيمكن مثلا أن يكون الناقد مبشرا بمذهب أدبي جديد، وعلي الرغم من ذلك فإن هناك شكوي دائمة لأي مبدعين جدد من التجاهل النقدي إزاء إبداعاتهم، وهذه قضية يطرحها كل جيل بطريقته الخاصة. وأود أن أشير إلي أن النقد العربي كان له أثره الكبير في تقديم العون لقضية الشعر الحديث. فلولا مشاركة نقاد رواد مثل محمد مندور، وشكري عياد، ولويس عوض، ولولا تقديمهم العون للتيار الجديد لما اكتسب شرعيته في زمن قياسي، ولكن هذا النقد في معظمه قد أكد علي الجانب الاحتفالي في مرحلة من المراحل، غير أننا فوجئنا بأن الأجيال التالية : - وأنا لا أقصد أن أدين أحدا علي الاطلاق - من النقاد الذين احترمهم أمثال د. صبري حافظ / والذي قدم لأعمالي الكاملة للجمهور بشكل رائع / - ود. جابر عصفور ود. غالي شكري، وصلاح حافظ.. لم يقوموا بواجبهم إزاء الأجيال التي تلت مرحلة صلاح عبد الصبور وجيلنا من بعده. |
ولا نستطع أن نقول أن الإغفال النقدي كان مطلقا وإنما الدور النقدي ذاته قد اختلف من اللهجة الاحتفالية، ليتحول إلي اللكنة الهادئة النبرة التي تنزع إلي التحليل، ولعل تغير طبيعة العمل النقدي قد أثر في وجدانات مبدعين كانوا يحلمون بأن يقوم النقد لهم بمثل ما قام به للأجيال السابقة أي (صناعة النجوم) في حين أن هذا الدور لم يعد صالحاً لهذه المرحلة.
الملاحظة الثانية أنه في الوقت الذي بدأ فيه جيل جديد من الشعراء عطاءه، وفد إلي الساحة هذا الاتجاه السرطاني المدعو بـ (البنيوية) الذي حول الإبداع إلي جداول رياضية وألغاز علمية، ولقد انتشر هذا الاتجاه تحت تهديد سافر بأن من لا يعتنقه فهو متخلف إبداعيا، والذين روجوا لهذا الاتجاه - (الذي مات في بلاده) - هم أنفسهم الذين يواجهوننا بالنفي والإنكار، وبدا الوسيط النقدي الذي كان لزاما عليه إرساء الشرعية للجيل الجديد ومنجزاته مشغولا بقولبة نفسه مع الآخرين وأشاح بوجهه عن الذين يرسمون ملامح مرحلة جديدة، ولعل هذا كان من دواعي عرقلة الحركة الشعرية السبعينية وما بعدها.. رغم المواهب الحقيقية التي أسفرت عنها هذه المرحلة وما بعدها. لقد أخفقت الحركة النقدية في أن تلعب دورا مواكبا لهذا الإنتاج، والتيار النقدي الذي احتوي المخاض الإبداعي للحلم القومي انطوي علي نفسه في حالة من الرثاء الشخصي بعد انكسار هذا الحلم. ولكنني لا أستطيع انكار المجهود النقدي المعاصر.. الذي تمثل في ميلاد جيل جديد من النقاد الواعين والمتيقظين والمتعاطفين مع ما هو جديد. رغم وجود بعض المجلات المتخصصة التي اتحفظ عليها مثل «فصول» التي غلبت علي طابعها العام الدراسات النظرية والتي زايدت بها علي الجوانب التطبيقية، وقد غلبت الرؤية الغربية علي آرائها النقدية، وهي لم تقدم أي مؤازرة للإبداع بل جعلت من النقد كهنوتا يهاب منه ومنفصلا عن الإبداع، وكأنها تبتكر لغة سرية، لا نقدية. وهل كان لهذا الغياب المرحلي لدور النقد إزاء تقديم التيارات الجديدة أثره علي انحسار جمهور الشعر، وكأن القصيدة تصرخ في آبار مهجورة فلا يرتد لها سوي أصدائها الخاصة ؟ أعتقد أن جمهور الشعر الحديث ليس وحده هو الذي انحسر، ولكن تضاؤل المهتمين بكل ما هو جاد وبكل ما يمثل قيمة فنية حقيقية، بما في ذلك القراءة عموما ولكننا أصلا ليس لدينا خريطة واضحة تتعلق بقراءة الشعر الحديث أو بأسلوب إعادة طرحه علي مائدة اهتمام القارئ، ليس لدينا خطة سوي من خلال توزيع المجلات الأدبية وأري أن هذا التوزيع يجتاز أزمة حقيقية بالفعل. كما أن عدم تبني الصحف اليومية لنشر نماذج رفيعة المستوي شعريا قد أدي إلي تراجع اهتمام الجمهور بالشعر. إن ما ينشر في الصفحات الأدبية في الصحف الرسمية يقترب من مستوي الفضيحة الشعرية، فهي قصائد هزيلة في معظمها، ولا أدري كيف يتم نشرها... علينا أولا أن نشذب تلك الذائقة المتخلفة للقارئ العادي الذي يحرص علي اقتناء الجريدة اليومية كذلك هناك مجلات أدبية لا يصل توزيعها إلي نسبة توزيع كتاب لكاتب مجهول. أيضا هناك أزمة إعلامية... حيث لا يقوم الإعلام بالتقديم الكافي أو اللائق للقصيدة الحديثة. وأضيف في النهاية - مما أشرت إليه في إجابة علي سؤال سابق - عدم المواكبة النقدية التي لم تقدم تفسيرا نقدياً للحركة الجديدة من القصائد الحداثية. كل هذه العوامل دون ذكر غيرها.. كفيلة بتراجع شعبية القصيدة المعاصرة بالتحديد. |
حوار مع الشاعر والروائى التونسى يوسف رزوقه :D
|
الشاعر و الروائي التونسي " يوسف رزوقة " في حوار خاص للجزيرة توك
![]() آمال العريسي ـ الجزيرة توك ـ تونس "مكانة الشاعر تفتك ولا تهدى في طبق ذهبي نحن نعلم معدنه الرخيص" "الجمهور الرّاهن منمّط أفسدته الثقافة" "مستخدمي فضاءات الدردشة العرب لا يدخلونها إلا من اجل امرأة ما" " ي | ر" التوقيع للشاعر و الروائي التونسي " يوسف رزوقة " و القصيدة تحمل عنوان "ملحمة الخاتم" و التي تنشر لأول مرة في موقع الجزيرة توك كهدية من هذا الشاعر المتميز قبل أن يقدمها في مهرجان جرش في صائفة 2007. "يوسف رزوقة" من مواليد 1957 بقصور الساف في ولاية المهدية الواقعة في ساحل الجمهورية التونسية . صدرت له حديثا خمسة دواوين شعرية باللغة الفرنسية. اختص إلى جانب الشعر والأدب في اللّغات و السياسة و الصحافة و الفنون الجميلة.عن واقع الشاعر العربي و قضايا الشعر كان للجزيرة توك هذا الحوار معه:
![]()
فهل تعتبر بأن مثل هذا الأمر ممكن في ظل واقع عربي نحن أدرى بشعابه و صعوبة اتحاده؟
|
|
![]()
|
حوار مع الشاعر سركون بولص :D
|
حاوره: صلاح عواد* ![]() - الحداثة مفهوم غامض وصعب التفسير ويعتمد على موقف الشاعر الشخصي من الثقافة والعالم. - في قصيدة النثر ليس ثمة ما يقيد الشاعر سوى تجربته الخاصة وديمومة الصوت والايقاع. منذ فترة تزيد على عشرين عاما يقيم الشاعر العراقي سركون بولس في مدينة سان فرانسسكو، هذا الشاعر المنحدر من مدينة كركوك حاول مع أقرانه حين وصلوا إلى بغداد في الستينات تغيير خارطة الشعر العراقي، وفي إحداث ثورة بأساليبه وتقنياته ضمن مشروع يريد تجاوز ما أنتجه جيل الرواد الشعري جيل قصيدة التفعيلة. ومن بغداد حمل سركون مشروعه الشعري، حيث توقف في بيروت وتعرف على تجربة مجلة شعر اللبنانية وساهم في تحريرها وترجم العديد من النصوص الشعرية من اللغة الإنجليزية، خصوصا لشعراء القارة الأمريكية، الذين عبروا عن روح جديدة تختلف عن الشعر الانجليزي المكتوب في بريطانيا تنسجم وفضاء القارة الجديدة على حد تعبير اكتافيو باز. ربما هذا الاكتشاف للشعر الأمريكي الذي ساهم فيه شعراء عراقيون آخرون مثل جان دمو وفاضل العزاوي دفع سركون للذهاب إلى موطن حركة الحداثة الثانية في الشعر الامريكي، فسان فرانسسكو هي المكان الذي أنعش حركة جيل البيكنس ومن هناك برز الشاعر ألن غينيسبرغ ولويس فرلينفتيني وغيري سنايدر ومايكل ميكلير، إضافة إلى بروز جاك كيرواك والكاتب وليم بروغ صاحب رواية «الغذاء العاري» التي أحدثت ضجة كبيرة في الوسط الأمريكي وأصبحت في الستينات إنجيل ذلك الجيل. في سان فرانسسكو تعرف سركون على مصادر الشعر الأمريكي، وتعرف على بعض شخصيات جيل البيكنس، وتعرف على شعراء آخرين اختطوا لأنفسهم نزعة جمالية تتسم بالتأمل وبالنزوع الصوفي مثل الشاعر هيروين. وخلال الأعوام التي قضاها في سان فرانسسكو بقي سركون مخلصا للشعر ولترجمة الشعر، وأثناء تلك الإقامة الطويلة التي قرر أن ينهيها بالذهاب إلى أوروبا خصوصا إلى لندن وباريس طور سركون تقنياته الشعرية، وصارت اللغة لديه أكثر حسية. فهو بالرغم من إقامته الطويلة في الولايات المتحدة لم يتخلص من لهجته البغدادية وبقي نفس القروي ذلك القادم من كركوك. وكان اللقاء الأول به في مقهى يقع في حي أغلب سكانه من المهاجرين القادمين من أمريكا اللاتينية بسان فرانسسكو. وقال هذا أول لقاء له مع شخص عراقي من سان فرانسسكو له اهتمام بالكتابة. ومن المقهى ذهبنا مع صديق لي صاحب مكتبة عربية في المدينة إلى حانة شعبية صاحبها من المكسيك ويتحدث أغلب زبائن الحانة بالإسبانية. وكان سركون قد قرر وقف التدخين، فالجو كان غير ملائم في مكان يدخن فيه الجميع بكثافة وبعد ساعتين غادرنا الحانة وتوجهنا إلى مطعم مكسيكي يبيع وجبات مكسيكية بهيئة ساندويش كبير. وقبل أن ألتقي بسركون في اليوم الثاني اشتريت آلة تسجيل صغيرة، واتفقنا على ايجاد محل هادىء لإجراء الحوار، وبعد جوله طويلة شاركنا فيها طالب دراسات عليا من الكويت في هذه المدينة النائمة بوقاحة على لحف المحيط كما وصفها بقصيدة له، وجدنا مكانا هادئا في حانة شعبية لها ساحة ذات فضاء واسع لم يشاركنا فيها أحد في جلسة استمرت أكثر من ثلاث ساعات وكان هذا الحوار. س: كيف كانت البدايات ولماذا اختار سركون الشعر؟ ج: أنا أعتقد أن الشعر يختار، وأحيانا دون ارادتك وهذا يعني أن الشعر موقع خاص تصل إليه بشروط معينة تدفعك إليها تجربتك الحياتية. وجاءني الشعر مبكرا منذ كنت صغيرا. وكان كالضربة التي مازلت استرجعها حتى في هذا الزمن المتأخر كلما حاولت أن أكتب قصيدة. وفي مفهومي إن الشعر نوع من السحر الذي من الممكن أن يغير حياتك كاملة، كما قصد ذلك ريلكة في قصيدة له عندما قال "عليك الآن أن تغير حياتك". س: متي تؤرخ لأول قصيدة كتبتها؟ ج: كانت قصيدة عن صياد أذكر أني كتبتها وأنا في الثانية عشرة من عمري، وأنا لم أنس تلك القصيدة لأن فكرة الصيد هي مفهوم الشاعر الحقيقي. أي أن الشاعر يجلس على البحر أو على الشاطىء كل صباح ويدلي بشصه في الماء لعل هناك سمكة عابرة فالشاعر هو صياد. س: الآن تدرك هذه المعادلة فلماذا اخترت الصياد كمعادل للشاعر؟ ج: اخترت الصياد دون أي وعي وكنت أصغر من أن أكون واعيا بما أفعل آنذاك، ولكنني أرى الآن أن الشعر بحر والشاعر هو الصياد وهناك شبكة ما. ولنقل أن الشبكة هي القصيدة وعليه (أي الشاعر) أن يخلق تلك الشبكة وهذا عمل يستغرق طيلة الحياة س: وبعد ذلك..؟ ج: بعد ذلك، البدايات تستمر ولا اعتقد أن ثمة نهاية للشعر، فالشاعر هو دائما بداية. ويؤكد كاتب إيطالي أجله كثيرا اسمه شيزارا بافيسي يقول أنه «ليس لنا سوى أن نبدأ» وفي هذه الحال ليس لنا سوى أن نبدأ وهذا هو قول الشاعر الحقيقي. س: إنك من مدينة كركوك وانتقلت من كركوك إلى بغداد وفي مجموعتك الثانية "الحياة قرب الاكروبول " ثمة حضور لمدينة كركوك فكيف تصف لنا تجربة كركوك ؟ ج: هناك فرق كبير بين كركوك وبغداد. فكركوك مدينة غريبة التركيب من حيث الأجواء الاجتماعية ومن حيث الأقوام التي تسكن فيها، ذلك الخليط العجيب المتكون من العرب والآشوريين والأكراد والأرمن والصابئة ومن الأجناس العتيقة التاريخية التي وجدت نفسها في الشمال، حيث أن المدينة كانت دائما منبعا إنسانيا متنوع اللون والشكل. وهو منبع لا ينتهي لغرابة اللغات المتبادلة بين تلك الأقوام، بينما بغداد هي بغداد وهي شيء آخر ولها طابع يعرفه كل من عاش في تلك المدينة. وكركرك بالنسبة لي هي بداية الكتابة وكانت المنبع والمكان الذي فتحت فيه عيني على مواقف الشعر. وعندما ذهبت إلى بغداد كان تركيبي الشعري قد ثبت وتصلب تقريبا حتى ولو كانت بغداد هي المنبر الحقيقي والمكان الأوسع روحا والأكثر امتلاء بالحياة عندما وجدت نفسي في |
ما هي ملامح كركوك في تجربة سركون الشعرية ؟
