أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   قرأت لك (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=19)
-   -   حوارات (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=87828)

اسبيرانزا 31/12/2007 21:11

في العادة تكتب رواياتك على دفعة واحدة، لكنه حدث الاستثناء هذه المرة وقد عدت من خلوتك ولم تتم الرواية بعد، هل الصعوبة تكمن في الموضوع هذه المرة؟
منذ رواية "الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء" أحسست بضرورة التأني في الكتابة مع محاولة إعطاء الموضوع الوقت الكافي في التحرير وأحسست كما لو أني أسعى إلى التراكم النوعي، فاخترت ألا اكتب الرواية الطويلة لضرورة العصر، والناس حاليا يسعون إلى اختزال كل شيء، ومع ذلك لدي شبه نقد ذاتي وهو أني متعجل بشكل من الأشكال وأنا للأسف مضطر لهذا، لأني في باقي أيام السنة أكون منهمكا في العمل الجمعوي وفي "المناشطة" الثقافية وأنا أجدني في شهر عطلتي منهكا وكلما تقدمت بي السنون يكون إنهاكي ثقيلا كما لو أني أهرب من استكانة الشيوخ وهي إعلان العجز البدني، وفي هذه السنة بذلت نفس الجهد البدني الذي كنت أبذله وكنت اكتب بمعدل 1500 كلمة في اليوم، وعندما أقول أكتب فأنا أحرر وأظل طوال الوقت أفكر في الموضوع وأبعاده ومستلب مئة بالمئة من طرفه وأحس بضرورة التأني وتقديم شيء يقترب من أعمالي الناجحة مثل "تجربة في العشق" و"اللاز" و"عرس بغل".

ومتى تعود إلى انهاء الرواية التي لم تكتمل بعد؟


سأحاول بعد التفرغ من إعداد رزنامة نشاطات الجاحظية وملتقى شعراء الفائزين بجائزة مفدي زكرياء المغاربية للشعر أن أكتب وأعيد إلى خلوتتي بين وقت لآخر، وأنا لست قلقا في هذا الشأن، وعندي خبرة من خلال رواية "تجربة في العشق" التي ظللت أكتبها وأعيد كتابتها لأكثر من سنة حتى أنهت نفسها بنفسها، وعلى روايتي الجديدة هذه أن تنهي نفسها بنفسها هي الأخرى.

---------------

اسبيرانزا 31/12/2007 21:17

حوار مع الروائى الليبى ابراهيم الكونى :D

اسبيرانزا 31/12/2007 21:18

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -






لم ألتقِ به سابقاً حتى صورته الصحراوية القديمة بزيه الطوارقي وبلثامه لا تكشف سوى القليل من مظاهره، أما أن داخله وعوالمه العاصفة أو الساكنة وهجراته في أكوانه وصحرائه فهي أمور تتجلى في الكتاب الصحراوي الذي سبر متاهاته نحو حكاية التكوين، غائب في ظاهره وحاضر في روحه في نصه، في نصه الطوفان والتبر، نزيف الحجر، وبيان اللغات والأديان، غريق متنه أو سابحٌ في فضائه الشاسع المجهول، متخفٍّ في أطياف المقيمين والعابرين على الأرض، مرتحلٌ أبدي، فكيف تلتقيه وهو أسير سكينته والبحث الجليل عن الحرية والحقيقة؟ كيف تلتقيه وهو الهارب الأكبر في حكايات جدته الصحراء؟ انشغل لربع قرن بالمتن الخلاق، غَلَق على الجسد أبواب العزلة، والعزلة تتيح لمن مثله إقامة جادة الحساب مع الدهر مع النفس ومع الذات، والعزلة فضاء أكثر رحابة لسبر المجهول والبحث عن السر.. سر المعادلة لكيمياء الحياة، هنا في هذا النقيض الخلاق يمارس فعل الكتابة والتأمل، هنا في هضاب جبال الألب، إنه النقيض في الظاهر أو إنه الفردوس الذي بحث عنه التائهون في الصحراء الكبرى، لكنه في العمق هو محطة من محطاته الأرضية أو هو مطرح للانطلاق من جديد في شعاب المتن، تلك الشعاب المؤدّية غالباً إلى الحنين، أما الهامش كان جولة في هذا الفردوس الأرضي ولقاءً في دبي لعله يكشف بعض ملامح هذا الصحراوي المهاجر في شعاب الحنين الأبدي إلى الغاب


المتن والهامش في حياة المبدعين

خلينا نتحدث عن المتن والهامش، إذا اعتبرنا المتن هو انشغالك اللي عمره فوق الثلاثين سنة بعالم الرواية والأدب هو هذا المتن، وهذا الشيء اللي عم نقوم فيه الآن هو الهامش.
إبراهيم الكوني: يقين.
أحمد علي الزين: يعني أنت تقريباً حوالي عشرين أو ربع قرن شبه غائب عن الإعلام العربي، هل هذا موقف؟ ولماذا اخترت الآن هذه الإطلالة؟
إبراهيم الكوني: لأن مأساة كل الكتاب أعتقد ليس الكتاب العرب فقط هي الاهتمام بالهامش أكثر من الاهتمام بالمتن، تحضرني مقولة لأحد الكتاب الفرنسيين في القرن السابع عشر يقول: أنه عندما يفلح المبدع في إنجاز عمل خارق أو عمل عبقري أو عمل ناجح فلا بد أن يفعل المجتمع المستحيل لكي لا يتكرر هذا العمل.
أحمد علي الزين: جميل.
إبراهيم الكوني: بأي معنى الأضواء بالاهتمام به كشخص بمحاولة احتوائه وإبعاده عن قضيته عن رسالته، هذا يعني أن الأضواء مميتة عندما تكون.. حتى لو كانت عن حب..
أحمد علي الزين: ولصالح المتن؟
إبراهيم الكوني: ولصالح المتن.
أحمد علي الزين: لأنها تفسد العملية الإبداعية؟
إبراهيم الكوني: تفسد العملية الإبداعية لأنها..
أحمد علي الزين: تجعل المبدع يعيش على شي من المجد.
إبراهيم الكوني: بالضبط، يعني ينشغل المبدع بالهامش أو بالحياة الدنيوية وينسى الحقيقة وينسى رسالته ينسى إبداعه..
أحمد علي الزين: المهمة الأساسية.
إبراهيم الكوني: المهمة الأساسية التي خُلق من أجلها.
أحمد علي الزين: رُدِّي إليّ عطشي وأبعدي عني الإنسان، قال الجمل للصحراء في كتاب ديوان النثر البري لإبراهيم الكوني، قرأت هذه العبارة وكنت على علوّ أربعين ألف قدم فوق الصحراء الكبرى، لا يمكن أن أرى من هذا العلو ما عاشه إبراهيم، ويستحيل إلا بالخيال تتبع أطياف أهله ونجعه وفلول المهاجرين الأبديين في الصحراء نحو فراديسهم المفقودة والتي لا يعثر عليها إلا التائه الذي يقع في فخ الضياع، ما هذا العدم؟ ما هذا العدم المعادي للروح؟ وللحرية؟ ثم وتخيّلت أبطاله الأشقياء المصابين بوجع الحنين وبالغناء والوجد، وافتكرت بسر هذا الصحراوي المسكون بصحرائه الكبرى المرتحل فيها وفي أسطورتها وتكوينها في سرابها وسرها وسحرها والمشبع بصمتها المدوّي وبطقوسها، لكأنه مجبول من رنها وسرابها ونسغ شجرها القليل وعشبها الشحيح

اسبيرانزا 31/12/2007 21:19

لماذا احتفى الغرب بأعماله؟

احتفى الغرب بإنجازات إبراهيم الكوني على أكثر من مستوى، ربما أول مستوى هو ترجمة أعمالك إلى كل اللغات الحية تقريباً، ثم تلك الجوائز اللي نلتها الجوائز العديدة اللي نلتها على مدار سنين، وبالتالي اهتمام النقد الغربي بتجربتك ربما أكثر من النقد العربي، هذا إذا ما كان النقد العربي شبه غائب، بتقديرك هذا الاهتمام أو الانهماك الغربي والاحتفال بإبراهيم الكوني هو مردّه إلى صحرائك الكبرى التي تروي عنها له لهذا الآخر الذي يحب أن يكتشف بعض الغموض؟
إبراهيم الكوني: ربما، لكن السبب الرئيسي أعتقد هو أن الأوروبيين يقرؤون ونحن في العالم العربي لا نقرأ، حتى نقادنا لا يقرؤون، الأوروبيون يعرفون ماذا يقرؤون ويعرفون ماذا يقولون، لهذا السبب لا أعتقد أن اهتمامهم بأعمالي ناجم عن..

أحمد علي الزين: كغرائبي أو الأسطورة اللي..
إبراهيم الكوني: نعم، الموضة أو انتصار النزعة الغرائبية، لأني لا أعتقد أن لدي نزعة غرائبية في واقع الأمر، لأن الأسطرة أسطرة الواقع ليست غرائبية لا يجب أن تكون غرائبية، هذا تنفيذ لقوانين الرواية، لقوانين العمل دائماً، لكن أعتقد أن ما استفزّ أو ما أثار النقاد أو القراء في أوروبا لقراءة أعمالي هي الاستعارة، هي التحدث عن الصحراء كاستعارة للوجود الإنساني، الصحراء ليست صحراء في أعمالي أعتقد، ولكنها دائماً ظل لحقيقة أخرى، ظل لمبدأ ميتافيزيقي، هي دائماً استعارة للوجود يقول بيت الشعر:
الصحراء تمتد وتتسع
فالويل لمن تسول له نفسه أن يستولي على الصحراء
الصحراء كالصحراء المرئية لكنه يقصد الوجود..
أحمد علي الزين: الوجود الإنساني.
إبراهيم الكوني: الوجود الإنساني بشكل عام.
أحمد علي الزين: جميل، طيب أنت كثيراً ما تتحدث عن الصحراء والعدم، يعني شو هو الرابط بين الصحراء وبين العدم؟
إبراهيم الكوني: نعم هذا لست أنا من يتحدث عن الصحراء والعدم، لست أنا من يقرن الصحراء بالعدم، ولكن أنا أعتقد هذه نزعة عامة لكل الناس عندما يقولون: الصحراء يقولون: جحيم، جحيم كالصحراء، عدم كالصحراء، نار كالصحراء..
أحمد علي الزين: خلاء كالصحراء.
إبراهيم الكوني: يعني النظر إلى الصحراء بروح سلبية، لعن الصحراء في كل عبارة، هذه أعتقد أنه إثم كبير، لأن الصحراء هي رمز للروح، الصحراء هي قرين للحرية، الصحراء هي قرين لأنبل ما في الوجود الإنساني، لذا يجب أن نكبر الصحراء، أن نركع للصحراء، أن نصلي للصحراء، لأن كل علامة في الصحراء هي صلاة للأبدية، الصحراء ليست رمزاً للوجود الإنساني فقط ولكنها رمز للأبدي في أنبل معانيه، وليس عبثاً أن تكون كل الأفكار العظيمة نابعة من الصحراء، هي قاسية بطبيعة الحال لأن الحرية قاسية، هي عدم بطبيعة الحال لأن الموت عدم، ولكن في حقيقة ما وراء الموت.. إذا آمنا بأن ثمة حقيقة وراء الموت، إذا آمنا بخلود الروح فالصحراء هي الدليل الوحيد في هذا العالم الذي يستطيع أن يثبت ذلك.
أحمد علي الزين: وتخيّلته طيفاً يجوب الخلوات الكبرى باتجاه تامبكتو مرة، ومرة نحو إناث الجن في كهوف جبالها المعممة بغمام الفقيد والأبدية أو يقرأ في صمت أبيه المهاجر المستعصي حضوره الصارم في نبله على السؤال، السؤال عن السر الأعظم سر التكوين، فيبحر لاحقاً في اللغات والأديان والأساطير بحثاً عن المعرفة لكشف اللغز، كل لغة حجاب يفكّه فيزداد الكشف غموضاً وتتسع دائرة الشك والسؤال، يضرب رمل البيد بلغته البكر الطريقية فيخرج من السراب طيف أنثى الشوق بحثاً عن الحرية

الصحراء الساكنة في ضميره وروحه

أحمد علي الزين: طيب أستاذ إبراهيم أنت حتى الآن كما قلت حوالي 60 مؤلفاً عملاً إبداعياً ومعظم هذه الأعمال أتت من مصدر الصحراء وأنت على ما نعلم أو يعني عشت طفولتك لمدة عشر سنوات في تلك الصحراء، هل تلك العشر سنوات كافية كخزّان لكل هذا الفيض من الكتابة الملحمية؟
إبراهيم الكوني: أعتقد أن عشر سنوات كافية لزرع رموز الصحراء في وجداني، الحياة الروحية شيفرات شيفرات وإلا لما كان هناك وجود لما يسمى اللاوعي أو ما يسميه الصوفيون الباطن، نحن نختزن في الطفولة ما يجب أن يبشّر به في الرجولة، دائماً الكود دائماً الشيفرة المبثوثة فينا ليس فقط منذ الطفولة ولكن منذ أجيال سبقت الطفولة بآلاف السنين، هي مبثوثة فينا، كل ما هنالك أنه لا بد أن نهدهدها، لا بد أن نرحمها، لا بد أن نستجديها أو نعتني بها بحيث تتفجر فينا، وهو ما يتحقق بالتأمل الطويل، وهو ما يتحقق ليس بالتأمل فقط وإنما بالزهد، وهو ما يتحقق بالتنسك، وهو ما يتحقق بالانقطاع، لذا لا خيار أمام مبدع يريد أن يعانق رموز العالم وحقيقة العالم إلا أن يعتزل، إلا أن يضحّي بحياته في سبيل هذه الرسالة، صحيح أن عشر سنوات بعمر الزمن قليل، ولكن إذا أخضعنا التجربة إلى الباطن فإنها كثير جداً.
أحمد علي الزين: عقد يديه وراء ظهره وتدحرج كيبيس العشب عبر الخلاء، عقد يديه وراء ظهره دون أن يدري أن هذا الفعل ما هو إلا تميمة من تمائم كثيرة ورثها عن الأب لا بد أن يستعين بها كل من قرر أن يقهر في مسيره الصحراء، وتدحرج طويلاً


اسبيرانزا 31/12/2007 21:19


أحمد علي الزين: يذهب إلى الواحة لفك لغة العرب فيزداد شقاء وحملاً ويقيناً بضرورة الوصول ويراكم في سعيه معرفته، شق سراب عمره الأولي في متاهات صحرائه الأبدية قطعها ساهماً نحو صقيع الشمال، الثلج مرادف للرمي والماء مرادف للسراب والفقدان، البحث عن التبر شقاء، والشقاء الأكبر العثور عليه والسعي إلى الحرية مشقة مضنية والحصول عليها ربما أكثر مرارة، وربما أيضاً سأل إبراهيم نفسه: من أنا في عيش النقيض وحزن جليل يصيب عقله؟ من أنا في هذه الصحراء الإنسانية الممتدة من صحراء الأولى من جدة الصحراء الكبرى إلى أقصى صقيع الشمال وأعلى قمم في الألب السويسري؟ من أنا؟ من أنا هذا الشقي الملوّح بشمس الطفولة المشظّاة في الرمل المشتعل هناك؟ تلك المهاجرة في الجنوب الأسطوري هناك حيث خلق السؤال الكبير الأنبياء والشعراء والعرافين والمهاجرين، هناك حيث طفولتي كيمياء التكوين في شطحة من شطحات تجلّي الخالق، كل ذلك افتكرت به وتخيّلت إبراهيم الكوني ابن السنوات العشر يجري خلف ظلّه في الخلاء الأكثر خلاء وفي المكان الأكثر قسوة حيث يتعادل العدم والروح، الماء والسراب، الممكن والمستحيل، الأمل والألم

مسكون بالبحث عن الحقيقة

المحطة الأولى بعد الصحراء هي كانت كما تسميها الواحة، حيث تعلمت اللغة الأولى بعد لغة الطوارق وهي العربية، وتابعت تعلم اللغات يعني أنت تجيد ست لغات على ما أعتقد، وأيضاً ذهبت برحلات في الأديان ودرست الأديان وتاريخ الحضارات وتعمقت في ذلك، ماذا كنت تريد أن تعزّز في وعيك وفي نفسك؟ عما كنت تبحث؟
إبراهيم الكوني: عما يبحث عنه الجميع، عن الحقيقة، ليس هناك رحلة أنبل من رحلة البحث عن الحقيقة.
أحمد علي الزين: والحقيقة تكتشفها في الآخر في لغة الآخر حيناً؟
إبراهيم الكوني: بالتأكيد، الحقيقة موجودة في كل شيء، ولكن الإنسان لا يقنع بحقيقة أصغر، الإنسان يسعى للحقيقة المطلقة.
أحمد علي الزين: وأنت كما قلت يعني انطلاقاً من أنك ترى العالم يعني هو شبه صحراء حتى لو كان يتألّق يعني بأشكال أخرى مختلفة، هذا نتيجة إحساسك بالعدمية المطلقة لهذا العالم يعني؟
إبراهيم الكوني: يقيناً باطل أباطيل وقبض الريح، يعني يجب أن كما يقول القديس بولس مرة أخرى: نحن غير ناظرين للأشياء التي تُرى ولكن الأشياء التي لا تُرى، لأن الأشياء التي تُرى وقتية، أما الأشياء التي لا تُرى فأبدية، الصحراء هي الرديف أو القرين للأبدية دائماً، ومحنة التعبير عن الأبدية هي محنة التعبير عن الصحراء، لذا صعبة الكتابة عن الصحراء لأنها العدم، لأنها الكتابة عن العدم، ولكن العدم الذي يبدع الظاهرة وليس العدم الذي ينفي الوجود.
أحمد علي الزين: يعني هذا الحنين الذي نستشفّه في كتاباتك هو حنين للأبدية؟
إبراهيم الكوني: بالتأكيد حنين ميتافيزيقي، حنين، حنين موجود في روح كل إنسان، حنين موجود في روح كل إنسان.
أحمد علي الزين: حتى يشعر القارئ أحياناً أن هناك أو يقع في حنين من خلال القراءة إلى شيء غامض ومجهول، هل أنت يعني تشعر بهذا الشيء؟
إبراهيم الكوني: أكيد.
أحمد علي الزين: لديك الحنين إلى شيء غامض؟
إبراهيم الكوني: يقين.. يقين.
أحمد علي الزين: وما هو هذا الشيء الغامض؟
إبراهيم الكوني: الله

التكرار حق لم أستخدمه حتى الآن

أحمد علي الزين: منذ خروجه الأول من صحرائه نحو الواحة التي تعددت في رحلاته الجغرافية وأصبحت واحات معرفية متنوعة بدأ إبراهيم الكوني الرحلة المعاكسة رحلة الحنين، الحنين إلى ذلك المجهول الغامض والأبدي وتجلّت هذه الرحلة في ستين كتاباً رواية وقصة موضوعه واحد لكنه شاسع وأبدي: الصحراء، الصحراء بمعناها الوجودي والإنساني والأسطوري، ستون صحراء، ستون رؤية، ستون حكاية، حكاية الحكايات اللامتناهية التي توالت تيهاً وشجناً ولحناً سماوياً يحض على المضيّ في العبور الكبير نحو الحقيقة، وهكذا كان يفيض الكوني يفيض كتابة منذ عام 1974 وبنفَس كأنه واحد متواصل يجري خلف شخصياته في عرائها الكامل ومتاهاتها يؤسطر اليومي البعيد ويحاكي الأسطورة الأولى بخروجه من الهامش الحياتي الأرضي إلى متن التأمّل، وعبر هذه المسافات الأرضية والروحية مرّ بأقوام وبشر ورؤى دوّن لبعضها في ملاحمه في رباعية الخسوف مثلاً أو الطوفان والمجوس والسحرة والناموس لكأنه يسرّ لخلانه بأمره ويسرّ للقارئ بما فعلته به صحراؤه الكبرى التي حملته لسنوات عشر، لكي يحملها مدى الزمان منفذاً وصاياها في متاهاته الروحية.
طيب أستاذ إبراهيم يعني هناك من يقول من النقاد أن الموضوع الواحد عندما يتكرر في أكثر من عمل ربما يخسّر المبدع بعض التجليات الإبداعية، ويعني يوقعه في التكرار وفي إعادة صياغة الأشياء بنفَس آخر، يعني كيف تدافع عن نفسك أمام هذا القول؟
إبراهيم الكوني: هذا قول باطل، هذا قول ربما شائعة أطلقها أحد الذين لا يقرؤون وصدّقها النقاد الذين لا يقرؤون أيضاً فكرروها، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً، أنا أكرّر النماذج وليس الأشخاص في أعمالي، عندما أقول العرّاف فهوية.. يجب أن نعرف هوية العراف في أعمالي، هوية العراف هو رجل الدين في العهد القديم، هذا لا بد أن يتكرّر في الصحراء، لا بد أن يتكرر في كل رواية، عندما أقول الزعيم فلا أعني به زعيماً محدداً هذه رسالة، هذه وظيفة، الزعيم حاملٌ للواء السلطة، الزعيم هو مثال روحي لدى الجماعة البشرية الصحراوية بالذات، لذا لا بد أن يتكرر في كل عمل، عندما أقول الدرويش فهو النموذج الزهدي الذي يراه الناس أبلهاً لأنه يحمل في وجدانه الحقيقة، لذا لا بد أن يتكرر بشكل أو بآخر، ثم أنه من حقي أيضاً أن أكرّر الأشخاص لست أنا أو غيري من ابتدع هذا الأسلوب، بل ذاك في الكوميديا البشرية يكرر، شخصياتهم كلها مكررة ثم لماذا نذهب بعيداً؟ لنعد إلى أول روائي في التاريخ هوميروس، الإلياذة، كان هناك شخصية ثانوية في الإلياذة هي يوليسيس أو دوسيمس انقلب إلى بطل في ملحمته الثانية الأدويسا، لماذا؟ لأن هوميروس كان في حاجة إلى نموذج يحمل معنى الاغتراب لأن قضية الاغتراب في حرب طروادة قضية رئيسية، لذا التقط نموذج أوديسيس أو يوليسيس ملك إتاكا ليبثهم هذا الشجن مسألة الاغتراب، وهي مسألة الاغتراب للإنسان كله نحن غرباء بالجسد قريبون من رب الروح كما يقول القديس بولس، لذا كان من الضروري أن يضيف له عشر سنوات أخرى ثم يرميها في البحر وفي الأهوال قبل أن يصل قبل أن يبلغ شطآن إتاكا، إذن هذه تقنية، هذه ضرورة أملاها العمل..