ج: لقد كتبت عن كركوك في كل كتبي وفي شكل خاص في كتابي الأخير «الأول والتالي» وفيه قصيدة اسمها نهار في كركوك. وهي قصيدة تعبر بالضبط عن صورة كركوك التي لا زالت تلازمني، وهي قصيدة كتبت في أمريكا بسان فرانسسكو. س: إذا أردنا أن نتعرف على ملامح ذلك الشاعر الشاب سركون بولص في كركوك كيف نتعرف عليه؟ طبعا.... هذا الشيء لا يمكن أن أعبر عنه إلا شعريا في قصيدة ولكن سأحاول (يضحك) س: بعد مرحلة كركوك تأتي تجربة بغداد كيف كانت تلك التجربة ؟ ج: كانت بغداد بالنسبة لي الخروج من الأحلام والسقوط في حلم آخر كبير. فبغداد هي الحلم وكنا نحلم نحن شعراء المدن النائية كمدينة كركوك بتلك الروضة المليئة بالنيون والمليئة بالملذات كما كنا نتخيلها نحن القرويون تقريبا، ذلك لأن الكركوكي بالنسبة للبغدادي في الفترة التي أتحدث عنها وهي فترة الستينات كان نوعا من القروي، وهو يمثل التفكير الريفي بالنسبة للتفكير المديني الذي كان يجسده رجل العاصمة حيث الحانات وحيث الانفتاح من الناحية الاجتماعية في الجنس والنساء والحب. فبغداد أكثر تحررا من مدينة مغلقة اجتماعيا مثل مدينة كركوك، كبقية المدن الأخرى الصغيرة حيث الحب مثلا كان شيئا سريا وخفيا ومازال حتى الآن. وكنا نحلم ببغداد وكأننا إذا وصلنا سنكون قد وصلنا إلى واحة كبيرة بالحياة. س: في بغداد وجدت نفسك مع جيل شعري جديد كان يفكر بكتابة جديدة تتجاوز ما أنتجه جيل الرواد الشعري في العراق. ج: في تلك الفترة كانت بغداد مليئة بالشعراء وكان جيل الستينات الذي جاء من جميع أطراف العراق ربما كان مدفوعا بنفس الحلم ومتبعا نفس الخطى معا. وجد ذلك الجيل نفسه في المقاهي حيث النقاش السياسي والثقافي دائر ليل نهار، وكنت تجد نفسك في معركة سحرية جميلة يشارك فيها العشرات من الشباب وكانوا هم من أدرك إن الثقافة ليست مجرد لعبة ايديولوجية كما كانت مثلا عند الرواد، وإنما هي حلم أكبر من ذلك وأكبر من أن تتداول مفاهيم معينة كالثورة والثقافة والشعر، لأن العالم كان كله يلتهب ويغلي بالنسبة لهؤلاء الشباب ويجعلهم يحسون أن طاقتهم جديدة تماما وينبغي أن تكون ثورية ومختلفة بشكل آخر بالنسبة عما سبقهم. ونتيجة لذلك الإحساس وليس التفكير الذي كان يشكل حساسية معينة كان هو الذي ميز شعراء الستينات عن الشعراء الذين سبقوهم وجعل شعرهم وكتاباتهم روضتهم إلى عالم أكثر حداثة وانفتاحا. س: في تلك الفترة ظهرت مستويات مختلفة من الكتابة التي تدرج ضمن مفهوم الحداثة ج: الحداثة هي مفهوم غامض وصعب التفسير ويعتمد على موقف الشاعر الشخصي من الثقافة والعالم بشكل عام. أي إن الثقافة تجربة تقف وراء الشاعر والتي تقرر مدى فهم هذا الشاعر أو ذاك وعلى أي مستوى من ما نسميه بالحداثة. وكانت حداثة الرواد تشكيلا جديدا للتفكير الرومانسي الذي هو ثوري أصلا. وكانت متأثرة بتقنيات شعراء الحداثة في أوروبا كإليوت وستويل وعزرا باوند وأودن الذين خلقوا الحداثة الأوروبية والعشرينات والثلاثينات من هذا القرن، في حين أن الشعراء الذين جاؤوا بعدهم - شعراء الستينات - كانوا يقرأون لأجيال أخرى جاءت ما بعد إليوت وباوند وأردن كشعراء البيكنس مكر ألن غينيسبرغ وجاك كيرواك وغيرهم من شعراء الحداثة الثانية في أوروبا وأمريكا. فالتأثيرات التي فعلت فعلها في شعراء الستينات لم يعرف عنها شعراء الريادة الأولى أي شيء، لأن ثقافتهم توقفت عند حدود الحداثة البدائية الأولى، حداثة إليوت وعزرا باوند. س: هذا يعني حدوث قطيعة مع جيل الرواد؟ ج: إن جيل الستينات كان جيل القطيعة لأنه تبنى أولا قصيدة النثر، وأن قصيدة النثر هي ثورة حقيقية ورفض كامل لأسس معينة استند إليها ويحتمي بها الشعر العربي الكلاسيكي والتي تفرع منها شعر الرواد. فشعر الرواد كسر العمود الشعري وهذا لا يعني أبدا أن الشعر قد تحرر، لأن القيود مازالت كما كانت عند شعراء مكركيتس وووردزروث. فالسياب مثلا كتب بنفس النمط الذي كان يكتب فيه كيتس، فهو أحدث الشعراء على الإطلاق وأعتبره أهم شاعر عربي وقد كتب حسب أنماط موجودة في الشعر الإنجليزي وكانت ثقافته إنجليزية بحتة واتبع نفس التقنيات والقوانين التي كانت عند شعراء الرومانسية الإنجليزية ولم يتبع تقنيات شعر إليوت وعزرا باوند. فهو قد تأثر بإليوت فكريا وتقنيا ولكن ليس بشكل الكتابة الشعرية. وعلي أن أعترف إن المسألة معقدة فإليوت وشعراء الحداثة الأوروبية جاؤوا لكي يثوروا على شعر الرومانسية عند بايرون وكيتس وشيلي وووردزروث وعلى غيرهم من شعراء الرومانسية، وشعراء الرومانسية هؤلاء قد تأثروا في شاعر سبق إليوت وباوند هو توماس هاردي الذي جاء واعتبر في الشعر الإنجليزي أكبر وريث حديث للرومانسية، الذي نقاها وشكلها في قوالب أخرى. أما شعراء العراق الذين سميناهم بالرواد فقد جاؤوا ليكتبوا قصيدة كما كتبها هاردي وليس كما يكتبها إليوت أو باوند وأردن وغيرهم من الشعراء الذين جاؤوا وثاروا على هاردي وريث الرومانسية. |
هل يصح مثل هذا الحديث على الجيل الثاني من الرواد مثل سعدي يوسف؟
ج: هذا جيل أخر يضم كلا من سعدي يوسف ومحمود البريكان ورشدي العامل وشعراء آخرين وقعوا تاريخيا بين الرواد وبين الستينيين ونطلق عليهم شعراء الخمسينات. فسعدي يوسف مثلا هو شاعر ذكي وواع، وكان في بداياته مدركا بشكل جيد لهذه المسائل. والغريب أنه قد قام بوثبات مذهلة بتقنياته في شعره الباكر، لكن سعدي يوسف مازال يحمل ذلك النفس الرومانتيكي الحديث لأن شخصيته الشعرية لازالت تتراوح بين قطبين، قطب الحداثة المطلقة وقطب الحداثة المقيدة. وفي هذا المجال خلق سعدي أنماطا جديدة في الشعر موسومة بطابعه الشخص، لأنك تستطيع أن تتعرف على قصيدة سعدي أينما وجدتها وهو شاعر كبير ولم يخلق قطيعة مع الرواد قطيعة كاملة وأنه بحكم عمره وموقعه التاريخي كان مجددا حقيقيا. إننا عندما نتحدث عن التجديد المطلق الكامل أو عن القصيدة التي تذهب إلى نهاية القطيعة ينبغي أن نتحدث عن قصيدة النثر إذا أردنا أن نفهم أين مستقبل الشعر العربي. ونحن حين نقول قصيدة النثر فهذا تعبير خاطيء لأن قصيدة النثر في الشعر الأوروبي هي شيء آخر. وفي الشعر العربي عندما نقول قصيدة النثر نتحدث عن قصيدة مقطعة وهي مجرد تسمية خاطئة، وأنا أسمي هذا الشعر الذي أكتبه بالشعر الحر كما كان يكتبه إليوت وأودن وكما يكتبه شعراء كثيرون في العالم الآن. وإذا كنت تسميها قصيدة النثر فأنت تبدي جهلك لأن قصيدة النثر هي التي كان يكتبها بودلير ورامبو ومالارميه وتعرف بـ (prose poem) أي قصيدة غير مقطعة. وأصبحت هذه المسألة معروفة الآن. واعتقد أن النقاد العرب، يصرون على هذه التسميات كي يشككوا في قيمة قصيدة النثر لذا نحن نحتاج إلى نقاد مستقبليين يتحررون من هذه العقدة أي عقدة الخوف وأن يفهموا بعد دراسة حقيقية للشعر العالمي ماهية قصيدة الشعر الحر. ونأمل أن يأتي جيل جديد من النقاد يتميز بهذا الفهم، بهذا الانفتاح دون خوف وعقد. ويبدو أن الكثير من كتبوا عن قصيدة النثر كتبوا عنها بشكل عدائي، وهناك فهم خاص في أن قصيدة النثر هي قطيعة نهائية وهذا صحيح وهذه القطيعة هي ضد الشعر وهذا أمر غير صحيح . س: في الوطن العربي ظهر جيل بعد تجربة الرواد مثل جيل أدونيس ومحمود درويش وصلاح عبد الصبور وآخرين هل أضاف هذا الجيل إلى تجربة الشعر العربي الحديث ؟ ... طبعا دون شك س: أنت تتحدث عن قطيعة عن قصيدة التفعيلة لكن الاتهام الذي يوجه إلى جيلكم هو التأثر الكبير بتجربة أدونيس الذي لم يتحرر من قصيدة التفعيلة. ج: بالطبع إن جزءا من شعراء ذلك الجيل كانوا شعراء ايديولوجيين الذين وجدوا عند أدونيس ضالتهم المنشودة. وأن شعراء الايديولوجيا في الستينات والسبعينات في الشعر العربي هم من تأثر بأدونيس لأنه شاعر ايديولوجي وأنا لا أقصد بذلك طعنا بأدونيس وإنما أقصد أن ثمة جانبا كبيرا من التفكير الايديولوجي يسير شعر أدونيس. س: هل شكت تجربة أدونيس إضافة إلى الشعر العربي الحديث؟ س: دون شك إن أدونيس شكل إضافة وهو شاعر عظيم وأنا لا أحب أي واحد أن يطعن بأدونيس وهو شاعر لا يحتاج إلى شهادات ولا يحتاج إلى إثبات أي شيء لأن نتاجه يقف هناك شامخا. س: من خلال تجربتك الخاصة كيف تنظر الى أدونيس؟ ج: أنا من خلال تجربتي أختلف شخصيا ونهائيا عن تجربة أدونيس وأعرف شعر أدونيس وأين يتجه وأحترم ذلك الاتجاه، لكن مفهومي الحقيقي للشعر هو: أن كل شاعر ينبغي أن يبني عالما كاملا لأن كل شاعر مختلف في تقاسيمه وإيقاعاته وفي تجربته التي يجترع منها تلك الإيقاعات وتلك التقاسيم وأنا لا أعتقد أن أي شاعر يخرج هكذا ويقلد شاعرا ما، هذا الأمر ليس له أي معنى. س: في الستينات كتبتم كثيرا ويبدو أنكم مارستم نوعا من الاستعجال في الكتابة ومن خلال الأعمال التي نشرها أبرز ممثلي جيلكم هناك نوع من التخلي عن الكتابات التي يبدو عليها الحماس والاستعجال وأنت واحد منهم حيث نشرت كثيرا في مجلة شعر ومواقف ولم نجد الكثير من تلك النصوص في المجموعات الثلاث التي نشرتها من شعرك. ج: هذا صحيح وعلي أن أتحدث عن تجربتي الشخصية وأستطيع أن أحكم عن شعراء آخرين وربما قد تكون لي آراء معينة في هذا المجال وأنا لم أتبع الطرق المعتادة التي يتبعها الشعراء الآخرون لأن حياتي كانت مضطربة بشكل مهول وأنا لم أعش الحياة الجيدة اللطيفة الثابتة التي عاشها أغلب الشعراء بعد التخرج من الجامعات وإصدار مجموعات شعرية منظمة والتعامل مع الناشرين. فأنا عشت الشعر وفي رأيي إن الشاعر المبدع هو أن يعيش ذلك الشعر الذي يريد أن يكتبه. فالشاعر بالنسبة لي هو متناحر مع تجربته الحياتية حقا، وتجد الكثير من القصائد إن لم يكن تسعون بالمئة منها لا تعتمد على تجارب حياتية حقيقية رغم أن هذا ليس شرطا ولا يهم القارىء في النهاية. غير أني أجد أن الشعر بالنسبة لي حاجة عظيمة ومخيفة وسحرا أحتاجه لذلك فإن الشعر لا يعني أي شيء عندما يكون مجرد نتاج وملء صفحتي كتاب لذلك لدي ثلاثة كتب فقط، ولدي قصائد منشورة هنا وهناك وفي مجلة أدونيس "مواقف" لدي قصائد منشورة من الممكن أن تكون أكثر من كتاب ولكني لم أجمعها على الإطلاق ولا تلك القصائد التي نشرتها في مجلة شعر والتي تتجاوز الخمسين قصيدة. فأنا لست شاعرا نظاميا، أنا شاعر من نوع آخر. |
س: في المجموعة الأولى "الوصول إلى مدينة أين" يحمى القاريء أن القصائد منتقدة من فترات معينة وليس ثمة تاريخ للقصائد فهل كنت متعمدا في هذا الاختيار؟