اسبيرانزا 31/12/2007 21:20

حمد علي الزين: بتقديرك تكرار الشخصيات هو مش ضرب من ضروب البحث عن الذات أيضاً بمعنى أن هذه الشخصية تتكرر هي فيها شيء..
إبراهيم الكوني: بالتأكيد، غنية أكثر، أكثر ثراءً، وأكثر غنى ويحبها الكاتب أكثر بكل..
أحمد علي الزين: لأنها بتشبهه.
إبراهيم الكوني: بالتأكيد ويحمّلها رموزه هو..
أحمد علي الزين: لأجل ذلك يكررها دائماً.
إبراهيم الكوني: بالتأكيد، ثم يقال ثم وهذه حقيقة أخرى وهي أن المبدع في واقع الأمر حتى لو كتب مائة رواية يكتب رواية واحدة من زوايا مختلفة..
أحمد علي الزين: يكتب رواية ثم ينوّع عليها في روايات أخرى.
إبراهيم الكوني: بالضبط.. لذا من حقي أن أكرر برغم أنني لم أكرر، من حقي أن أكرر برغم أنني لم أفعل ذلك حتى الآن.
أحمد علي الزين: طيب ليش اخترت الأسطورة دائماً والأبعاد المثيولوجية اخترت ذلك المكان الخلاء متل ما ذكرنا طبعاً..

إبراهيم الكوني: الصحراء فضاء مفتوح، الصحراء روح عارية، وللروح العارية قوانين أخرى غير الروح المستترة في الجسد أو في الطبيعة، لذا لا بد أن تكون هناك تقنية خاصة باستنطاق هذا المبدأ مبدأ الروح العارية والأسطورة تهبّ هنا لي كنجدة، الأسطورة ضرورة بالنسبة لمن يحاول أن يعبر على المدى الصحراوي، لأن ما هي الصحراء؟ الصحراء طبيعة تعرت، الصحراء طبيعة بادت وتحوّلت إلى روح، إذا اعترفنا بأن الطبيعة عندما تغترب عن نفسها تتحول إلى روح والروح عندما تغترب عن نفسها تتحوّل إلى طبيعة، فإن الصحراء هي الرديف الشرعي والحقيقي ليبدأ الروح ليبدأ الخلود الذي نبحث عنه في الميتافيزيقا، نبحث عنه فيما وراء، وهو أمامنا كل ما علينا استنطاقه أو إتقان استنطاقه.
أحمد علي الزين: مالت الشمس إلى المغيب وكان عليه أن يحدد سبيل الخروج قبل حلول الغروب، تفقد العراء فوجده ينطلق إلى جهات الدنيا الأربع، ينطلق إلى الأبد صارماً لا مبالياً يستثير اليأس، استولى عليه وهَن شديد مفاجئ فركع أرضاً، وغمره إحساس غريب بأنه وحيد ومهجور، في تلك اللحظة وقع بصره على أثر وقد سمع العقلاء مرة يرددون وصية تقول: إن سلالة الصحراء لم تكن لتنجو من التيه يوماً لو لم يدبّر الخفاء الأثر ليكن لهذه الملة الشقية دليلاً


اسبيرانزا 31/12/2007 21:21

حوار مع الروائى المصرى صنع الله ابراهيم :D

اسبيرانزا 31/12/2007 21:25


الروائي صنع الله إبراهيم:مصر مقبلةعلي ثورة تلتهم الأخضر واليابس

* روايتك الأحدث «تلصص» تلعب في منطقة المقاربات التاريخية انطلاقاً من حرب ١٩٤٨، فعلي أي نحو جاءت هذه المقاربات، وإلي أي حد اقتربت من تفاصيل اللحظة السياسية الراهنة؟

- رغم أن أحداث هذه الرواية تعود إلي ذلك التاريخ حيث زخم أحداث عام ١٩٤٨ فإنني اكتشفت أن أحداث تلك الفترة تتشابه إلي حد كبير مع عصرنا الحالي، حيث تداعي النظام، وتراجع الحياة، وقديماً وصل الناس لحد مهاجمة النظام الملكي، فخرجت في المظاهرات وهي تهتف «أين الكساء ياملك النساء؟» مثلما هتفت حينما طلق الملك فاروق الملكة فريدة وهي تقول «خرجت من بيت الدعارة.. لبيت الطهارة».
وكانت هناك حالة من السخط العام، وكان هناك بلاء شديد، وأيضاً أثرياء حرب ومظاهرات واعتصامات لرجال البوليس وللعاملين في التمريض، وأضرب العمال، وكان هناك في المقابل صعود لدولة إسرائيل، وكنا مضحكة للأمم بعد أن أضعنا فلسطين، وإذا بي أقف علي هذا التشابه بين تلك اللحظة ولحظتنا هذه، إذ نشهد بداية التدخلات الأجنبية وسيطرة النفوذ الأجنبي ووصايته علينا، ولنشهد ضرب الصناعة المصرية، وملاحقة الشيوعيين، ومحاولات الاغتيال.. ولذلك فإنني أقول ما أشبه الليلة بالبارحة.

* وهل بسبب اعتماد الرواية علي هذه المقاربة جعلت بطلها طفلاً ورجلاً طاعناً في السن وكأنك تقيم حواراً بين الماضي العربي المصري وحاضره؟

- نعم.. وهو في مقدمة الرواية أما خلفيتها فهي أحداث عام ١٩٤٨، وهاتان المرحلتان كانتا بغرض تحقيق هذا الحوار بين زمنين، ورغم بعدهما فإنهما متشابهتان في نقاط كثيرة.

* مرت علي تجربة اعتقالك فترة طويلة جداً، فلماذا كتبتها الآن، ولماذا لم تصدر «يوميات الواحات» قبل ذلك بعشر سنوات أو أكثر مثلاً؟

- أما لماذا الآن فليست هناك أسباب محددة، ولكنني عادة ما أمر بحالة صعبة عقب انتهائي من أي عمل روائي، وكنت قد فرغت من رواية «أمريكانلي»، وقد اعتدت أن أدخل في عمل جديد فور انتهائي من عمل ما، هروباً من هذه الحالة، التي هي أقرب إلي الاكتئاب.

* ولكن «يوميات الواحات» عمل ثقيل ومرهق في كتابته، بل من شأنه أن يعمق حالة الاكتئاب، إذ يستعيد حالات تعذيب.. وامتهان، واسمح لي أن أقول إن هذا العمل لا يمكن أن يكون نتاج المصادفة، خاصة أنه يتحدث عن سنوات الاعتقال ومرحلة التكوين لوعيك؟

- لا والله.. بل لعبت المصادفة دوراً، فلقد طلب مني رئيس تحرير مجلة «الهلال» الأسبق كتابة شيء عن سنوات التكوين، وهو باب كان قد استحدثه هو في المجلة، فبدأت أكتب عن هذه السنوات، فلما وجدت الخواطر تتداعي بسهولة، وأن الذكريات تتدفق وجدتها فرصة لأحول الفكرة إلي مشروع أكبر، خصوصاً في هذه المرحلة من العمر، وكأنني قصدت أن أكتب شهادتي الخاصة علي فترة من الزخم عشتها، كما وجدتها فرصة لأوثق لتجربتي مع الكتابة


اسبيرانزا 31/12/2007 21:28

* هذا استدعي منك بالضرورة، أن تعيد الحياة لمذكراتك في المعتقل، والتي كتبتها علي ورق «البفرة»؟

- نعم، أخرجت هذا الورق، وأضفت إليه بعض الأشياء، وألغيت أخري، وشعرت بأنه من الممكن نشرها بعد معالجتها باعتبارها وثيقة قد تكون مفيدة أو مهمة لفترة ما من الفترات.

* أشعر بعدما قمت به من معالجات أنها لم تعد تقتصر علي كونها يوميات وإنما اشتملت أيضاً علي سؤال الإبداع؟

- نعم لم تكن يوميات تسجيلية للحياة اليومية بقدر ما كانت أيضاً رصداً وتأملاً لرحلة التكوين وتشكيل الوعي، كما كانت رحلة للبحث عن أشكال وأطر مغايرة للكتابة وفنياتها.
* في هذه اليوميات وجدنا حضوراً ملحوظاً لوالدك، فإلي أي حد لعب دوراً في هذا التكوين المعرفي؟
قل) فكان لا يتلقي الأشياء باعتبارها مسلمات، فلم يكن ضد التفكير حتي وإن صاحب هذا التفكير شطحات.
* مثلما أخذت منك سنوات الاعتقال، فقد أعطتك أشياء وهذه الأشياء جميعها كان متعلقاً بمسارك الإبداعي، ونكاد نقول إن تشكلك المعرفي تدين به لسنوات الاعتقال؟

- من الناحية الفكرية، كنت قد ارتبطت بالحركة الديمقراطية للتحرر «حدتو» وكان انتمائي يحركه حماس الشباب دون تدبر في الأفكار النظرية والفلسفية، وقد ساعدتني فترة السجن علي التعمق في هذا الجانب حيث التفكير ملازم للقراءة، مما أكسب قناعاتي قوة، أما الجانب الآخر لتجربة المعتقل فهو الاحتكاك بالآخرين حيث المئات من أساتذة الجامعة والصحفيين والعمال والفلاحين، وعلي قدر هذا التنوع كان التميز وكانت معانقة الحياة وفهمها، فكل هذه الطوائف تشكل في مجملها أطياف الحياة، ولعل احتكاكي اللصيق بهذه الأنماط الإنسانية قد أعطي عمقاً لفهمي للشخصية الإنسانية، أيضاً علمتني سنوات المعتقل الاعتماد علي النفس، وكيف أقوم بالغسيل وإعداد الطعام، وهذه طقوس حياتية يومية تعاملت معها متضرراً في البداية، لكنها ظلت ملازمة لي حتي الآن، حتي أنني أجد متعة في دخول المطبخ والقيام بأعمال النظافة فيه، وأجد فيها امتصاصاً لشحنات عصبية فائضة.

* هناك أبطال في أعمالك، نجد ملامحها مجتمعة بمثابة تجميع لملامحك الشخصية والمعرفية مثل (رمزي بطرس) و(شكري) في «أمريكانلي» إلي أي حد يصح هذا التصور؟

- هذا أمر طبيعي وأنت حينما تختلق شخصية ما أو تكتب عن حدث معين فإنك تجد نفسك مستعيناً بتجاربك وبخبراتك الشخصية، ولابد من وجود ظلال لشخصيتك أو لبعض من ملامحك في الأعمال التي تكتبها، وهذا متحقق لدي سائر الكتاب، فروائي مثل إبراهيم عبدالمجيد حينما يكتب عن صيد اليمام لابد وأن يكون قد مر بالتجربة، وبهاء طاهر حينما يكون قد أمضي فترة طويلة من حياته في جنيف فلابد أن تتسرب تجربة الغربة لكتاباته، ولكن وجود هذه الظلال لا يأتي علي نحو مباشر لأننا لا نكتب سيراً ذاتية وإنما روا

اسبيرانزا 31/12/2007 21:30

* هناك أكثر من سؤال حول «وردة» هل نعتبرها تجسيداً لفكرة الصراع علي السلطة، أم هي استثمار روائي للهامشي والدرامي في التاريخ، أم أنها حوار متصل بين الحاضر والماضي، أم هي مراجعة للثورة العربية في عمان؟

- هي كل ذلك، وأحد جوانبها هو تجلِّ لتاريخ حركة القوميين العرب، كما أنها تجسيد لفكرة التحول السياسي لدي بعض الناس، من التعصب القومي إلي الماركسية والناصرية، أما الجانب الثالث في الموضوع، فيمكن اعتبار «وردة» أيضاً قراءة لهذه الفترة، لكنها ليست مجرد تأريخ، فلقد كنت واعياً لإمكانية أن تستفيد القوي الوطنية في المستقبل من مثل هذه التجربة، وكانت مشكلة الحركة القومية في (ظفار) هي وجود نوع من التعصب أو التقلب بين التيارات السياسية، كما يمكن اعتبار «وردة» نموذجاً دالاً علي عواقب التضارب والتناحر بين التيارات.

* بناء علي هذا يمكن اعتبارها قصة ثورة في محك المراجعة.. نهاية من تكون وردة هل هي رمز للثورة؟

- هي قصة شخصية متخيلة، لكنها حقيقية أيضاً وفق المعايير والمقتضيات والمعطيات الروائية، ومنذ أسابيع ماتت في البحرين شخصية نسائية معروفة اسمها «ليلي فخرو» وقد تصور كثيرون أنها «وردة»، لكنها كانت في الحركة، وكان لها اسم في حركة القوميين وهو «هدي» وقد لعبت دوراً مهماً، إنما فيما يتعلق بـ«وردة» فهي شخصية متخيلة أي روائية، لكنها قائمة علي أساس واقعي.

* لفت انتباهي توصيفك للعمل الروائي بأنه كذبة.. ونريد أن نعرف كيف؟

- العمل الروائي «كذبة» لكنه ليس «كذبة» أيضاً، ففي الرواية تقول أشياء لم تحدث، لكنها تعبر بشكل دقيق وأمين ومركز عما يحدث أو عما حدث، فالرواية رديف للواقع، رديف قابل للتصديق، لأنه يستقي مادته من الواقع.

* رغم الضغوط اليومية التي يقع المصريون تحت وطأتها، ورغم التوصيف المخيف والمحبط والقاتم للحالة التي تعيشها مصر، والتي ذكرت تفاصيلها في بيان رفضك لجائزة الرواية عام ٢٠٠٣ فإن هذا الشعب يبدو كأنه مسلوب الإرادة وافتقد آليات الاعتراض، فما الذي حدث للمصريين، فلا النظام يتغير ولا الشعب يعترض، نريد أن نفهم ما الذي طرأ علي جينات المصريين؟

- اسمع.. سيبك من حكاية النظام دي.. فالنظام لايبالي، فقد مر عليه ٢٦ عاماً، وهو وقت كاف لتحجره لا لتحركه، وأصبح كل ما يعنيه أن يدافع عن بقائه ووجوده وهذا كل ما يهمه وليس الشعب.

* بتأمل مضمون عنوان روايتك «أمريكانلي» يحتمل معنيين أن الكلمة جاءت علي وزن «عثمانلي» وهي إمبراطورية سطعت وتألقت ثم خبت.. وطالها الانحطاط، وبتفكيك العنوان كالآتي «أمري - كان - لي» نجد المعني ينطوي علي فقدان استقلاليتنا.. وانخراطنا في التبعية، أما المضمون فهو يمضي تماماً بالتوافق مع المعنيين، فهل تشير إلي تجربة بعينها.. تحضرني مقولة ابن خلدون في مقدمته، التي تقول بأفول الإمبراطوريات الكبري بعد بلوغها الذروة؟

- نعم.. تماماً فأمريكا فرضت نفسها علي العالم، بكل الطرق، بالقوة تارة وبالأكاذيب تارة أخري، وبلعبة المصالح تارة ثالثة، وبالشعارات تارة رابعة، وأتفق معك فيما ذهبت أنت إليه في الاستشهاد بمقولة ابن خلدون حيث لكل إمبراطورية مداها التاريخي الذي تبلغ ذروته ثم تبدأ في التراجع والأفول، ويمكن أن تصل البشرية أيضاً إلي نقطة عدم وجود أي إمبراطوريات، ولعل أمريكا ستكون آخر هذه الإمبراطوريات، ولكن سيبقي منطق المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة بين الأمم

اسبيرانزا 31/12/2007 21:33

* في حيثيات حصولك علي جائزة مؤسسة ابن رشد في ألمانيا، وردت عبارة تقول: «إن هذا الكاتب الوطني دأب علي مهاجمة أنظمة الاستبداد في العالم العربي» وقد بدا الأمر، أن حصولك علي هذه الجائزة جاء لمجرد أنك تهاجم هذه الأنظمة لا لأنك روائي متفرد أيضاً وصاحب مشروع روائي؟

- «ماتبالغش قوي كده..» إنما كانت هذه عبارة بين عبارات وأسباب أخري في حيثيات حصولي علي الجائزة، وإنما أراد مانحو هذه الجائزة أن يقولوا إنني كاتب صاحب موقف، وأن هذا ملمح من بين ملامح أخري تميز مشروعي الروائي، والدليل أن هناك كتاب آخرين حصلوا علي الجائزة ذاتها دون مبررات سياسية، وإنما هناك مبررات أخري لحصولنا جميعاً علي هذه الجائزة، ومنها أن أدبنا لصيق جداً بالهم الإنساني المعاصر.

* للدكتور يوسف إدريس وقفة مهمة معك في أول مسيرتك الإبداعية، لنتوقف عندها لنعرف كيف تعامل يوسف إدريس مع جيلك؟

- أولاً، جيلنا كان مهتماً جداً بالمشروع القصصي ليوسف إدريس، حيث كان يمثل لنا تجربة جديدة تماماً تجاوزت كل الأطر والأشكال القصصية المتعارف عليها، وقد جاوزت تجربته كل الأنماط التي كانت سائدة قبل تجربته، حتي أننا كنا نتلقف جريدة «المصري» كل صباح لنقرأ قصته فيها، إذ كان يمثل لنا تجربة جديدة كسرت كل «التابوهات» الفنية وقدم قصصاً حية وبسيطة وكاوية ومتقاطعة مع الحياة، وقد سعينا للتعرف عليه، وقامت بينه وبين جيلنا علاقة قوية وطويلة الأمد، وكنا نطلعه علي أعمالنا، وفيما يتعلق بوقفته معي التي تسأل عنها، فكنت قد أطلعته علي مجموعة من قصصي القصيرة فرحب بها، وكان بين هذه القصص قصتان أو ثلاثة عن شخصية أحاول تجسيدها قصصياً اسمها «خليل بيه» فرحب بها جداً، كما كانت له وقفة مهمة أخري معي، إذ كتب لي مقدمة «تلك الرائحة» وفي السياق أعرب عن إعجابه بشخصية «خليل بيه».

* المدهش في الموضوع، أنه بعد مرور أربعين عاماً علي هذه المقدمة، وعلي «خليل بيه هذا» وجدناك تقوم بإحياء شخصية خليل بيه من جديد؟!

- نعم ولكنني منحتها مزيداًمن الخبرة والأبعاد وعالجتها بكثير من التعمق، ويمكنك أن تعتبرها امتداداً للشخصية القديمة، في محك ما طرأ من تحولات.

* رغم تحمس يوسف إدريس لتجربتكم فإنه عاد وتبرأ منها فيما بعد في روايته «البيضاء»؟

- رواية «البيضاء» تمت كتابتها في ظروف خاصة، فلقد كان هناك موضوع يؤرق يوسف إدريس بعد اعتقالات ١٩٥٩، وكان يعمل حينها في «الجمهورية»، ونشرها علي حلقات، كنوع من الدفاع عن النفس وكنا نقرأها في السجن ونحن متأثرون جداً وكون أن هناك رؤية سلبية للشخصية الطليعية في الرواية، فهذا حق مكفول لأي كاتب، لكنه لا يعني بالضرورة أنه انقلب علي موقفه من تجربتنا، أو حتي تجربة جيله.

* لك تجربة سينمائية وحيدة وفريدة قمت فيها بالتمثيل في فيلم من إخراج السوري محمد ملص، لماذا لم تكررها؟!

- تعرفت إلي المخرج محمد ملص حينما كان طالباً في معهد السينما في موسكو، وكنت وقتها هناك، في منحة دراسية، وطلب مني التعاون معه في مشروع التخرج فشاركت معه، في كتابة السيناريو وقمت بالتمثيل فيه وهذه التجربة أرهقتني، وشعرت أن هذا الأمر أكبر من طاقتي ولن استطيع القيام به مرة أخري.

* لم تكن الرواية هي الشيء الوحيد الذي وصفته بأنه أكذوبة، ولكنك وصفت أسامة بن لادن بنفس الوصف؟

- نعم أسامة بن لادن أكذوبة صنعتها أمريكا، وتستخدمه ككارت في الوقت الذي تحتاجه، كمبرر لممارساتها في المنطقة، كما تستخدمه كفزاعة للأنظمة العربية، للتغطية علي المخطط الأمريكي الكبير فنجد مثلاً «الجزيرة» فجأة تبث له شريطاً مجهول المصدر، وغرض أمريكا من هذا أنها تريد للعالم العربي والغربي علي السواء أن يستشعروا معها خطورة ما وصفته بالإرهاب، وأن هذا الخطر الماثل دائماً، مصدره الوحيد هو العالم العربي، للحصول علي صك موافقة عربي لاستهداف أي بلد عربي أو إسلامي.