- ج: إن قصائد "الوصول إلى مدينة أين" هي قصائد متفجرة وهي قصائد الحيرة بدءا من العنوان وإذا فتحت الكتاب وقرأت الكلمة الأولى وهي «وصلت» وقرأت الكلمة الأخيرة في الكتاب "ذهبت" تجد في الكتاب أن فكرة الوصول إلى مدينة أين محتجزة بين هاتين الكلمتين. ففي البداية تصل ولكنك في النهاية تذهب ولم تصل إلى أي مكان لأن ليس هناك أي مكان والمسألة هذه تلتقي مع قول القديس أوغسطين أنه "ليس هناك مكان نحاول أن نذهب ونجيء إليه ولكن ليس ثمة مكان" التي كانت حاضرة في مجموعة الوصول إلى مدينة أين. س: هل تنطبق هذه المقولة على اختيار كل القصائد في المجموعة؟ ج: أنا أختار القصائد لتشكل كتابا وليست مجموعة قصائد، وأنا أكتب كتابا له بداية ونهاية وتجد هذا في الكتاب الثاني "الحياة قرب الأكروبول" فالكتاب الثالث "الأول والتالي" يبدأ من الطفولة وينتهي في نيويورك وهو يضم سبعة أجزاء وهذا ينطبق على كتاب "الحياة قرب الاكروبول" فكل البلدان التي عشت فيها والمدن التي تعرفت عليها والنساء التي شكلت تجربتي تقولب نفسها كي تتخذ هذه الأشكال وفي النهاية تصب في نوع نهائي هو الكتابة. س: في نصوص «الوصول إلى مدينة اين» تقنيات في الكتابة تكاد أن تتشابه.. كيف تصف تلك التقنيات؟ ج: هذا الكتاب حاولت أن أجمع فيه جوهر الأصوات المتعددة التي كنت أكتب فيها منذ بدء الستينات بكتاب جاء في الثمانينات أي بعد نشر الكثير من القصائد في المجلات العربية غير أني لم أجمع منها سوى النزر اليسير وركزت بدل ذلك على ما أسميه بالقصائد التفجيرية، لأني أردت أن يكون الكتاب الأول مركزا على النثر بصورة كاملة دون أي تشبث بقصائد الوزن التقليدية كما كانت تكتب من قبل الرواد وأن تكون قطيعة مطلقة من حيث الصوت ومن حيث الإيقاع النثري الخالص مع الشعر السائد. وأنا حين أنظر إلى كل ذلك من خلال هذه المسافة الزمنية أجد أن الجنون العاطفي والايقاعي الذي يصل أحيانا إلى حد اللاوعي والاستغراق به في هذه القصائد هو دليل على ما كنت أعانيه عندما جئت إلى الولايات المتحدة من بيروت وهو دليل على حيرتي إزاء هذا العالم الشاسع الوحشي الذي وجدت نفسي فيه وكيف يمكن لي أن أعبر عما كنت أعيشه وباي سبل. كانت هناك ضرورة قصوى أن أجد أشكالا أخرى لتقمص التجربة الأمريكية كامتداد لتجربتي في الستينات في كل من بغداد وبيروت وهكذا جاء كتاب "الوصول إلى مدينة أين" وهو يعبر عن اللامكان الذي كنت أقف فيه آنذاك. س: في المجموعة الأولى نلاحظ أن القصيدة تتكون من مقاطع قصيرة حيث تعتمد التقطيع، في حين نلاحظ في المجموعة الثانية "الحياة قرب الأكروبول" ان القصيدة تتكون من جمل طويلة وأحيانا تكون مقطعا كاملا فكيف وصلت إلى مثل هذه التقنية ؟ ج: هذا سؤال رائع، بالطبع هناك قصيدة الضربة، منها مثلا قصيدة الجلاد في الكتاب الأول التي تتكون من ثلاثة أسطر وهي عن الطاغية الذي مازال شبحه يلاحقنا حتى الآن وهذه قصيدة كاملة وهناك قصائد أخرى من هذا النوع في الكتاب، إنها القصيدة الشرسة والصوت الذي يواجه الموضوع مباشرة ويطلق سهمه نحو الهدف. ويضاف إلى ذلك القصائد العنيفة أي تجربة قصائد النثر التي يمكن لها أن تدخل اللاوعي بشكل عاصف حيث تدوخ اللغة العربية وتبدو أجنبية. واللغة من الممكن أن تغرب بهذه الطريقة. وفي الشعر الحديث إذا درسنا صناعة الحداثة نجد أن تغريب اللغة هو أول الأفعال لفصلها وقطعها عما سبقها بحيث تقف وحدها بلباس أجنبي لتبدو لغة أخرى، ومن هنا تبدأ هذه الصناعة. لذا فإن لغة كتاب "الوصول الى مدينة أين" هي اللغة التي غربت نفسها قصدا لأن الهدف في كل الكتاب هو أن تقف على حدة من جميع ما هو سائد وهذا هو فعل الثورية الحقيقي العنيف الذي ربما فاق الحدود في رأيي. بينما في الكتاب الثاني وجدت نفسي أكثر هدوءا وأتعمق في التجربة الحياتية حيث أن الصوت شكل نوعا من الجملة المطولة التي لا تقف عند حد في حين كانت الجملة بالكتاب الأول عنيفة وشرسة. بينما أصبحت في "الحياة قرب الأكروبول" أكثر امتدادا لتنال مدى أبعد. س: هل جاء اختيار الجملة الطويلة ضمن خطة واعية أم أملتها التجربة الخاصة ؟ ج: دون أي شك جاءت ضمن اختيارات واعية جدا وأنا واع جدا لعملية كتابة القصيدة، ففي الكتاب الثالث «الأول والتالي» تخلصت من أشياء كثيرة كانت موجودة في الكتابين الأولين، وجرت فيه - أي الكتاب الثالث - عملية تركيز مكثفة حيث أن الوعي يبرز أكثر في كل كلمة. لذلك جاءت القصائد أقصر والديمومة تنال القصيدة بأكملها. ففي القصائد الأخيرة نجد ديمومة الصوت التي بدأت في الكتاب الأول بشكل عنيف كما قلت ومن ثم تطورت وهدأت ونضجت أكثر في الكتاب الثاني حيث تنفرش على الساحة الأصوات والايقاعات وتعطيك خلفية كاملة ومطلقة وبتفاصيل حقيقية تعتمد مرجعيا على التجربة الحياتية مثل الحياة في اليونان والتي استمرت - تلك التجربة الاغريقية - في الكتاب الثالث وثمة قسم كامل لقصائد اليونان في "الأول والتالي" متطورة تقنيا إلى حد أن تتخذ القصيدة مشاهد العالم الحقيقي والتعابير والأشكال والايقاعات التي يستنبطها الشاعر من ذلك العالم. س: من أين تستمد الايقاع؟ وأنت تؤكد أن التفعيلة تجعل من القصيدة ذات تركيب أفقي وذات شكل هندسي من الممكن أن تتصوره قبل كتابة القصيدة، فأين تجربة محمود درويش الذي حاول أن يطوع التفعيلة ويمنح القصيدة أفقا مفتوحا من حيث الايقاع؟ ج: إن البحور العربية تفرض على الشاعر العربي - أي قبل أن يكتب قصيدة - أن يمشي عبر الصفحة بشكل معين ودون حرية مطلقة، أي أن الشاعر مهما برع في السيطرة والسيادة على الوزن هناك دائما الايقاع الهندسي الذي تفرضه شكلية البحر المختار لكتابة القصيدة. واذا قررنا أن نكتب على إيقاع بحر الكامل مثلا لوجدنا أنفسنا مجبرين على اختيار كلمات معينة ومطولة تتوافق مع متفاعلن ومستفعلن. أي أن مجزوءات هذين الشكلين اللذين يؤلفان بحر الكامل سيفرضان علينا دائما طوال القصيدة أن نتقيد بالكلمات التي تنبني أو تنصب في هذين الصوتين، فـ(متفاعلن) يقابلها (متفجر) لذلك ستكون كل قصيدة تكتب على بحر الكامل ستكون على الاطلاق مؤلفة من كلمات يكون الجزء الأساسي منها مشددا حيث لا تكون ثلاثية أو رباعية وانما من كلمات خماسية وسداسية وأكثر. س: يعتبر بحر الكامل من البحور التي تمتاز بالتعقيد فهو يجمع بين بحر الوجز والسريع والمتدارك، وثمة عدد قليل من شعراء التفعيلة الذين لجأوا إلى استخدامه مثل أدونيس ومحمود درويش. ج: إذا كان الأمر يتعلق بشاعر سيد على وزنه وسيد على قصيدته قد يكون مختلفا، فشعراء مثل أدونيس ومحمود درويش هؤلاء يعرفون كيف يمسكون بالتيار وكيف يسيطرون على الدفق. وأنا أتكلم عن أشياء مسبقة عن السيادة ومطلقة بالنسبة لأي شاعر يكتب بالوزن، أي ما أسميه بالقصيدة الأفقية إذ يكون من الصعب كسر السطوح التعبيرية والايقاعية فيها وأحيانا يكون صعبا بشكل استحالي، وعندما يتعلق الأمر بالنثر وأنا أتحدث عن سيد نثره وسيد الايقاعات وهذا لا ينطبق على جميع الشعراء وانما ينطبق على قلة حيث يمكنك أن تخلق في النثر إيقاعات حقيقية وحرة تضرب في مجالات لا يمكن للقصيدة الموزونة أن تطرقها. س: كيف يمكن تحديد هذه الإيقاعات؟ وما هي إيقاعات القصيدة التي تكتبها؟ ج: عندما نتحدث عن الإيقاع الموزون والإيقاع النثري فإننا نتحدث عن شيئين مختلفين، ذلك لأن الأذن العربية لفرط تعاملها مع الوزن قد صارت مخدرة وتعترف بإيقاعات خاصة معينة تنتج نوعا من الطرب وهي الإيقاعات التي تحتويها البحور العربية. لذا يبدو أن الأذن العربية تحتاج إلى وقت طويل كي تتعود على إيقاعات النثر، وقصيدة النثر لا تعتمد على الإيقاع فحسب بل هي تعتمد على أشياء كثيرة فالإيقاع هو عنصر واحد. وهو في قصائد معينة يتبع دائما الثيمة والموضوع والشكل والأشكال الشعرية الأخرى التي لا تمتلكها قصيدة الوزن بكل بساطة لذا فإن التعقيد في هذا النوع من الشعر- شعر النثر -هو من أول الشروط الشعرية التي يتبعها الشاعر. س: نلاحظ أن تجربة جيل البيكنس الأمريكي استفادت من إيقاعات معينة مثل الجاز حتى عندما نقرأ نثر جاك كورياك نجد إيقاعات الجاز حاضرة في نثره. ج: دون أي شك هناك إيقاعات الجاز والبلوز والإيقاعات التي استقاها والت ويتمن من التوراة، إضافة إلى الإيقاعات التي استوحاها واستنبطها ألن غينيسبرغ من ويتمن نفسه ومن الشعر العبراني. واستنبط جاك كيرواك إيقاعات من موسيقى البلوز ومن ما يسمى بالبيب بوب في الجاز وإيقاع الهايكو الياباني فهي تقنيات وأشكال ساهمت في الخلق الشعري الحديث ما بعد إليوت والتي شكلت ما يسمى بما بعد الحداثة كحركة. |
س: إذا أردنا أن نتحدث عن قصيدة النثر العربية فهل تمكنت من خلق إيقاعات موسيقية أخرى غير مصادر الموسيقى العربية التقليدية المتمثلة ببحور الخليل؟
ج: إن قصيدة النثر العربية الحاضرة هي قصيدة مغامرة انطلقت من عدم الاقتناع بايقاعات القصيدة التقليدية وإيقاعاتها مستمدة من شكل القصيدة ومن التجربة الموجودة فيها. لذلك فإن الإيقاعات غير ثابتة وغير ممكن أن تكون مقننة في قصيدة النثر، فكل قصيدة لها إيقاعها الخاص يضاف إلى ذلك أن كل قصيدة لشاعر معين تمتلك إيقاعه الشخص الذي يدل عليه وهذا الشيء الذي لا يمكن لقصيدة الوزن أن تفعله على الاطلاق. بينما في قصيدة النثر ليس ثمة ما يقيد الشاعر سوى تجربته الخاصة وديمومة الصوت الذي تشتمل عليه القصيدة والتفاصيل الأخرى التي ليس لها أية نهاية والتي تنضاف إلى مسألة الإيقاع. فالإيقاع ليسر منفصلا في هذه الحالة عن التراكيب الأخرى في قصيدة النثر. س: لنعد مرة ثانية إلى تجربتك في الكتابة، في كتابك الأول «الوصول إلى مدينة أين» نجد أنه يعتمد على الصورة حيث يبدو كل سطر صورة، في حين نلاحظ أنك تحاول أن تتخلص من الصورة في كتابك الثاني «الحياة قرب الأكروبول» وتلجأ إلى السرد. ج: هذا صحيح ففي الكتاب الأول كان اعتمادي على الصورة بشكل مبالغ فيه، ذلك لأني كنت منذهلا بالصورة في ذلك الوقت، وبصورة مبسطة أكثر كانت الصورة المكثفة بالنسبة لي آنذاك هي جواز المرور إلى عالم اللاوعي وكنت مندهشا وأفكر صوريا إلى أن تجاوزت هذا الموضوع ووجدت نفسي في الكتاب الثاني أتخلص من الصورة قدر الإمكان، وأبسطها حيث أن الصورة تخدم شيئا آخر هو الحالة أو المشهد الشعري الداخلي الذي ينظر إليه كمرجع للخارج أي في الحياة المدرة والمتدفقة. فالصورة كانت في الكتابب الأول سوريالية وحاولت أن أتخلص من آثار التصوير المباشر في الكتاب الثاني والثالث. س: في الكتاب الأول تلجأ كثيرا إلى أدوات وحروف التشبيه هل كان هذا لضرورة فنية؟ ج: لقصيدة النثر تقنيات وأساليب تعتمد كثيرا على المقابلة وعلى تقابل الأشياء وتصادمها، لذلك فالصدام بين الأشياء والصور هو الذي يخلق الوديان الكلامية في الكتاب الأول. س: «الأول والتالي» يبدو أنك تحررت كثيرا من أدوات التشبيه ج: في الكتاب الثالث أكاد لا أشبه إلا بطريقة غير مباشرة. وهذا يعني أن عملية التشبيه تطورت إلى حد أنها نفت نفسها فصار التقديم أو التجسيد هو الذي يحظى باهتمامي وهناك قصيدة في "الأول والتالي" تتكون من أكثر من عشرين مقطعا عنوانها «تجاسيم» وهذه الكلمة اخترعتها وتفهم بمعنى "التجسيد" للحالات، فصار التجسيد بدلا من التقابل الصوري واللجوء إلى أدوات التشبيه. س: كلمة "العالم" نكاد نجدها تقريبا في كل نصوصك الشعرية فلماذا هذا الاصرار على هذه المفردة؟ ج: منذ وقت طويل وعند بداية مسيرتي تأثرت بفكرة جاء بها فيلسوف ألماني اسمه ليبيتن وهي فكرة عن المونولودجيا أي أن العالم يتكون من وحدات شكلية سماها بالمونادات فكر شيء هو موناد، فالقنينة هي موناد والعين موناد والكأس موناد وكذلك الشعر والقمر والمصباح والنجوم. وهذه الفكرة تطورت الآن في الوقت الحاضر بالفيزياء الحديثة خصوصا في فيزياء اللايقين عند هاينزبورغ حيث أن هذا العالم لا قيمة ولا معنى له على الاطلاق، لم يكن هناك من يسمونه بالرقيب أي المشاهد الذي يقف في مكان ما من الكون ويقول هذا الشيء المعلق في الفضاء اسمه نجمة وذاك اسمه قمر وهذه هي مجرد اسماء ووحدات أو مونادات بالكون وهذه ببساطة فكرة الفيزياء الحديثة وأنا مؤمن بها ومنذ شبابي سيطرت على هذه الفكرة. وأغلب القصائد التي كتبتها مليئة بالعشرات وربما بالمئات من الوحدات الموجودة واقعيا في العالم التي تتركب مع بعضها البعض لتكون عالما كاملا مستقلا بحيث أن هذه الوحدات والمونادات تتصادم مع بعضها في حقل ميدان من الطاقة حيث تكون القصيدة في النهاية ميدانا حيا من الطاقة الفيزيائية وهذه الطاقة تقرر شكل القصيدة. س: في المجموعات الأول نراك مشغولا بالفكرة كثيرا وربما هذا ما يفسرا للجوء إلى الصورة في حين نشاهد في المجموعتين الثانية والثالثة ميلا نحو الحسية واستفادة من فنون الكتابة الأخرى كالرواية والمقالة. ج: إن قصيدة النثر هي التي تستغل وتغرف من كل الروافد ومن كل الأنهار ومن طرائق الكتابة المقالية وتغرف من الكتابة الدينية ومن النص الصوفي ومن العلم ومن السينما والباليه والرقص وربما هذا الذي يشكل إيقاع قصيدة النثر. فالشاعر عندما يكتب يكتب بكل حواسه وبكل معرفته ولا يكتب مثل الشاعر التقليدي الذي يحاول أن يطربنا ويهزنا أو يحاول أن يقنعنا بفكرة سياسية أو أيديولوجية، فالشاعر الآن الذي يقف في مركز الكون وفي مركز التجربة الحياتية حينما يكتب تكون السياسة والايديولوجية والموسيقى وكل الفنون مصبوبة في نظرة ورؤيا وفي موقف حسي وهدفه في النهاية أن يدخلك في هذا الحقل من الطاقة الحية وفي هذه العاطفة المطلقة كما قال عزرا باوند أنه "لا شيء غير العاطفة". والعاطفة هنا بمعنى (Passion) الوجد الوجودي والكوني فالشاعر هو كائن يحترق كي تبرز هذه الطاقة ولكي يكون وقودا لهذه العاطفة ولهذا الوجد. وأنا لا أجد أي شيء يمكنه أن يقنعني بأن قصيدة النثر مجرد شكليات أو مجرد تقنيات أو ضرورة تاريخية كما يتحدث عنها النقاد أو كتقليد سخيف لقصيدة الغرب. فهذه القصيدة هي الضرورة وكان الشاعر العربي يتطور نحوها على الإطلاق منذ القرآن الكريم. وتكاد أن تكون كل الكتب الدينية مكتوبة بالنثر وهي الكتب التي مازالت تهز البشر. س: في كتاب " الأول والتالي " ثمة استفادة من الشعر العربي القديم وحضور لشخصية النابغة الذبياني وللشاعر عمرو ابن أبي ربيعة، فهل تطمح في خلق علائق جديدة مع شخصيات من الشعر العربي القديم؟ ج: أحيانا أجد نفسي أفكر بشروط زمانية معينة وتعطيني حسا ثابتا لتواريخ معينة، وأحيانا ارتبط مع التاريخ والتراث بشكل اعتباطي وليس شرطيا أبدا. وهكذا يحدث أن أجد نفسي أتحدث وأعيش جوا خاصا يربطني بشاعر معين قرأته في فترة ما وبقي جزء من شعره يغذيني في الحاضر. إن بضعة أبيات للنابغة الذبياني قد بقيت في ذهني وهي تتحدث عن الكواكب وعن السهر والأرق في عهد الملك النعمان بن المنذر عندما كان النابغة شاعر البلاط بالحيرة. وجدت نفسي ذات ليلة في سان فرانسسكو أرقا في ليلة مليئة بالنجوم، وكنت قريبا من البحر ومن الحس التاريخي وبصورة غير واعية أحسست بارتباطي بهذا الشاعر. وحدث أن اكتشفت أن الأزمنة كلها متداخلة، وأن الذبياني الذي عبر عن هذه الحالة موجود في كل الأزمنة، ومن بينها الزمان الذي أعيش، والذي ولدت فيه قصيدة "كواكب الذبياني" وبشكل واع ربطت الذبياني بمدينة سان فرانسسكو وبليلة معينة من أوا خر القرن العشرين وبليلة لا أعرف بأي تاريخ كتب عنها الشاعر الذبياني. وأما بالنسبة للشاعر عمرو بن أبي ربيعة الذي أعده من أعظم شعراء الغزل في العالم وهو من أندر الشعراء الذين استعملوا السرد الزماني لخلق جو معين فيه حركة وطاقة، وبنوع من التلاعب والضحك وجدت نفسي أشكو له عن حالتي مع الحب والغزل والمرأة حيث كتبت له مرثية. والمرثية هنا فيها من اللعب لأنها ليست بمرثية على الإطلاق، لأنني أرثي لما أقول للموضوع الذي هو جرأة المرأة الحديثة التي تجرك للسرير بحيث تقطع إمكانية الغزل كما كان الأمر في حياة وزمن عمرو بن أبي ربيعة. وأسمي هذه العلاقة مع التراث أحيانا بالعلاقة الشرطية وأحيانا بالعكسية والتي تتميز في بعض الأوقات باللعب وعدم الجدية، وبالترابط الحي الإنساني وليس بتجربة الكتابة فقط. س: هل تفكر بإعادة مثل هذا اللعب مع شاعر عربي قديم آخر؟ ج: لدي الآن قصيدة عنوانها "إلى امرىء القيس في طريقه إلى الجحيم" وهي قصيدة أجري فيها حوارا مع امرىء القيس، وبالطبع في أمريكا وفي حالة معينة كانت تشبه حالة امرىء القيس عندما كان يهرب من المنذر بن ماء السماء الذي قتل أباه وحدث أن ذلك الزرد المسموم المشهور قد أهدي من قبل ملك الروم آنذاك إلى امرىء القيس الذي كان سبب موته. جعلتني هذه القصة وقراءة معلقته ذات ليلة أحس به حيا ضمن إطار تجاوز الأزمنة وتداخلها، وأتحاور معه ليس كشخص وإنما من خلال كوة الظل الشعري الذي نسميه امرأ القيس الشاعر. وعليك أن لا تنسى أن الشعراء حتى لو عاشوا في نهاية القرن العشرين فهم مسكونون بالأجداد والأشباح والأطياف الشعرية والتاريخية وهذا الأمر يردنا إلى المونادات أو الوحدات الوجودي |
س: قيل عنك أنك كنت تقطع نهر دجلة سباحة من أجل اللقاء مع الكاتب الراحل جبرا ابراهيم جبرا.
"يضحك" إن جبرا كان بالنسبة لي ولشباب آخرين أبا حقيقيا. وكنت أسبح وأعبر جسر الجمهورية كل يومين أو ثلاثة من الأسبوع، كان بالنسبة لنا أيضا مصدر رزق حيث كان ينشر لي ولرهط من الشعراء المفلسين من بينهم جان دمو الذين كانوا يتوافدون يوميا على مكتب جبرا ابراهيم جبرا في مجلة "العاملون بالنفط". وكان جبرا أبا روحيا بالنسبة لي وكنت أتحدث معه لأنه كان واحدا من العقول النيرة التي أستطيع أن أتحدث معها عن اكتشافاتي في الأدب العالمي التي كنت أقرأه بنهم وكنت مذهولا بالأدب الغربي. وكان جبرا ابراهيم جبرا الكاتب والمترجم والشاعر شخصية فذة، كأنه واحد من شخصيات النهضة الأوروبية العظيمة كدافنشي، التي لها إحاطة بالعلم والأدب والفن والتيارات الفكرية الأخرى، إنه ليس شاعرا أو كاتبا فقط وإنما هو بالنسبة لي كان شخصية عالمية. وأنا عرفته عندما اكتشفت أنه يحرر مجلة «العاملون بالنفط» وكنت آنذاك في كركوك وعرفت أن المجلة تدفع مكافأة مالية كانت متواضعة غير أنها بالنسبة لي آنذاك غير متواضعة، فالدنانير الثلاثة أو الخمسة التي تدفعها كانت كافية لليلتين أو ثلاث في حانة مع عشرة شعراء مفلسين. س: هل ساهمت تلك العلاقة مع جبرا في ترسيخ عملية الترجمة لديك؟ ج: كان جبرا بالنسبة لي المثال العظيم وهو الذي قام بترجمة شكسبير وآخرين وكنت معجبا بترجماته لشكسبير فهو كان مثالا للمترجم الحق. وأقول لك قصة أنه عندما تركت بغداد للذهاب إلى بيروت والتقيت بجبرا ابراهيم جبرا في مكتبه ببغداد في كرادة مريم أعطاني مخطوطة الملك لير مطبوعة على الآلة الكاتبة كي أوصلها إلى يوسف الخال ببيروت لغرض نشرها في دار النهار. وكان جبرا لا يعرف وأقول هذا للمرة الأولى بأنني كنت ماشيا عبر الصحراء على الأقدام وكان يعتقد بأني ذاهب كأي مسافر بالطائرة أو بالسيارة إلى بيروت، ولم يدر بخاطره هذا الأمر حتى وفاته. ولم أقل له بأني حملت مخطوطة الملك لير معي في حقيبتي عبر الصحراء وفي أحقر الفنادق بحلب وحمص ودمشق وعبر الحدود السورية اللبنانية ومع مهربين مغامرين حتى وصلت بيروت وسلمت مخطوطة الملك لير إلى يوسف الخال ونشرتها دار النهار. س: أنت تقول انك تكاد تمارس الترجمة يوميا وترجمت العديد من النصوص، ما هو اثر الترجمة على نصك الشعري؟ ج: التأثير كان كبيرا جدا. والترجمة فن قائم بذاته وأنا عندما أترجم -خصوصا الشعر- أقوم بكتابة النص من جديد باللغة العربية محاولا أن أجد الصوت الكافل كما ينبغي أن يكون بالعربية لذلك الشاعر المترجم. وهذا امتحان قاس جدا، والترجمة اليومية المستمرة هي نوع من التمرين بالنسبة لي. وهذا التمرين هو ممارسة اللغة لكي أجد البدائل في العربية لأقصى وأدق التعابير في اللغة الانجليزية. والتحدي هو أن تجد في اللغة العربية التعابير الدقيقة والتراكيب المعقدة التي تجدها أحيانا عند كبار الشعراء. فمثلا أحيانا أقوم بترجمة أبيات من جحيم دانتي لأني أحب أن أترجم لنفسي المقاطع الصعبة لأمتحن اللغة العربية وأتساءل هل يمكن لهذه اللغة أن تعبر عن هذا الشيء أو ذاك كما أجده باللغة الانجليزية لأحد أعظم شعراء اللغة الايطالية. ويقود هذا التمرين أحيانا إلى تجاوز نفسك واللغة لاختراع نوع جديد من التراكيب الشعرية وكل هذا طبعا يؤثر في النهاية علي كشاعر عندما أكتب. س: الشاعر الامريكي ميروين مهووس بالترجمة، وقد تلقي نصيحة من الشاعر عزرا باوند في بداياته الشعرية الذي حثه على الترجمة، واكتشف الشاعر ميروين أن لغته قبل القيام بالترجمة كان فقيرة وخالية من الدلالات، فهل توفر لديك نفس الاكتشاف بعد ممارسة الترجمة؟ ج: عندما ترجم عزرا باوند للشعر الصيني أحدث ثورة كبيرة في اللغة الانجليزية على الاطلاق وما زالت أصداؤها تتردد حتى الآن، وفي كتابه "Cathay" الذي ترجم فيه لأربع عشرة قصيدة صينية معروفة، عن الحرب وظهر في عام 1915 حين كانت الحرب العالمية الأولى جارية أثر في الشعر الانجليزي بعمق، لأنه قدم التراكيب أو "Ideographs" الصينية، أي وحدات الفكر والتعبير بها في اللغة الصينية. وعندما وجد لها باوند البديل باللغة الانجليزية أحدث ثورة ومن هذه الثورة خرج شعراء مثل غيري سنايدر، الذي لولا تأثره بالشعر الصيني والياباني لما كتب كما يكتب الآن وغيره من الشعراء من بينهم ميروين الذي هو مترجم عظيم، وعاش طوال حياته من الترجمة، وقدم العديد من شعراء الأسبانية والفرنسية والبروفانسية إلى قراء اللغة الإنجليزية. فالترجمة هي نوع من التلقيح، وهي نوع من الجسور التي تمتد عبر اللغات، وتجعل جميع اللغات والكتابات في النهاية تتشارك وتتداخل وتتلاحم لتخلق شيئا جديدا. س: هل تنصح الشعراء الشباب بالترجمة ؟ أنا أنصح كل شاعر أن يعرف لغة أخرى بشكل جيد وممتاز إذا أمكن وأن يحاول الترجمة حتى لو كان ذلك من أجل لذته الخاصة كتمرين. |
حوار مع الشاعر الامريكي سام هاميل المتمرد :D
|
الشاعر الامريكي سام هاميل المتمرد على سياسة بلاده في حوار عن الشعر في زمن الحرب
حاورته: رنا جوهر الشعر بالنسبة له، موقف، تمرد من اجل السمو الروحي للانسان، والشاعر يملك سلاحاً ينفذ الى القلب كلمته، وهو قادر على تغيير حياة الناس، لكنه يغير كل «انسان على حدة» وفي ظل عالم اغفل اهمية الشعر في حياتنا وقام بتهميش دوره، اثبت ان الشعر ما زال يملك القدوة على المقاومة والوقوف ضد التيار وقاد حملة شعرية ضد الرئيس الامريكي بوش والحرب في العراق فأنشأ مؤسسة شعراء ضد الحرب شارك فيها شعراء من كل انحاء العالم تحت قيادته.. هو سام هاميل الشاعر الامريكي المتمرد على سياسة بلاده والمشارك في المؤتمر الدولي الاول للشعر.. والذي كان لنا هذا الحوار معه: - ان لك باعا طويلة في النشاطات الاجتماعية والانسانية وفي مجال حقوق الانسان ولك اراء سياسية جريئة ومواقف قوية، كيف ينعكس هذا في شعرك؟ * بالنسبة لي اهمية الشعر تتجلى في قدرته على تغيير حياة البشر، فالشعر يمس وجدان كل انسان يقرأه فيصبح هؤلاء الناس مثل قطرات المطر مكونة الغيث الذي يعيد الحياة الى الارض الميتة. وفي ثقافة مثل ثقافة بلادي التي ارى انها اصبحت مصدر تهديد لاستقرار العالم - لم استطع ان اقف مكتوف اليدين ازاء امور ارفضها فالصمت بالنسبة لي كان بمثابة الموافقة الضمنية بل المشاركة غير المباشرة فيما لا اقبله، لذلك كان الخيار الوحيد امامي هو ان اعلن رفضي وتمردي، واعبر بشعوري، عما يجيش بقلبي واصرخ في وجه ما يحدث من اهدار لكرامة الانسان وادميته. - قال الشاعر الانجليزي «شيلي» - الذي كان يكتب هو الاخر قصائد سياسية ينتقد فيها السياسة البريطانية في القرن التاسع عشر، فهل يمكن ان نقول ان سام يسير بخطى «شيلي»؟ * نعم يمكن ان اقول انني اسلك الدرب ذاته، لكنني اقل رومانسية من شيلي. - لمن تمتد جذورك فنيا؟ * انها لا تمتد لمصدر واحد فلي اكثر من معلم وقدوة فانا اترجم الشعر الصيني والياباني وادين بالفضل لكثير من شعرائهم، اما في حياتي فأخترت ان اعيش فقيرا زاهداً في كل الامور المادية من حولي اما في السياسة فان بطلي الحقيقي هو الاديب والفيلسوف الفرنسي الجزائري الاصل «البيركامو»، لقد امتلك البيركاكو من الشجاعة ما جعله يقف في وجه العالم ابان الحرب العالمية الثانية ليعلن احتجاجه على ما يحدث ويطلب بوقف الحرب. - حدثنا عن مؤسسة شعراء ضد الحرب التي اسستها؟ * ولدت فكرة هذه المؤسسة عندما دعيت الى البيت الابيض بالتحديد في يناير «۲۰۰۳» وكان ذلك قبل الغزو الامريكي على العراق، وكان بوش قد اعلن وقتها عن مخططاته العدوانية في المنطقة، الامر الذي صدمني واستفز انسانيتي وغضبت بشدة من الجريمة الشنعاء التي ترتكبها بلادي بأسمي وبأسم كل امريكي في حق الابرياء في العالم، فلم اجد في نفسي القدرة على تلبية الدعوة للبيت الابيض، فجمعت مجموعة من الشعراء والاصدقاء لنعلن تمردنا على الوضع واحتجاجنا على الجريمة التي سترتكب بأسمنا، فكتبنا مجموعة من القصائد تندد بالحرب وبسياسة بوش وفي غضون خمسة اسابيع وصلنا الى ما يقرب من «۱۳» الف قصيدة من «۱۲» الف شاعر من جميع انحاء الولايات المتحدة، واصبح لدينا الان اكبر مجموعة من القصائد في تاريخ الشعر الحديث يجمعها موضوع واحد فلدينا اكثر من «۲۲» قصيدة من شعراء حول العالم كتبها اصحابها ليشاركوا احتجاجاً ويعلو معنا رفضهم ضد الحرب والدمار. - ذكرت في مقال لك انه لا يوجد في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية رئيس تعدى على الحقوق المدنية واخل بميزان العدل مثلما فعل جورج بوش ما تعليقكم على ذلك؟ * انا اعتقد ان بوش لم يكن يوما رئيسا منتخباً من قبل الشعب الامريكي ففوزه في الانتخابات الرئاسية شابه الكثير من التساؤلات والشكوك خاصة في ولايتي فلوريدا واوهايو، لكن المؤسف اكثر من ذلك ان الكونغوس الامريكي ليست لديه الجرأة الكافية للوقوف في وجهه، فقد اعطاه السطلة والصلاحيات ليفعل ما يشاء، وقد استخدم بوش احداث «۱۱ سبتمبر» ذريعة ليقنع بها الشعب الامريكي ان العالم اصبح مختلفا وخطرا وعلى الولايات المتحدة ان تؤمن نفسها في مواجهة هذا العالم الجديد، وهذه كلها اكاذيب.. ان العالم لم يتغير وان الشعب العراقي لم يؤذ الشعب الامريكي وصدام كان ذريعة بالرغم من كل جرائمه ومساوئه وظلمه وطغيانه.. واعترف للاسف اننا قمنا بالاعتداء على شعب بريء علانية وامام أعين العالم واقول علانية لاننا للاسف شاركنا في الكثير من المآسي لكن بطرق غير مباشرة وليس بهذه الطريقة السافرة والاعجب من ذلك والمثير للغضب هو ان بوش راح يبرر جريمته الشنعاء بوصفها واجبا وطنيا وعملا بطوليا يستحق الثناء! وهكذا استطاع ان يستولي على كل الصلاحيات الخاصة بالحرب التي هي في الاصل من اختصاص الكونغرس الامريكي طبقا للدستور وارسل ابناءنا ليقتلوا ويقتلوا خارقا بنود الدستور الامريكي في حرب غير قانونية وبالتأكيد مجردة من كل المعاني الانسانية والاخلاقية. |
حوار مع الناقد الأدبي حسين علي الهنداوي
حاوره : الشاعر حتم قاسم النقد رؤيوية واعدة تسبر أعماق النص الإبداعي و تطير به في أفاق الكون باحثة عن موقع ٍ راسخ لذلك النص و النقاد على الرغم من كونهم السابر لمسودات الأدباء فإنهم يبقون المصابيح المقـمرة فـي ليـل النصوص الأدبية فكم من مبدع ٍ لولا النقد لبقيت كتاباته في غيابات سجون الصمت 0 الناقد و الشاعر حسين الهنداوي في حوار متميز يفتح أفاقه علـى فضاءات جديـدة للـقراءات النقديـة للنصوص الواعدة 0 س1- بين الأدباء و النقاد صراعات عميقة لا يمكن أن تندمل جراحها فما موقف النقد من الأدب ؟ ج1- النقد بمفهومه الدقيق و الصحيح هو كشف و تحليل للأبعاد الإنسانية التي يحياها الفرد و المجتـمع نفساً واقعة من خلال النصوص المقروءة و لا يمكن لأي نص مهما علت مكانته أن يخـتم بجــواز مرور النقد فالنقد هو الذي يفـتق روائع النص و يفتح له الأشرعة ليطير إلى عالم كوني يرتسم من خلاله أعاداً إنسانية ضمن آفاق فنية 0 وإذا كان هناك من الأدباء من يفترض حساسـية بين النقـد والأدب فذلك إنما يكون بسبب هشاشة تكمن في النص الأدبـي ( أي عند صاحبه ) 0 هـذا إذا كان الأدب المطروح أدب حقيقي يمتلك عناصر البقاء الفنية و الإنسانية و النقد بعدٌ إنساني و بعـد فني توحـدا فشكلا لنا لوحة فنية جديدة 0 إن التكاملية بين الأديـب و الناقـد ( إذا كانا مـتوازيين في البحث عن الحقيقة النقدية و الحقيقة الأدبية هي التي تجعل العلاقة جدلية بين الفنين ) 0 س2- النص الأدبي أفق واسع يحمل أبعاداً إنسانية و فنية 00 ما شروط خلود النص الأدبي ؟؟ و كــيف للأديب أن يوقع بقلمه في سجـل الـخـالديــن ؟؟؟ ج2 – لا يمكن لأي نص أدبي أن يرتسم بمعالم الخلود و البقاء على مر الزمان إلا إذا كان يلامس جذور الواقع الحقيقي للمعطيات الإنسانية المتكررة على مر العصور فالإنسان كما يقول اليوت : ليس ولادة و زواجاً و موتاً إنه لوحة ترسم أفاقها على واقع الحياة و النص الأدبي الحقيقي بدوره ينمنم هـذه الصورة و يخرجها إلى الوجود صعقة إنسانية و أي صاحب نص إذا أراد لنصه البقاء و الخلود فعليه أن يرصد القضايا الكونية و النفسية الممتدة في أعماق الإنسان و التي تقض مضجعه لأنها الأفــاق الحقيقية للبعد الوجودي للإنسان 0 و الأديب الذي لا يمتلك أدوات حقيقية فاعلة في الأدب لا يستطيع أن ينتج نصاً أدبياً حقيقياً ناهيك عن تفاعل هذا أديب مع الذات و الآخر و اكتشاف الأبعاد الحقيقية للأعمـاق الإنسـانية فالأدب بلا أدوات كالصياد الذي يطرد صيده بيديه0 فقد يعود خائباً من رحلته غير ممسك بريشة عصفور 0 س3 : الشعر الفن المدلل الذي ربا عمره على الخمسة الآف عام 00 هل يتحول إلى حمل صغير لا يأبه له القطيع ؟؟؟ ج3- الشعر في الحقيقة بعدٌ إنساني حمل النفس الإنسانية مبدعة ً و متلقية إلى آفاق الخيال عندمـا كانت الذاكرة هي الرصيد المتبقي للإنسان في حمل تفاعلات الزمـان و رسـمها عـلى خريطـة الموقـع الإنسـانـي و لكن مواقع الأدب في هذا الزمان الذي فتـح نوافـذ عـدة على الحياة جعـل الرواية و القصة القصيرة و المقالة و المسرح تزاحم الشعر على مكانته 0 و تحاول إقصائه عن مكانة الريادة و تجد ُ سبلاً جديدة إلى النفوس الإنسانية التي بدأت أن تستجيب بسبب طبيعة الحيـاة إلى تزاحـمات الصراعات الإنسانية التي قد تجعل الرواية الفن الأكثر اختلاساً لخبايا النفوس لما تحمله الرواية مـن توهجات إنسانية تسبر مغاور النفس و تستخرج خبايا ما يختبئ من تفكير في لاوعي و شعور الإنسان س4 : هل تكونت لدى العرب نظرية في الشعر و النقد على مر العصور ؟؟ ومن برأيك من النقاد يستحـق الإعزاز و التقدير ؟؟؟؟ ج4 : للشعر العربي على خريطة الألفي عام السابقتين نظرية أسس لها الكثير من الشعراء و أســهم في برمجة صياغتها النقاد العرب و كانت نظرية الشعر العربي ابتداء ً من ابن سلام و انتهـاء ً بالآمدي و مروراً بابن طبا طبا و هؤلاء استطاعوا أن يؤسسوا نظرية شعرية عربية تجعل النص الـشـعري بعداً ( إنساني – فني يستطيع الثبات لمدة طويلة 0 و لكن اختلاطـات الترجمـات الحديـثـة و ما استورده المتنورون ممن خرجوا إلى البلاد الأوربية من نظريات حديثة أفرزتها طبيعة تفكير اجتماعي نتج عن واقع يختلف مع الواقع العربي في بعض جوانبه و يلامسه في البعض الآخر حولت الـشعر من نظرية ثابتة إلى تجارب جديدة يحاول منها المتمرسون و المبتدؤون بالسوية نفـسـها في إبداع نصوص تجريبية قد تصمد و قد لا تصمد و الغالب أنها لن تصمد على مر العصور فهي زوبعـة في فنجان لن تشكل إلا أثار بسيطة و الأهم من ذلك أن لا ينفصل الشعراء المعاصـرون الباحثـون عن الجدة و ذلك حقهم عن واقع الشعر العربي فلا يستطيعون الرجوع إلى النظرية الشعريــة العربيـة أو التقدم في وهم نظرية جديدة تحت عناوين غير فاعلة و غير واقعية ظاهرها براق و باطنها يبحث عن فصل اللغة الفصيحة عن الأدب و بالتالي إقصاء العلاقات البلاغية و الثقافية عن لغة العرب التي فهموا من خلالها لغة القرآن الكريم 0 أما فيما يتعلق نظرية النقد الأدبي في العصر الحديث فالساحة ما تزال فارغة و ما يكتب لا يتعدى أن يكون إرهاصات ليل لحالم يجدف بيده عباب الماء ، فالنقد نظرية لن يتم له ذلك إلا إذا وجـد أدبــاً راسخا ً يمثل واقع الأمة بشفافية و صدق و يرسم آفاقها بدقة متناهية و لا يمكن لأمة اختلطت لديها مقاييس المراوحة مع مقاييس التطور و مقاييس التقـدم مع مقاييس التأخر و إبعــاد صـناعـة حياة حقيقية تكتب بتاريخ حقيقي أن تتحدث عن نقدها دون أن تتحدث عن أدب يرســم صورتهـا الحقيقية على واقع الحياة و الكثير مما نقرؤه من نقد نظري هو ترجمات لآفاق نقد أجنبي اختلسـه المترجمون و نسبوا الكثير منه إلى أنفسهم و ادعوا أن حياتنا الحديثة تتناسب مع واقع هذا النقـد و الحقيقة هي غير ذلك فهم يعرفون و يهرفون حاملين إلينا ما تنتجه الثقافات الأخرى و هذا ليـس عيباً و لكن حبذا لو كان المنقول مهذباً بما يتناسب مع واقعنا و منسوباً إلى أصحابه 0 س5 : المنهج و الرؤيا و المصطلح ثلاثية ما موقعها من النقد الأدبي العربي ؟؟؟؟ ج5 : إذا كان بالإمكان في هذا الزمن المتشابك العلاقات و بمقدورنا ذلك أن نتحدث عن نقد روائي و نقد شعري و نقد مسرحي فإننا لا نستطيع أن نعمم فالمنهج و الرؤيا و المصطلح في نقدنا الشعري كما قلت تبلور و شكل نظرية انقطع الحبل بها في أيامنا و مضى الذين تـبنوا التـطور بلغة الخطـاب الشعري إلى مصطلحات جديدة و منهج جديد و رؤيا جديدة مقتبسة من الثقافات الأخرى و الشعر فن مشاكس لا يقبل بلغة العرب أن يخرج عن إطارهم أما في الرواية و المسرح و القصة و الخاطــرة فيمكن أن تتلاقح الرؤى النقدية الأجنبية مع الرؤى النقدية العربية الحديثة و لكن ذلك يحتاج إلى كم هائل و رصيد كبير من النتاج الأدبي القصصي و الروائي و المسـرحي حتى تبـزغ منه شمس نقد جديدة تطل على آفاق الواقع العربي 0 س6 : ما هي توقعات الخطى الجديدة في خارطة الموقع النقدي للمستقبل القريب ؟؟؟ ج6 : لا شك أن الواقع النقدي و الأدبي يحتاج إلى إعادة فرز جديدة لاكتشاف الأدباء الفعالون من وجهة النظر الفنية و من وجهة النظر الرؤيوية و إلى إعادة فرز جديدة لاكتشاف نصوص جديدة مبدعـة تكون منارات مضيئة في واقع الأمة و هذه مهمة صعبة تحتاج إلى نقاد كبار معبئين بثقافة موسوعية يقرؤون الأدب و النقد و يعيدون إنتاج نقد حقيقي غير محابي و لا مجامـل يسهم في وضع النقـاط على الحروف 0 |
تم تثبيت الموضوع يسلمو جدا جدا حوار محمود درويش مع ناجي العلي مخجل :( خذلني |
حوار مع الروائي المصري
جمال الغيطاني |
القاهرة: آمال فلاح
(مصر) «عندما أعدت طباعة «أوراق شاب عاش من 1000 عام»، ظن القراء من الشباب أنها مجموعة قصصية جديدة... اجتاحتني مشاعر متنوعة، احترت لأن هذا الجيل يجهل أدبي، ولا يعرف إلا مقالاتي الصحافية. ودهشت لأن قصصي ما زالت تبهر هؤلاء وتعبر عن واقعهم». وكما لا تزال قصص جمال الغيطاني تدهش الناس في مصر والعالم العربي، فإنها تنتشر في الغرب عبر الترجمة، وتنال جوائز مهمة آخرها جائزة «جرينزاناكافور» الإيطالية عام 2006 عن مجموعته القصصية «شطف النار» بالإضافة إلى جائزة «لوبتايون» عن كتابه «التجليات» الذي جاء على رأس ستمائة رواية ترجمت إلى الفرنسية عام 2005. ماذا يقول جمال الغيطاني في تجربته الروائية، وكيف ينظر إليها اليوم؟ |
* بعد قرابة أكثر من ثلاثين عاما من دعوتك إلى تأصيل الرواية العربية، ماذا تحقق يا ترى؟
ـ كان طموحي منذ البداية، هو إضافة ما لم يكتب مثله... كنت أريد تحقيق خصوصية في الكتابة على أسس مستوحاة من البنية التراثية، عبر الاتصال مرة أخرى بالأشكال القديمة في الحكي، كأساليب السرد التي هجرت، والتي عرفت لدى المؤرخين والمتصوفة والرحالة وعلماء الفلك وفي المقامات... عندما بدأت الكتابة كانت مقاييس القصة القصيرة، التي حددها النقد، مستقاة من الغرب، من قصص همنغواي وتشيخوف. ولما صدرت «أوراق شاب عاش من ألف عام» سنة 1967، قيل لي إنني أمشي في طريق مسدود.. وأنا الآن بعد عمر من المجهود الروائي أقول: «لقد طرقت بابا ضخما، فتح قليلا، بفضل جهودي وجهود إميل حبيبي والمسعدي وجهود الأدباء الشباب». كتبت دراسات كثيرة حول هذا المنهج الجديد في الكتابة، وقد أضاءت لي معالم الدرب التلقائي الذي أردت اكتشافه ليقودني إلى شكل روائي عربي، يتيح لي حرية أكبر في التعبير. ذلك ما تحقق في أول قصة كتبتها من هذا المنظور «هداية أهل الورى لبعض ما جرى في المقشرة» التي تضمنتها المجموعة الأولى الصادرة بعد 1967 وأحدثت ردة فعل كبيرة. * لكن أساليبك الكتابية تنوعت بعد ذلك. ـ نعم، بعد ذلك لم أكتب بشكل واحد، فاجتهاداتي متنوعة. بعد «الزيني بركات» كتبت «وقائع حارة الزعفراني» وهي مختلفة جدا عن «الزيني». كتبت «كتاب التجليات» وفي نفس الوقت كتبت «رسالة البصائر في المصائر» و«رسالة في الصبابة والوجد». بعدها ظهرت «شطح المدينة»، وهي رواية شكلت نقطة تحول بالنسبة لي في الكتابة. ففي الأشكال الكتابية الأخرى كنت أحاكي نماذج موجودة بالفعل في الأدب العربي القديم. جاءت «رسالة في الصبابة والوجد» على شكل الرسائل الإخوانية، واستلهمت عبر «الزيني بركات» أساليب السرد الخاصة بالمؤرخين المصريين في القرن السادس عشر (ابن إياس والجبرتي والمقريزي)، لكني في «شطح المدينة» خرجت من الاستلهام القديم، به ومعه في نفس الوقت، وحققت عبرها خصوصية كاملة في النظرة وفي الشكل وفي المنظور. أظن أن «شطح المدينة» من أهم ما كتبت، لأنها تشكل منعطفا في مساري الكتابي، لكنها لم تأخذ حقها الوافي من النقد. |
* تظل كل عودة إلى الماضي ـ مهما كان نوعها ـ ارتدادية، فكيف يكون التجديد عندك عبر هذه العودة؟
ـ عودتي إلى التراث مرتبطة بتقوية دعائم الهوية القومية في مرحلة نتعرض فيها لغزو بواسطة العقول والأفكار، وليست عودة من منطق سلفي. لما كتبت قصصي بعد يوليو 1967 لم تظهر مشكلة التراث بمستوياته الدينية والسياسية كما هو مطروح في السنوات الأخيرة. أما جهدي، فسابق على القضية المطروحة حاليا في العالم العربي تحت مسميات الأصالة والمعاصرة أو التغريب والتأصيل. عندي الآن علامات كبيرة في الرواية العربية «رسالة البصائر في المصائر» و«شطح المدينة» التي ترجمت إلى الفرنسية، و«دفاتر التدوين» التي استوحيت بعض عناوينها من القرآن الكريم، وهي عبارة عن ترجمة ذاتية ولكن فيها خيال جامح، وعندي أعمال أخرى كثيرة. * لكن أين تضع تجربتك ضمن المحاولات التي ظهرت في الستينات عن تأصيل الرواية العربية؟ ـ أنا ابن المرحلة... لكن هناك خصوصية ثقافتي وتكويني الشخصي. فلدي هم شديد بالزمن. قد يبدو ذلك منطلقا تجريبيا للقضية ولكنه شديد الاتصال بالمسار الذي اتخذته. كان عندي هم طفولي منذ الصغر، وكنت أتساءل إذا ما كان بإمكاننا أن نسترجع الأمس، وأن نصل إلى اللحظة التي انقضت. وأنا الآن ما زلت شديد التعلق بما يفقد، أبحث عما يمكن أن أتعلق به في ظل واقع متلاش.. وتؤرقني فكرة الزمن، ومن بعدها فكرة الموت. وقد واجهت الموت كثيرا: الموت الذي يأتي من الداخل، والموت الآتي من الخارج... الزمن... البقاء.. الفناء... ومن خلال قراءاتي الفلسفية، اهتديت إلى المفهوم الإسلامي للزمن... كل شيء إلى زوال. هذا ما يعبر عنه القرآن فيما يشبه القانون. لكن هذا القانون يلتقي مع قانون جدلي آخر، أن كل شيء في تغير مستمر. والتغير معناه الفناء والميلاد والبقاء، في نفس الوقت. هذا الإحساس قادني إلى الاهتمام بالتاريخ. فليس هناك تاريخ بعيد وآخر قريب، ما دامت اللحظة التي انقضت من الصعب استعادتها. والتاريخ ما هو إلا محاولة للإمساك بما جرى. لكن هناك عناصر من ذلك الواقع المنصرم ما زالت فاعلة في حياتنا، ذلك هو التراث الفاعل، والمستمر، والتراث يمنح الهوية، ويعطينا الملامح الخاصة بنا. كنت أقرأ كثيرا، وبشكل تلقائي... وذلك جوهر تجربتي. لقد وصلت إلى نتائج نظرية من خلال تجربة تلقائية، وليس العكس. نشرت لي خمس قصص وروايتان قبل أن تصدر «الزيني بركات». والقصة لدي إرهاص للرواية، تحمل دائما نواة رواياتي. |
* لماذا الإصرار على الهروب.. من الحاضر إلى الماضي إلى التراث.. إلى الذات؟
ـ ليس هو هروبا بقدر ما هو صدق. والصدق مع النفس مهم إلى حد الموت... هل في «التجليات» هروب؟ و«التجليات» كتبت في عهد السادات، وفيها كان الحديث عن عودة عبد الناصر ورؤيته للعلم الإسرائيلي معلقا. * لكنها شكلت صرخة يائسة منكفئة أكثر منها دعوة للمقاومة؟ ـ نحن جيل شهد إحباطا عظيما، وأحلاما كبرى أجهضت. في الستينات كنا نختلف مع عبد الناصر، من أجل مزيد من الاشتراكية، من أجل تفاصيل في التطبيق. أما في السبعينات فأصبحنا نكافح من أجل المحافظة على الوطنية بمفهومها البدائي. رأيت السادات ينزل في مطار القدس، فقضيت ليلة أبكي فيها بكاء مرا، وتوفي الوالد فجأة وكانت المرحلة الساداتية في أوجها... مشيت وقتها في شوارع القاهرة، فرأيتها في عيني شخصا آخر، سوف يعيش بعدي.. نظرات غريبة لمدينتي، وأنا لا وجود لي. وجاءت معاناتي للهموم العامة كمعاناتي لهمومي الشخصية، ومنه كان كتاب «التجليات». * هل «التجليات» إذن، محاولة لقهر الموت على كل الصعد؟ ـ هذا إدراك أحييك عليه. فالفن عمل إنساني راقٍ لقهر العدم. * لكن هذا الكتاب جاء رغبة في تخليد الأب بالدرجة الأولى. ـ ليس الوالد فحسب، فالوالد رمز لملايين البشر. ليس في مصر وحدها وإنما في العالم أجمع. من سيذكر الوالد.. ومن سيذكر الآلاف الذين ضحوا مثله. من سيفعل ذلك مثل الفن. كان دافعي الأساسي للكتابة رغبتي ألا يضيع جهده هدرا. وقد بدأتها قصة قصيرة وزعتها على الأصدقاء وكتبتها دفعة واحدة، في حين استغرقت مني «الزيني بركات» مثلا عامين من الجهد والتوثيق. * إذا كانت «التجليات» محاولة لقهر الموت على الصعيدين العام والخاص، فإن بنيتها تقوم على شكل السفر الصوفي. فلماذا جاء تأثير الصوفية عليك بهذه القدر؟ ـ لأنني تشربت الأسلوب الصوفي. علاقتي قديمة بسيدنا الحسين. أنا أساسا عندي استعداد لهذه التجربة، ولدي مشاعر دينية عميقة رغم الأطوار الفكرية التي مررت بها. لما اكتشفت التجربة الصوفية، خاصة بعد وفاة الوالد، أظن أنني اكتشفت أجمل تجربة عرفها الإنسان لتحقيق التوازن الروحي ولحل مشكلة العلاقة بالكون وبالمصير الإنساني. التجربة الصوفية تلتقي مع مجمل التفاصيل الكونية التي يبحث عنها العلم الحديث. التجربة الصوفية حققت نوعا من التوازن لقلقي الروحي. وكتبت رواية أعتقد أنها من أهم ما كتبت: «سفر البنيان» ورواية «متون الأهرام» وهي عبارة عن أربعة عشر نصا، تستوحي شكل الأهرام في البناء. والنص الرابع عشر عبارة عن كلمة واحدة تشبه قمة الهرم. أنا باستمرار في حوار مع الأشكال الفنية المختلفة للاستفادة منها في النثر والسرد. |
اقتباس:
|
* لماذا الإصرار على الهروب.. من الحاضر إلى الماضي إلى التراث.. إلى الذات؟
ـ ليس هو هروبا بقدر ما هو صدق. والصدق مع النفس مهم إلى حد الموت... هل في «التجليات» هروب؟ و«التجليات» كتبت في عهد السادات، وفيها كان الحديث عن عودة عبد الناصر ورؤيته للعلم الإسرائيلي معلقا. * لكنها شكلت صرخة يائسة منكفئة أكثر منها دعوة للمقاومة؟ ـ نحن جيل شهد إحباطا عظيما، وأحلاما كبرى أجهضت. في الستينات كنا نختلف مع عبد الناصر، من أجل مزيد من الاشتراكية، من أجل تفاصيل في التطبيق. أما في السبعينات فأصبحنا نكافح من أجل المحافظة على الوطنية بمفهومها البدائي. رأيت السادات ينزل في مطار القدس، فقضيت ليلة أبكي فيها بكاء مرا، وتوفي الوالد فجأة وكانت المرحلة الساداتية في أوجها... مشيت وقتها في شوارع القاهرة، فرأيتها في عيني شخصا آخر، سوف يعيش بعدي.. نظرات غريبة لمدينتي، وأنا لا وجود لي. وجاءت معاناتي للهموم العامة كمعاناتي لهمومي الشخصية، ومنه كان كتاب «التجليات». * هل «التجليات» إذن، محاولة لقهر الموت على كل الصعد؟ ـ هذا إدراك أحييك عليه. فالفن عمل إنساني راقٍ لقهر العدم. * لكن هذا الكتاب جاء رغبة في تخليد الأب بالدرجة الأولى. ـ ليس الوالد فحسب، فالوالد رمز لملايين البشر. ليس في مصر وحدها وإنما في العالم أجمع. من سيذكر الوالد.. ومن سيذكر الآلاف الذين ضحوا مثله. من سيفعل ذلك مثل الفن. كان دافعي الأساسي للكتابة رغبتي ألا يضيع جهده هدرا. وقد بدأتها قصة قصيرة وزعتها على الأصدقاء وكتبتها دفعة واحدة، في حين استغرقت مني «الزيني بركات» مثلا عامين من الجهد والتوثيق. * إذا كانت «التجليات» محاولة لقهر الموت على الصعيدين العام والخاص، فإن بنيتها تقوم على شكل السفر الصوفي. فلماذا جاء تأثير الصوفية عليك بهذه القدر؟ ـ لأنني تشربت الأسلوب الصوفي. علاقتي قديمة بسيدنا الحسين. أنا أساسا عندي استعداد لهذه التجربة، ولدي مشاعر دينية عميقة رغم الأطوار الفكرية التي مررت بها. لما اكتشفت التجربة الصوفية، خاصة بعد وفاة الوالد، أظن أنني اكتشفت أجمل تجربة عرفها الإنسان لتحقيق التوازن الروحي ولحل مشكلة العلاقة بالكون وبالمصير الإنساني. التجربة الصوفية تلتقي مع مجمل التفاصيل الكونية التي يبحث عنها العلم الحديث. التجربة الصوفية حققت نوعا من التوازن لقلقي الروحي. وكتبت رواية أعتقد أنها من أهم ما كتبت: «سفر البنيان» ورواية «متون الأهرام» وهي عبارة عن أربعة عشر نصا، تستوحي شكل الأهرام في البناء. والنص الرابع عشر عبارة عن كلمة واحدة تشبه قمة الهرم. أنا باستمرار في حوار مع الأشكال الفنية المختلفة للاستفادة منها في النثر والسرد. . |
* وهل جاء الانكفاء على الذات، عبر التأمل، ملازما للإحباط الذي كثيرا ما عشته؟
ـ كانت خيبة الأمل في القوى السياسية التي أنتمي إليها كبيرة، بالإضافة إلى انحسار حركات التحرر الوطني. وبقيت قضية كفاحي مع اللغة، لكي أوجد أفضل وعاء لما بداخلي، ولإيجاد متعة، ولإبهار القارئ، وإطلاق العنان للخيال، في إطار التعبير عن الواقع. فأنا إذن أفتح بابا جديدا للواقعية، ولا أعمل ضدها. أنا باستمرار في حوار مع الأشكال المختلفة من أجل الوصول إلى كتابة متفردة، حتى مع فن العمارة أو الزخرفة أو فن السجاد الذي أتقنه. هدفي إيجاد لغة تستوعب ما أقول * لكن تجلياتك محاكاة لتجليات ابن عربي وإن كان فيها تصفيات حسابات مع جمال عبد الناصر؟ ـ استوحيت الفكرة من ابن عربي. وما زلت مصرا على أن هذا الابن لا يشبه أباه في شيء.. و«التجليات» لم تكن إدانة لعبد الناصر بقدر ما كانت عتابا.. لقد كان عبد الناصر أحد الأسباب في الهزيمة. لقد كان أبا.. لكن أبا قاسيا لم أحبه أبدا في حياته ولم يطلني منه سوى السجن... * وقدسته عندما مات. وذلك دليل على ألا وجود للحاضر عندك ما دام مجرد تكرار للماضي.. أما المستقبل فصورة لهما معا.. ـ عبد الناصر أصبح مرتبطا بتاريخ شعب بأكمله. في «الزيني بركات» لم أقصد أبدا كتابة رواية ضد عبد الناصر، ولا في «التجليات». فـأصل «الزيني بركات» قصة إنسان انتهازي، نتجت عنها بعد ذلك رواية ضد القهر. أما عن «التجليات» فإن كل من قرأها أعاد اكتشاف علاقته بوالده. * وهل هذا هو الخطاب الذي قصدت إيصاله من خلال الأجزاء الثلاثة للرواية/الكتاب؟ ـ أحد عناصره... * كان الهم السياسي واضحا في الرواية لكن ما وصل منه إلى القارئ كان غير ذلك. فأين الخلل؟ ـ العناصر الأخرى وصلت ومنها الموقف الحاد ضد إسرائيل. في الرواية مستويات عدة للقراءة. |
* يرتقي إليها القارئ درجة فدرجة..