* باعتبار أن «بن لادن» ظاهرة إسلامية، فإنه يهمنا رأيك في صعود ثمانية وثمانين من الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية لدورة ٢٠٠٥م، وما يمثله هذا الصعود من دلالات سياسية وفكرية؟

- .. «وإيه يعني لما يوصل الإخوان إلي البرلمان؟!» هذا لا يمثل مصدر خوف لي أو لغيري، وأنا مع صعودهم إذا كان هذا الوصول نتيجة اختيار شعبي حر، أنا لست ضد وصول أي تيار أو أي كيان سياسي للبرلمان أو حتي للسلطة مادام هذا كان نتيجة اختيار شعبي حر.

* وماذا لو وصلوا للسلطة، وخرج من بينهم وزير للثقافة وآخر للإعلام وثالث للسياحة ألن يجعل هذا سقف الحريات أكثر انخفاضاً؟

- هل تعتقد أنت أن مصر وشعبها سيتقبلون هذا؟ أليس من الممكن أو المحتمل أن تحدث جماهيرية الإخوان تغييراً في منهجهم وفكرهم؟ ولذلك فإننا نطالب دائماً أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية لأن وجودها سيتيح المجال لأطياف سياسية أخري، لكن من اختاروا الإخوان قد اختاروهم لأنه لم تكن هناك خيارات أخري أمامهم إما الاستبداد أو الإخوان فاختاروا الإخوان لأنهم لا يصدقون النظام.

* وصفت مصر في أحد أحاديثك بأنها بلد مستعمر، أي استعمار تعني والذين يحكمونها مصريون أبناء مصريين؟

- إنهم يحكمونها منذ ربع قرن، وهذا أحد أشكال الاستبداد، وهناك صور أخري للاستبداد، تتمثل في قواعد ممنوحة، واتفاقيات وتنازلات لا نعلم عنها شيئاً، وظاهر الأمر أن هناك تورطاً مصرياً مع أمريكا في ممارساتها العدوانية، هذا فضلاً عن السيطرة الاقتصادية عليها، من خلال المعونات المشروطة بالإذعان السياسي والمشروطة بدورة مالٍ مفادها أنه لا يتم شراء أي سلع بأموال المعونة إلا السلع الأمريكية، وفوق هذا فإن مصر تلعب دور الوسيط الأمريكي في المنطقة.

* لفت انتباه البعض موقفك الذي بدا متناقضاً مع الأمريكيين، ففي الوقت الذي كنت تعمل فيه استاذاً زائراً بجامعة «بركلي» بالولايات المتحدة، رفضت فيه جائزة الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن الرواية؟

- أولاً الجامعة الأمريكية بالقاهرة تابعة بشكل مباشر للحكومة الأمريكية، لكن جامعة «بركلي» مستقلة، أيضاً فإن الجامعة الأمريكية في القاهرة تلعب دوراً تم التخطيط له بعناية فائقة لغرض تحقيق هيمنة الثقافة الأمريكية، فأين يكمن التناقض إذن؟!

* هل تحلم بعودة عهد عبدالناصر؟

- لم نكن في حاجة لعبدالناصر في أي وقت مثلما نحن في حاجة إليه هذه الأيام، وبالفعل فإنني أحلم بعصر مشابه، ولكن بشرط أن يخلو من الملاحقة البوليسية، وقمع الرأي المخالف، فوجود زعيم مثل عبدالناصر في هذا العصر من شأنه أن يحقق مشروع نهضة جديداً وأن يدافع عن الفقراء، وأن يحقق العدالة الاجتماعية، ويقضي علي الفساد الذي استشري بشكل مخيف، ويحقق الانضباط ويوقف التسيب والتساهل والتستر علي النهب في المؤسسات الحكومية، وأن يوقف مظاهر السَّفَهْ والإسراف، وأن يقيم الصروح الصناعية الكبري التي لا تجعلنا نمد يدنا للغير ونذعن لشروطه.

* وإلي أين ستقودنا اللحظة المصيرية الراهنة وأي مستقبل ينتظر مصر والمصريين؟

- كل عاقل في هذا البلد، يتمني أن تتجنب مصر الكارثة والحريق المهول الذي يقودنا إليه النظام الحاكم الحالي.

* ما طبيعة هذه الكارثة، وهذا الحريق؟

- ستكون في شكل تمرد أو ثورة فوضوية الطابع، وتأتي علي الأخضر واليابس وكل عاقل يتمني أن تتجنبها مصر، بأن يقبل النظام الحالي بفكرة إرساء ديمقراطية حقيقية، وتعددية حقيقية، وتداول سلطة حقيقي، وتخل عن المشهد السياسي ورفع قبضته عن خيرات البلاد ومواردها، وتصد بحسم للفساد ويعاقب المفسدين، وما لم تكن لديه رؤية استراتيجية واضحة للمستقبل و«طول ما هو رافض» لكل هذا فنحن بانتظار كارثة.
نقلا عن جريدة المصري اليوم

اسبيرانزا 31/12/2007 21:46

1 ملف مرفق .
ليلة فى جاردن سيتى ... حوار مع عبدالله القصيمى :D

اسبيرانزا 03/01/2008 02:20

حوار قصير مع عبد الرحمن منيف :D


من ضمن ما قاله في الحوار:
- قال في سياسة أمريكا حالياً
.. أما فيما يخص طريقة الأمريكيين في التعامل مع موضوع المقاومة فهي تعتبر أن كل خصم وكل مناوئ لسياستها هو مرتبط بـ “القاعدة” أو محسوب عليها بنسبةٍ ما، علماً أن تكوين القاعدة هو تكوين بدائي بحيث أنها عاجزة عن أن تقوم بهذا الدور. وأنا عندي قناعة – وهي بحاجة إلى مراجعة- أن 11 أيلول هو صناعة داخلية أمريكية، أو على الأقل هُيئت لها أجواء وظروف داخلية مكنتها من أن تعبّر عن نفسها بهذا الشكل …
وقال أيضاً :
.. تماماً كما كان يحصل أيام الحرب الباردة حين كان يُعزى كل أمر إلى السوفييت وجواسيسهم، علماً أن ثمة عوامل داخلية في كل بلد هي التي تفرز هذه الظواهر وتؤدي إلى نمائها.
- ويصف الشعب العراقي
.. وأنا لم أر شعباً يهتم بالتاريخ مثل الشعب العراقي. ومما أثار اهتمامي عندما كنت في المراحل الأولى للدراسة في بغداد أن طبيعة العلاقات بين المثقفين مختلفة عما هي عليه في أماكن أُخرى، فكنت ترى في “مقهى البرازيلية” ، مثلاً، آثارياً ومؤرخاً وشاعراً يجلسون حول طاولة واحدة وينضم إليهم شخص يحب الغناء القديم فكانت تكتمل حلقة متنوعة الاهتمامات. لنقارن بسوريا, مثلاً, حيث تسود العقلية الحرفية – وهذه ملاحظات بحاجة لمراجعة- التي تحرص على التفوق في أسرار الصنعة وعدم البوح بها، بينما تجد في العراق أن هناك فخراً بتملك أسرار الصنعة ومحاولة إشراك الآخر بها والانخراط في مناقشة معه.
- ومما قال عن دور مثقفي اليوم
أصبح المثقف جزءاً من وامتداداً للحزب السياسي، خاصة عندما أمسك الحزب بزمام السلطة وعمل على لجم المثقف. فولاء المثقف للحزب السياسي وتمثيله لهذا الحزب حوّله بالتدريج إلى شخص فاقد لحريته الفكرية وللدور المنوط به من قبل المجتمع، مقابل زيادة في الكم الإعلامي في ممارساته. فالحزب السياسي كان، في الدرجة الأولى، بحاجة لإعلاميين أكثر مما هو بحاجة إلى منظّرين لأنه يعتبر الزعيم السياسي هو المنظّر الأكفأ والمفترض أن يكون الوحيد. وقد أصبح قادة الأحزاب السياسية هم الذين يمارسون التنظير وتبرير المواقف السياسية وتقديم القراءات في مرحلة معينة فيما أصبح مطلوباً من المثقف أن يقتصر على الدور الإعلامي مبرراً ومفسراً لما يريده السياسي. واستمر الوضع إلى أن تكشّفت الأحزاب السياسية عن قدر كبير من الخواء ولم تعد قادرة على ملء هذا الفراغ عبر طروحات جدّية ومعرفة حقيقية بتكوين المجتمع وبعناصره المتداخلة، مما أدى أيضاً إلى فكرة انحسار بين عدد من المثقفين والأحزاب السياسية ..
وقال أيضاً:
.. وبدأ يترسخ وهم جديد لدى المثقف معتقداً أنه هو البديل عن الحزب السياسي وبدأ يطالب بدور اكبر وبنوع من الاستقلالية الكاملة وحتى بمشروعية المعارضة والتصدي للأحزاب السياسية ..
فسأله المحاور :
ففُتحت لهم أبواب السجون العربية كلها !
فأجاب
طبيعي، هذا عامل مهم جداً، لكن أيضاً الدور الذي كان مطلوباً من المثقف أن يكون إعلامياً بانت ضحالته وعدم فائدته. فترى مثلاً أن الحزب الشيوعي غادره كم كبير من المثقفين أو على الأقل شكلوا خطاً موازياً ، يعني ليسوا في خط التنظيم والفعالية اليومية. وكذلك حزب البعث وأحزاب دينية. فالحالة الراهنة هي حالة ملتبسة ومطلوب البحث عن معادلة من نوع جديد تؤسس لعلاقة جديدة بين المثقفين والقوى والأحزاب السياسية. إذ لا يمكن للمثقف أن يحل مكان الحزب السياسي كما أنه لا يمكن للحزبي السياسي الإستغناء عن المثقف وعن دوره في التنظير وفي الكشف وفي ربط الأحداث والمواقف والقضايا
وأضاف :
.. فدور المثقف ليس بديلاً عن العمل السياسي وإنما يفترض أن يكون جزءاً منه ..
وعن الرواية العربية قال :
.. مع الأسف يحدث أحياناً أن بعض الروايات تُكتب لأجل إظهار البراعة ومتعة اللعب اللغوي والشكلي عبر تقليد مباشر لبعض الإتجاهات الغربية. أو أن تُغرق روايات أُخرى في لعبة الغرابة من أجل إدهاش القارئ الغربي وكي تُترجم الرواية إلى لغات أوروبية، فبعضهم يكتب وعينه على المترجم وبالتالي ترى أنه حتى الصداقات بين الروائيين والمترجمين أصبحت مشبوهة.
وأضاف :
أنا شخصياً إن قُطع رأسي يستحيل أن أكتب رواية عن صدام حسين. كما لا أحب أن أكون بذوقين وأن أكتب لأنال إعجاب الآخر ورضاه. ولم يكن بذهني إطلاقاً عندما كتبت

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -

أن هذه الرواية ستُترجم لأنها في منتهى الصعوبة. ولو كان ذلك في ذهني لكنت يسرت المهمة على المترجم.

وعن رأيه في الروايات العربية الجديدة الجيدة قال :
.. لفت نظري بعض الروايات المصرية واللبنابية وتوقًفت عند بعضها وقفات إعجاب وتأمل ، مثلاً

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -

لعلاء الأسواني و

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -

لمحمد البساطي.
لإلياس خوري و

اسبيرانزا 03/01/2008 02:22

حوار مع الروائى والشاعر المغربى الطاهر بن جلون :D

اسبيرانزا 03/01/2008 02:26

بعض الأدب يصيب القارىء بمرض "السكّري" لفرط حلاوته

لم نزل نخلط بين الحياء والجبن في العالم العربي




جاءت ولادتك الأولى من رحم الكلمة إلى عالم الشعر. إذ شرعتَ في كتابة القصائد، وصدر ديوانك الأول عام 1972. لكنك سرعان ما كرّست نفسك للرواية، مع بعض العودات القصيرة الى الشعر. لم هذا التحوّل؟
صحيح أن نصوصي الأولى قصائد، لا بل إن تعبيري الأثير هو الشعر، ولكن هل أنا شاعر؟ ليس لي الحكم في ذلك. فالشعر ليس مهنة، إنه حالة، ونعمة نادرا ما تحلّ. الشعر لا يُدعى، لا يُنادى، لا يُكتب على الطلب. إنه يأتي من تلقاء عنفه وجنونه وصفائه. يجتاحنا. تولد فجأة في داخلنا حاجة ملحة وطارئة الى كتابته. لا يسعنا الرفض. وأحياناً كثيرة يمتنع عن القدوم مهما توسّلناه. ولهذا السبب ثمة عدد قليل جدا من الشعراء الكبار. أما الرواية فلا تتبع هذه الشروط. الرواية تحكي قصّة، قصّة يمكننا أن نخترع فيها أن نهلوس أن نتخذ القرارات أن نحيد عن الدرب. مع الشعر لا قرارات: إنه صاحب القرار الوحيد، وهو متطلب ودقيق جدا، أكاد أقول ماتيماتيكي في تشدّده. فضلا عن ذلك، إن العصر الذي نعيش فيه لا يحبّ الشعر، بل يؤلّه البضاعة، المنتج التجاري، أكان هذا المنتج شيئا أم إنسانا أم جسد امرأة ام نجومية ما. نعيش في عالم لا يفسح مكانا سوى للسلعة، والشعر هو المفهوم المضاد للسلعة بامتياز. إنه خلاصة المجانية.
* إذا الرواية في رأيك هي أكثر اقترابا من مفهوم "البضاعة"؟
لا، لم أعن ذلك، لكنّ الرواية ترافق العصر، هي مرآته، أي أنها أكثر قدرة على احتمال بشاعته. أما الشعر فقدره أن يقلب العالم رأسا على عقب، على غرار ما فعله السورياليون في العشرينات مثلا، عندما تمردوا على عصر صار خلوا من الدهشة والمفاجآت والخلق، فحرّروه وأنقذوه بشعر صاعق غير منتظر. الآن لا ارى الكثير من الشعراء الجدد الذين يبرزون ويحرّرون، لا في العالم العربي ولا في الغربي. أكرر، نحن نعيش في عالم بلا شعر، وأسفنا الكبير هو أن كبار الشعراء المعاصرين، على غرار ايمي سيزير، محمود درويش، إيف بونفوا، وسواهم، ليسوا على تناغم مع زمنهم. يقام مثلا في فرنسا الكثير من مهرجانات الشعر، وأنا أحرص على متابعتها لكي أرصد تطوّر الأمور. لكن ما أراه غالبا هو مغنّ يكتب ثلاثة أسطر ويعتبر نفسه "شاعرا". إنها مهزلة. ليس ذلك تصوّري للشعر على الاطلاق. بل ينبغي على هذا أن يكون عصيّا على اللوم، ساطعا ماحقا نقيّا لا عيب فيه. عالمنا محكوم بالبراغماتية والفردانية والعنف، هو ليس عالم هدوء وتأمل وتفكير. وافضل دليل على ذلك سلوك الولايات المتحدة الاميركية خلال الأعوام الأخيرة، فهذا السلوك يشكل "نموذجا" للعالم أجمع، إنه يرسم المسار العام: اي عدم احترام القوانين، وسيادة منطق القوة والعنف على الحق، وتقديم المصالح الخاصة، وتأليه منطق التجارة. ربما سيشهد العالم بعد كل هذه الكوارث ولادة شعر جديد. لا أعرف، ولكن حان وقت اتخاذ موقف.

اسبيرانزا 03/01/2008 02:28

في الحديث عن المواقف، انت مثقف ملتزم، تعبر باستمرار عن وجهات نظرك في مشكلات العالم، وتردد أن الكاتب يجب ان "يغرز قدميه اكثر في المجتمع المدني". لكنك تقول ايضا ان "الفن يدرك جماله الاقصى عندما يكون بلا جدوى"، وتؤكد ان لا افظع من الروايات الاجتماعية او النفسية او السياسية: فكيف يوفّق الطاهر بين التزام الكاتب ولا جدوى الكتابة؟


انا ملتزم مجتمعي كمواطن وإنسان. أما الكاتب فيّ فملتزم أدبه وكتابته ولامجانية هذين الأدب والكتابة بالذات. يجب أن نجتنب ما قام به الستالينيون في مرحلة ما، اي دعم الأدب "المناضل" وتعزيزه على حساب أدب الخلق الصافي. أعتقد أن ثمة التزاما هو خاص بالادب في ذاته، اي بمعنى التفكير في الكتابة والاخلاص لها. ينبغي ألا يمزج المرء بين فعل الكتابة وفعل الحضور في العالم. أنا ملتزم أدبي لأني أمين له، مثلما أني ملتزم مجتمعي لأني معني به، لأني رب عائلة وأقلق على مستقبل أولادي، ولا يسعني ان أكون منعزلا ومنسحبا وفي حال حياد، ولا أن ادفن رأسي في الرمل واقول: ما يحصل من حولي لا يعنيني. بل إنه يعنيني. ولا أقصد بذلك المجتمع الفرنسي فحسب، بل المغربي أيضا وخصوصا.


* فعلا، فأنتَ تعيش في فرنسا منذ نحو ثلاثين عاما، لكننا نلاحظ أن المغرب حاضر بقوة في جوهر رواياتك وفي روح اهتماماتك. هل هذا الحضور الدامغ تعبير عن انتماء مطلق لأرضك الأم ومسقط رأسك؟


هذا الحضور الدامغ، كما تقولين، سببه قوة المغرب، ولا فضل لي في صونه. إذن هو ليس تعبيرا واعيا بقدر ما هو انعكاس لسطوة بلدي عليّ وعلى خيالي ووجداني وصوتي وهذياني. فأنا أنتمي الى أرض تطبع أبناءها بقوة، أكانوا رسامين أم شعراء أم روائيين الخ... إنها بلاد تغذي دواخلنا بطريقة استثنائية ورائعة، تغذينا حقا. وواقع إقامتي بعضا من الوقت داخل المغرب يدعم هذه التغذية، فأنا أعيش الآن نصف السنة في فرنسا، والنصف الآخر في المغرب. وبسبب هذين الذهاب والعودة المستمرين يسعني أن "أرى" بلدي، أي أني ألاحظ فورا الأشياء التي تصدمني فيه وتلك التي أعشقها. أقضي الأيام الثلاث الأولى من وصولي كل مرّة في التأقلم، فالمجتمع الفرنسي "معقلن جدا"، إلى حد مغيظ ربما، وأعرف تماما ما ينتظرني فيه، على العكس تماما من المجتمع المغربي الذي لا يكف عن مفاجأتي، وعن إغاظتي أيضا على طريقته. لذلك ظللت مغربيا جدا، اي متجذرا في مجتمعي، هذا المجتمع الغني بمخيّلة رائعة. طبعا نحن نعاني مشكلات كثيرة، لكن الروائي كما تعلمين في حاجة الى المشكلات، لا الى السعادة.
* صحيح، فأنت الذي تقول إن السعادة ليست "أدبية"، كأنك تعني أن الكتابة مرادف للتعاسة... لا بدّ انك تعيس جدا، وربما عندما تصبح سعيدا ستكف عن الكتابة!
أصبح سعيدا؟ أرجوكِ، لا اتمنى لنفسي مصيرا كهذا! (يضحك). الناس السعداء مشبوهون ومثيرون للريبة. في اي حال، لا شك عندي في أن الكتاب "السعيد" ممل جدا. إنه في شكل ما الكتابة على طريقة باولو كويلو. الكتابة اللطيفة و"المهذبة". لا، ينبغي على الأدب أن يثير، أن يزعج، أن يقلق، أن يصفع. كأن نكون مثلا في السادسة عشرة من العمر ونكتشف كتابة سيلين، أو سالينجر، أو فولكنر... يا لها صدمة! أعتقد أن الاضطرابات هي التي تغذي الكتابة، والأدب الحقيقي لا يصل الا مع الاعاصير والعواصف، لا مع الهدوء المسطّح. ويُستحسن لمن ينشد الهدوء المسطّح أن يتناول حبة منوّمة. لا يمكن ان نصنع الادب بالمشاعر "الجيدة". بل من الضروري أن ندفع القارىء الى استثمار منطقه واحساسه وانفعالاته وخيالاته وعنفه. حتى ما يُسمّى "الواقع" غير موجود في الأدب. فالواقع مفهوم نسبي جدا. وكتابي الجديد، الذي سوف يصدر في شهر آذار في عنوان "الصديق الأخير"، يعالج موضوع هذه النسبية بالذات، التي قد تجعل الحياة كلها وهما كبيرا. النسبية اكتشاف يمكن أن يقلب الحياة رأسا على عقب، وقد اخترتُ تناولها تحديدا في إطار الصداقة لا الحب، لأن التوهم جزء من لعبة الحب، بينما الصداقة تجسد العلاقة بين إنسانين في كمال مجانيتها.