ـ أنا أكتب لمن يفهمني. هذا هو شعاري في السنوات الأخيرة. كان التفكير في القارئ عندما كنا نريد أن نصل إلى الجماهير. كلما فكرت في القارئ سقطت في التبسيط، والتبسيط مخل. أما أنا، فهدفي هو إيجاد شكل ولغة تستوعب ما أود قوله. * في أعمالك الأدبية مشكلة تحديد هوية الجنس الأدبي، باستثناء «الزيني» و«وقائع حارة الزعفراني» التي أرفقت باسم رواية. أما ماعداهما فحمل اسم كتب أم دفاتر؟ ـ ذلك أمر غير مقصود. لكنني كنت دائما أطمح إلى خلق عوالم رحبة. والرواية تعد من هذه العوالم، لكنني عند لحظة الكتابة أفترض أن ما أكتبه رواية. رواية كثيرا ما تصبح تأملا أو تتحول إلى ما يشبه مناظرة أو مقالة. وهذا تقليد موجود في التراث العربي. أنا لم آت بجديد إنما طوعته للأساليب الروائية مع العلم أن اللغة عندي ما زالت وسيلة وليست غاية. الرواية صنو الديمقراطية * ما هي الآفاق التي منحتها لك ترجمة العديد من كتبك إلى مختلف لغات العالم؟ ـ كانت تجربة ترجمة «الزيني بركات» عام 1975 إلى الفرنسية مدهشة، والذي تبنى هذا المشروع هو جمال بن شيخ وفاروق مردم بيك الذي خدم الأدب العربي، بما لم تستطعه وزارات الثقافة العربية مجتمعة. هذا الكتاب يقرأ الآن في 24 لغة. لم يترجم مرة واحدة من لغة وسيطة. وقد لاحظت أن تلقي هذا العمل يمكن أن يأتي بنتائج لا تخطر على بال المؤلف نفسه. اكتشفت أن النص له حياته الخاصة، وسرعان ما يستقل عن كاتبه، ليصبح جزءا من الأدب الذي انتقل إلى لغته. وانتبهت أيضا إلى أبعاد جديدة في النص الأدبي لم أتفطن لها من قبل، وعمقتها فيما بعد في رواياتي، خاصة في «شطح المدينة». فلا أحد يعلم بعد مائة عام، لو قرئت هذه الرواية أو غيرها، ماذا سيخرج به أهل ذلك الزمن. * ما هي في نظرك أهم إشكاليات الرواية العربية الحديثة ونحن في قلب الألفية الثالثة؟ ـ ضيق الانتشار وتراجع نسبة القراءة. أظن من ناحية أخرى أن الرواية العربية الآن في أفضل حالاتها. لقد وصلت حركة الشعر الحديث ـ في تقديري ـ إلى طريق مسدود. والشعر كما تعرفين كان وظل ديوان العرب. مع هذا الانسداد، أصبحت الرواية هي الفن البديل. وهي أكثر الأشكال جماهيرية في العالم العربي، لكن التحدي المطروح أمامها هو الاستقرار في ترسيخ خصوصياتها، وذلك يتطلب مزيدا من الاجتهاد. * وما هو أفق هذه الرواية العربية؟ ـ ما لم تحل مشكلة الديمقراطية في بلادنا العربية لن توجد هناك رواية عربية. |
حوار مع ابراهيم أصلان الروائي المصري
|
يكتب عن السماء وعن العلاقة بين الرصيف والشجرة، يخلق حالة وجدانية كاملة، ينقلها بتفاصيلها إلى القارئ من دون اللجوء إلى الحلول الأدبية المعتادة من وصف وتشبيه. هو إبراهيم أصلان، صاحب <<مالك الحزين>> و<<عصافير النيل>> و<<بحيرة المساء>>، تثير كتاباته جملة من التساؤلات المهمة، لأنها تزخم ببساطة مذهلة، وتفرض التساؤل عن الشكل الروائي والقصصي وأساليب السرد السلسة، التي تُعَد سمة من سمات نصوصه. وأصلان الذي يمتلك رؤية دقيقة للعالم وعينا لاقطة تمكّنه من تحويل المشهد البصري إلى كيان متحرك عبر الأوراق، يبث حميمية علاقته مع الناس والأمكنة، كما نجد في <<حكايات فضل الله عثمان>> و<<خلوة الغلبان>> و<<يوسف والدراء>>. إنها كتابة مكثفة محمّلة بمشاهد أشبه ببورتريهات متناسقة، تمكن الكاتب من اختيارها والبناء عليها ببصمة مميزه لا تخطئها عين القارئ. التقينا به وكان معه هذا الحوار.
|
في أعمالك يبدو انشغالك بالمكان... فماذا يمثل لك؟
هذا صحيح، فمسألة المكان تشغلني جدا، هذا لأنني عند كتابتي لا اهتم بالكتابة عن المكان من الخارج. لدي إحساس قوي يكاد يكون عضوياً بالمكان كباطن، أحاول أن ألملم كل المشاعر وكل ما في الذاكرة من إحساس يسعى لاكتساب تشكيل معين أسعى لبلورته وفق رؤيتي للحكاية التي أريد إيصالها للقارئ. فعندما لا تكون هناك حكاية لا أستطيع أن اكتب. لا أكتب إلا عبر حدود جغرافية واضحة جداً بالنسبة لي، فالحكاية عمود فقري للسرد. من هنا ربما يكون إحساسي بالمكان مهما جداً حتى وإن لم اكتبه، فجغرافية المكان أساسية جدا بالنسبة لي لأستطيع التحرك والكتابة. هذا الكلام ينطبق على أي مكان له تأثير بداخلك، أم أنه ينطبق على الشارع الذي اطلقت عليه أسم أحد رواياتك؟ المكان يتعلق بالضرورة الفنية بالنسبة لي حتى ولو كان المكان مخترعا، وهو كثيراً ما يكون كذلك. ليس بالضرروة أن يكون له تفاصيل واقعية. من الممكن أن أتصور مظلة أتوبيس أو شجرة أو رصيف شارع، فليس من الضروري أن يكون هذا موجودا في الواقع. المكان عادة يكتسب قيمته من خلال الذاكرة المشتركة بينه وبينك. وما دام هناك ذاكرة مع المكان وروابط وخصوصية فهذا يدل على انه يعني شيئا حميما. الناس يحبون أماكن ليست هي الأماكن الأفضل ولكن لأنها تمثل بالنسبة لهم ذاكره معينة. (موت الأدب) مقولة أصبحت تردد كثيرا، فما تعليقك على هذه العبا ره؟ وكيف ترى دور المثقف لنفيها؟ علاقتي بالمقولات الشائعة والمصطلحات علاقه قارئ فقط، لكن علاقتي ككاتب بالواقع الحي الموجود أنا فيه. فأنا لا أستطيع أن أكون أكثر وفاءً للمصطلحات عن وفائي للدنيا التي أعيش فيها. عندما أكتب لا يشغلني أي مصطلح أو أي مقوله على الأطلاق رغم أنني قارئ جيد لكن علاقتي ككاتب هي علاقة بتفاصيل وحاله يومية. أي أفكار كبيرة استمتع بقراءتها فقط، لكن ضمن المنظور الواقعي أيضا أرى فعلا أن العالم يسير نحو شيخوخته. ألا ترى أن السبب في هذه المقولة هو ابتعاد بعض المبدعين عن هموم الناس؟ عن نفسي أنا مغرم بالكتابة والقرب من الناس. والواقع هو الذي أدى إلى هذا، فأنا عشت طوال حياتي في حي شعبي وعشوائي وما زلت متمسكا بهذه الحياة، فلم أنفصل كما تقصدين. |
إذاً تتفق معي على أن هناك أزمة بين القارئ والمبدع؟
نعم هذه ألازمة نجدها موجودة أكبر في العالم العربي. نحن نعاني من الجهل والأمية، الأمية الأدبية بنسبه كبيرة، والأمية الثقافية بنسبة أكبر. فأنا أتصور أن هناك خللا في الأنظمة الدراسية والاجتماعية التي لم تفلح في أن تجعل القراءة جزءا أساسيا من الممارسة الحياتية للمواطن، بل بالعكس. فمناهجنا كلها تلقين، والكتب الدراسية قبيحة، لذا أصبحت هناك علاقة في غاية السوء ما بين الطالب والكتاب. وهناك أيضاً وسائل الإعلام وما تفعله، فالبلاد كبيرة وتحكمها أنظمة محدودة، بالإضافة طبعا إلى المأزق الاقتصادي الذي نعيش فيه، فنحن نحتاج إلى ثمن الجنيه قبل ثمن الكتاب، رغم أننا شعوب حكاءة بطبيعتها، ولدينا نماذج مكتوبة كثيرة لا تقل عن أي مستويات عالمية أخرى. فنحن نترجم لكن كتبنا توزع في أماكن ضيقة. نادراً ما نجد كتابا مترجما يصل إلى القارئ العادي رغم أنهم يقولون إن هذه النماذج لا تقل كفاءة عن النماذج والكتابات العالمية الأخرى. لكل مبدع أدوات للإبداع، فما هي أدواتك؟ أنا من الكتّاب، بطبيعة تكوني، الذين ذاكرتهم ذاكرة بصرية. فأنا اعتمدت على عيني أكثر من أي شيء آخر. أقف أمام ما يشبه الكادر السينمائي فالذاكرة البصرية أكثر الذاكرات قوة، والظاهرة الإبداعية هي ظاهرة واحدة وكل من الفنون له وسيط فني وله إمكانياته التعبيرية التي يتميز بها. والتعرف إلى هذه الإمكانيات هو السبيل لإلغاء الوسيط الذي تعملين به، فأنا عندما أكتب أسعى لتحقيق حالة أو مشهد، وهذا يعني أنه محاوله إعادة فعل القراءة نفسه، وهذه المشكلة التغلب عليها يأخذ وقتا طويلا ومدى، ويحتاج أيضاً إلى تطوير الأدوات التي تعمل بها. عقب فوزك مؤخراً بجائزة الدولة التقديرية قلت <<أظن أنه يجب أن آخذ الكتابة بجد أكثر من هذا>>. ما الذي تعنيه بهذه العبارة؟ أنا أعتبر نفسي في البداية، وما زلت، هاويا ولم احترف الكتابة. فعلى حد تعبير الراحل يحيي حقي <<أنا عضو منتسب ولست أحد الأعضاء العاملين. >> |
وهل فوزك بالجائزة أعاد تقييم هذه الرؤية؟
لا ليس تقييما، فلم يكن في حسباني أن أفوز بهذه الجائزة خاصة أن المجموعة قد صدرت منذ عام 71، فالتقدير الزائد الذي استُقبلت به المجموعة الأولى كان من ضمن الأسباب التي أخافتني أكثر من عملية الكتابة، لأن علاقتي بالكتابة علاقة قاسية جداً، بالرغم من انشغالي طوال الوقت بالكتابة، فأنا شغوف بمعالجة مشكلات التعبير سواء في النصوص المكتوبة أو الشفوية وحتى مشكلات التعبير التي يعيشها السينمائيون أيضا. هناك بعض الكتاب أو المبدعين ليسوا الأكثر انتشارا، لكنهم أكثر ميلاً للحصول على حلول لمشكلات التعبير، لذا أنا مشغول بهذه القضية. <<خلوة الغلبان>> التي أعيد نشرها في مكتبة الأسرة، كُتب على غلافها <<سيرة ذاتية>>، هل هي جزء من سيرتك؟ نعم، يمكن أن تعتبر هكذا بالإضافة إلى أن أي عمل فني نوع من السيرة بشكل من الأشكال، فالقضية هي على حسب نوع المادة التي أتناولها، هل هي قصة أم رواية أم سيرة، أم هي وليدة المخيلة. ولكن القضية في الفنون هي كيفية التعامل مع المادة لأن المخيلة يمكن أن تكون بنائية أكثر، أي تعتمد على مادة واقعية. فهناك بعض الأشياء التي تكون عالقة بالذهن كلقاء بشخص ما، أو ملاحظة صغيرة، ولأن النظرة إلى الرموز تكون عبر منظور معين، فالقضية ليست حقائق معينة نتناولها ولكن القضية هي كيفية تناول هذه المادة، وأنا استعنت بكل ما توافر لدي من إمكانيات للتعامل معها والبحث عن طاقة شعرية وإنسانية موجودة في هذا الواقع الذي نعيشه، واعتبرت هذا اقتراحا لفتح أفق أوسع بالنسبة لي. وفي نفس الوقت هذه التجارب الإنسانية لم تكتب على هيئة قصص إلى جانب أن هناك بعض المبادئ التي تحجب جزءا من التجربة الفنية، فأنا كما ذكرت افتح أفقا بالنسبة لي وأقدم مقترحاً. رغم تأكيد البعض أننا نعيش زمن الرواية، في رأيك أن الرواية استطاعت أن تتغلب على أهم مشاكلها؟ لا أعتقد لأن الرواية ما زالت تعاني من عدد من المعوقات ولعل من أهمها عدم توافر النسبة المعقولة من القراء. في كتابتك تحاول أن تجعل القارئ يفكر ويقرر ويختار، ألا تجد في هذا الفعل تواطؤا ضمنياً يساعد القارئ على استيعاب سرد المؤسسات الاجتماعية والدينية والسياسية التي تهيمن على أفكاره. بمعنى هل أنت تتعمد هذا التنازل عن دورك بنشر أفكارك للتحول إلى كاتب ديموقراطي مهمته الكشف فقط؟ أنا أرى أن السرد بشكل عام ليس سردا قصصيا أو روائيا فقط، فهناك سرد اجتماعي وسياسي وثقافي وديني وجنسي واقتصادي، فهي مجموعة سرودات تقوم بها مؤسسات عريقة جداً، بمعنى أنها في نهاية الأمر تحقق النظام الاقتصادي أو السياسي، فهي تفكر بدلاً منك وتتخيل أيضاً، فهي في نهاية الأمر تقوم بتقرير مصائر الناس وتوعيتهم. نحن نواجه أزمة. الفنون الحقيقية والآداب الحقيقية نسبتها قليلة جداً وهذا ما يرتب مهام أساسية على قراءة رواية، تعني أن أعيشها وأحلم بها ثم أتمنى تحقيقها، لا مجرد البحث عن دوالَّ أخرى للكلمة داخل الجملة، والجملة داخل سياق مغاير... |
تحولت روايتك <<مالك الحزين>> إلى فيلم الكيت