اسبيرانزا 03/01/2008 02:31

ألاحظ أنك غالبا ما تتحدث عن الصداقة، ولديك أيضا كتاب آخر عنها في عنوان "رباط الأخوّة". هل لديك اصدقاء كثر؟

( يبتسم بتهكّم ينم عن ألم). كيف يمكن أن اجيب عن سؤال كهذا؟ (صمت). لا، في الواقع لا، لقد تعرّضتُ لخيانات كثيرة على مر الوقت، وحسبي أن اصدقائي يُعَـدّون على اصابع اليد الواحدة. أتحدّث عن هذا الموضوع في كتبي لأنه مؤلم، فأنا مقتنع كما ذكرت بأن على الأدب أن ينكأ الجروح، أن يكسر حواجز المجاملة والمسايرة وأن يوجع، وإلا سيتحوّل نثراً دلعاً من شأنه أن يصيب القارىء بمرض "السكّري" لفرط حلاوته. طبعا لا يعني ذلك أن الأدب دواء أو حلّ. فالكتابة لا تحدث تغييرا. جل ما تحققه هو أنها تجعل الإنسان والعالم أكثر قابلية لـ"المعاشرة".

* ولكن عندما كتبت "العنصرية كما فسّرتها لابنتي"، ألم تكن تأمل في إحداث تغيير ما؟

إسمعي، عندما كتبتُ ذلك الكتاب، كان 15 في المئة من الفرنسيين مع لوبين. أما اليوم، وبعد خمسة أعوام، فقد ارتفعت هذه النسبة الى 22 في المئة ! (يضحك). هذا لأبرهن لكِ مدى قدرة الكتب على إحداث أي تغيير. في أي حال، إن التحوّلات لا يمكن أن تتم إلا على مستوى الأجيال الشابة، أي من طريق التربية. وهي تتحقق بتراكم الصدمات المتتالية.

* أنتَ تصدم أيضا بتناولك مواضيع محرّمة غالبا، هي على علاقة بالجسد والجنس ووضع المرأة، مما يستفز قراءك التقليديين. فكيف يتلقى القارىء العربي كتاباتك هذه؟

تصوّري أن بعض غلف كتبي "الصادمة"، على غرار غلاف كتابي الأخير "قصص حب سحرية"، تُبدَّل في المغرب! انا لستُ استفزازيا، بل أشهد على الواقع بكل بساطة. أحاول رصد الاشياء غير المرئية، أي الامور التي تُخبأ في عتمة الجوارير، تلك التي يجب كتمانها وعدم تعريضها للضوء، وأولها العلاقة الجنسية، التابو الكلاسيكي عندنا نحن العرب. إذا ما تأملنا في تصاعد موجة الاصولية في العالم العربي-الاسلامي، سنكتشف انها في الاصل مشكلة جنسية، لا دينية. فما يربك الاصوليين في شكل خاص هو المرأة والجنس، لا مسألة أداء فروض الصلاة خمس مرات في اليوم. مشكلتنا الأساسية في العالم العربي هي علاقتنا بالمرأة، وهذه العلاقة هي في رأيي المؤشّر الأصوب والأدقّ للحكم على تقدم مجتمع ما او تخلّفه. سلوكنا مع المرأة ونظرتنا إليها يحددان مدى تطورنا، ويعبّران عن مشكلات ونزاعات اخرى أكثر خطورة. نحن في العالم العربي لم نزل نخلط بين الحياء والجبن، ولن تتغيّر الأمور سريعا. القوانين قد تتغير ربما، لكن الذهنيات لن تتبعها إلا بعد وقت طويل.

* أخال ان التطور المنطقي هو العكس، أي أن يؤدي تطوّر الذهنيات الى تغيير القوانين...

صحيح، ولكن التقليد والعائلة يضغطان الى اقصى الحدود على تصرّف الإنسان في عالمنا وعلى طريقة تفكيره. إنها موروثات ثقيلة لن تتغيّر من تلقاء نفسها. ودعينا لا ننسى كذلك تأثير الدين، فالاسلام تحديدا ينعكس في شكل قوي جدا على سلوك الانسان الاجتماعي وتكوينه السيكولوجي.

* بما أنك تطرّقتَ الى السيكولوجيا، لقد قمتَ بدراسات معمّقة في علم النفس الاجتماعي: ترى هل ساعدتك هذه الدراسات في تكوين شخصياتك ونحتها، علما أنك تؤكد باستمرار أن الروح الانسانية تعصى على علم النفس؟

تلك الدراسات لم تساعدني حقا، لكن ثمة عامل مهم في هذا الاطار، هو الاعوام التي أمضيتها في الاهتمام بالامراض العقلية في احد المصحات، حيث اكتشفت كم ان الروح الانسانية متعددة الطبقة وكم يمكن الغوص بعيدا فيها. لقد أفادتني هذه التجربة كثيرا: هي طبعا لم تعلمني كيفية تفسير العلاقات الانسانية، لكنها أثرت على نحو لا واع في طريقة نظري الى الناس والى الانسانية عموما. فأنا عندما انظر، اراقب بفضول، اتخيل، أتـنبأ، أحلل، أكمن، اي انني نادرا ما ارتاح. ولهذا السبب أعاني الأرق، وعلاقتي مع الليل ليست جيدة، إذ أمضيه في التفكير وفي التحاور مع شخصياتي. احرص على الشروع في طقوس النوم باكرا، فأنا اكتب خصوصا في الصباح، واذا كانت ليلتي سيئة لا يمكنني العمل في اليوم التالي. أحرص كذلك على حماية حميميتي وخصوصياتي، فهي المسافة التي تعينني على اختراق حصون الآخرين، أي على الانقضاض عليها في شكل أفضل

اسبيرانزا 03/01/2008 02:36

فعلا، فأنتَ توصف دائما بالرجل الخفر، المتحفظ، الغامض، المنسحب. هل تعتقد أن الكاتب يجب أن ينعزل عما حوله، وما رأيك في ظاهرة نجومية الأدباء التي نرصدها اليوم لدى البعض، خصوصا في الغرب، بفضل آليات الاعلان والترويج والتسويق؟
هذا اللهاث وراء النجومية امر فظيع من دون شك، والكتابة هي حتما عمل انعزالي، ولكن عندما نُصدر كتابا، يتحتّم علينا أن نرافقه: ألا يرافق الأهل خطوات ابنهم الأولى؟ لا يمكننا أن نختبىء ونقول: "ها هو الكتاب ولد، وعليه أن يشق دربه بنفسه". بعض الذين يختبئون، على غرار ميلان كونديرا مثلا، إنما يخدمهم هذا الإختباء بالذات، كعامل ترويجي. أكرر، لقد أدركنا للأسف زمنا تؤدي فيه وسائل الاعلام دورا رئيسيا، زمن غزت فيه الكتب غير الأدبية رفوف المكتبات بنسبة 80 في المئة: كتب الاسفار، والشهادات، والمذكرات...الخ: إنها كتب تجتاح مساحة المكتبة وتسرق منا القرّاء: قد تقولين لي إن قارئا عاديا يدخل الى مكتبة لن يختار على الارجح كتابا لإيكو او لكونديرا، وستكونين على حق: لكنه كان ربما ليقرأ هذا الكتاب لو لم يكن أمامه كتاب آخر عن الفتاة التي عاشت تجربة الستار اكاديمي أو عن الشاب الذي هزم تماسيح أدغال الأمازون! انه اجتياح اللاأدب واللاكتب لعالمنا. لذلك علينا ان ندعم الكتاب. أن نحميه ونعينه على الصمود. حتى صديقي لو كليزيو، الذي كان مثال الكاتب "المتوحش" والمتوحّد والمنعزل، رضخ الآن وصار يجري مقابلات على الراديو والتلفزيون ويقوم بحفلات توقيع عندما يصدر كتابا جديدا. إنه وضع مؤلم ومرير لكنه الواقع. المهم ان يفعل الكاتب ذلك باحترام، محافظا على كرامته وكرامة أدبه، أي ألا يذهب الى أي مكان، ويلبي فورا أي دعوة. فالأدب مثل الحرية: إنه غير قابل للمفاوضات والتنازلات، وهو، خصوصا، لا يحتمل المساومة.
* لقد سبق أن نشرتَ كتابين يحملان طابعا اوتوبيوغرافيا، هما "الكاتب العام" و"رباط الأخوّة". هل تؤمن بنظرية أن كل رواية هي في شكل ما سيرة ذاتية؟
طبعا، فالكاتب يتغذى دائما من نفسه. مثلا، كتبتُ أخيرا رسالة الى اوجين دولاكروا أتناول فيها موضوع رحلته الى المغرب عام 1832، التي بعدما عاد منها لم يرسم سوى بلادي طوال ثلاثين عاما تقريبا. وادركت في لحظة ما أني ، إذ كنت أكتب عنه، أكتب عن مغربي أنا من خلال رسومه وحياته. ذلك لأقول إن الكاتب، حتى عندما يؤلف كتاب خيال علمي، لا يسعه أن ينسحب كليا مما يكتب. لا اؤمن بالكتابة المحض موضوعية. إننا ننهب انفسنا وحيواتنا باستمرار. لكننا نخترع أيضا، بالتأكيد، ولحسن الحظ، عالما غير موجود، ونكتب لكي نمحو في شكل ما وجوهنا. فالكاتب لا يمشي قط عاريا، ولا يسلّم نفسه للقرّاء على نحو كامل. فضلا عن اني لا أملك على ما أظن ما يكفي من التعقيدات لكي أكون أنا شخصيات كل رواياتي. تعلمتُ أن افرض مسافة بيني وبين ما أكتب، إذ يجب الا نرهق الكتاب والقارىء بصورتنا. أغرف من الحياة التي تدور من حولي أيضا، ومن الناس الذين أعرفهم وألتقيهم، ولذلك غالبا ما يتملكني الشعور بأني أسرق الآخرين عندما أكتب.
* وما المشاعر الأخرى التي تنتابك أثناء الكتابة؟
أعيش خصوصا حالا من القلق الهائل، لاني لا أنفك أخاف من ان اخيّب القراء. يتكرر الخوف والتوق نفسيهما مع كل كتاب جديد، فالكتاب الذي نشرناه هو دائما اقل أهمية من ذلك الذي نحلم بكتابته. اتخيل ردود الفعل الممكنة، يجتاحني انعدام الرضى وتتآكلني الشكوك. أخشى الضياع وفقدان صرامتي وتشددي.
* وهل يدفعك هذا الخوف من التخييب الى القيام بمساومات؟ الى المراعاة والمجاملة؟
ابدا على الاطلاق، بل على العكس من ذلك، إنه خوف يدفعني الى تجاوز نفسي وبذل كل ما اوتيت من طاقة بغية تقديم شيء ذي قيمة. أحيانا أثق بكتابتي وأحيانا لا، ولذلك أتقدّم دائما من الكلمة بتواضع وخشوع. من ناحية أخرى، لقد تقبّـلتُ واقع ان لا يمكن المرء إرضاء الجميع، وان لا مفر من وجود اشخاص لا يحبوننا، لا بل ثمة أيضا اولئك الذين ينتقدوننا عن جهل. لقد عانيت الكثير جرّاء هذا الخبث في حياتي.
* أعرف أنك واجهت مشكلات كثيرة مع كتابك "تلك العتمة الباهرة" الذي يروي قصّة أحد السجناء في سجن تازمامارت. فما قصّة هذين الكتاب والجدل؟
فعلا، عشتُ تجربة مؤلمة للغاية مع هذا الكتاب على مستويين، اولا من حيث المضمون، لأنه كتاب موجع جدا وقد كتبته وعشته بكل جوارحي، وثانيا على المستوى الشخصي، لأن السجين المعني وشقيقه خدعاني وأوقعاني في فخ بشع جدا. إذ كنتُ قد وقّعتُ مسبقا اتفاقا مع السجين حول القصّة، وأرسلت اليه المخطوطة قبل النشر، فكتب لي رسالة موافقة يصفه فيها بالرائع، ثم وقّع بدوره عقدا رسميا مع دار النشر. لكنه ما أن قبض الشيك، وبعد ما لا يزيد على خمسة عشر يوما على صدور الكتاب، سارع الى عقد مؤتمر صحافي يزعم فيه أنه لم يوافق يوما على إصداري هذا الكتاب. كان يريد على ما يبدو ان يبرىء نفسه إزاء السلطات المغربية. وهنا استولت الصحافة طبعا على القضية ووقفت ضدي، وحولتني وحشا استغلاليا، رغم كل ما أبرزته من وثائق: ففرصة الإنقضاض عليّ كانت أجمل من أن تضيع هباء. ذلك أحد أمثلة الخيانة. كل يوم نتعلم أشياء جديدة عن النفس الانسانية وعن قدرة الانسان على الطعن. ولقد رددتُ في الواقع على تلك المسألة من خلال قصّتين وردتا في مجموعتي القصصية الأخيرة "قصص حب سحرية" (سوي، 2003)، هما "حمّام"، و"المغتصب"، اتناول فيهما موضوع الغدر والخيانة.
* ثمة قصّة ايضا في المجموعة نفسها التي ذكرتها، مستوحاة من 11 أيلول. أنت الشرقي المقيم في الغرب، كيف ترصد الانقسام المزعوم بين هذين العالمين في حياتك اليومية، وهل تؤيّد ما يُحكى عن أدب ما قبل 11 أيلول وأدب ما بعده؟
لا ، هذه تسمية خاطئة ولن تصحّ يوما. أما في ما يتعلّق بـ 11 ايلول في ذاته، فهو كارثة الحقت الضرر بالعالم العربي اكثر مما أذت الغرب. لقد هشّمتنا وهشّمت صورتنا. تلك الكارثة هي التي أفسحت أمام الاميركيين فرصة اجتياح العراق. وفي رأيي أن 11 ايلول خدم مصالح الأميركيين اكثر من اللازم. لأجل ذلك، يؤلمني اجتياح اللاعقلاني للعالم العربي، الذي لم يزل يرفض الاعتماد على الوقائع والحقائق والمنطق. انه امر متعب للغاية. رغم هذا، من الضروري أن نميز بين أميركا البنتاغون، التي هي فظاعة مطلقة، وأميركا الثقافة التي تعطينا أدبا وموسيقى وفنونا وسينما- لا أعني الهوليودية طبعا- غنية ومثيرة جدا للاهتمام. لا يمكن وضع الجميع في المرتبة نفسها: بوش مجرم وابله، ولكن هناك فنانون ومثقفون اميركيون رائعون يعارضون سياسته بشجاعة. لذلك يجب عدم المزج بين جنسية الانسان أو عرقه أو دينه وبين سياسة بلاده. مثلا، أنا اليوم أفصل في شكل واضح وحاسم بين السياسة الاسرائيلية التي أدينها وأستنكرها واعارضها الى اقصى الحدود ومن دون اي لبس، وبين أن يكون المرء يهوديا، الذي يعادل بالنسبة إلي واقع أن يكون مسلما أو مسيحيا أو بوذيا الى آخره. لا استطيع ان احكم على إنسان بناء على انتمائه الديني او العرقي. وهذا الخلط أمر شائع، خصوصا في عالمنا العربي العزيز.
* "عالمنا العربي العزيز" هذا، لقد كتبتَ عنه الكثير، ومن أجرأ ما كتبت ربما مقالك الأخير في النوفل اوبسرفاتور في عنوان "السجن العربي"، حيث تساءلت: "ما العوامل المشتركة بين هؤلاء الملايين من العرب؟ أتراها ال أنظمة سياسية ال مشكوك في شرعيتها، أم مسلسل ال إخفاقات ال داخلية، أو اله زائم ال متعاقبة، أو نزيف الأدمغة، أ و تلك ال لغة ال كلاسيكية التي يتكلمها المثقفون فحسب، وهم غالبا من عزلون عن الشعب ؟". ما مآخذكَ على هذا العالم؟
هل لديكِ حقا كل ما تتطلبه إجابة كهذه من وقت؟ في الحقيقة، بات من الضروري ان يجري العرب بدورهم فحصا لضمائرهم. إننا نعاني من نقص مهلك وفتّاك في الحرية والخيال، نغذّي الخبث والحقد، لا نقول ما نفكر فيه، وحتى مخيّلتنا هي مخيّلة تحديدية وقمعية، ولذلك نعيش حالا من الانحطاط الرهيب، انحطاط هو عبئنا الأكبر. مثلما سبق أن كتبت، سوف يصبح لل عالم العربي وجود فعلي عندما تقوم وحدته، ليس على اللاعقلانية الدينية أو الميول الظلامية، ولا على الخطابات الرنانة و اللازمات والشعارات المملة كما في أغنيات أم كلثوم الجميلة؛ وإنما على مشروع اقتصادي جد ي ، وعملة موحدة، و إلغاء الحدود والتأشيرات، وعلى حرية ممارسة الديمقراطية بكل ما لها وما عليها. ينبغي علينا أن نتواضع و أن نبدأ بالإعتراف بانقساماتنا وخياناتنا و ان عد ا م كفا ي تنا. لننظف بيوتنا قبل أن نتهم الآخرين، و ل نحاول أن نستحق من جديد إرث أسلافنا، اولئك الذين حملوا اللغة والثقافة العربيتين إلى أوج الحضارات.
* وما موقفك من قضية الحجاب التي أثيرت أخيرا في فرنسا، وفي قرار شيراك منع ارتدائه في المدارس؟
أنا رجل علماني، اذا أنا ضد كل مظاهر اجتياح الدين للمساحة العامة. أؤيد منع ارتداء الحجاب في المدارس او في أحواض السباحة، أؤيد رفض مبدأ أن تكون معالجة النساء حكرا على الطبيبات في المستشفيات العامة، أؤيد الحؤول دون فرض البعض رؤيتهم الخاصة للحياة على الآخرين. هذه ظلامية تريد ان تنخر مجتمعا علمانيا ناضل الكثير ودفع أثمانا باهظة لكي يحقق علمانيته هذه. إنها نوع من الرقابة غير المقبولة. كأنك توشحين جزءا من شاشة السينما بالسواد لأنك ترفضين بعض مشاهد الفيلم، فتفرضين على سواك أيضا هذه العتمة رغما عنهم.
* في الحديث عن السينما، نعرف أنك مفتون بهذا الفن، فأي إسهام قدّمه هذا الإفتتنان بالصورة لكتابتك؟
أعطتني السينما الكثير الكثير. لقد تعلّمتُ أن أروي قصصي من خلال مشاهدتي الأفلام. كنتُ محظوظا بمشاهدة أفلام عظيمة عندما كنتُ فتيا، وكان هذا الفنّ شغفي الأكبر منذ طفولتي. كنّا نرتادها يوميا شقيقي وأنا بعد انتهاء الدروس، من الخامسة الى السابعة مساء، إذ أقنعنـا والدينا بأنها جزء من الواجبات المدرسية. فريتز لانغ، هاورد هوكس، اورسون ويلز، الخ... هؤلاء المخرجون العظماء علموني كيف أجعل قصصي متماسكة، كيف أفرض شخصياتي وأحرّكها. لا بل اني أردت في مرحلة ما ان اقوم بدراسات في السينما، أول وصولي الى باريس، ولا أذكر في المقابل أن كان عندي طموح بأن أصبح كاتبا. أعشق في السينما الشعر ولعبة التلميح وفنّ استثمار الوقت...
* وأنت، ألا تشعر بمرور الوقت؟
افكّر فيه كثيرا. يكفي أن انظر في المرآة وأرى عواقب تساقط شعري. لم يكن تقبّل ذلك بالأمر السهل (يضحك). لكني أشعر في الوقت نفسه بأن أبوّتي تحميني من مرور الوقت، وبأن وجود أبنائي يساعدني في الاستسلام لهذا الوحش القاهر، أو على الأصحّ في التحايل عليه. أحاول كذلك الإعتناء بنفسي. لستُ من هواة الرياضة لكني انتبه الى ما آكله واحرص على الا يزيد وزني. كما انني مارست في مرحلة من المراحل رياضة اليوغا، رغم أنها كانت نوعا من اليوغا الفكرية والتأملية أكثر منها جسدية. لذلك، إذا كان لدي من خوف حقيقي على مستوى مرور الوقت، فهو من دون شك الخوف من المرض ومن الانهيار الجسدي والعقلي، أما الشيخوخة في ذاتها فلا أهابها: شباب أولادي يدرأ خطرها عنّي، مما يشفع الى حدّ بعيد، أعترف، بمساوىء مؤسسة الزواج...
* أجل، أعلم أن لديك رأيا "شجاعا" في هذه المؤسسة...
لنعترف بأن الزواج ليس أمرا طبيعيا، وإن كانت بعض صيغه ناجحة طبعا. نتزوج في الواقع لكي نؤطر أنفسنا داخل المجتمع. إنه محض رضوخ للقوانين. من النادر ان يكون الشريكان متكافئين، لذلك تبرز في الزواج ضرورة من اثنتين: إما القيام بمساومات، أو إتقان لعبة السيطرة. والمرأة هي التي تسيطر غالبا، لكنها تمنح الرجل وهم أنّه هو المسيطر. ثمة حاجة الى الكثير من الذكاء بغية قبول الآخر كما هو. الحب بين إنسانين أمر استثنائي الى حد أنه من غير المقدّر له أن يُحصر في زمان ومكان وشروط وقيود، وذلك ما يفعله الزواج بالضبط. لكن هذا الأخير مثل الديموقراطية: لم يتوصل الناس بعد الى صيغة افضل لإنجاب الاطفال وتربيتهم!
* الطاهر بن جلون، لقد حقّقتَ الكثير ونلتَ شهرة واسعة وتُرجمتَ الى لغات لا تُعدّ وحزتَ جوائز لا تُحصى، ويرد اسمك بين المرشحين المحتملين لجائزة نوبل. إلام تصبو في هذه المرحلة من حياتك؟
إلام أصبو؟ (يبتسم). حسناً، الى الهدوء، الى الصفاء، على ما أعتقد. الى السلام الداخلي. وسيكون من الرائع أيضا أن يتاح لي عيش الشغف من جديد.
* الشغف والسلام الداخلي؟ توقان لا يجتمعان على الاطلاق. أرى أن عليك ان تختار بينهما...
سأختار الشغف إذن. (صمت). الشغف بالتأكيد.

verocchio 03/01/2008 13:16

حوار مع محمد الماغوط

verocchio 03/01/2008 13:16

يشكل محمد الماغوط حالة خاصة في سورية، بل في الأدب العربي كله، ففي داخله أكبر من شاعر،طفل ترك مقعد الدراسة ليدخل السجن، وحين غادره أعلن بشجاعة عن الرعب والخراب الذي أصابه، فاكتشف فيه الآخرون شاعراً، هو السجين العائد من غيبته الصغري ليعلن تمرده في مملكة الله وممالك الانسان، ويقرأ علينا قصائد ونصوصاً في الحكمة الأولي وفي لذة الاكتشاف، قبل أن يدخل في غيبته الكبري.

خرج الماغوط من مدينة سلمية التي تقع علي قوس البادية في سورية، ليعيد صياغة أقواس الشعر التي مالت قليلاً مع قصيدة التفعيلة، لكن الأقواس تكسرت بين يديه، وتقطعت الأوتار. فنثر عليناً دهشته فيما سميّ قصيدة النثر التي ما يزال يمضي بها في نصوص أخيرة أين منها الشعر والشعراء.

في شخصية الماغوط نفور الشاعر الذي يهرب الي ظل نخلة علي الأفق الأخير للسراب، يمتلك توجس البدوي وحذر السجين، يأنف الحديث أمام آلة التسجيل، كما يرفض آلية الحوار التي تذكره بالتحقيق، وتذكرنا بالعصيان، هو لا يخاف فيما يعلن أو يكتب، لكن القول يضنيه كصبية لا تعرف أن تبوح بعشقها، فتنثر مواويلها في الفضاءات، أشقاه الصمت وصقيع الجدران، فاكتشف عزاء له في الكتابة.

أصيب الماغوط بالكآبة ونقص التروية والمزيد من الخيبات، فاعتكف في منزله، لم يغادره منذ عامين الا لحفلي تكريم له كان آخرهما في مهرجان دمشق المسرحي،منذ شهرين ونيف وأنا أجلس اليه، نتحدث، اقتنص من هنا عبارة ومن هناك فكرة، لأعود الي مكتبي أسجل ملاحظاتي، وما اقتنصت.

verocchio 03/01/2008 13:16

هل اسميه لقاء؟ هو أكثر من لقاء.
هل اسميها دراسة؟ هي دون ذلك.

ربما تكون مكاشفة، أو ربما تكون تجميع لحظات مسروقة من بوح قليل ينز كحبيبات الندي التي تسيل علي الحواف الخارجية لكأس مثلجة.

الشاعر محمد الماغوط ، بيني وبينك قاسم مشترك هو السجن؟
السجن تجربة لا تنسي، قد يكون مضي عليها نصف قرن من الزمان وما زلت اغتسل من أدرانها، فالسجن دمر شيئاً في داخلي، وكل ما قمت به لاحقاً وحتي الآن لا يعدو كونه ترميماُ لذلك الخراب الذي حصل، ومع ذلك كان ارهاباً نبيلاً في تلك الفترة قياساً مع الارهاب الذي انتشر كالطاعون.

ولكنك في السجن كتبت الشعر؟
أنا لم أخطط في حياتي لأن أكون شاعراً، أو كاتباً مشهوراً، في السجن كانت الوحدة وصقيع الجدران قاسيين، فأخذت أدون شيئاً من الملاحظات واليوميات علي ورق السجائر، كانت شيئاًُ ينز من داخلي الذي تحطم علي أعتاب سجن المزة العسكري، وحين خرجت من السجن أدركت حجم الخراب الذي لحق بروحي، لكنني أدركت أيضاً أن ما كتبته في السجن كان شعراً.

وهناك التقيت أول مرة بالشاعر ادونيس؟
صحيح وأنا أحبه، فالسجن يشكل أعظم مناخ للعلاقات الصالحة، لذلك عندما هاجمه الكثيرون، كنت وفياً له، وحين غادرت دمشق الي بيروت التقيت ثانية به، وهناك اكتشفت رحابة العالم، وقد فاجأني وأدهشني كبار شعراء تلك المرحلة (أنسي الحاج، يوسف الخال، أبو شقرا وغيرهم)، كما التقيت في منزله بالشاعرة سنية صالح التي أصبحت زوجتي لاحقاً.أتذكر تلك التفاصيل كما لو كانت بالأمس فقط، كنت نشرت أولي قصائدي في مجلة شعر حينها جاءت الي ادونيس تقول له: ما هذا الشعر العظيم؟ من هو محمد الماغوط؟ . وكنت جالساً في منزله.
عندما قرأت لهم في مجلة شعر بعضاً من أوراقي احتاروا أمام هذه القصائد، ومدحوني كثيراً، حتي ارتبكت وأحسست أن المكان لا يتسع لي.
وعندما أصدرت ديواني الأول حزن في ضوء القمر ، اتهمت وقتها بأنني هدام وسوداوي ومتشرد. لكن هذا الديوان شكل مرحلة استثنائية في مسيرة الشعر العربي، كما كتب عنه جبرا ابراهيم جبرا وأنسي الحاج.
ومع ذلك رفض ادونيس اعطائي الجائزة سنة 1958 التي أعلنتها مجلة شعر لقصيدة النثر وقال: هذه ليست قصيدة نثر ، لكنه بعد خمسين عاماً علي ذلك جاء يقول لي: كانت قصيدة رائعة .
في عام 1961 نلت الجائزة التي نظمتها جريدة النهار اللبنانية لقصيدة النثر، وقد كتب نذير العظمة عن الذهول الذي أحدثته قصيدة الماغوط.

أدونيس:
أيها النسر المتواطئ مع أعتي الرياح والعواصف
أنا معك حتي الموت في مسيرتك المظفرة
تحت وابل من القشع والسعال
والقيح المعمم كالبيانات الرسمية
ولكنني سأخلد قليلا الي الراحة
وأعهد اليك ببعض الزهور الأثيرة لدي
وهي بكماء وقاصرة
ولا تعرف مواسمها
ولا الفرق بين الربيع والخريف!
فأرجوك.. اسقها ولا تناقشها.

verocchio 03/01/2008 13:17

وماذا عن سنية صالح؟
هذه العلاقة أثمرت شعراً وأكداساً من الحزن والألم والذكريات، لقد لعبت سنية دوراً مهماً وكبيراً في حياتي منذ التقيتها أول مرة، اعترف بأنني اقترفت أشياء كثيرة في حياتي، لكنني لم ادع ذلك يؤثر علي شعري أو عائلتي أبداً،لقد رثيتها في سياف الزهور وهو أجمل ما كتبت، هل هو احتجاج علي موت سنية؟ أم علي الحياة التي اغتالت لحظاتنا الجميلة؟ أم أننا نحن الذين اغتلناها؟
لقد توقف قلبي لأول مرة حين غادرتني سنية وحيداً مع حزني وذكرياتي وطفلتين هما شام وقد أصبحت طبيبة، متزوجة وتعيش الآن في أمريكا، و سلافة وهي الآن خريجة فنون جميلة متزوجة أيضاً وتعيش في دمشق.

قلت في سياف الزهور:
كالجندي الجريح
ولم استطع أن أحملك بضع خطوات
الي قبرك
الزوجة والأولاد... تفاصيل تعود بنا الي العائلة والي سلمية التي لم تزرها منذ عقود؟

ولدت في سلمية عام 1934 وكنت الأبن الأكبر في عائلة تضم ستة أخوة، درست في المدرسة الزراعية فيها، ثم غادرتها الي دمشق لمتابعة تحصيلي العلمي في ثانوية خرابو الزراعية، لكنني اكتشفت أنني لا أصلح للعمل في الأرض، وأن الحشرات والمبيدات ليست هوايتي المفضلة، اضافة لتردي وضع الأسرة المادي، حيث باع والدي مضخة المياه طرمبة بـ 12 ليرة سورية، في ذلك الزمن وأرسلها لي لأنفق منها علي دراستي، فتركت الدراسة وعدت الي سلمية. في سلمية يمكن للمرء أن يتعرف علي الفوارق الاجتماعية الهائلة، وأن يحس بالتمرد، حتي أن ماركس كان يفترض به أن يولد في سلمية وليس في ألمانيا.في سلمية انتميت الي الحزب القومي السوري الاجتماعي ليس لمعرفة أو خيار ايديولوجي، بل لأن مقر الحزب هو المكان الوحيد قرب بيتي والذي أستطيع أن أجد فيه مدفأة أجلس بقربها في أيام الشتاء البادرة، وأتدفأ في صقيع سلمية شبه الصحراوي.
وقد كتبت منذ الستينات عن سلمية التي هُدمت عشرات المرات. سلمية معقل القرامطة والمتنبي:
سلمية الدمعة التي زرفها الرومان..
يحدها من الشمال الرعب
ومن الجنوب الخراب
ومن الشرق الغبار
ومن الغرب الأطلال والغربان
لكن سلمية هذه أحبها جداً، رغم أن أغلب أصدقاء الطفولة والذكريات المشتركة فيها قد غادروا. منهم من مات ومنهم من هاجر أو دخل السجن، لكنها المكان الذي لم يغب عن ذاكرتي لحظة واحدة، واذا كنت لم أذهب اليها منذ عشرين سنة فلأسباب كثيرة، ولكنني ارغب حقاً في أن أزورها، وأنا الآن بصدد ترميم البيت القديم الذي خلقت فيه في سلمية.

غادر محمد الماغوط الحزب مبكراً، لكنه ما يزال مسكوناً بهم السياسة في كل ما يكتب؟
الانسان أكبر من الحزب، وأنا في كل ما كتبته كنت معنياً في صياغة معادلة الانسان كقيمة فردية في مواجهة السلطة ـ الدولة، فهي المعادلة المستباحة في واقعنا، منذ استباح العسكر روحي ـ كما قلت لك ـ وأنا أجاهد لالتقاط أنفاسي، لاعادة الاعتبار لانسانية الفرد وكرامته.
فمن يستبيح الانسان... يستبيح الوطن، هذا الوطن الذي يدعوك لمغادرته بكل ما فيه، لكنني لن أتزحزح من مكاني:
كتبت عن السلام فاندلعت الحرب
عن النظام فعمت الفوضي
عن البطولة فتفشت الخيانة
عن الأمل فزادت عمليات الانتحار
عن تنظيم الأسرة فغصت الشوارع بالجانحين والمنحرفين
عن البيئة فدفنت النفايات النووية بين المنازل
عن الصمود فغصت السفارات بطالبي اللجوء السياسي
والاقتصادي والجنسي والديني
يبدو أنني طوال هذه السنين
ألقي مرساتي وأنصب شباكي
في البحر الميت.
30 سنة وأنت تحملينني علي ظهرك

verocchio 03/01/2008 13:17

لكن السياسة في مجتمعاتنا تقتل الفرد أو تقتل الابداع، لأنها صنو الخراب؟
لذلك علينا أن نحرر الوطن من الحكام والحكومات، من السياسة والأحزاب، من كل ما يمكن أن يغتال حرية الانسان وكرامته. أنا الذي كتبت ديوان الفرح ليس مهنتي تعبيراً عن هزيمة 1967، وهي التي دفعتني باتجاه البحث عن وسائل تعبير أخري، أشكال من الكتابة قد تكون أوضح أو أكثر حدة، فكانت مسرحياتي مع دريد لحام.

لكنك متهم في هذه المسرحيات بالمحاباة وركوب الموجة التجارية؟
هذا لأنهم لم يفهموا وظيفة المسرح أو وظيفة الأدب، أنا حين لم أتحمل مجلة شعر واتجاهات أصحابها في التجريب ، تركت بيروت وعدت الي دمشق، وحين ألمت بنا الهزائم، رأيت أن ننتقل بالكتابة من النخبة الي العامة، رأيت أن نستبطن وجدان وأحزان الانسان العربي، وهنا بدأت المزاوجة بين العنصرين التجريبي والشعبي في كتابة كوميديات ساخرة مع أنها دامعة أيضاً.
تعرفت بدريد لحام في بداية السبعينيات، وأسسنا فرقة ضيعة تشرين وكان هذا عنوان أول مسرحية نقدمها بعد حرب تشرين، وتتالت مسرحيات غربة، كاسك يا وطن، شقائق النعمان... .
وهذه المسرحيات شكلت نقلة من المسرح التجاري الي المسرح الشعبي الذي حافظ علي أسلوب الكوميديا الساخرة، لسهولة تواصلها مع الجمهور، ولا أدل علي ذلك من كونها ما زالت تعرض علي مختلف الشاشات والفضائيات العربية، أنا في المهرج وفي شقائق النعمان الشاعر نفسه ولم أتغير.

تجربة الماغوط في المسرح أوسع من مسرحياته التي قدمها دريد لحام؟
نعم، كتبت خارج السرب بعد انقطاع، وعدت للمسرح، ولكن هذه المسرحية سرقها مني جهاد سعد وعابد فهد، وقد شكلت نكسة كبيرة في حياتي، اعتكفت من بعدها في المنزل وأدمنت الشراب. هذان الشخصان أساءا اليّ كثيراً.أما مسرحيتي المهرج فقد جاءني مؤخراً وفد من الولايات المتحدة الأميركية، وقابلوني وهم الآن بصدد ترجمتها واخراجها مسرحياً باللغة الانكليزية. وقد اعتبرت من النصوص الخالدة في التاريخ، ولي مسرحية المارسيليز العربي ، كما قدمت مسرحية مستوحاة من كتابي سأخون وطني .
لدي مسرحيتان جديدتان قيام، جلوس، سكوت وقد اشتراها الفنان زهير عبد الكريم، وهو بصدد العمل عليها الآن. كما اشترت مني وزارة الثقافة مسرحية المقص وسيخرجها ماهر صليبي.

ماذا حول آخر أعمالك الدرامية حكايا الليل والنهار ؟
أنا مُقل في الدراما التلفزيونية، كتبت سابقاً ثلاثة أعمال هي حكايا الليل و وين الغلط و وادي المسك والآن أنهيت حكايا الليل والنهار الذي كتبته كأفكار، رغم أنّ الصياغة الدرامية ليست لي، وسيخرجه علاء الدين كوكش.
كذلك كتبت سيناريو فيلمين سينمائيين هما الحدود و التقرير .

لقد تُرجم العديد من أعمالك؟

هناك مختارات مترجمة من أشعاري باللغة الفرنسية وباللغة الأسبانية، وتوجد ترجمات أخري متفرقة، لكنهم مؤخراً أخذوا موافقتي علي ترجمة كل أعمالي الي اللغة الانكليزية.وقد جاءني بروفيسور باحث في أحدي الجامعات الكندية، وقال لي: ظلّ الغرب خمسين عاماً يبحث عن تعريف للشعر، حتي قرؤوا لك:
سئمتك أيها الشعر
أيها الجيفة الخالدة
وقد كتبوا حولها مطولات ودراسات في تعريف الشعر.

قديماً قيل الشعر ديوان العرب لكن العرب الآن لا يقرأون، كيف تري مستقبل الشعر؟
ديوان العرب الحقيقي الآن هو أقبية المخابرات، حيث الاعترافات وصديد الكرامة الانسانية، ديوان العرب هو سياط الحكام منذ بدء الخليقة وحتي الآن. وأنا أكتب كي أنجو من حالة الألم واليأس.
انظروا ماذا يفعل، انعدام الحرية وقسوة الطغيان، حتي تقرأوا أشعاري حزن في ضوء القمر، غرفة بملايين الجدران، الفرح ليس مهنتي... نحن لا يلزمنا كثير من الفذلكة حتي نُميّز الأشياء، فأنا بدلاً من أن أري السماء رأيت الحذاء، حذاء عبد الحميد السراج رئيس المباحث/ نعم رأيت مُستقبلي علي نعل الشرطي، لذلك تري:
انّ أي فلاح عجوز
يروي لك في بيتين من العتابا / كل تاريخ الشرق
وهو يدرج لفافته أمام خيمته... .

verocchio 03/01/2008 13:17

الماغوط الذي أسس لقصيد النثر في الشعر العربي بدأ ينثر نصوصاً لم يسمها شعرا، مع أنّ الكثيرين يجدون فيها ما هو أجمل من الشعر؟ ما الفارق بين قصائد نثر الماغوط وبين نصوصه؟
لا أدري، فقط لم أسمها شعراً، في كتاب سأخون وطنــي كانت مقالات ونصوصاً، حتي سياف الزهور اعتبرته نصوصاً. أنا اقترفت كل أنواع الكتابة، لي رواية بعنوان الأرجوحة صدرت عام 1992 عن دار الريس في لندن. كتبت مجموعة من المسرحيات، كتبت دراما تلفزيونية، كتبت الكثير من الشعر والكثير مما أسميته نصوصاً أدبية، البعض قال لي: انّ كتابي الأخير شرق عدن ـ غرب الله.... من أجمل ما كتبت شعراً، مع أنني أسميته نصوصاً.
أعتقد أنّ الكتابة هي اشتغال علي اللغة، كالرسم بالألوان، يجب أن لا تحدها المدارس والتسميات. وكما قلت لك أنني لم أختر أن أكون شاعراً ولم أتعلم نظم القوافي، هناك من يعتبرني شاعراً بالفطرة، والبعض قال عني: ساحر يخبز لنا من اللغة خبزاً شهياً. وبالنسبة لي لا يمكن الفصل بين الشعر والنثر من حيث اللغة والأسلوب والصورة، دعني أقول: أنّه لا يوجد شعر أو نثر، هناك محمد الماغوط.

كتب يوسف الخال يقول: هبط علينا الماغوط كالاله يونان، وجوزيف حرب قال: محمد الماغوط في بيروت مثل فيروز في بيروت، لا أحد يختلف عليهما، أما سعيد عقل فقال: الماغوط ليس شاعراً انه الشعر.
صديقك الراحل ممدوح عدوان ظلّ يُحارب قصيدة النثر مع اعجابه بشعرائها الكبار أمثالك، حتي كتب قبل وفاته أو جمع قصائد نثرية له ما سر هذا التحوّل؟
لا أدري، ولكن ليته لم يفعل ذلك، ممدوح عدوان فيما عرفناه من شعره الأول كان أجمل.

البعض يتحدث عن أزمة الشعر، والبعض يتحدث عن أزمة ثقافة وقيم، لكن الماغوط ندب وطناً بكامله؟
بالنسبة لي الشعر ليس هدفاً، انه وسيلة لسعادة الانسان، كل الفنون كالرسم والغناء والتصوير والنحت.... هي وسائل لسعادة الانسان، وليست هدفاً بذاتها، وفي كل ما كتبت كنت محمد الماغوط ولم أتغيّر. امتهنت الرعب حين ضاع الوطن، وبكيت حين ظنّ العرب أنهم مُنتصرون:
آه كم أود أن أكون عبداً حقيقياً
بلا حب ولا مال ولا وطن ... .

وسبق أن أعلنت أنني مع القضايا الخاسرة باستمرار، نشرت في العدد الثاني، عام 1958 من مجلة شعر قصيدة القتل :
ضع قدمك الحجرية علي قلبي يا سيدي
الجريمة تضرب باب القفص
والخوف يصدح كالكروان .

verocchio 03/01/2008 13:19

سبق للماغوط وأن كُرّم أكثر من مرة، ومُنح أكثر من جائزة، مؤخراً زاره محمود درويش و عبد المعطي حجازي وآخرون...، كما مُنحت جائزة شعرية باسمك، ماذا يعني لك هذا التكريم؟
جميل ومفرح، وان جاء متأخراً، فتكريم الشاعر من كرامته، والكرامة لا تكون الا بالحرية، الزمن يمضي سريعاً، ولم يعد هنالك وقت للانتظار.وأعود للقول أن الشعر وسيلة، لكنه لا يوجد حل الا بالحرية.

مع ذلك يكتب الماغوط بغزارة مُلفتة للانتباه؟
حتي أنا يُدهشني ذلك، لا يوجد يوم الا واكتب فيه جديداً، أنا امتلك خيالاً أسطوريا، ومُتمكن من اللغة ومن السخرية، وعندي موروث من الهزائم يلف الكرة الأرضية بكاملها، ولولا الشعر لفقدنا القدرة علي الحياة. كتابي الأخير شرق عدن ـ غرب الله... فاجأ الجميع بأنه 700 صفحة، والآن أعمل علي كتاب جديد سيصدر لي، عنوانه البدوي الأحمر بكل ما للمفردتين من ظلال ودلالات.
تتنافس الدول والحكومات والشركات بامتلاك مخازن احتياطية من النفط، وأنا امتلك احتياطياً من الرعب يكفي لممارسة حق الكتابة.

من شرق عدن .. غرب الله لمحمد الماغوط
كل ما تراه وتسمعه وتلمسه وتتنشقه وتتذوقه
وما تذكره وتنتظره وينتظرك
يدعوك للرحيل والفرار ولو بثيابك الداخلية
الي أقرب سفينة أو قطار:
ألوان الطعام
الشراب
الخدمات العامة
الرشاوي العلنية
أصوات المطربين
أصوات الباعة
مُخالفات المرور
الأمراض المُستعصية
الأدوية المفقودة
والمجارير المكشوفة في كل مكان

نتائج الانتخابات
نتائج المفاوضات
نتائج المباريات
نتائج السحب

الراتب التقاعدي
بدل نهاية الخدمة
والهرولة وراء وسائط النقل
من الصباح الي المساء

ثمّ المصلحة العامة
والذوق العام
والحق العام
والرأي العام
والصمت المطبق في كل مجلس
والوحدة القاتلة في كل سرير

ثمّ المطاولات الصحافية، وآراء المحللين
والاعلام الموجه
والسينما الموجهة
والمسرح الموجه
والقضاء الموجه
والرياضة الموجة
والزواج الموجه
والغش في كل سلعة
والهزيمة
في كل حرب!!

ومع ذلك لن ارحل
ولن ابرح مكاني قيد أنملة
كما يحلم يهود الداخل والخارج

وسأتشبث بالأسلاك الشائكة
والحدود المكهربة
ولو تفحمت عليها!!

verocchio 03/01/2008 13:19

حوار مع بول شاؤول



verocchio 03/01/2008 13:19

حين تلتقي بول شاؤول يبدأ الصراع لإثبات الهوية وتعددها، فيَصِل إلى الذات وتدمير الذات، ليرتفع إلى أفق أسمى ويستقر في محطة الحرية بعيدًا عن‏ الأبواق التي تسمعنا ما يريده الآخر، ليكشف لنا رموز البشرية وما يخبئ في غياهب الثقافة. بول شاؤول يسير في رحلة البحث حتى يجد لغة تحاكي كل العقول ليتغلغل داخل المجتمع المديني في أعماق أعماقه.‏

لغة يخشاها الضعفاء, كلام يحاكي الإبداع, مساحة من الفكر لا تتوقف عند حد, اعتراض على كل من استعمل الثقافة والإبداع عكاكيز يتكئ عليها خوفاً من أن تغدو الثقافة كالمرأة المعوقة التي تشفق عليها، وبالتالي تصير عبئًا علينا يجادل بدلائل مدروسة مقنعة تحارب تعدد المصطلحات والثقافات التي تهدف للقضاء على ملامح المثقف العربي، ليوضح صورة المثقف التي ضاعت ملامحه وسط فوضى الإدعاءات التي امتدت بنا أكثر مما ينبغي، حتى أصبح بنقده الحد القوي. أصبح مصدراً يقلق البعض امتلك فطنة ولغة شكلت رعباً وخوفاً للبعض, لغة تخترق كل جدار معتم أو ضوء زائف.

شخصية يتراءى للبعض فيها نزعة نرجسية لا يحملها سوى أعلام عظام تذكرنا بأعلام الأدب الروسي؛ شخصية صلبة وملامح واثقة. يبدأ بكتابة كلماته بريشة من ذهب بأفكار ثابتة. كالقلب يرشد الدماء إلى الأوردة، «هو ذا بول شاؤول»، الذي فرض بثقافته وإلمامه الشامليْن أن يكون مدرسة للنقد، فشكل محوراً بحد ذاته.. سائر على خطا جلجامش العظيم، دائم البحث عن سرّ الخلود ونبته الحياة.. كاتب.. شاعر.. ناقد.. خلق لغة جديدة لمجتمع تائه يبحث عن الانتماء.

verocchio 03/01/2008 13:20

* يُقال إنك أديب إشكالي فمن أين جاءتك هذه الصفة?‏
شاؤول: "أديب إشكالي؟؟ كل أدب هو أدب إشكالي... وكل جديد هو إشكالي, لأنه يطرح لغة جديدة تصطدم أحياناً بواقع معين متراكم صلب قديم هش, فيولد هذا النص صداماً مع الذوق السائد أحياناً، مع الجمهور والنقاد، الذين يكونون في مواقع ثابتة, وكل ما هو في موقع ثابت يصطدم بكل ما هو جديد، فيحدث هذا الإشكال وهذا الالتباس أو هذا الصدام إذا صح التعبير.‏"

* هل ثمة إشكاليات طرحتها ندوات هذا المهرجان المسرحي?‏
شاؤول: "لم تكن ثمة إشكاليات كبيرة في هذا المهرجان, لم يكن ثمة صدامات كبيرة مع الصيغ التي وصل إليها المسرح في بداية الستينات والسبعينات والثمانينات. نحن ما نزال نعيش والمسرح مازال يعيش اليوم على خبز الستينات. لم أشاهد ما يشكل إشكالية مع النتاج المسرحي الذي برز بين 1955 و1980 وكل ما رأيناه حتى الآن موجود من حيث الإخراج والرؤية الإخراجية المشهدية أو الرقص أو الحوار أو طريقة إعداد الممثل, كلها موجود في صيغ قدمت في أعمال مسرحية على امتداد ربع القرن الأخير.‏
"كنت أحب أن يكون هناك التباس وكنت أحب أن اصطدم بشيء جديد قوي, في عروض هذا المهرجان المسرحية؛ تلك الصدمات الكبرى التي تقترح لغة جديدة تحطم وتدمر الموجود وتعطي شكلاً يطغى على أي التباس فيه, ولكن هذا لا يمنع أنه كان هناك أعمال جيدة ضمن هذا الإطار.‏ "

- الأعمال التي أخذت حيزاً في نفسك.‏
شاؤول: "هناك عدة أعمال منها المسرحية الأردنية "مصابة بالوضوح" لسوسن دروزة, ومسرحية "شوباش" لهاشم كفارنة لا بأس بها جيدة, والمسرحية اللبنانية "نساء سعد الله ونوس" جميلة ويوجد بها كثير من الإتقان، والمسرحية الجزائرية "التمرين" أيضاً جيدة.‏"

* هل استطاع المسرح العربي أن يرتقي إلى مستوى المهام الملقاة على عاتقه?‏
شاؤول: "في بعض المراحل نعم, ولكن لا يمكن أن نعطي المسرح مهمات العسكر والبرلمان والحكومة والوزارات؛ إنّ مهمته هو كبيرة جداً في المجتمع في المساهمة في تغيير ضائقة المجتمع ورؤيته للأشياء, لكن لا يمكن أن نحمل المسرح وظيفة سياسية حزبية.‏

"المسرح مهما كان الموضوع أو الحالة أو القضية التي يعالجها ينبغي في النهاية أن يخدم عبر هذه المواضيع لغته المسرحية عبر تطويرها- لا يمكن أن تعطيني المسرحية أفكارها كبيرة جداً ولغتها فقيرة، فهي هنا تقع في اللامسرح؛ ولا يمكن أن تعطي مسرحية تقنيتها كبيرة جداً وفارغة وتقع في الشكلانية. إذاً هذا التوازن بين المضمون أو الحالة وبين اللغة المسرحية.. هذا مطلوب لأنني أنا أعمل مسرحًا ولأنني أصوغ مسرحاً, فينبغي أن أكون على علم ودراية بما هو المسرح."‏

verocchio 03/01/2008 13:20

أنت متهم بالنقد الصعب, لماذا?‏

شاؤول: "طبعاً. أنا أنتقد، المجتمع كله بحاجة للنقد, والمجتمع العربي بحاجة إلى مراجعة نقدية ذاتية لكل أحوالنا الحزبية والسياسية والأيديولوجية والدينية. نحن في مرحلة يجب أن نمارس فيها نقداً ذاتياً على أنفسنا- هذا قبل كل شيء, لأنه إذا غاب النقد عند الشاعر سقط شعره، يعني أنه وقع في مستنقع ذاته. نبدأ بالنقد الذاتي, الانهيارات التي وصلتنا اليوم (العالم العربي والأمة العربية) آتية لأنّ الأنظمة منعت النقد, منعت الأحزاب والمجتمع المديني وهذا ينطبق على المسرح."

- كيف يكون النص المسرحي تعبيرًا حضاريًا نابعًا من صميم هذا الشعب?‏

شاؤول: "هذا يعود إلى كل مؤلف. ليست هناك مواصفات للنص؛ كل نص مسرحي تولد مواصفاته بعد كتابته وليس قبلها."‏

- إذاً لا توجد أية رؤية عن النص إلا بعد كتابته وبعد عرضه.‏

شاؤول: لا أقصد أن هذا أولاً, لأن هناك مدارس ونظريات تقييد حرية النص, هذا قتل للنص, قتل لحرية الكاتب المسرحي.‏ كل تجربة لها نصها.. ورؤيتها النصية, وأنا بالنسبة إليَّ, النص عموماً ينبغي أن يكون نصاً مسرحياً أولاً وأخيراً - يمسرح الحالة ويمسرح الذات.‏"

- ما هي أسباب التراجع على صعيد المسرح اللبناني ومتى يمكن أن يعود المسرح اللبناني إلى سابق عهده.. زمن الرحابنة?‏

شاؤول: "المشكلة ليست لبنانية والرحابنة خارج الهامش المسرحي.‏ عندما نتكلم عن المسرح اللبناني لا نقصد الرحباني؛ نتكلم عن تجاربه المسرحية وليس الغنائية مثل: يعقوب الشدراوي, نضال الأشقر, روجيه عساف، ريمون جبارة؛ هؤلاء هم أساس المسرح التجريبي الكبير والسياسي الكبير. منصور الرحباني ينتمي إلى المسرح الآخر الذي هو نصفه مسرحية ونصفه لا مسرح يعني مسرحًا غنائيًا، وفيروز وطرب مع التشديد على أهمية هذا المسرح الغنائي الذي أحياه الرحابنة بعد موت السيد درويش.‏"

- المسرح الغنائي ما علاقة المسرح العربي بالأغنية?‏

شاؤول: "إذا قلنا إنّ المسرح بدأ مع الغناء، فليس غريباً أن يكون المسرح العربي اعتبر الأغنية عنصراً خاصاً من عناصره وحاول إذابتها في بنية المسرحية. خصوصية تأرجحت بين عمل مسرحي فيه أغان وألحان وبين عمل مسرحي يطغى فيه العامل الغنائي عموماً وبين عمل مسرحي لامس الأوبرا والأوبريت معاً وبين عمل مسرحي توافرت فيه شروط المسرحية.‏"

- الجميع يؤكدون أهمية مسرح أبو الخليل القباني الذي كان يعتمد على العنصر الغنائي فكيف تحدثنا عما قدمه هذا المبدع الكبير باختصار?‏
شاؤول: "الحدث البارز كان في مجيء أبي الخليل القباني الدمشقي إلى مصر. والمعروف أنّ القباني كان «الممثل المبدع الشامل, فكان شاعراً وموسيقياً وأديباً وممثلاً». لهذا باتت أعماله أكثر وحدة وأعمق نسيجاً وأشمل خصوصية, وتميزت مسرحياته بعنصر الرقص الإيقاعي إلى العنصر الموسيقي والغنائي, وكان يتناوب على الغناء في مسرحياته عبده الحامولي, وسيد درويش، الذي كان يلحن لفرقة جورج أبيض وحجازي مسرحيات منها: فيروز شاه والهواري وهدى والدره اليتيمة والبروكة والعشرة الطيبة. ويقال عن أبو الخليل القباني أنه "كان في المسرحيات منحى جديداً من إيقاعها الراقص والحبكة الموسيقية المسرحية"."‏

verocchio 03/01/2008 13:21

ما هي الخصائص التي تؤدي إلى نجاح العمل المسرحي الغنائي?‏
شاؤول: "أن تكون الأغنية جسر المشروع الذي يعتمده المسرح للوصول إلى الجمهور وأن يكون النص المسرحي كاملاً أمُترجماً كان أم موضوعاً، وسواءً أخَضَع للتلحين أم أدخلت عليه الأغنية، ويترافق العمل بوجود الفنان الشامل وأن يكون مؤلفو العمل المسرحي الغنائي "ملحنين أو موسيقيين أو مطربين".‏

"وأيضاً تنوع الأغنية بين "تطريبية في المسرح وإقحامية ودرامية داخل العرض" وأن يُقدم المطربون إلى المسرح كمطربين وليس كمسرحيين، بالاضافة إلى العنصر الاستعراضي (ديكورات ورقص وبروز الرقص التعبيري). ويجب أن تتوفر النصوص الأدبية. فقد ساهم الكثير من الشعراء والأدباء باعتبار أنّ الكتابة المسرحية كانت على اتصال بالأدب و الكاتب المسرحي. والمخرج الذي عليه أن يكون حامي الخصوصية وحامي المسرحية واحساسات المؤدي وبراعته وربما الجمهور ومشاهدة المسرحية على الخشبة. "الجسد والصوت" يمسرحان النص ويعطيانه بعده المادي الآخر والمسافة المادية التي يقطعها النص إلى للأخر، أي الانتقال من خصوصية إلى خصوصية.‏"

- عندما نتحدث عن المسرح الغنائي فلا بد لنا أن نقف عند مسرح عاصي ومنصور الرحباني. حبذا لو حدثتنا عن بدايات مسرح الرحابنة?‏
شاؤول: "بدأ الرحبانيان عملهما في المسرح وفي الأغنية والشعر. دخلا في مجالات تكاد تكون مشاركة خصوصاً المسرح، فكانا يبحثان عن شكل يستوعب تدفقهما الموسيقي والشعري خارج إطار الأغنية. وقد جاءت مهرجانات بعلبك الفرصة الذهبية لبداية تحقيق هذه التجارب فكانت هناك إنجازات حققاها في إطار المسرح, كشاعرين يريدان أن يساهما في حركة التجديد الشعرية خصوصاً, وكموسيقين حققا ثورة في مستوى الموسيقى والأغنية العربية وكمسرحيين يريدان أن يؤسسا لشكل مسرحي يكون قادراً على احتواء هذه الإنجازات. فجمعا الشعر والأغنية والفلكلور الشعبي للسعي إلى العرض المسرحي والاسترسال فيما هو استعراض في مستويات الفلكور والرقص بشقيه الفلكوري وغير الفلكلوري.

"الصراع كان بين عناصر التجربة الرحبانية, يخفي في الواقع صراعاً حاداً بين محاولة المسرحة أي التوصل لمسرح غنائي شامل وبين العناصر اللامسرحية التي تهدد هذه المسرحية. هذا الصراع الذي يقدم النجم مطرباً كعنصر أساسي في العمل أمثال وديع الصافي, صباح, نصري شمس الدين, جوزيف عازار, ملحم بركات, وخصوصاً فيروز، نجمة التجربة الرحبانية الكبيرة.."

verocchio 03/01/2008 13:21

هل هناك أي سلبيات في أعمال الرحابنة?‏
شاؤول: "الأغنية الدرامية التي تختلف إلى حد ما في جوهرها عن كتابة الاغنية الجمالية وأن لم تنفصلا، كانت دراميتها لذاتها أحياناً كثيرة, كما الموسيقى التعبيرية, التي تحشد حشراً أحياناً كما في مسرحية «لولو» التي لعبت دور البطولة فيها فيروز. في المسرحية أغنية درامية تشطح لقوتها الخاصة أو تلك التي تأتي من خارج السياق فتقتحم اقتحاماً وتجمد هذا السياق كما في أغنية "راجعين يا هوى راجعين" التي تلي أغنية "الله معك يا هوانا" بعد لقائها الأخير "لقاء البطلة فيروز" مع خطيبها وخيبتها, فكأنّ الأغنية تأتي عكس الجو والموقف "رغم الطابع البحثي عن الشكل والصيغة". وحملت مرحلة التأسيس عند الرحبانيين عمق ملامح المسرحية الرحبانية وقدمت أعمالاً تتسم بحسّ درامي رغم الاهتمام بالشكل والإيقاعات المرهفة، وإن تم ذلك على حساب المضمون.. وتأثر الرحبانيون هنا بميشال طراد وسعيد عقل؛ سعيد عقل الذي لحق أحياناً القصيدة كشاعر ولم يلحق دائماً متطلبات العمل المسرحي ككاتب وشاعر ومسرحي كما في "مسرحية قدموس وبنت يفتاح"."‏

- كيف ترى المسرح السياسي العربي?‏

شاؤول: "كأنما لم يبق من المسرح السياسي العربي أثر يذكر. هذا الانطباع تكرس سواء أعبر المهرجانات أم العروض المنفردة في "مهرجان القاهرة التجريبي" و"قرطاج" و"المهرجات الخليجية" و"عمان"، كأنما تراجع المسرح السياسي أدى إلى حد كبير إلى تراجع المسرح ككل، كما لو أنهما توأمان وكأنما الجمهور بابتعاده عن الحالة المسرحية كان يسجل ارتباطاً بالسياسي.‏"

- كيف تعامل المسرح العربي مع المسرح الغربي وثقافات الآخر المتعددة?‏
شاؤول: "لم تؤدِّ الاستفادة من المسرح الغربي إلى اقتلاع صورة المسرح العربي ولا أحب هنا التكلم عن التأصيل بل إنني أحب الكلمة التي تقترح "الهوية" مفترضة ثابتة وخصوصية تؤدي إلى الانغلاق. التهجين هو وراء ثورة المسرح العربي والتهجين المزدوج هو الذي ساهم في تطوير الآليات الفكرية والوسائل التقنية, حتى نكاد أن نقول إن المسرح العربي ما كان ليكون لا سياسياً ولا أيديولوجياً ولا فنياً لولا الانفتاح الإيجابي على ثقافات الغير. ولأنّ هذه الثقافة قُرئت قراءة إبداعية تأويلية مشروعة مرتبطة بالظروف التاريخية والإرهافات الفنية, فإنها استخدمت البرشتية عند بعضهم بصورة إبداعية؛ فصارت برشتية عربية كمفردات محتملة لصياغة نص جسدي بتقنيات أضافت إليها ضلالات أخرى وهذا ما حدث مع سعد الله ونوس ومحمود دياب ونجيب سرور ومحمد بن قطاف وسعد أردش.‏

"لكنّ هناك من تعاملوا مع هذا "التهجين" من باب الببغائية أسواءً من رواد المسرح والاتجاهات الغربية أم مع الفلسفات والإيديولوجيات الوافدة‏."

verocchio 03/01/2008 13:28

حوار مع عزالدين المناصرة

verocchio 03/01/2008 13:28

هل هناك مكان للشعر في يوميات الإنسان العربي اليوم؟
- في ظل الجفاف العالمي والشركات العابرة للقارات واحباطات المواطن العربي يبقي مكان للشعر، لأنه مربوط بالإنسان أساسا والإنسان بدون عواطف هو حجر متنقل، لهذا لا أتوقع أن الشعر سينقرض من العالم لكننا نمر بفترة يتحول فيها الشعر إلى نقطة الصقيع بسبب قلة المواهب الشعرية الجديدة كنصوص، فمنذ خمسة عشر عاما لا جديد في الشعر العربي، نجد فقط نمط قصيدة النثر وهي تميل إلى تبريد اللغة الشعرية، ونجد بعض التكرار في قصيدة التفعيلة، بمعني لم يظهر شاعر جديد خارج إطار جيل الستينات الرواد، وأيضا لم تشبع قصيدة التفعيلة بما يكفي، ثم لان الإشكال ليست مقدسة، فالعمودي ليس مقدسا والتفعيلة ليست مقدسة كشكل شعري، وتقاس أهميتها في مدى فعاليتها في القارئ ولا يوجد هذا القارئ لحد الآن، هناك بالفعل عزوف عن الشعر في العالم العربي، يرجع بعض ذلك إلى الصحافة التي تبنت بشكل أيديولوجي قصيدة النثر، فأصبح الناس ينظرون إلى هذه النصوص على أنها نموذج الشعر، ويقولون أنها مجرد صور ولا تعبر عن هموم الإنسان العربي وآماله في زمن العولمة، نلاحظ تحول الجيل الجديد نحو الفردية والانطواء على ألذات لان هذا الجيل بني رؤيته على فراغ، فهو جيل المبادئ المهزومة وليس لديه مثال يقتدي به، ولهذا غرق في العولمة بدون أسلحة، فهو يعتقد إذا قلد المدرسة الفرنسية أن ذلك هو باب العالمية، وإذا اتبع الموضات في أوربا حيث قصائد المقاهي والجنس انه بذلك يبتعد عن الخط السابق له، فأصبحت القصيدة تخص صاحبها، في العام الماضي شاركت في مهرجان الشعر العالمي في هولندا، فوجدت أن الموضة المسيطرة هي الهولكست اليهودي، وقد واجهت جمهورا مختلفا، كنت كنت اعتقد انه سيقف ضدي كوني مخالف للنظرة السائدة، لكني وجدت تقبلا وقالوا لي بأنهم يشعرون بالمختلف من يعبر عن ذاته، فالشعراء العرب يذهبون إلى أوربا لينافقوا الأوربيين في قضايا الجنس وشعر المقاهي، والحقيقة أن تراثنا غنى بنصوص شعر الجنس فماذا يقدم الشاعر العربي من جديد فيها، ولكن تفكيك سيكولوجية الإنسان وهمومه الذاتية هو ما كان مكبوتا في المرحلة السابقة، فانفجر بشكل خاطئ باتجاه فردية منغلقة، وانعدم الجمع بين الهم الجماعي والذاتي، الشعر اليوم أكثر صفاء من الناحية الجمالية لكنه أكثر انعزالية من جهة هموم الناس.


* بعض النقاد يعتبرون النص الشعري العرب يضيع قضيته الأساسية وتاه بين الحداثة والتراثية؟
- نحن لم نفهم معني الحداثة بالشكل الحقيقي، أخذنا المصطلح من الغرب كما هو، وآلا كيف نفسر سلوك طائرات الحداثة الاسرائلية في جنين ورفح ومن؟ يفسر لنا حداثة التكنولوجيا في سجن ابو غريب هذه؟ الحداثة استخدمت في نقيض وظيفتها، كما كان فانون يقول كان الجزائريون ينظرون إلى جهاز الراديو نظرة سلبية، فالفرنسيون يتحدثون إلى فرنسيين، فكل حداثة يمكن أن نستخدمها في عدة أوجه، الشعر في الخمسينات أضاع الكثير في الصراع حول ثنائية العمودي والتفعيلي، والقضية لم تكن عمودي أو تفعيلي، ولكن الشعراء الذين حملوا لواء الحداثة لم يكونوا حداثيين، كان فقط الشكل حداثي، فلو كنت شاعر قصيدة بصيغة حداثية ولكنها تأيد التخلف فأين الحداثة فالشكل؟ لا يحدد الحداثة، لقد ضيعنا الكثير من الوقت، ودمر بعضنا بعضا من اجل هذه الثنائية، وهو ما منع حدوث التطور المطلوب، واليوم يدور الصراع حول البنيوية والسميائية ونهمل جوهر الموضوع، وما زلنا نعبد الأشياء ثم ننقلب ضدها

verocchio 03/01/2008 13:28

ماذا يمثل احتلال العراق في النص الشعري العربي؟
- احتلال العراق وسقوط بغداد أنتج مقالات ومواقف للمثقفين العرب، لكنه لم ينتج قصيدة واحدة، واعتقد أن وجود ثنائية لا أمريكا ولا صدام شعار الشعب العراقي هو الخيار والصدى الحقيقي، والشاعر كان ينظر إلى النظام الذي ادعى انه سيواجه أمريكا ثم رآه يسلم العراق في ساعات، فالحدث محبط، ونحن نشعر بالعار لان المقاومة في جنين استمرت عشرة أيام وعاصمة الخلافة تسقط في ساعات ونحن؟ كشعراء عادة أما أن نقف مع الحدث الايجابي والتراجيدي، ولكن الحدث محبط ونحن نخجل من الحديث عنه، ولهذا فهو ليس محفزا على الشعر.


* مازال البعض يثير إشكالية علاقة المثقف مع السلطة بأوجه مختلفة متى يمكن أن نتحرر من هذه الإشكالية؟
- الأنظمة العربية عادتها أن تعلق هزائمها على كاهل المثقفين، مع أن المثقف لا يملك القرار السياسي ولا العسكري في مواجهة الأخطار، فالشاعر يريد أن يكون مع هموم الشعب أو يختار حزبا من الأحزاب المعارضة، وانأ اخترت الحساسية الشعبية لاعتقادي أن السلطة والمعارضة لا تمثلان قطاعا شعبيا واسعا، لكن الحساسية الشعبية غير مؤطرة، وهنا انتقل إلى المثقف اليساري من النضال ضد الإمبريالية إلى السقوط في شرك مؤسسات المجتمع المدني المخترقة والممولة أمريكيا، وفي المشرق العربي أصبح الأمر عاديا، هناك خلط بين دور المثقف بين انتماؤه الوطني وبين الحساسية الشعبية التي اخترتها كوني فلسطينيا.





* نلاحظ في سنوات هجوما العولمة على الوطن العربي تراجعا كبيرا للنخب اليسارية فهل يكفي مثلا رفض الجوائز الحكومية للتعبير عن الموقف؟
- لقد ظهر تيار خطير في سياق التراجعات اليسارية المتمثل في التيار اللبرالي، وهو اخطر على مصالح شعوبنا من أية جهة أخري، وهو تيار ليبرالي تابع ومخترق، ومقولاته تنحصر في التكيف مع الأمركة والطروحات الصهيونية والديكتاتورية كسلوك ضد التيارات الاخري، وكناقد استبشرنا خيرا بالتخلص من البعثيين والقوميين. ومن شعاراتهم من اجل الدخول في عهد الديمقراطية، فإذا بالتيار اللبرالي التابع أكثر خطرا من شعارات السابقين، فهو يمارس الديكتاتورية ضد الآخرين بداية من الصحافة التي يمتلكها وانتهاء بالتعليم، فقد ربط اللبرالية بالتامرك والتصهين، واليسار التقليدي تراجع دوره لأنه ربط نفسه بالاتحاد السوفيتي والاشتراكية فأصبح اليوم يتيما على مأدبة اللئام، وبقي اليساري الفردي وحيدا يرفض كل شئ، ونحن نعيش مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم إلى أن تظهر خطوط جديدة، ولكن الأكيد أننا لن نصبح لا أمريكيين ولا اسرائليين لان هؤلاء يرفضوننا أصلا

verocchio 03/01/2008 13:29

ولكن يوجد في الساحة التيار الإسلامي، فلماذا لا يلتقي التيار اليساري والإسلامي مادام الطرفين يلتقيان حول العدالة والتنمية مثلا؟
- للأسف ضيع الطرفان وقتا طويلا، وبالذات في الخمسينات والستينات، عندما كان الإسلاميون مع الأنظمة وضد التيار اليساري والوطنيين، وعندما وقع الإسلاميون في المأزق لم يجدوا من يقف معهم، لأنهم كانوا ضد الآخرين من قبل، ولان يجب أن يلتقي اليساريون والإسلاميون على الأقل في مواجهة التامرك والتصهين، المشتركات بينهم كثيرة، ولكن الإسلاميين المتنورين فحسن حنفي مثلا إسلامي متنور، ولكن لا يمكن الالتقاء مع المتعصبين، فالإسلاميون ليسوا كتلة واحدة، ويمكن التفاهم والالتقاء مع المتنورين منهم الذين يعتقدون أن الإسلام دين التسامح، وان الجهاد ضد محتل الأرض ويعترفون بالتعددية، وان الاختلاف حقيقة اجتماعية، ونحن كبتنا الاختلاف على حساب التوحيد القسري القهري وتوهمنا وهما رمزيا حول وحدة لم تتحقق، وعلى المستوي الشخصي انتمي إلى عائليا إلى نعيم الداري أول من أعلن إسلامه من سكان الخليل أمام الرسول ونحن نقاوم الاحتلال منذ العام التاسع للهجرة، وكمسلم لا اقبل أن تلصق السلبيات كالإرهاب بالإسلام.


* بعض المثقفين أصبحوا أبوقا للترويج للمقولات الأمريكية حول ربط الإرهاب بالإسلام؟
- معروف أن موجة العولمة هي من يروج لذلك، ونموذج أسامة بن لادن وطالبان لا علاقة لهما بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، لقد تم اختراع أسطورة بن لادن من اجل إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام لتحقيق الأهداف الأمريكية، فقد استعمل بن لادن في الحرب ضد الروس واليوم هو وسيلة لسيطرة أمريكا على المنطقة.





* ماهي الحقيقة في سبب خروج من الجزائر وهل للشيخ الغزالى علاقة بذلك؟
- قيل لي لا احد يمكنه أن يحميك، إما 1991حينها ج- أنا خرجت من الجزائر سنة قصة جامعة قسنطينة فانا كنت رئيس اللجان الفلسطينية للوحدة في الجزائر التي لعبت دورا كبيرا في التوحيد بين جناح تونس وجناح دمشق، وقد كان هناك طرفا فلسطينيا متضررا من ذلك التوحيد، وكان هناك أيضا التيار السلفي الذي يعتبر كل من يخالفه هو عدو، وانا خريج دار العلوم بالقاهرة ودرست في جامعة صوفيا وأمنت بالاشتراكية، فكنت ضد البيروقراطية والتخلف، وبعض أرائي لم تعجب المتطرفين في جامعة قسنطينة، وفي لحظة معينة أدركت أن هناك من يريد أن يحل مشاكله على حسابي، وظهر من يطالب بجزاة الجامعة ولم يكن هناك سوى انا وجودت الرحباني، وقيل لي ايضا انك تعاونت مع عبد المجيد حنون في تأسيس الرابطة العربية للأدب المقارن، وأما الشيخ الغزالى فقد خطب في ملتقي الأدب في عالم اليوم بجامعة باتنة واستشهد ببعض إشعاري، وقام بتأويل شخصي لها على أنها شيوعية وملحدة ووثنية، ووجهة نظري تقول أننا كنا وثنيون وأسلمنا وهذه المرحلة الوثنية هي جزء من تاريخنا، وقد كتبت العديد من المقالات ضدي، ولكن اعتقد أن القصة كلها مدبرة، ويقال ولا اعرف ذلك بالتحديد أن المرحوم الشيخ الغزالى اشتكي منى إلى الوزير بوعلام باقي والى رئيس الجمهورية، وقد تعرضت إلى العديد من المضايقات، ثم جاءت حادثة الشهيد ناجي العلى وقد وصلتني تهديدات مزعجة عن طريق الهاتف تقول إذا لم تتوقف عن الكلام حول ناجي العلى فسيكون مصيرك مثله، والصوت كان فلسطينيا كان يتكلم من العاصمة، وهذا الشخص هو العقيد عبد الرحمن صالح قاتل ناجي العلى وهو موجود الان في السلطة الفلسطينية

verocchio 03/01/2008 13:30

مؤخرا حذر الرئيس عرفات من إعادة طبع كتاب أكله الذئب السيرة الفنية لناجي العلى هل لذلك علاقة بما تقول؟
- الرئيس عرافات لا يهتم بمثل ذلك، ولكن من حوله من بعض المثقفين الفاسدين وبعض المتاسرليين الذين لا يريدون فتح هذا الموضوع، وناجي العلى كان يزعج البعض واغتياله اكبر فضيحة في تاريخ الثورة الفلسطينية، لان بعض المثقفين حرضوا على قتله، والمعروف أن لوحتين هما سبب قتله الأولي ضد عرفات والثانية ضد الشاعر محمود درويش، وقد استغلت الموساد ذلك ودخلت على الخط وهم ما كشفه صحفي إسرائيلي في كتاب

* ماهي مكانة المثقف العربي في مشروع الشرق الأوسط الكبير؟
- قرأت هذا المشروع وهو تافه ويشبه توصيات الجامعة العربية، لكن الشرق الأوسط الكبير الحقيقي سري ويطبق سريا وتتكيف معه بعض الأنظمة العربية، ونحن نبقي نطالب بالديمقراطية وحق الاختلاف والتعددية والتنمية التي تبقي مؤجلة إلى أن تأتي الأوامر الأمريكية، كما أن الإصلاح مطلب شعبي قديم والشرق الأوسط الكبير هو جامعة شرق أوسطية بديل عن الجامعة العربية بقيادة إسرائيل وإلغاء اسم فلسطين من الوجود.




* هناك تسارع في تغيير المناهج التعليمية حسب الأوامر الأمريكية في مقابل إصرار الأنظمة الحاكمة على مواصلة صناعة النخب المغشوشة ما هو تأثير ذلك على الثقافة العربية؟
- نحن نعيش مرحلة انتقالية تخلص فيها الأوراق بداية من صناعة النخب المزورة إلى المشاكل الداخلية كقضايا الاثنية الامازيغية في الجزائر والكردية في العراق..، ولا اعتقد أنها مشكلة في الأساس ولكن استعملتها بعض النخب ضد الأهداف العامة للوطن من اجل تنفيذ التامرك، ولكن يمكن حل هذه المشاكل بشرط تنازلات من كافة الأطراف، النخب تستخدم اليوم من طرف أمريكا مثل قضية سعد الدين إبراهيم في مصر، والحقيقة أن الأقباط وطنيون والبابا شنودة رفض زيارة القدس لاحتلال إسرائيل دير السلطان التابع للأقباط، وأما المناهج التعليمية ففيها بعض الخلل ومعالجته تتم بطريقة خاطئة، فلحد الان مازالت قصائد المعارضين ممنوعة في التعليم، ولكن الجمهور لا يعرف سوانا ونحن الشعراء الحقيقيين عند الجماهير، والأكثر من ذلك خطورة هو تحويل التعليم إلى عملية تقنية من اجل قتل الهوية ولن تصبح أمريكيا إذا غيرت المناهج ولكن الذي يعلم هو حرية التفكير والتعبير.

verocchio 03/01/2008 13:30

هل هناك حرية أكاديمية في الجامعات العربية؟
- لا وجود للحرية الأكاديمية على الإطلاق، توجد محاولة تزوير الحرية، أي بإظهار أننا متحررون وفي واقع الأمر أن الممنوعات كثيرة، المسموح به فقط أن تتامرك ويوظف المتخرج من أمريكا مهما كان مستواه ويقدم على غيره مهما كانت درجته العلمية.

* أنت أعدت إحياء حيزية في زمن العولمة هل هناك مكان للثقافة الشعبية الان؟
- سوف تبقي الثقافة الشعبية صامدة، وستكون عولمات محلية وستتشكل حالتان التكيف والمقاومة بالتوازي، وستبقي الخصائص الشعبية للشخصية الوطنية والذي سيتغير هو التجدد، لقد قدمت نظرة جديدة عن حيزية لم يسبقني إليها شاعر جزائري، لقد قلت لبن قيطون روايتك غي صحيحة ورويت رواتي المخترعة لأننا لا نتطابق مع التاريخ، فحيزية تبقي في الذاكرة الشعبية وسيزول عنها الفلكلور، لأننا لن نبقي أسرى النظرة الغربية بأننا عالم الأثرياء النفطيون في لندن.





* ما موقع الراهن السياسي في الخطاب الشعري العربي؟
- الشعر لا يتعاطي مع الانيات، ولكنه يتعامل مع استراتيجية الشخصية الوطنية والجمهورية الوراثية طارئة عن التاريخ ومحاولة للتكيف من اجل البقاء ضد الإرادة الشعبية، وقد طرحت فكرة السياسي والثقافي في الخطاب الشعري في الفترة الماضية واليوم يريد الغرب الاتجاه نحو العكس لأنه يطرح عملية السلام في المنطقة ولكن يبقي الشعر يتعاطى مع اتساخات الواقع وجماليات القبح ومع عذابات الإنسان العربي.






* عشت في الجزائر لسنوات كيف تقرا اليوم المشهد الثقافي الجزائري؟
- تعرفت على الثقافة الجزائرية منذ طفولتي، من خلال ترجمات نصوص محمد ديب وكاتب ياسين ومالك حداد،ثم قرأت لجيل السبعينات الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة ورشيد بوجدرة،وكنت اشعر باتجاه وطار كروائي أكثر،اشعر انه يلتقط المشاكل والهموم الجزائرية،ولاحقا جلالي خلاص ومرزاق بقطاش وتابعت الشعر الجزائري منذ مفدي زكريا حتى ادريس بوديبة ومحمد ستيلي وغيرهم،كما تابعت القصة القصيرة،ولكن منذ بداية التسعينات انقطعت وواجبي التواصل مع الثقافة الجزائري لأنها جزء من حياتي واشعر بالفخر بالأصدقاء الذين اعرفهم والطلبة الذين درستهم وعبد الله عيسي لحيلح منهم وللأسف لا أتذكر كل أسماءهم لكنهم اليوم نماذج للنخبة في الجزائر.




اسبيرانزا 03/01/2008 18:03


حوار مع الشاعر العالمي المعاصر
أريك بانكي
لا اعتقد اننا نعيش عصراً رديئاً للشعر، بل اننا نعيش عصراً غنياً ومفعماً بالحيوي
ة
* انا اتلقى الموسيقى في جميع الاوقات (...) انها طريقة لصرف نفسي عن الوعي بذاتي باني امارس كتابة قصيدة.

عندما قررت تحديد عنوان كتابك الجديد (النصب) ("القبر الفارغ" في اللغه الأغريقية) هل كنت تفكر تحديدا في النصب التذكاري الذي صممه السير ادوين لوتينز تكريما للجنود الذين فقدوا في الحرب العالمية الأولى، ام انك ببساطه افتتنت بفكرة النصب التذكاري؟

- لقد كنت منجذبا لفكرة القبر الأجوف، الشيء الذي عليه ان يحوي شيئا ما لكنه ليس كذلك، أي انه فارغ. في الديوانين الأول والثاني من هذه السلسلة: (كتابات مشكوك في مؤلفها) و(قصص الحب الأخيرة) هناك تضارب روحي في الأيمان بمعجزة القبر الفارغ ارتباطا بموت السيد المسيح ثم قيامه يحصل لدى المتكلم في (كتابات مشكوك في مؤلفها). فهذا المتكلم لا يرى الآن غير الفراغ. إن فكرة النصب لهذا السبب تفرض نفسها علي بالقوة. عندما كنت اكتب القصيدة الحقيقية (النصب) كان مصير الشاعر هارت كرين (1899 - 1932) مؤلف السلسلة المعروفة بعنوان "الجسر" الذي مات في البحر يشغل بالي. لقد انتحر ولم يسترد جسده ابدا. فعندما كنت اكتب القصيدة الأصلية تملكتني فكرة قصيدة تكون بمثابة "نصبا تذكاريا" لهارت كرين بكل الجوانب التي تم حذفها منها. لقد كانت القصيدة اطول من ذلك. انا دائما اعتقد بأني سوف اقوم بكتابة قصيدة بطول كتاب كامل لكنها تنتهي دائما بأثنى عشر بيتا فقط.

* أشرت إلى إن (النصب) هو الجزء الثالث من سلسلة. هل تتصور نهاية لهذه السلسلة ام إنها مشروع مستمر في التطور؟

- إن “النصب” توشك ان تضع نهاية لهذا المشروع بشكل خاص. لقد أطلقت عليه اسم "لوح ثلاثي" وليس "ثلاثية" لأني لا اريد ان تكون العلاقة بين الكتب ذات طابع تسلسلي بالضرورة، بل اريدها مصممه بطريقه يمكن من خلالها تقديم هموم وقضايا محدده مثلما يقدمه اللوح الثلاثي في الفن المرئي. في اللوح المركزي يسود الوضع النفسي والحكاية بينما يروي اللوحان على الجانبين قصص اخرى تتحدث عن أمور ذات علاقة بما يجري في المركز. وانا ارى حقا إن (قصص الحب الاخيرة) تكون في المركز، فهو افضل ما يمثل الوضع النفسي الراهن لدي، من الجانب الآخر يكون اللوحان الآخران بمثابة النهايتي
ن.
* كما جاء في نموذج المحراب في أوربا القرون الوسطى التي من المحتمل انك رأيت فيها الفردوس على اللوح الأيسر ورأيت الدينونة النهائية او الجحيم على اللوح الأيم ن؟
* اجل، تلك الأنواع من الحدود هي فضاءات بين الفردوس والدنيا، بين الدنيا والجحيم او بين الروح والمادة، إنها قضايا تثار في الكتب الثلاثه
.
* هناك شخصية "بروسبيرو" تظهر في العديد من قصائد (قصص الحب الأخيرة) وبعض قصائد (النصب) المتأخرة. أثناء قراءتي كنت أتساءل أي بروسبيرو يدور في ذهنك. أكثرهم وضوحا هو ذلك القادم من "عاصفة" شكسبير، لكن فيما يبدو وكأنك ترى في ذهنك في نفس الوقت (بوب بينيدكت الرابع عشر) و بروسبيرو لامبرتيني (1675-1758،بوب 1740-1758) المعروف بثقافته الواسعه وشفقته.

* بروسبيرو قصائدي يشبه الى حد بعيد شخصية بروسبيرو شكسبير في "العاصفة". فقد كان في جزيرة، وعاد الآن الى ايطاليا،المكان الذي تدور فيه قصائدي. يمكن ان يكون من رموز النهضة، او قد يكون على قيد الحياة الآن. انه لا يمكث في ميلان لأنها مليئة بفساد المدينة، لذا فهو يسافر الى مكان آخر، يذهب إلى سيناء. انها لحماقة في الواقع أن نتقبل شخصيه مثل بروسبيرو الذي يتكلم بعضا" من اجود الشعر في لغته. فأنا افضّل فكرة أن يكون بروسبيرو قوه خلاقة، انه والشاعر في موقع واحد. أي انهما يستطيعان أن يتحكما بجزائرهما بقوة السحر، لكن ذلك لا يمنحهما سلطه كبيرة على امتداد العالم. انه شديد الوعي بذاته فيما يتعلق بعملية الخلق وبكل براعة اليد والخدع والمهارات المرتبطة بذلك. هناك مسألة الفن والأفتتان والحرفه ودراسة اصل الكلمة مثل "الحرفة" وكل ما ينبغي ان تعمله في عملية خلق القصائد.

* إن غلاف "النصب" هو صورة (لغز الوصول) و(المساء) لجورجيو دي جيريكو، هل جرى ذلك باختيارك الشخصي؟
- أنا اخترت ذلك فعلا. وكان الأمر في غاية التعقيد في الحقيقة، لأن الصورة كائنه في مجموعة شعرية، ونحن حتى في آخر دقيقة كنا نتدافع من أجل الحصول على حق إعادة إنتاجها. وقد واصلت الكفاح من اجل تلك الصورة الاستثنائية، حيث حالفني الحظ مع مجموعة (نوبف). لقد اخترت أغلفة الكتب الثلاثة التي احتوتها وكان ذلك مدهشا. لقد عكست الأغلفة بحق أجواء القصائد داخلها. وإذا قدر لك أن تصدر حكما على الكتاب على ضوء الأغلفة، فلابد أن تتوصل إلى انه كتاب رائع (يضحك). إن العديد من تلك القصائد كانت قد كتبت أثناء قراءتي لكتابات (جيريكو)، وكنت أفكر بالرسم الإيطالي الميتافيزيقي؛ حيث كانت فكرة السحر والغموض والغرابة هي الطاغية. في أعماله يمتلك جيريكو احساسا بالعيش في العالم المتمدن، العالم الذي يعيش فيه الفنان، وفي ذات الوقت ترى هذه الأعمال عتيقة وأثرية. وكنت أتمنى أن القصائد قد استطاعت الإمساك بذلك، إنها تتحرك جيئة وذهابا بصوره فردية مميزه، بين الأسلوب العالي والأداء الشعبي المتصاعد مع الأغاني الحزينة واغاني بوب ديلان

.
* لقد نشرت (الأرق الميتافيزيقي) اولا في جريدة والاس ستيفنس. هل كان ثمة تأثير لستيفنس على فكرك عندما كنت تكتب ذلك؟

- آه، أجل. الغريب ان يثار موضوع
(وولس ستيفنس ) في كل مره جرى تقديم كتابيّ الأخيرين فيها في العديد من الأماكن. لذا قررت الإفصاح عن نواياي واكتب قصيده تتضمن اعترافا مباشرا بقصائده. في (الأرق الميتافيزيقي) ذكرت قصيدته "نجوم تالابوسا" ،فانا اتخيل صورة مشابهة لحال ستيفنس وهو يعيش لياليه الأخيرة دون زواج سعيد. انه الشاعر الذي احتل الموقع المركزي طيلة العقد الأخير على الأقل وبشكل قاطع في مجال موسيقى الشعر التي اسمعها. إنني مأخوذ بشكل خاص بالأسلوب التأملي الذي اتبعه. إحدى عباراته الأثيرة لدي هي تلك التي يصف فيها (البهرجة الجوهرية للشعر). إن أحد الأشياء التي تثير إعجابي بأسلوبه هو إن الشك لا يتسرب إليك مطلقا في انك تعيش أجواء قصيدة. لكن هناك كمّ هائل من الشعر يفعل كل ما يستطيع من اجل إنكار براعته وليس جلب الاهتمام إليه والى الخطاب الواضح البسيط الذي يشبه الصوت.إن محاولة إدخال "لغو الكلام" في القصيدة هي إحدى روافد الحداثة في الماضي. بالنسبة لي ككاتب إن فكرة فرض الحديث – مثلما نفعل الآن - ضمن قصائدي ترعبني وهي آخر شىء يمكن أن أرغبه. لكن لابد من القول ان الشعراء الذين أثاروا إعجابي مثل ستيفنس وهوبكن واليوت في اعماله المتأخرة يميلون إلى خلق مظاهر خارجية مكثفة ومتقنة.


* أشرت إلى (جدول الربيع البارد) في (النصب) هل نستطيع الافتراض إن ذلك مكان حقيقي ؟
- أجل، لقد قضينا أنا وزوجتي الاربعة عشر أو الخمسة عشر صيفا الأخيره في (كونيكتكت) وهو المكان الذي كتبنا فيه معظم قصائدنا. يقع المنزل في ( لونغ اتلاند ساوند)، لذا عندما تنظر عبر النافذة الخلفية ترى على جهة اليسار هناك المضيق والشاطىء، ويوجد على جهة اليمين المستنقع الملحي. وهناك جدول يتأثر بالمد والجزر يجري في المستنقع الملحي، وهذا هو (جدول الربيع البارد). كان شيئا جميلا يستهوي النظر اكثر من الخليج الذي لم يكن اكثر من بحيرة هادئة بحق. أنا في الاصل من الغرب الاوسط الامريكي، لذا فقد قاومت في البدء كلمة "جدول"، فنحن لم نكن لنستعمل تلك المفرده في المكان الذي أتيت منه، حيث أنها قد تعني نهرا أو قد تعني جدولا
.
* من ترى من بين الشعراء الشباب يثير الأعجاب ؟
- هناك شاعر من شعراء الديوان الأول يدعى (جان فايسميلر)، ديوانه الأول (النور المتفرق) يضم قصائد هجينة من كل من ديكنسون ودونالد جستس ان استطعت تصور ذلك. أما شاعر الديوانين الذي أفضله كثيرا فهي الشاعرة بربارة جوردن في ديوانيها (كل هذا الطريق من اجل رحله قصيرة) و(مجرى النهر)، أنا أتكلم عن الشاعرة وليست السيناتور (ضحك).

* وماذا عن الشعراء المعروفين؟

- سيموس هيني وسيزلو ميلوز هم افضل شاعرين من الأحياء، وجارلس رايت هو الأثير الشخصي. ومؤكد أنى احب انتوني هيخت ودونالد جستس، واحب لوسي كلوك كثيرا، واعتقد إنها متفاوتة في عدد من المرات، إلا إنها فيما عدا ذلك تكون في حالاتها الأفضل. وهناك شاعر رائع رغم أني افهم قصائده بشق النفس هو جيوفري هيل. إن قصائده متراصه بكثافة.
* أحد الأبيات المفضلة من بين جميع الأشعار مأخوذة من (انكماش المجد)، الجزء التاسع من (دفاعا عن نهضة العمارة المسيحية في إنكلترا) هي:
"غرف السيدات المهيبة حيث يلمس البلور برفق
في خزانات الجمشيت الأرجواني والزجاج البلوري".
- اجل، أجل. لقد تعلمت الكثير من هذه السلسلة حقا. وتعلمت اشياء حول قدرات البيت الشعري وكم يستطيع البقاء، ومقدار التعقيد.

* وماذا عن "حال" الشعر اليوم؟

- لا أعتقد إننا نعيش عصرا رديئا للشعر، بل إننا نعيش عصرا غنيا ومفعما بالحيوية حقا. بوسعي أن اذكر أسماء لا حصر لها لشعراء غنائيين تأمليين. غير ان هناك آخرين مثل سوزان هاو ومايكل بالمر وجوري غراهام ممن يواصلون توسيع حدود الشعر. إنني أجد جميع هؤلاء شعراء مثيرين. حالة الفزع الوحيدة بالنسبة لي حول قضية الشعر هي إلى أي مدى يتحول الشعر إلى حال يشبه حال الممثل السينمائي الثانوي في بعض الأحيان. إن جانب الشهرة فيه يعكر الأمور كثيرا تماما. فمن العسير التحدث عن قصائد "س" من الشعراء مثلا دون إرهاقها بسيرتها الذاتية.

* غالبا ما تتخذ من الرسومات كمواضيع جزئية، او كلية لقصائدك. وقد لا يتيسر جواب شاف على هذه المسألة، لكن السؤال هو هل هناك عصر ما بعينه يشكل مصدر جذب اليك؟

- لقد أردت ان أكون فنانا متخصصا بالصور المرئية في مطلع حياتي. لكني اكتشفت أنى اكثر قدرة على الشعر،مع ذلك واصلت اشغال نفسي كفنان هاو في الصور المرئية. لقد انجذبت في المقام الأول الى الفنانين الإيطاليين، فهناك يسكن قلبي. ورغم قولي ذاك، سأقول ايضا بأني أحب (اغنز مارتن) الرسام الايطالي المعتدل المعاصر. واحب (السوورث كيلي). اعطني ايقونة دينيه وستجدني سعيدا لساعات. اعتقد اني منجذب لأي شىء باستثناء ذلك الوضوح الذي تقدمه ما نسميها الآن ما بعد الحداثه حيث يكون التظاهر بالجهل هو الأمكانية العاطفية الوحيدة. وحتى في ذلك أنا اعثر على عنصر دعابة اكثر مما يقصد الفنان. إن ابرز فنان انجذب اليه هو جوزيف كورنيل في الوقت الحالي. إن صناديق الصور المنعكسة العائدة له تماثل قصائدي بشكل ما، فأنا أتناول تراكم من الشظايا، مجموعة من الأبيات ثم ابحث عن وعاء أستطيع ان اضعها في داخله.

* هل حدث وان ألهمتك الموسيقى عند الكتابة؟


- أجل، لقد كتبت ديوان (كتابات مشكوك في مؤلفها) بمصاحبة معزوفة باخ "فن موسيقى الفيوكََـ" وكانت "المزمار السحري" تغطي الخلفية عند كتابة (قصص الحب الأخيرة) وربما كان ذلك وراء الطبيعة الأوبرالية للكثير من القصائد. انا أتلقى الموسيقى في جميع الأوقات. إنها تدحرج زوجتي إلى أعلى الجدار. فهي كاتبة ايضا ولا تستطيع الكتابة دون ان تكون هناك موسيقى متواصلة. إنها طريقه لصرف نفسي عن الوعي بذاتي بأني أمارس كتابة قصيدة. كذلك أقوم بمعاينة أشكال فنية أخرى حول الطرق الممكنة لتشكيل القصيدة. ان فكرة (الفيوكَـ) هي فكره مشوقه للغاية. لقد حاولت ايجاد وسائل لمحاكاة حبكة (الفيوكَـ) المعقدة تلك بواسطة الصوت المفرد للقصيدة. أمضيت الوقت الطويل في تنظيم الدواوين لكي تقرأ باعتبارها كتبا نقيضه لقصائد التشكيلة المتنوعة. افترض أشكال سمفونية اكبر. لقد سبق وان ذكرت إن فكرة الألواح الثلاثية هي اكثر أهميه بالنسبة لي من الثلاثية، وآمل في إقناع (نوبف) لنشر الكتب الثلاثة في مجلد واحد وهي (كتابات مشكوك في مؤلفها) و(قصص الحب الأخيرة) و(النصب).


* ماذا لديك هذه الأيام ؟
- أعمل على قصائد جديدة هي بمثابة ابتعاد نغمي عن القصائد المبكرة. فقد كانت أعمالي الأقدم كئيبة ووقورة ورثائية، اما القصائد الجديدة فهي قصائد عابثة واكثر شهوانية، الجانب الحسي فيها يتجه نحو المتعة الجسدية اكثر منه نحو الاتهام المضاد للنفس (يضحكان). أنا اعرف أنى لا زلت أواصل اكتشاف طريقي. فحتى وان توفر لدي عدد من القصائد المكتوبة يغطي نصف ديوان فأني أواصل عندها إيجاد العناوين الفعالة لقصائد جديدة مخصصه لتلك المجموعة. وهذا مؤشر لي يوضح أنى قد أفلحت في وضع القصائد القديمة ورائي.


أجرى الحوار ارني هيلبرت
ترجمة: عبدالعزيز لازم

اسبيرانزا 03/01/2008 18:08

حوار مع محمود درويش :D

اسبيرانزا 03/01/2008 18:10

محمود درويش في حوار مفتوح مع الدكتور حسن نجمي



أتعرض لتشهير وتكفير وتخوين من أغلب الشعراء الفلسطينيين



أجري الحوار في الرباط: في المغرب، في الرباط تحديدا، التقيت مرة أخري الشاعر العربي الكبير محمود درويش لإجراء حوار حول شعره، ومختبر كتابته، وانشغالاته المعرفية والجمالية، وبعض من همومه. وكان محمود قد زارنا لإحياء أمسية شعرية ضمن البرنامج الشعري الموازي للمعرض الدولي للكتاب والنشر الذي نظمته وزارة الثقافة بالدار البيضاء. وجرت وقائع هذه الأمسية في المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، في ذلك الفضاء الذي أصبح مسكنا رمزيا آخر للشاعر الفلسطيني الكبير. ذلك أنها المرة السابعة التي يلتقي فيها محمود درويش جمهوره المغربي في هذه القاعة الكبري الناعمة.

وكان الشاعر الصديق محمد الأشعري، وزير الثقافة في المغرب، قد شرفني بتقديم الشاعر الكبير. ولعله توسم فيَّ بعضا من خبرة التقديم أو جرأته، فليست هذه هي المرة الأولي التي أتولي فيها تقديم درويش. ولأن الأشعري قبل كل شيء شاعر، فهو يدرك والشعراء مثله جميعهم يدركون أن الخبرة أو الجرأة لا يمكنها أن تنتصر علي ذلك الإحساس الغامض بالارتباك الملازم لقراءة الشعر أو لتقديم الشعراء، خصوصا حين يتعلق الأمر بشاعر كبير، عميق، جميل، ودود، ناعم، صادق كمحمود درويش شاعر العربية الحديثة، وشاعر القضية الفلسطينية وضميرها بالمعني الإنساني، والمعني الرمزي والأخلاقي.


طبعا، الجلوس إلي محمود درويش لإجراء حوار حول الكتابة والحياة يظل بعيدا كليا عن ارتباك اللحظات المحتشدة. دفء الصداقة والتقدير المتبادل يمنحان لحظة الحوار امتيازها. وحين يعثر محمود علي مزاجه الرائق، يمنح الحوارات قيمة نوعية مضافة، فتتألق الأفكار وتكون للكلمات هيبتها الشعرية. ولا يغدو الحوار مجرد تعليق أو صيغة أخري للإخبار، وإنما يرتقي إلي مستوي النص الموازي للقصيدة بالمعني النظري والجمالي العميق الذي يحدده الشِّعْرِيُّون المعاصرون وعلي رأسهم جيرار جونيت للحوار الإعلامي.

إنها المرة الثانية التي أجري فيها حوارا مسجلا مع محمود درويش. وفي كل حوار، مثلما في كل لقاء، أزداد ثقة في الشعر والشاعر، وفي الشعرية العربية الحديثة والمعاصرة التي يشكل محمود أحد مرتكزاتها الأساسية. ومثلما نحن مدينون بالكثير، شعريا وجماليا، لعدد من كبار شعراء العربية، نعترف بأن لمحمود درويش تحديدا فضلا علينا، علي الكثيرين منا في المغرب وفي الساحة العربية من مائها إلي مائها. فقد تعلمنا منه الكثير من الكلمات التي لا تشبه كلمات القاموس رغم أنها منه. وتعلمنا منه الكثير من الاستعارات التي لم تكن مجرد ظواهر لفظية أو لغوية، أو نحتا تزيينيا، وإنما كانت استعارات إنسانية نكاد نلامس ما فيها من دم ولحم، ونكاد نشم ما به تعبق من روائح الأدخنة أو عطر الزعتر البري والليلك والبرتقال والياسمين.

وفي هذا الحوار، نندس قليلا في المختبر الشعري لمحمود، ونتعرف علي شكل المسودة الأولي لقصيدته. ونقترب أكثر من تلك الجدلية اللامرئية التي يوشج بها بين الشعري والنثري. نسأله عن طبيعة قراءته لزملائه من كبار شعراء القصيدة العربية الحديثة، عن المحيط الشعري الفلسطيني الذي يتاخم قصيدته ووجوده الخاص، عن المعني واللامعني في الشعر، عن تاريخ قصيدته وتاريخ نقدها، عن بنية الاستشهاد والموت السياسي في مرثياته التي تعلي من شأن الحياة بدون أن تمجد الموت أو تقدسه، وعن أشياء أخري أساسية.

- دعني أسألك أولا عن عادتك مع الحوار الصحافي. كيف تعاملت طوال مسارك الشعري والأدبي مع الذين يطلبون منك إجراء لقاءات إعلامية حول شعرك ومواقفك؟ كيف تنظر إلي هذا الحوار باعتباره نصا موازيا لقصيدتك؟ هل يسعفك علي إضاءة جوانب معينة في عملك الشعري؟ هل توفر فيه بعض عناصر الإخبار لقرائك؟ ثم ما هو الحوار الذي تعثر فيه علي نفسك وترتاح فيه؟
- أولا، أحب أن أقول إنني أجد صعوبة وأبذل جهدا كبيرا في الحوار، لأن الحوار في جوهره كتابة شفوية وليس مجرد جلوس وكلام كما يبدو لكثير من الصحافيين المستعجلين. فأنت دائما تجد نفسك أمام من يطلب منك حوارا في عشر دقائق أو في دقيقتين مثلا، ولا يصدقك عندما تقول له إن علي أن أبذل جهدا كبيرا من أجل أن أوفر مناخا مناسبا لإجراء الحوار، وبالأخص حين لا أجد دائما مزاجا ملائما لتبادل الآراء حول موضوع محدد بطريقة شفاهية.

إنني أعتبر أن الحوار يستحق من الجهد ما تستحقه الكتابة، وقد أجد أحيانا أن الكتابة أسهل من الحوار. فأنت في الكتابة تكون رقيب نفسك، ومن حقك أن تمحو، وأن تصحح، وأن تنقح. أما في الحوار الشفاهي، فالكلمة حين تنطلق لا تستطيع أن تستعيدها أو تستدركها أو تعدلها، خصوصا حين تتحدث تحت ضغط عواطف معينة فتغضب بدون سبب وقد تبتهج بدون سبب. ولكن الحوار مختبر لقراءة باطنية للشاعر. والمحاور الذكي يستطيع بهذه الطريقة العفوية التي يجذب بها محاوره أن يكشف طريقة تفكيره أو سرعة بديهته أو كسله الفكري أو نشاطه وحيويته. وأقصد هنا الصحافي الجيد، خصوصا إذا كان شاعرا أو كاتبا يعرف كيف يكون محاورا جيدا وكيف يوفر شرط الندية بينه وبين محاوره، فلا شك أنه سيحقق في الحوار رياضة ذهنية أو منفعة معرفية متبادلة.

لذلك، نادرا ما أرتاح إلي الحوارات السريعة، خاصة تلك التي يجريها صحافيون علي عجلة من أمرهم. وأري أن المسألة تتوقف أيضا علي اللحظة الذهنية التي يتم فيها إجراء الحوار. إن اللحظة التي يرتقي فيها الحوار إلي مستوي البوح، وتنسي فيها أنك في حوار مسجل، تتكلم بشكل أفضل. والعكس، عندما تكون أمام الكاميرا أو يكون الميكروفون مسلطا عليك مثل العصا. أما عندما تنسي الكاميرا والميكروفونات، فأنت تكون في وضع أفضل وتتكلم بطريقة أجمل كما قلت. وعموما، فأنا أتحاشي الحوارات الكثيرة…

- أريد أن أظل عند هذا البعد الشفوي الملاصق لكتابتك الشعرية. فأنت ـ بدون شك، وفي حدود علمي ـ تتكلم عن نصوصك الشعرية، عندما تفرغ من كتابتها، مع بعض أصدقائك وفي فضاءات ضيقة جدا. فكيف يمكنك إذن تقييم هذا الحوار الشفوي، الحميمي إن شئت، حول شعرك أو تجربتك أو حضورك الشعري المتعدد؟

- عندما تجلس إلي أصدقاء أذكياء، تشعر أنك في مختبر. فهنا تتم عملية تبادل الخبرة والتجربة. وعندما أجلس إلي بعض الأصدقاء، أشعر أنني أذكي، وأتعلم منهم الكثير. أتعلم منهم البديهة المثقفة.

إن تبادل الكلام في أسرار العملية الشعرية، في غموض الشعر وفي صعوبة الشعر، يسهل عليك كثيرا فهم الشعر. فالحوار مهم بين الشعراء، إذا كانوا خالين مما يسمي في حياتنا الثقافية بالحسد أو الغيرة أو الأحقاد الصغيرة أو نوايا الاغتيال المعنوي. للأسف، فإن حياتنا الثقافية، وبالذات الشعرية، ليست نظيفة بالمعني الأخلاقي. ولا أعرف لماذا… فالتنافس حول الشعر، يجب أن يدفع الشعراء إلي قدح موهبتهم لتقدم أعمالا شعرية أفضل. التنافس، ينبغي أن ينتج عنه تنافس في الإبداع وليس تنافسا في القتل المعنوي. وللأسف مرة أخري، فإن حياتنا الشعرية لا تتمتع بهذه الرفعة. طبعا، يمكنك دائما أن تجد استثناءات كثيرة، فقد تكون الأقلية كثيرة. وفي هذا المناخ، فإن تبادل الخبرات يعلمني الكثير كما يمكن أن يتعلم مني أصدقائي الكثير. وبالمناسبة، فهناك قد تصدر أهم الآراء النقدية، تلك التي ليست مبرمجة سلفا أو التي ليست مسجلة في النقد الأدبي. أقصد تلك الملاحظات الناتجة عن الخبرة والتي قد تحمل منظورا نقديا أعمق من النظرية نفسها.

- وأنت، محمود، هل تثق في هذه الآراء الانطباعية السريعة والعفوية؟
- ماذا نعني بالآراء هنا؟ عندما تتكلم مجموعة من البشر فإن مجموع كلامها يُكَوِّنُ رأيا، ولا أعني ما قد يقوله هذا أو ذاك. المهم، ما ينتج عن اللحظة في النهاية، خصوصا عندما تطمئن أن لجليسك جهازا نفسيا حساسا وملائما ونظيفا.

- في نفس الأفق، نحن نعرف أنك عندما تهييء مخطوطة مجموعة شعرية جديدة، وقبل أن تدفعها إلي النشر، تحرص علي أن تشرك معك فيها بعض الأصدقاء. فهل تفعل ذلك من باب الاستئناس أو هو نوع من تهيب الشاعر الكبير؟

- هو نوع من مشاركة الآخرين في التقويم الأولي للمسودة. وطبعا، كل شاعر صادق هو الشاعر الذي يشك في نفسه أولا، وليس الشاعر الذي لا يقول إلا الصدق ! الصدق يراد من الأنبياء وحسن الكلام يراد من الشعراء، كما قال أحدهم. والصدق هو أن تكون ممتلئا بموهبة الشك. اليقينية قتل لأي إبداع، أي أن تكون واثقا تماما من عملك وممتلئا باليقين بأنه العمل الكامل !
١٤ أيار (مايو) ٢٠٠٧


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 22:54 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.15136 seconds with 10 queries