كات.. فما هو تقييمك للعلاقة بين السينما والأدب؟ علاقتي بالسينما علاقة قديمة جداً، وكما قلت فإنني معني بدراسة كل الفنون المرئية ومشكلاتها التعبيرية، وهذه العلاقة هي التي تجعلني أتفهم طبيعة التغيرات التي يمكن أن تتم بين عمل روائي وعمل سينمائي. شاهدت الفيلم كأي متفرج وشاهدته في أكثر من مكان، وكمشاهد أعجبت بالفيلم كثيراً وخاصة أنه ترك صدى جيدا، لذا أنا سعيد بأنني اشتركت في عمل قدم للجمهور وكنت أحد الأشخاص الذين ساهموا فيه. خلاص البشر المتتبع لأعمالك يلمح فيها صيحة من أجل الإنسان المصري البسيط والوقوف إلى جانب طبقات الشعب الفقيرة؟ نعم، هناك رواية <<عصافير النيل>> التي تترجم ذلك الإحساس وتستشعر معاناة هذه الطبقات من فرط الاحباطات المتوالية على مقدراتها وحياتها ووجودها الإنساني... والرواية تطرح هذه الدرجة من الإيمان بالإنسان وتصوغ موقفها من خلال التغلغل داخل الإنسان نفسه وداخل واقعه في شفافية حساسة تحتوي على كل هذا القدر من الرومانسية والشوق لخلاص البشر... هذه رواية قديمة جديدة تعزو الظروف الواقعة وتستخدم التقنيات التقليدية لكنها ترتفع نحو رؤية تجديدية تسعى للكشف عن الجذور الاجتماعية والتضامنية للبشر وتبحث عن مشاعرهم وعواطفهم المشتركة والعلاقات الدائرة في محيطهم الواقعي. وطرحت الرواية أيضا نبض الحياة الحزينة للبشر المقهورين في دوامة الواقع الذي لا يرحم وسعت لتحديد علاقة الفرد بالجماعة، كذلك الأمر يحدث في بعض الروايات والقصص الأخرى الخاصة بي فلم يغب هذا البعد الاجتماعي عن معالجتي الأدبية خاصة أنني أنتمي إلى هذه الطبقة الكادحة. ما زال البعض متمسكا بوجود صراع ما بين الأجيال... فهل أنت مع هذه التقسيمات؟ مسألة الأجيال هذه مسألة غير منطقية، فهناك مجتمعات تعيش قرونا بحثا عن إيقاعها الخاص وعن ملامح هويتها ولم تكن هناك معارك بين جيلنا والجيل السابق لنا.. حاولنا أن ننشأ ونترعرع في أحضانه.. وكانت هذه المعارك تنحصر فقط في قضايا الأدب ولم تتعدها، والذي كان وما يزال غير جيلنا هو الاتفاق على الدفاع عن القيم وليس الدفاع عن بعضنا البعض لأننا جيل عاش مجموعة ضخمة من الأحلام والطموحات ثم انهارت هذه الأحلام وتلك الطموحات، ولأننا نعيش الواقع فصار هناك تقارب فكري بيننا. السفير- 9 ابريل 2005 |
حوار مع الناقد الادبى السورى عبدالله ابو هيف :D
|
القصـــــــــة فــــــــــن يجانـــــــــب التاريـــــــــخ علــــــــى طــــــريقــتـــــــه الرواية فن تاريخي يرصد ويحوي تحولات اجتماعية وسياسية حوار : محمود البعلاو في كتابك ( القصة العربية الحديثة والغرب ) محاولة في بحث سيرورة التقاليد الادبية حبذا لو أضأت لنا بعض المرتكزات الاساسية لهذه الدراسة ؟الاثنين 5-6-2006 بدأ مبدعاً في مجال القص فكان علامة فارقة في القصة السورية لكنه تحول ناقداًَ فاصبح علماً من اعلام النقد العربي ، فخسره الابداع وربحه النقد فكان مؤسسة ثقافية وفكرية تجسدت في رجل واحد ملأ الدنيا وشغل الناس ذلك هو عبدالله أبو هيف القاص والناقد والباحث والمفكر ولد في الرقة - سورية 1949 شغل العديد من المناصب الادبية والسياسية وترأس تحرير مجلة الموقف الادبي والاسبوع الادبي يقوم الكتاب على فكرة متواترة وشائعة بين النقاد بتأثير الهيمنة الغربية وعن استمرار التبعية أو فكرة التبعية في مسألة المثاقفة على ان الادب العربية الحديث كله تقليد للغرب فقمت بهذه الدراسةلأبرهن ان على ان الادب العربي الحديث ولا سيما الفنون السردية كالقصة والرواية إنما هي متأثرة بالغرب ولكنها تتشكل اساساً من فعل التقاليد الادبية العربية في ادبنا الحديث . - كيف السبيل الى اختيار المناهج النقدية الملائمة بعبارة اخرى كيف يمكننا تجنب الفهم الخاضع للمثاقفة عند معظم النقاد العرب الذين يعتمدون على اختيار مناهجهم ورؤاهم وادواتهم التحليلية من مخزون المناهج الاجنبية على عواهنها ؟ إنها مشكلة الهوية العربية بالنسبة للثقافة بشكل عام والنقد بخاصة على انه خلاصة فكرية لموقف المثقف العربي مما هو حديث وسميتها ( اكراهات ) فهناك ظروف كبيرة وللأسف ان حوار الدول بما انه موضوع سياسي أو اشكالية سياسية يدخل الآن الى حوار الثقافات والطرح الآخر في موضوع حوار الحضارات هو ناتج عن اطروحات مثقفين يعملون عملياً في البنتاغون مثل ( صومائيل هنتنغتون ) و( فرانسيس فوكوياما ) وهؤلاء يثيرون مسألة حوار الحضارات المهم هو أن المثاقفة تأخذ الآن وجهين : - وجه المثاقفة السلبية التي تعبر عن غزو ثقافي وتأثير ثقافة غازية على ثقافة مقهورة ومغزوة وضعيفة وهذا الشكل هو الذي ارتبط بالاستعمار وظهر باشكال من الهيمنة والتبعي ة والاستقطاب وآخرها كان العولمة التي تنمحي فيها اشكال الخصوصية الثقافية . - الوجه الثاني : المثاقفة الايجابية وهي التي يكون فيها حوار الثقافات حوار انداد بمعنى ان الثقافات تتلاقح وتتبادل التأثير وان التراث الانساني في النتيجة هو مشترك لكل الامم ولكل الشعوب الانسانية في مراحل وفي فترات وتسهم شعوب اخرى وامم اخرى وبلدان اخرى في فترات لاحقة وان التأثير المتبادل إنما يصبح ملكاً للانسان أينما كان وهذه هي المثاقفة المعكوسة بمعنى ان الثقافات الاعلى بفعل قوى سياسية تتحكم في العلاقات الدولية هي التي تلقي هذا الاعتراف بتأثير ثقافات - برأيهم - ادنى من غيرها من ينكر الآن ان الثقافات العربية اسهمت في الحضارة الانسانية . الكتابة للطفل مرهونة باعتبارات فنية اولها انها لا تخاطب راشداً وانما هو في سبيله الى الرشد والبلوغ بتعبير فيزيولوجي لكن هذا الخطاب يستدعي اعتبارات تمس اللغة لان الطفل لا يقبل منا إلا لغة تشترطها هذه الاعتبارات خاصة ( المجاز ، المصطلح ، الخ ) إذا اخذنا ابسط اشكال المواجهة مع الطفل « المجاز المرسل » نجد ان الطفل لا يستطيع التعامل في القرآن الكريم « واسالوا القرية » ، « واسالوا اهل القرية » هذا الطفل لا يعرف من اللغة مستوياتها المتعددة الاصطلاحية والمجازية وإنما يستعمل معنى حقيقياً واحداً ولكن مع الزمن يتدرب الطفل وتلحقه مزايا المران والدربة في التعامل مع اللغة وهذا يتطلب ان يراعي الكاتب - اللغة وهناك اعتبارات تربوية كثيرة تتصل بالخيال والادراك وتتصل بالبعد الانتربولوجي الخاص بالثقافات والبيئات والمجتمعات . فمخاطبة الطفل في بيئة شعبية غير مخاطبة طفل في صحراء أو مخاطبة طفل في حي مديني قديم مثل كل هذه الاعتبارات ينبغي ان يراعيها الكاتب والآن دخلت اعتبارات اخطر على مخاطبة الطفل مثل النشر الالكتروني للثقافة عبر قنوات الاقمار الصناعية الخ .. |
3- في كتابك ( فكرة القصة - نقد القصة القصيرة في سورية ) اشارات واضحة الى الذاكرة الشعبية وتراث الحكاية .. مادور الخيال وحقيقة المجاز في هذه الجوانب التراث الشعبي بالاساس يقوم على غنى وثراء الاغراء وإذا اخذنا جوانب مهمة في التراث الشعبي فإنها تثري الابداعات المعاصرة وهي سبب من الاسباب الرئيسة في إغراء التراث الشعبي العربي ولنتوقف عند الغريب والعجيب والسحري وكل هذه الاشكال هي التي تكون نوعاً من « الفنتازيا » الاخيولة التي هي اختراق للخيال الى فضاءات غير محددة هذا الموروث التراثي الذي اعتمد عليه الكاتب العربي كثيراً ولايزال هذا يوضع قيد الاستعمال أو الاشتغال الزمني كثيراً . لك اهتمام كبير بأدب الاطفال .. فهل ثمة أسس تربوية ترى توفرها في القصص الموجهة للطفل ؟ لكتابة للطفل مرهونة باعتبارات فنية اولها انها لا تخاطب راشداً وانما هو في سبيله الى الرشد والبلوغ بتعبير فيزيولوجي لكن هذا الخطاب يستدعي اعتبارات تمس اللغة لان الطفل لا يقبل منا إلا لغة تشترطها هذه الاعتبارات خاصة ( المجاز ، المصطلح ، الخ ) إذا اخذنا ابسط اشكال المواجهة مع الطفل « المجاز المرسل » نجد ان الطفل لا يستطيع التعامل في القرآن الكريم « واسالوا القرية » ، « واسالوا اهل القرية » هذا الطفل لا يعرف من اللغة مستوياتها المتعددة الاصطلاحية والمجازية وإنما يستعمل معنى حقيقياً واحداً ولكن مع الزمن يتدرب الطفل وتلحقه مزايا المران والدربة في التعامل مع اللغة وهذا يتطلب ان يراعي الكاتب - اللغة وهناك اعتبارات تربوية كثيرة تتصل بالخيال والادراك وتتصل بالبعد الانتربولوجي الخاص بالثقافات والبيئات والمجتمعات . فمخاطبة الطفل في بيئة شعبية غير مخاطبة طفل في صحراء أو مخاطبة طفل في حي مديني قديم مثل كل هذه الاعتبارات ينبغي ان يراعيها الكاتب والآن دخلت اعتبارات اخطر على مخاطبة الطفل مثل النشر الالكتروني للثقافة عبر قنوات الاقمار الصناعية الخ .. - توجهت في مرحلة من بحوثك النقدية للكتابة عن المسرح وأثمر ذلك ثلاثة كتب ( التأسيس والانجاز والمعاناة - حاضر المسرح السوري - والمسرح العربي المعاصر - قضايا ورؤى وتجارب ) مارأيك الآن بحاضر المسرح السوري بعد المرحلة التي كتبت عنها ؟ وهل حقيقة القول إن المسرح العربي حلقات منفصلة ؟ المسرح العربي يتطور منذ اكثر من مئة عام ولكن هو ليس في سيرورة لانه في قطيعة مع تراثه وأشكال المسرح من الفرجة الى اللقاء بالناس وهذا يعني الظهور على الحلبة وارتباط المسرح بالظاهرة الدينية والاجتماعية إذ يتأثر كثيراً بمسألة في جوهر التقليد الثقافي وهي مسألة العرض ومسألة الصورة وهي مسألة يجري تجاوزها بصعوبة وايضاً القيود التي تواجه عملية التواصل مع الثقافة العربي بتقاليدها لهذا يحتاج العرض المسرحي الى فرصة اوسع من الحرية يعني ان تعالج امام ناظريك مشكلات الانسان العربي بأدق تفاصيلها حساسية فيما يتصل بالأخلاق والقيم وما شابه ذلك ، ناهيك عن المشكلات السياسية التي تحتاج الى رهان على ضوابطها الكثيرة من الرقابة وسواها ايضاً الرقابة الآن لا تخضع لحدود الدولة لأن السلطان الاجتماعي والسلطان الديني هو اقوى في بعض الاقطار العربي وفي بعض الحالات من سلطان الرقابة الرسمية التي تمارسها الدولة ، هذا كله جعل المسرح فعلاً ذا نتاج حلقات منفصلة تأتى فترة وتنتعش وتأتي فترة اخرى وتخبو . |
كتبت عن الأدب والتغيير الاجتماعي في سورية ..ترى هل استطاعت القصة السورية تحديد مسائل الوجود العربي تاريخياً وواقعياً ؟
- القصة فن يجانب التاريخ على طريقته ،أو يلتفت الى التاريخ على طريقته ،أما الرواية فهي فن تاريخي يرصد ويحوي تحولات اجتماعية وسياسية أكثر من القصة ، لأن القصة فن صغير وبسيط ،ولكنه معقد في بنيته المجازية والاشكالية كثيراً - ويكتسب بالمأثور بما نسميه (الأمثولة) من عرضه على مقاطع الحياة اليومية - لذلك القصة في سورية تختلف عن كثير من أشكال القص في العالم ،لأنها سبحت في بحر السياسة في المجتمع ،ويغلب عليها الموضوع قليلاً لتصوغ موضوعها ومجتمعها الخاص بنفسها ،ولذلك هيمنة الموضوع بدأت تنسحب لصالح اتجاهات قصصية حداثية ،ومابعد حداثية تعطي أخلاقها وقيمها وتصوراتها للإنسان في بني شديدة الاستعارة وشديدة المجاز. - ثمة علاقة كبيرة بين الأدب والنقد (الطبيعة - اللغة - الأدوات - التقنيات ) برأيك ماهي أسس تكامل النقد بالأدب ؟ - هناك نقاش طويل عن النقد والأدب - هل هو فاعلية ضالعة في الفكر - النقد متصل بالأدب أو مرهون بالأدب حتى النقد الأدبي ليس محكوماً الآن ،لأنه قد يكون رائدا يعني مستشهداً - النقد لاأدبي الذي يمارس التطبيق يجب أن يكتب النصوص ،ولكن بتقديري النقد بالاساس ..هو فاعلية مستقلة لأنه يتلاقى مع الأدب ،ولكنه ليس تابعاً له لأنه جنس أدبي خاص بذاته . - في أبحاثك النقدية الكثيرة أشرت الى الكثير من هموم النقد العربي الحديث ..ماجدوى المناهج النقدية في كشف هذه الهموم؟ - هموم الناقد العربي الحديث هي هموم هوية ،فإلى أي حد يشكل تقليداً نقدياً عناصر تكوين الناقد الأدبي،ويوجد ثراء ومخزون هائل من التجارب النقدية العربية الكثيرة ،لكن للأسف يهمشها لأنه صدم بالغرب وصدم بالجماهير العربية ،والان النزوع السائد هو ماجدوى التكييف والتوظيف ،ولكن أيضاً ماقيمة أن يتلقى من الغرب المناهج ،وهي حالة قطعية معرفية مع موروثها ،وهذه المشكلة ماتزال قائمة وتحتاج الى جهد من الناقد العربي الحديث في أن يخرج بترتيب أو بترتيبات تتيح له استقلالية ،وتوفر له احساساً بالهوية يكون فيها معاصراً ،وفي الوقت نفسه يكون فيها أصيلاً . |
الساعة بإيدك هلق يا سيدي 22:26 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3) |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون